تبدو كتابة فهد العتيق الكاتب السعودي المعروف في هذه المجموعة المدهشة من القصص وكأنها تسير على صراط غير مستقيم تماما بين الحلم والتذكر (الذكريات) والتخيل (الخيال) .. وبين التصوير والشعر , وبين التأمل والتساؤل.. وبين النوم والحلم وبين اليقظة والمشاهدة. ولهذا السبب أو لهذه الأسباب يتذكر الواحد أبيات توماس إليوت الشهيرة التي يتحدث فيها عن الظل الذي يسقط بين النور والظلمة وبين الرغبة والتحقق وبين الممكن والمستحيل. غير أن الفرق هو أنه لا ظل يسقط في ال مابين عند فهد العتيق . ربما لأن كل شيء عنده يحدث في ذهن راويه الذي يتذكر أو يتخيل أو يتساءل أو يحلم أو يشاهد. أو أن كل شيء يحدث خارج ذلك الذهن ولكن أمام عيون نائمة تحلم أو تحدق دون أن تبصر. لأنها تغرق في التذكر أو الحلم أو التساؤل.. هل يحدث كل شيء عند فهد - إذن - في عتمة الظل أم في نور الفهم الباهر الذي يعشى النظر. ذلك ان راوية (أو أذهان رواة) هذه المجموعة المدهشة من القصص للكاتب العتيق المتجدد - إما تلقاه ذهنا لطفل يكبر أو ليافع يريد أن ينام حتى يغدو خارج عالم اليقظة النهاري الموحش.. أو تلقاه ذهنا لرجل يصحو فيصبح شاهدا على (وشاهدا في) عالم الكبار أصحاب الحدقات المفتوحة الذين يشاهدون دون أن يبصروا ولا يستطيعون الشهادة. الهيئة المصرية العامة للكتاب.. مختارات فصول 2000 م
فهد العتيق كاتب سعودي يكتب في مجلة الفيصل وأخبار الأدب وجريدة الرياض والحياة يعيش في العاصمة الرياض. كتب أغلب قصصه ورواياته عن حارات الرياض القديمة والحديثة والتحولات التي عاشتها هذه المدينة العريقة خلال الخمسين عاما الماضية. صدر له عدة كتب في القصة والرواية من أهمها: إذعان صغير وكائن مؤجل. نشرت الصحف السعودية والعربية العديد من المراجعات والدراسات النقدية عن كتبه في القصة والرواية. وترجمت الجامعة الامريكية بالقاهرة روايته كائن مؤجل وصدرت بعنوان: life on hold عام 2012 . وصلت روايته الملك الجاهلي يتقاعد الى القائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2015.
مرفق رابط لكتابات ونصوص الكاتب. وأيضا المقالات النقدية عن كتب المؤلف في موقع فيس بوك باسم : فهد العتيق كائن موجل وصحيفة الحياة.
سرد مفتوح لالتباسات فهد العتيق في الأسلوب والمضمون نص فهد العتيق في عمله القصصي "أظافر صغيرة... وناعمة". ملتبس. والالتباس هنا يطاول المضمون كما الأسلوب حاملاً "المجموعة القصصية" إلى مرتبة تلامس عتبة الأدب الرفيع، بل أخالها تطأ هذه العتبة. العتيق يحب محيطه ويكرهه. يحبه حتى أنه حفظ رائحة جدرانه وحاراته وأزقته، يحبه بتصويره البديع لأشخاصه ومخلفات كلابه وقططه. يعلم العتيق أنه وشخوصه بل استطراداً "أبطاله" في مركب واحد، يتحركون في محيط ضيق لا يتغير ولا يتبدل، لكنهم يحفرون فيه طقوساً وعادات وأعرافاً يتوازنون بواسطتها مع مشاغل ومشاكل العيش. ينتبه "الراوي" إلى حياة تغرق في دوامة لها خلفية منسوجة من مشايخ وباعة ونساء، نساء مجلبات بالعباءات السود وبالتعاويذ والرقيات حتى ليدخلن جو الأسطورة. الشخوص كلها قانعة بقدرها ، بدورة حياتها التي لا يقدر شيء على زحزحة إيقاعها الضارب في جذور يخال القارئ أنها لجمال تصويرها تنتمي على أصالة أكيدة. أما التباس الأسلوب فمسألة أخرى. تنتسب المجموعة في تقنية السرد المستعملة في النصف الأول من الكتاب إلى القرن العشرين بل الحادي والعشرين. نحن إزاء العبارة السريعة ، العبارة – البرقية، المتواترة والمتوالية الحضور كما سرعة الحياة الحديثة ، ملامسة في ذلك جمال تدفق عبارة محمد زفزاف. بيد أن إيجاز وشدة عصب هذه الجملة يميل إلى التراخي قريباً من نهاية "المجموعة" ويفلت من الكلام أحياناً جمال الأدب. والأدب أخذ الكلام والأحداث من مقالع الواقع وصياغتها ضمن جو أو نسق جذاب، مع الارتفاع أحياناً بالحقيقة إلى حدود الوهم الجميل. في بعض القسم الأخير تلتبس العبارة عند عتيق بين انتماء إلى رشاقة لاهثة بديعة وبين تقريرية يعوزها الحذف والإيجاز. على أن هذا يجب ألا ينسينا أن العتيق يجود أحياناً في رفع الواقعي إلى حدود الوهم والخيال اللافت ، حتى نكاد نستحضر في قطعة "هواجس" سمو أدب جون شتاينبك في روايته القصيرة "اللؤلؤة" التي تصور في إحدى فقراتها تنامي غيمة الشر والانتقام وانتشارها فوق القرية. يقول العتيق في الصفحة خمسين: "... حتى ارتفعت رائحة الحزن والغضب في الحارة وأخذت تفوح وتكسي الجدران بأثرها الرمادي الغامض. فقال الناس أشياء كثيرة عن الحياة وغضب الله...". ويبقى السؤال، ماذا نسمي هذا العمل الذي أدرجه فهد العتيق في باب القصص القصيرة ، تأخذنا القراءة الأولى التي تتناول الأمور بظواهرها إلى اعتبار العمل مجموعة اسكتشات أشبه بتلك التي كتبها الأميركي هوثورن. لكن طبيعة العبارة المستخدمة وأسلوب التداعي الحر تنبهنا هنا إلى مقاربة أعمق لما قد يتبادر للقارئ لأول وهلة أنه مجرد لوحات أو حكايات سردية. في بعض مقطوعاته استخدم العتيق ضمير الغائب في سرده مشفوعاً بتداع ٍ دافق للأفكار جعل العمل يذكرنا بأسلوب جيمس جويس ، وجعلنا نتذكر عمل الأخير المعنون "سكان دبلن". والعتيق قد يبغي أساساً إلى أن يرتفع بالمعيوش إلى جو شبه ملحمي ، سواء بوصفه البانورامي أو باستخدامه المتكرر لكلمة الأسطوري، والأسطورة والقدر. ومن هنا فإن جواً واحداً من الانكسار القدري يلف كامل العمل ويجمعه إلى بعضه حتى يكاد يقربه ككل من "الرواية القصيرة" ، وهو لو ملك الجرأة لأسماه رواية. وماذا يمنع ذلك ؟ فالرواية الحديثة باتت كائناً حراً ينمو سواء بالحدث أو بالشخصية أو الجو أو التداعي ، وهي ابنة الأزمنة الحديثة ، تتغير وتتحرر بتبدلها. ومع انفتاح النصوص والأنواع الأدبية وتجاور عناصرها المختلفة في ما بعد الحداثة، قد يمكن لهذا العمل الانتماء إلى الرواية، سيما وأنه في الرواية الحديثة لم يبق خيط السرد المتصاعد معياراً أساسياً للحكم على انتساب العمل إلى عالم الرواية، ثمة جو أصيل وخاص يلف العمل من أوله إلى نهايته. وعلى رغم ذلك يبقى العمل ملتبس الأسلوب وكذلك المضمون! عمل ينتمي إلى أدب الاسكتشات ضمن المنظور الكلاسيكي، لكنه نص مفتوح الرحاب ضمن مقاربة ما بعد حداثوية. والعمل بكينونته ومضمونه ابن بيئته أو واقعه ، ومتذمر منه في آن!. فوزي محيدلي /بيروت
الطريق الصعب في قصص فهد العتيق اختار الكاتب فهد العتيق الطريق الصعب في الكتابة القصصية.. فهو لا يكتب حكاية ولا حدوته تتحدد فيها علاقات البطل بالناس ، إنما حياة البطل تتعلق بالزمان وأثره في المكان.. وهو يحاول استعادة المكان كما كان.. أنه يحاول استعادة الماضي بأسلوب هادئ شديد الحساسية يتدفق عاطفة وشعراً. وقد تحدد منهج الكاتب، والأصح عالمه ، عندما اختار أن يفتتح مجموعته القصصية ( أظافر صغيرة وناعمة ) بجملة من الكاتب الفرنسي ، مارسيل بروست، يقول فيـها ( الكتابة بحث عن الحقيقة الهاربة في زمن مفقود ينبغي أن يستعاد حتى في غيابه ). وبروست هو صاحب أطول رواية في القرن العشريـن ( مليون كلمـة ) وعنوانـها ( البحث عن الزمن المفقود ) وتدور كلها حول حياة الكاتب الماضية ، ومحاولة إعادة بناء الماضي مرة أخرى ، أكثر الوقت عن طريق تيار الوعي. نحن أذن أمام ماض يستعاد في لوحات تطول أحياناً إلى صفحات وتقصر حتى تصل إلى بضعة سطور ، لوحات مرسومة بألوان الأنبوبة ، فالكلمات عميقة اللون متماسكة ومتشابكة ، مخنوقة الأنفاس كأنها كابوس متصل ! يرسم الصورة ببساطة رائعة ، ففي نهاية قصة ( الأناشيد والناس ) يقول:( هـاهو الآن يقف أمام السوق يمد نظره نحو مشهد النساء الاحتفالي ، يطل بحزن ويتذكر أختاً مهدمة وأماً غالية وبيتاً كان يضج صباحاً ومساء بصوتين جميلين لامرأتين عذبتين تركتاه وسافرتا إلى الله ). وهذا هو أسلوب الحفر في الماضي ، أن المؤلف لا يوسف مادته ولكن يعمقها وهو يفعل ذلك ببساطة تجعلنا نقف حيارى أمام ما نحس به من شجن لم نشترك فيه ولم يكن ملكنا. أن فهد العتيق ، يشبه طيراً فوق الصحراء ، يكشف مدنا اندثرت تحت الرمال ولكن أسوارها ما زالت ترتفع قليلاً لتشير إلى حياة اندثرت ولكن ما زالت تقاوم الموت ، إنها الذكريات التي تعيننا على الحياة ، وتجعلنا نشعر أن أجمل السنوات هي السنوات التي مضت. فهد العتيق كاتب عجيب ، أظن أنه أجرى برفات كثيرة سابقة ليصل إلى هذا الأسلوب الموحي الساكن ، العميق ، وأنا أتصور أن مجموعته هذه بروفة لرواية كاملة يواصل فيها الحفر والبحث عن الماضي ، وتجعله واحداً من أهم الروائيين العرب إذا تم الالتفات إليه ، والاهتمام به. عبد الله باجبير/ الشرق الاوسط