What do you think?
Rate this book


192 pages, Paperback
First published November 19, 1987

كنت تعباً بعض الشئ وبدأت أسأل نفسى إن كانت علاقة بين الرقة والموت
وضعت فى فنجانى أربع قطع من السكر وكمية صغيرة من القشدة، كانت قهوتها سوداء للغاية
حاولت أن أشرح لها ولكننى كنت أتشوش وأنساق على غير هدى ...
فقالت :
- إنك تعقد حياتك وتفرط فى التفكير، قل لى أشياء بسيطة ..
= أحس بنفسى عجوزاً
- عجوزاً ؟
= حيناً فى الخمسين، وحيناً أخر فى العشرين
- وبعد.
= أحتاج إلى دفئ إنسانى
- الجميع يحتاج إليه، أما أنت فتبحث عنه فى الداخل .. كما لو أنك تلتهم نفسك
- كم عمرك؟
ترد بنبرة تشوبها من السويداء
= لا عمر لى
أقصد : ألا تشعرين أحياناً أن الحياة قاسية للغاية؟ وإن هذا سيسحقك
لم يكن أمامى، إلا بعض الوقت، أغلق النافذة، وأجلس إلى مكتبى وأشعل سيجارة، وأتناول قلمى فأجد نفسى، دون جهد، وفى وسط عالمى الخيالى. كان عالمى قد بدأ يكبر
كنت أشعر، كلما عدت إلى هذا العالم الخيالى، بالراحة أكثر من السابق. كان يعنى بالنسبة إلى مأوى وملاذاً.
إن ما كان يقلقنى قليلاً ويعيدنى أخيراً إلى الواقع هو التفكير المتكرر، أكثر فأكثر، فى إمكانية وجود علاقة سرية ما بين الرقة والموت.
- إن الحيتان، كما تعلم، ودودة للغاية.
= لم أعرف ذلك.
- هل تدرى ماذا يحدث عندما يصطاد الصيادون حوتاً ويجرونه خلف المركب؟
= كلا.
- تتعقب الحيتان الاخرى المركب مسندة رأسها إلى بطن الحوت الجريح وترافقه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.
لست قبالتها على الكرسى واضعاً تحتى قدمى الحافيتين. لم أكن حزيناً كثيراً، إنما شبه كئيب، فقط بسبب الحقائب والمطر وكذا، بسبب هذا الخوف الغامض من العيش وحيداً. كان الصمت مطبقاً.
إذا أدركت أن الرقة هى الممر الذى يفضى إلى الموت. كما أن الموت هو أشبه بنهر. يقيناً إن الكلمات روحاً
أدركت شيئاً آخر : الرقة الأسمى هى الموت
ذات مساء لا يأتى الحظ فيه شيئاً ... أستطيع قراءة :
لا جنس له، ولا عمر
شبيه القط أحياناً
نقيض الإزدراء
أسمه الحنان.
من الصعب أن تعيش وتكون سعيداً
إنما أكتب من أجلكِ أنتِ
- كيف حال كتابك؟
= جيد لا أكتب، ولكنى أعمل كثيراً .. لا بأس.
- المهم هو العمل.
= لا أحب العمل ولكنه يسمح بالتقدم فى داخل الذات
- طبعاً.
أنت مهوس حقيقى بالدفئ الإنسانى، ومهموس بالرقة.
إنك فى عميقك أكثر صلابة من أنفعالاتك وأفكارك.
- أعانى مساءً من ضيق قليلاً.
= مفهوم.
- يصعب التحمل أكثر فى أثناء الظلام.
= طبعاً.
فلا نفع فى جعل الناس تعساء
كان العجوز (هيمنغوى) يحب الصيد وكان على الرغم من ذلك، متعلقاً ببومة بيضاء كان جرحها، إذ كان يرعاها فقد دأب أن يقتنص كل يوم فأر من أجلها، وأحس بالتعاسة عندما حررها. فكيف كان فى وسعه أن يحب الصيد ويفعل هذا؟
هل تفهمين؟ أما أنا فلم يكن لدى الوقت للفهم. إن أثمن ما نملكه هو الوقت، ووقتى يمضى على غير هدى ..
لعنى أبدو تعيساً ولكن هذا غير صحيح. أشعر بالإثم فحسب. أعرف أيضاً أننى أطلب منك أشياء كثيرة للغاية.
بودى فى الوقت ذاته أن تبدئى نسيانى، أعتباراً من الآن، بهدوء بالغ ثم أكثر فأكثر كل يوم. أقصد أن تبدئى نقلى إلى ذكرياتك.
لا أعرف إن كنت محقاً : فأنا لم أثق أبداً بأى شخص لا يحب القطط.
قولى له ببساطة إن الحدس هو من سيقود إلى الحقيقة، لأن الحدس ناجم عن الروح
- أعرف جيداً. معذرة ولكننى، مع ذلك أشعر بالوحدة.
=لماذا؟
- لا أدرىز ربما لأن الموت أمر شخصى. الناس جميعاً يموتون، ولكن التفاصيل هى شخصية. فى الحقيقة إنها مسألة تفاصيل.
إنها قصة قلب
الكتابة مغامرة غريبة.
قلت ساخراً :
- أن تكتب، هذا يعنى أن تملك قلب فتاة يافعة.
فعاتب :
= لست جاداً.
- قلت ذلك لأنها عبارة جميلة.
طبعاً ولكن الموت هو آخر مرحلة من مراحل الرقة. الموت هو الرقة المطلقة. ﻹنه الهدوء والراحة. إنه السكينة وغياب الحركة
أشعر بنفسى شاباً ومسناً فى آن واحد، كمن يفقد فجأة كل خبرته، يصعب تفسير ذلك.