«هذه الرواية القصيرة المكثفة كقنبلة يدوية... ينتمي كاتبها أحمد الفخراني لطائفة الكتَّاب الذين لا يقنعون بوصف أو رسم الواقع كما هو، بل يعيدون صياغته بجرأة بيكاسو في أعماله التكعيبية... كذلك يفعل الفخراني وهو يشكِّل الطين ويطهوه بنار خياله ليُخرِج فَخَّاره الروائي فهو لا يقدم لنا بياصة الشوام كما هي، بل يُعيد صياغتها ويُسكنها كائنات أسطورية لكنها ذات أصل واقعي».
بهاء جاهين
«عمل مركَّب ومتداخل الطبقات، يمتزج فيه الواقعي بالأسطوري، والاستلهام من النصوص الدينية، بسحر التجربة الصوفية... يمكن أن تصف النص بأنه تجرِبة روحية بالأساس، جهاد داخلي تجسَّد فى صورة متاهة سردية، أو رحلة صعود إلى أعلى، محاولة للوصول إلى الكمال، عبر جسر متداعٍ من النقص والخذلان... ولذلك فإن «بياصة الشوام» تجرِبة جمالية، بقدر ما هي تجرِبة روحية».
أحمد الفَخْراني (الإسكندرية، 1981) روائيّ وصحفيّ مصريّ. تخرّج في كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية، غير أنّ شغفه بالكتابة دفعه إلى العمل الصحفي منذ 2007، فكتب تحقيقاته ومقالاته في صحف ومواقع ثقافية عدّة، منها «البديل»، «أخبار الأدب»، «الشروق»، «المصري اليوم»، «دوت مصر»، «المنصة»، «مدى مصر» و«الأخبار اللبنانية». أسّس المنصّة الرقمية المستقلة «قُل»، ويشغل حاليًّا منصب مدير تحرير برامج الديجيتال في «العربي تيوب»، كما شارك في تأليف حلقات من برنامجي «الدحيح» و«في الحضارة».
أصدر الأعمال الآتية: • «ديكورات بسيطة» (شعر، 2007) • «في كل قلب حكاية» (بورتريهات، 2009) • «مملكة من عصير التفاح» (مجموعة قصصية، 2011) • «ماندورلا» (رواية، 2013) • «سيرة سيد الباشا» (رواية، 2016) • «عائلة جادو» (رواية، 2017) • «بياصة الشوام» (رواية، 2019) – تُرجمت إلى الإنجليزية بقلم نانسي روبرتس، ومن المنتظر صدور طبعتها الدولية قريبًا. • «إخضاع الكلب» (رواية، 2021) • «بار ليالينا» (رواية، 2022) • «كل ما يجب أن تعرفه عن "ش"» (مجموعة قصصية، 2024)
نال الفخراني عدّة جوائز أدبية، أبرزها: • جائزة ساويرس الثقافية (المركز الثاني – فرع شباب الأدباء) عن «ماندورلا»، 2016 • جائزة ساويرس الثقافية (المركز الأول – فرع شباب الأدباء) عن «بياصة الشوام»، 2020 • ترشُّح «بار ليالينا» للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، 2023
هذه رواية ممتازة، نبأ عظيم يستحق الاحتفاء به، رواية استطاعت أن تمزج الأسطورة بمفهومها الواسع، وتعيد تكوينها بما يناسب لتخرج في النهاية نص روائي عظيم، رواية لن تتعطل أثناء قراءتها، وفي نفس الوقت ستستفز كيانك كله للتركيز فيه، وتنتابك أثناء القراءة شتى المشاعر، من حزن وفرح وغضب وراحة، وخشوع ومجون فيها، رواية لغتها درس كتابي ممتاز، وشخوصها بشر حقيقيين خرجوا من رحم الشوارع والأزقة، ممتزجين بقدراتهم الخارقة، لنختصر نحن حيواتهم ونقول عليهم مجانين، ونحن المجانين، أما هم فتحرووا.
هذه رواية تُقرأ للمرة الأولى من باب المغامرة، وتقرأ مرات ومرات من باب المتعة والاستكشاف ومحاولة فهم أخرى، نص يحمل بين طياته مئات التفسيرات، دون أن يحدث أي خلل، رواية اضمن متعتها لكل قاريء، واضمن نجاحها الساحق مهما طال الزمن.
رواية ممتعة، مكتوبة بلغة متماهية مع النص نفسه، لا يتوقف أحمد الفخراني عن الإبهار عندما يتعلق الأمر بالخيال، خاصة في النصف الثاني من الرواية والتي تكشف عن المقاربة المذهلة للجنون والبحث عن الحقيقة بلغة صوفية مثالية في معظم الأحيان، استمتعت كثيرا بالرواية وبصدق بدت أصيلة كل الأصالة في سردها وحكاياتها ومقاربتها.
كأنك تشاهد البطل الراوي وهو يحاول نحت شخصيته وهويته، فيتأمل في مادتها ويغرس يده فيها ويندهش من النتيجة ويتأرجح بين شعوره بالفشل والنجاح، يهدم ما صنع ويحاول مرة أخرى.
السرد مسكون بفكرة النحت، ملامح الشخصيات الواقعية والأسطورية في الصدارة، البطل الذي يحاول نحت التماثيل ويرتبك دائما أمام قيمة ما صنع، مكان الرواية "بياصة الشوام" تتخيل إنه منحوتة من صفيح وصخر.
الكاتب يرمي أمامك مشكلة تحدثه على لسان بطله، بأي لغة ينحت الكاتب كلام شخصياته، بلغته أو لغتها، هنا الكاتب يضع أمامك الاثنين أو الحيرة بينهما أو أهمية كلاهما.
البطل دائما في حوار مع نفسه وفي حوار مع الله، هي أهم من حواراته مع الآخرين، حواراته مع الآخرين هي هوامش. يغريك الأمر بالتفكير في حالات ومقامات النبوة والولاية، وفي هواجس الخلق الفني.
في الربع الأخير من الرواية هناك محاولة لسرد انفجار صاخب، انكشافات وتقلبات وكأن الشخصيات التماثيل تعود إلى مادتها الأولى. كثافة تختلف عن سلاسة ثلاثة أرباع الرواية التي تنساب بهدوء وتصخب وتتكثف بإيقاع أهدأ.
الرواية تحيي وتتأمل في صوت أم كلثوم كخلفية، في علاقتها بالعدم والصمت. تحتفظ الرواية بهذه الخلفية وبإيقاع "طربي" مليء بالعرب والتنويعات على لحن هاديء، الانتقال من الحكي عن أمور عادية بأسلوب سحري إلى أحداث سحرية أسطورية منحوتة تكاد تلمس مادتها وترى وتلمس تشكيلاتها البصرية الغنية.
في روايته الجديدة «بيَّاصة الشوام» الصادرة مؤخرًا عن دار العين يخوض أحمد الفخراني مرة أخرى مع قارئه عالمًا جديدًا ينطلق من الواقع ومعطياته بل أماكنه، وينطلق كما اعتدنا معه إلى آفاق الخيال والفانتازيا الأكثر ثراءً ورحابة. من مكان معروف في الإسكندرية في (حي العطارين) حيث تقع (بياصة الشوام) التي تشير المعلومات التاريخية عنها إلى أنها منطقة عُرفت بهذا الاسم وهي كلمة محرفة من (لابياتزا) الإيطالية التي تعني الساحة أو الميدان، وعرفت ببياصة الشوام لوجود مطعم شهير فيها هو (ملك السمان) لصاحبه اللبناني الأصل إلياس.
ولكننا ندخل البياصة مع الفخراني من خلال سعيد الذي يعمل في ورشة لصناعة الفخار (هل ثَم تقارب بين الكاتب وصنعة بطل الرواية) والذي يبدو منذ أول سطر في الرواية مهمومًا بأسئلة وجودية تفوق عمره وتجربته في الحياة، يأخذنا معه في رحلةٍ تتجاور فيها الأحداث الواقعية بالغرائبية، والحقيقة بالخيال.
يطرح الكاتب عددًا من الأسئلة الإنسانية المربكة والمحيرة، والتي تبدو شغلًا شاغلًا للكاتب نفسه وهي بلا شك ستطرق أذهان القراء ويدورون حولها طويلًا، منذ البداية نحن أمام أكثر من سؤال وعنصر يربط الخيالي بالواقعي. .......... ثم حوارٌ خفي وأسئلة خاملة تظهر بين ثنايا فصول الرواية، يطرح فيها الراوي وجهة نظره ويترك السارد له الفرصة في أن يعدل كلمة أو جملة، ولكن دون أن يكون ذلك أساسًا تقوم عليه الرواية، وربما لكي لا يشتت الكاتب ذهن القارئ، هي إشارات عابرة ربما يلتقطها أحدهم، وربما يتجاهلها الآخرون. ولكنها حاضرة وموجودة وتسهم بقدرٍ كبير في بناء الرواية ومحاولة فهمها على النحو الأكمل.
بين عالم (ثريا) الذي يمثل المتعة الحسية الكاملة، والدنيا كما تترآى لسعيد بلا نهاية، وبين عالم (البامبو) ذلك الملك المتوّج على عرش البياصة وصاحب الأمر والنهي، يدور “سعيد” ويسعى للبحث عن الوجود الحقيقي، وبين تمثال (ثريا) الذي استطاع أن ينجزه، وتلك التماثيل التي فوجئ أن معلمه (إدريس) قد صنعها من قبل ولم ترضِ غرور (البامبو) تكمن حيرته ويدور العالم به دورات مختلفة.
لا تبدو حيرة البطل هنا حيرة خاصة، بل إن الكاتب يسعى في كل فصل، وعبر كل مرحلة من مراحل السد والحكاية إلى جعل حيرته إنسانية أكثر، ما الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان؟ وهل يملك لحظة تحقق واحدة فعلًا؟! متى تكون تلك اللحظة؟ وكيف تتكون؟ ومتى يرضى عنها بشكلٍ كامل؟!
إن الأمور كلها ترغب في المشاهدة، وإلى هذه الغاية تحدق.. ازدر الموت وارع الحياة، ما الموت إلا ولادة للروح، وما العالم إلا رحم، وما أنت سوى جنين، وما ملاك الموت إلا قابلة.. الأجساد صدف، والأرواح در، وما نفسك إلا شرارة من النور الإلهي الأسمى، فاترك ما يبلى إلى ما لا يبلى.. انبذ الجهل لا الخطيئة، فإذا صرت عارفا صرت حرا.. والحر لا تكبله الخطيئة. ... الحلم حين يصبح حقيقة، والحقيقة عندما تصير حلما، ما بين الواقعي والأسطوري، الممكن والمستحيل، الطبيعي والسيريالي تدور أحداث الرواية في مكان واقعي بالإسكندرية.. في رحلة للبحث عن الذات بأسلوب سردي شاعري بمسحة صوفية مدهشة.. يخلط فيها الكاتب بين ما هو ديني وفلسفي ونفسي وأسطوري، ليخرج بتحفة تذهب العقل من الوهلة الأولى لآخر ومضة في الرواية.. الرواية تغوص في أعماق فكرة الخلاص.. الإنسان المحاصر من جميع القوى.. الله.. لكن الله يؤمر برجم الزاني حتى الموت، وسعيد غاص في فرج ثريا.. وصفه أنه أكبر من القمر.. ثقب أسود يبتلع أي إنسان.. حين تموت الأم، فيبحث عن أمومته الضائعة، واحتياجه الجنسي في صدر ثريا، ثريا التي أثارت حيرتي، أعلم أنها ترمز لأمر ما، لكن ذهني لم يصل، ربما يدرك مراده في يوم ما، سعيد.. نبي أم زنديق.. شيطان أم ملاك.. صراع الخير والشر داخل الإنسان.. ربما إلها.. فهو قادر على الخلق. والإنسان لم يكن في البداية سوى تمثال.. حتى نفخت الروح فيه.. ثم تشابه بين الإله والمثال. هنا تبدو من منظور لاهوتي، إن سعيد هو المسيح، ربما منظور إسلامي هو المهدي، والبامبو ربما الشيطان أو المسيح الدجال.. ربما إلها للشر في الميثولوجيا القديمة.. في رحلة غرائبية مجنونة، مدهشة يصاب فيها الإنسان بالتيه.. ماذا يريد أن يقول الكاتب.. ربما أن الإنسان يحمل خلاص نفسه، التجرد من كل شئ يحمل النجاة.. الاتحاد مع الإله والفناء فيه يعني النعيم.. ربما كنا في حلم، والعالم مجرد وهم، والكون خيال.. ربما كل ما أراد الكاتب قوله أن الحياة عبثية، وأن كل هذا الإدهاش في الرواية لم يكن إلا عبثاً ليس إلا. ... ما يعاب على الرواية. الرمزية شديدة التعقيد في الرواية، كأنها تعويذة تستعصي على الحل. كثرة المشاهد السريالية مع رواية تبدو للوهلة الأولى واقعية لم يمنحني المتعة الكاملة، فأدب أمريكا اللاتينية والواقعية السحرية هناك، يطوعون السيريالي والأسطوري حتى يبدو واقعيا، وليس العكس وليس بهذه الكثافة أيضاً. كثرة الأفكار جعل أحياناً الأمور تخرج عن زمامها الطبيعي، مما يشعر القارئ بالتيه تلو التيه فلا يمسك ذهنه بالشيء، وهذا يعاب على الرواية من وجهة نظري ... في المجمل، رواية مدهشة، ممتعة.. مجنونة، غاوية.. وأنا ضعيف أمام الغاويات
بياصة الشوام .. نجمة ساطعة في سماء الرواية، ودرة مكنونة في بحارالكتب . لم أكن أدري أن ذلك الشعور الذي احتواني أثناء قرائتي لرواية ( ليالي ألف ليلة و ليلة ) المحفوظية قديمًا و لم أنساه ، يمكن أن يعاودني مرة آخرى !
لا أعرف كيف كتب الفخراني هذه التحفة الفريدة و لكن أكاد أوقن أنه وضع فيها كل ما يملك من أدوات و مهارات إلى الحد الأقصى لتخرج بهذا الإتقان و النضج و القوة.
الإنسان كائن محدود و ضئيل يدرك جيدًا حدوده، كما يدرك أنه يمكنه تجاوزها حين تكون ضيقة فيتسع باتساع الوجود . حين يحاول هذا المخلوق اجتياز الواقع المادي و اجتياز جسده المحدود ويجتازه بحق يدرك السر الأعظم وراء الوجود . حول تلك الإرادة و تلك الشهوة الكبرى في الاجتياز يدور هذا الخيال الساحر ،و الالتباس المخيف، امتزاج الواقع بالخيال، و الحق بالباطل و الضعف بالقوة و الشهوة بالحب و الدماء بالبراءة و الجنون بالبصيرة و الخسة بالجسارة مع ذلك التوق الإنساني الأصيل إلى التحرر و اجتياز الحد المرسوم أو ما يسميه البعض ( بالمعرفة ) تدور بياصة الشوام .
جرعة غير عادية من الجمال ، وقطعة من العظمة في كل المستويات : السرد ، اللغة ، الأفكار الجديدة طيلة الخط ، التشويق الذي لا ينقطع لثانية و الإثارة ، التسلسل العجيب للسحر داخل الرواية النفس الصوفي حيث الإيمان بالله بعيدًا عن عبث الدراويش ، الضعف الإنساني في كافة صوره !
الروايات التي تستحق وصفها كروايات رائعة، هي تلك التي تطرح إشكالاتها الإنسانية وأسئلتها دون إغفال دور المتعة فيها، وهي أيضًا التي تنحي في كتابتها بتعريف الرواية التقليدية وتتحرك خارج المساحات المزدحمة. لذلك فبياصة الشوام كانت رواية رائعة ولأن الكاتب ينفرد بمسار في الكتابة ولغة يخصانه وتجعلك تقرأ عملا لا يشبه شيئا.. وهناك العديد من الأعمال الأدبية المتشابهة بين الكتّاب بحيث إن أزلنا الأسماء عنها لن نشعر بفارق. بينما هناك من يكتب بما يشبهه ولا يشبه غيره وهذا يصنع فارقًا هامًا للكتابة. الرواية أيضا تقدم ما جاء بين صفحاتها: الحلم كحقيقة، والحقيقة كحلم. لها ما يشبه العدمية عند الإنسان، أحداث سرابية تأخذك دون ترتيب ويصعب ترتيبها في جمل أحمد لاعب جيد بالخيال وممازجته مع لغة الواقع.
لو تسنى للإنسان أن يُترك سُدى كما يحسب فماذا عساه فاعلا؟ إنه بلا شك يريد أن يفجر أمامه يتنعم في ملذات الدنيا وما ترنو إليه نفسه دون فإذا حانت لحظته في تأمل طرق رؤية الجمال -وما الغاية منه سواه- يكشف عنه حجاباً ويغدوا مبصراً. . تسامت أحداث الرواية عن الواقع والمنطق وتحررت من المعقولية لتطوف بنا حول سر الخلق فكيف لنا نحن المخلوقات أن نعيه، وحده الخالق يعرف سر الخلق فهل يمكنك أن تكون خالقاً؟ . أسلوب السرد مميزٌ حقاً فهو مع جرأته وشجاعته يجمع بين الأشياء ونواقضها فما إن تبدأ في الإنزواء إلى الكفر المحض حتى ينتشلك من الوهم إلى اليقظة نحو الإيمان الخالص وذلك بكل سلاسة وساعد في ذلك ذكاء الكاتب ومهاراته اللغوية والتي تستحق التقدير لجعل رواية بهذا الهول من المعاني والتفاصيل والحكايات أن تقع في أقل من ١٦٠ صفحة فهذل دليل على البلاغة والتمكن وصدق الكاتب🌱 . عرض لنا الكاتب رؤيةً رائعة عن صورة الحب الإلهي وكيف يتدارج بين الناس أن الحب للبشر فالرجل يحب المرأة فهل هذا حباً زائفاً؟ أو وهماً؟ و يتعارض ذلك مع الحق؟ . في الفصل الأخير (الجبل) نتوغل في النفس البشرية بجهلها وعلمها القبح والجمال الكفر والإيمان .. مناجاة تجتمع فيها كل أحداث القصة وشخصياتها ثم نجد نصاً لم أقرأ له مثيلاً عرج بي إلى السماوات السبع غسل سعيداً(بطل الرواية) من كل آثامه فلقد نسيتها تماماً ونسيها وازدادت النار المقدسة اشتعالاً حتى النهاية وبذلك يختم الكاتب رائعته الفريدة "بياصة الشوام".
البياصة هي تحريف لكلمة إيطالية وتعني الميدان أو الساحة ، وبياصة الشوام هي ملعب أحمد الفخراني الجديد الذي يناقش فيه - كصوفي نال من الحكمة ما يكفي - أعظم أسئلة الوجود والحقيقة . الرواية كنز حقيقي ، ولا تتوقع أن تبوح لك بكل أسرارها ومخزونها من مجرد قراءة واحدة . تصبح البياصة هي المعادل الموازي للعبة الأسئلة الكبرى ، لعبة أنت الخاسر الوحيد فيها ، لأنه ليس ثمة إجابة ، وعليك فقط أن تبحث وتجن وتشقى وتكابد مع بطل الرواية سعيد لعلك تصل . نص مذهل ومثير . الداخل فيه مفقود ، لن تكون أبدا نفسك وأنت خارج منه ، فقط لو تدبرت . عظيم ياعم أحمد .
بطل الرواية مراهق يعمل صبي في ورشة فخار أو صناعة منحوتات، فلست أدري كيف أمكنه أن يأتي بكل تلك اﻷفكار والتساؤﻻت(الصوفية)، وﻻ كيف أمكنه التعبير بأسلوب لغوي متخم بالدﻻﻻت الصوفية والفلسفية كسارد للرواية؟!..حفظه للقرآن في صغره ثم نسيانه، ﻻ يشفع له بكل ذلك الزخم المعرفي، ما يعني أن المؤلف لم ينتبه للتداخل بين الشخصية الروائية-الشعبية والقليلة التحصيل المعرفي-وحضوره كمثقف وصاحب فكر أعلى من شخصياته!..أخيرا فإن الفنتازيا أعمق من أن تكون مجرد خلطة من الشطحات والتهاويم الصوفية والبذاءات الجنسية واﻹساءات اﻷدبية مع الدين والذات اﻹلهية والتي هي الموضة السائرة بين كتاب العربية-فقط-في العقود اﻷخيرة
الرواية حلوة أوي وخاطفة في أولها، برغم تسلل شيء من الخوف والملل في نصفها في الأحداث الخيالية تحديدا.. لغة الفخراني رائقة ومشوقة وتأثره بالنص القرآني خاصة والديني عامة واضح، ووجد الكاتب لذة واضحة في تطعيم الأحداث بالخيال الأسطوري كما ألف ليلة وليلة، خيال غير مبرر في أحداثه ولا مفرداته... تماما كحواديت ملوك الجان والسحرة وعبور الأزمان بكل أريحية ودون الحاجة لتمهيد أو تبرير. فيه خط صوفي واضح وغريب في نفس الوقت، بطل الأحداث سعيد يتقلب ما بين البحث عن الله والبحث عن نفسه وملذاتها، ثم يدمج الطريقين ليدرك وصوله بالطاعة أو المعصية على حد سواء، أخد من الطاعة طريقا للتقدم ومن الذنب طريقا لمعرفة النفس واحتقارها.. العلاقة المركبة والمربكة بينه وبين أمه التي لم يذكر اسمها لأن صفتها كأم يجُب الحاجة للتسمية وبين ثريا التي أعتقد انا أنه يرى فيها قدسية أمه، يحبها ويحتاج لاحتوائها ويعاقبها في خياله على الخطيئة ويخشى غضبها، هي معادل نفسي لأمه. واسم ثريا دلالة ع علوها وقدمها قدم الأسطورة ريثما كانت تقلب قدر السمان.. المُعلم إدريس ليس بحاجة لتوضيح دلالة الاسم والدور والقدرة التي لعبها في حياة سعيد، هو صاحب العلم والتعليم والمقدرة الأولى. ولي الدين.. المتسامح، المحب حتى العماء، الأعلى من العتاب أو العقاب أو الكره.. البامبو، عالي المقام في البياصة، البارز الواضح للعيان برغم سهولة انكساره فيما بعد.. شخصية مركبة لفرط قوتها وضعفها في آن. وضع الفخراني كثيرا من تساؤلاته حول الوجود والله والطريق والوصول، وأعتقدت في أجزاء ما أنها تساؤلات أعمق من سعيد، ولغتها أكثر رزانة من تكوين شخصيته،، آخذ على الرواية أنها لم تفرد تاريخ كافي لسعيد قبل موت أمه، تاريخ يمهد لهذه الثقافة واللغة الخطيئة في "بياصة الشوام" هي سبيل سلك على الطريق، ربما أكثر من الطاعة، وكلما تفانت شخوص الفخراني واستفحلت في الظلمة كلما ظهر عنها بصيص نور.. وكل الشخوص لم تكن فكرة سعيد الأولية عنهم هي حقيقة ما كانوا عليه.. ده أول عمل اقرأه للفخراني وشجعني أقرأ ما فاتني من إبداعه..
في بداية الرواية كنت مركز على تفكيك الرموز، وقعدت أقول جايز سعيد ده نبي من الأنبياء، أو ولي من أولياء الله الصالحين، أو إنسان عادي وضعته الظروف في رحلة صعبة. البامبو أكيد شيطان، أو نفسه الأمّارة بالسوء، أو صورة من صور الشر. ثريا هي النور في حياته، الجزء المضيء، أو مجرد واحدة عجبته وعجبها، إدريس يشبه ألهة الأساطير، أو إحدى الأنبياء الأوائل، أو مجرد مُعلّم أو أستاذ. في نص الرواية تخليت عن فكرة فك الرموز دي وبدأت اتسحل في المتاهة. اللغة كمان اتغيرت ما بين بداية الرواية ونصّها، وده خلّى متابعة الأحداث -أو اللاحدث- صعبة شوية ومحتاجة تركيز. حسيت الرواية أشبه برحلة صوفية لشخص واخد حبوب هلوسة، كأنه ابن عربي لو بدأ يصاب بالضلالات، رحلة صوفية سوريالية للبحث عن الأصالة، عن الفرق بين الشيء وصورته، وعن شهوة الخلق اللي بتصيب عدد كبير من المبدعين، وسعيهم المستمر تجاه خلق شيء ما اتخلقش زيه قبل كده، عن أشياء كتير كلها بتدور مع بعض في متاهة واحدة بتبدأ ببعض العقل وتنتهي بالجنون. رواية جميلة فعلًا استمتعت بيها جدًا.
الفخراني كاتب مدهش بكل وضوح. دي كانت تجربتي الأولى معاه؛ واللي بكل تأكيد مش هتكون الأخيرة.. مبسوط جدا بلغة الكاتب اللي كأنها بتمشي على القزاز. الفخراني مميز للغاية عن كتابات جيله دي حاجة لاحظتها، ومع ذلك كتابته تخليله مكانة مميزة جدا وسط جيل رائع من الكتاب المعاصرين. السبب الوحيد اللي خلاني مديش النجمة الخامسة إني حسيت إن في نقطة ما حصل سربعة في الأحداث كانت شوية منسلخة عن إيقاع باقي الرواية (واللي بال��ناسبة ممكن يكون عدم تركيز مني، لذلك هحتاج أقراها تاني في المستقبل وأعيد الحكم). لكن في كل الأحوال تجربة جميلة جدا وهبدأ رحلتي مع باقي أعماله، وأتمنى من قلبي الرواية تتقاسم المركز الأول مع لارنجة شارل عقل في الجائزة المحترمة جدا على مستوى الأعمال المرشحة "ساويرس".
** افكر في أن البدايات دائما حلوة فلم صارت تقبض قلبي كاقتراب الخواتيم؟.. الان خاتمة امي كانت بداية لقصتي المفزعة؟.. حتي الآن لا اعرف كيف سترويها.. هل ستحذف معاناتي أم سترضي نزعة القراء للمونولوج والميلودراما... انا لا اعرف معناهما ستضعهما علي لساني وسيذوبان كما تذوب سنة الافيون الحلوة لكن قل لي من منا لا يرغب ان يصعد فوق مسرح ويثرثر بمونولوج طويل وزاعق عن حياته **
سريالية المجاذيب ( الكتابة بالطيران)...
** عرفت اني دخلت أرضا عجيبة يألف فيها الإنسان الوحوش والافاعي.. رأيت اطفالا تتجاذب اللعب بالعقارب والنساء يتدثرن بالحيات من البرد.. ويمتطي الرجال الأسود بدلا من الخيل... لم أشعر بالرعب ولكن ما اذهلني هو رعب الوحوش لمرآي.. **
هل جربت ركوب طائرة قائدها فيلسوف؟... وجناحاها جناح من الجنون وجناح من الخيال... يقولون دائما ان المخابيل يعرفون كل أسرار الكون ولذلك فقد فقدوا عقولهم... هل جربت ان تقرأ لمترجم وقارئ لأفكار الملوثيين ( الملوثين)....ستطير وانت تقرأ هذة الرواية حتي تذهب الي ما فوق عش الوقواق...
** ما الذي يعجز قدمى عن امتلاك كل شئ بتلك البساطة.. ربما لأن الثمن هو فقدان كل شئ فما العقبة الاى...وجودي ذاته هو المعضلة... لا الرب ولا الطريقة ولا الحقيقة... لقد مزقت تحت سطوة شئ ما مهول اعمق من معرفته او الجهل به... شئ معقود من اسلاف الأسلاف كهرم فوق كاهلي كمعابد من حجارة شديدة الثقل.. من كلمات شديدة الوطأة والقداسة والجمال والبلاهة**
أحمد الفخراني كاتب مصري شاب لم يسبق لي القراءة له... بدايتي معه كانت اليوم في الصباح الباكر عندما قررت ان اقرأ عشرون صفحة من تلك الرواية لأجد نفسي بعد ساعتان انني انهيتها وعلي وجهي اعتى تعابير الدهشة والانبهار والتأثر بما قد قرأت... اننا امام لوحة سريالية لا تكفيها كادر واحد تشاهدها منه في كل مرة سوف تنظر إليها سوف تكتشف تفاصيل قد غفلت عنها من قبل... الكاتب طاوعته فلسفته وخياله وأدواته الأدبية والسخرية المتأصلة في هذا النص ( ذكرتني سخريته بكتابات نائل الطوخي وخاصة روايته نساء الكرنتينا والتي بالصدفة البحتة أيضا أحداثها تدور في الإسكندرية يبدوا ان كلمة السر دائما ستكون هي هذة المدينة الساحرة) ليخرج لنا نص بديع سلس لا تصل صفحاته حتي ال ٢٠٠ صفحة ولكنه نص ثري للغاية...... الكاتب خياله اشبه بالواقعية السحرية عند أمريكيا الجنوبية ولكنها في نفس الوقت متأصلة عربية وفي نفس الوقت الكاتب يكتب روايته بقلم متصوف متفلسف يرى الله في كل شئ... في أغلب الأحيان انا لا اجيد المديح بل واكرهه أيضا ولكن هناك بعض الأعمال لا استطيع سوي ان اعض اناملي من شدة إعجابي وتأثرى بها..
** ما الفرق بين الهمة والأرادة؟.. العقل والجنون؟.. وما يهمك يا سعيد ان كنت لا تملك كليهما.. الإرادة للمريد.. الهمة للولي.. الإرادة ان تقهر نفسك علي إتيان ما تكره لترضي من تحب والهمة ان تقبل النفس بالمحبة نحو من تحب... العقل ان تدرك ضعفك والجنون ان تنكره... الخيال ان تتجرد من كل شئ إيمانا بحلم راودك... خاب وخسر من ضلله الإيمان... لا تقل ذلك يا سعيد الإيمان لا يضل الا الكافرين **
بياصة الشوام احد معالم حي العطارين في الإسكندرية.. يصحبنا سعيد المعذب بذنب قتل والدته المجنونة وخطيئته الذي لا يجد لها دواء يبحث عن عقله وعن الله كمتصوف يبحث عن طريق للتوبة ولكن سعيد خياله وجنونه كانا اكبر من رغبته في التوبة والبحث عن الخلاص... لا خلاص للبسطاء ان البسطاء خلاصهم في أنفسهم وارواحهم التي لا تبرأ ابدا.. سعيد...ثريا.. البامبو.. ملك السمان..... كلها شخصيات قابلها سعيد في رحلة كوميديا الهية خاصة به بحثا عن الخلاص...
** انتم معشر المثقفين خونة كبار تعيدون صياغة كل شئ كي تمررون عذاباتكم وقلقكم الشخصي لكن نحن أقنعة لزهوكم وضعفكم ونرجسيتكم المكبوتة... كيف لفقير جاهل مثلي ان يقول اشياء كبيرة الا على لسان بليغ واللسان البليغ ليس لساني فأنا لم أعرف من الكلم إلا ابتذاله ومن الحكمة إلا التحايل للبقاء حيا لكن انت كراو تتصرف كرب تجري البيان علي لساني وتزلزل به روحي فتنفيها.. انت أجهل من دابة لذا يغلق عليكم دائما ملكوت السماء وقلوب البسطاء لن تعبر قلبي ابدا إلا لو دخل الجمل من سم الخياط كما انك تأفل وانا لا أحب الآفلين**
التقييم النهائي ٥ نجوم وتعتبر من أفضل قراءات العام والعمل العربي الاكثر كمالا في عام ٢٠١٩
المُتعة لا تُحتسب بعدد النجوم كالفنادق؛ فالأخيرة نغادرها روحيا وجسديًا، أمّا صدمات الخيال للعقل بلعبة الكتابة المجنونة فلا تُنتزع إلا بصدمة أشد قوة. لطمة مُدوية على قفا العقل الواعي، وبعثرة مكنون اللاوعي وليس من مُتهم نلصق به تُهمة الجنون. من أين نبت الجنون؟ ما هي حدود الكتابة؟ هل هناك كتابة مجنونة؟ أعتقد أن رواية مثل هذه من الصعب أن تتكرر. هذه الكتابة المجنونة لها السبق في عجن طين الجنون وصبّه وتشكيله، ومع الخوض في الأعماق بفعل الغرق وفقدان الإرادة؛ لأن نص مثل هذا أقوى وأكبر من إحكام غلق الأقواس عليه. هناك نقطة بداية نعم: صبي ذُهاني ضعيف البنية والهِمة لا يُفلح في شيء و رجاؤه ومنتهى أمله نحت التماثيل. هل هناك عتبة؟ نعم لكن وراء كل عتبة سلالم إلى عالم سري ومفضوح للإنسانية وتاريخ لبقعة ما فوق الأرض المُشار إليها بـ "بياصة الشوام" تعكس هزلية الواقع وأنه يستعصي على الفهم أحيانًا، لكن إذا تم عجن الواقع مع الخيال وغربلته من الشوائب وتصفيته فيسهل صبّه وتشكيله قد يسُهل الفهم. متى بدأت الذروة؟ بدأت مع صب أول تمثال مشوه لمعشوقة التي اختصرت كيانات النساء جميعًا، وتلاها تمثال لكيانات الشر جميعا في ظلال تمثال "البامبو" ثم صخرة يُمجدها الناس حينا ويزدرونها حينا وليست إلا انعاكاسًا لهم في صخرة "الأعور". هكذا يمجدون ويبغضون التأليه والقدسية وجذورهم من الصلصال. رغم آي القرآن واقتباسات المتون والإنجيل أذكر من القرآن "خلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار " من سورة الرحمن التي حولت السر ومزيج الكائن الأرضي مع نار الجان كزوبعة في فنجان مداها يظل. كم أحسد المؤلف على طلاقة خياله وجرأته. وأهنئه في آن طبيعة البشر لن يُطبق عليها قوسان. خالص التحية على هذه الرواية العذبة.
- الرواية دي فنيا مبهرة، اعتقد حلم أي كاتب أنه يكتب نص في الكم دا من الخيال، والتماسك في نفس الوقت، وأنك ماتحسش أن النص مفكك. - وبما أنها بتدخل في عالم فكري تأويلي عن الخلق والخالق والجمال ومعانيه، فهي بتجبرك أنك تفكر في تفسير لكل مشهد والبحث عن دلالة للرموز، لكنها عصية جدا جدا، على التفسير، أو بمعنى تاني، هي تقبل كل التفاسير والتأويلات. ودا نسبيا كان شيء مزعج ليا على الأقل.
- لكن بما أني مقتنع أن الكاتب، همه الأول هو الصياغة والأسلوب، والأفكار تيجي على مهلها بعد كدا، فهذا النص يستحق الإشادة.
رواية غريبة. لا متفردة. لغة صوفية جميلة. الغريبة اني مش عارف انا فهمتها ولا لا. الغريب اني اندمجت في حوارته مع نفسه او مع الله او مع القضاة. مين ملك السمان ومين البامبو؟ مش قادر اجاوب. هل هي رحلة تجسد المعاناة. ولا تاريخينا اللي ميخلاش من معاناة و حيرة وعذاب. ولا دي رحلة صوفية مشرقة وانا اللي مش فاهم.
احمد الفخراني محتاج يتقري. لا الرواية دي لازم تتقري تاني