لا أعلمُ من أين أبدأ.. ولكن لربما كباقي البشر سأبدأ من العتبة.. العنوان، وليس طمعًا بأنسنة نفسي ولكن لما كان لعنوان هذا الديوان من سطوة عليّ، فكنت متأكدًا على طوله من أن رشا أيضًا كانت خارج هذه الحِسبة، لأن العنوان كان حاضرًا بقوة وفارضًا نفسه بفجور مستمدًا شرعيته هذه من روح قصائده ومضامينها والتي لا يمكن أن تكون إلا عنوانًا للموت والوحشة فقط..
امرأة يابسة مرتجفة كيف يمكن أن تحيل هذه الوحدة كلها امرأة إلى كائن شرس ينقضّ على كل من حوله معبرًا له عن هوة الفراغ، الموت، الوحشة والقُبح الكبار المحيطين بها؟
فقتامة هذا الديوان غير مواربة وواقعية جدًا، عن الحرب والدم والوحشة والحب المفقود والهواجس اليومية لامرأة تائهة بين كل هذا الخراب. عن حضورها اليومي أمام المرآة كجثة هامدة فقط، عن النمل والجسد والقطط والتراب كعناصر غير محببة.
أخيرًا، كُتبت هذه المراجعة تحت سطوة اللحظة وفور الإنتهاء من الديوان فلو لمستم شاعرية، هذيانات أو قسوة ما، فكلها ردوها إلى رشا.
اعتمدت الشاعرة على آليات نفسية مختلفة للتعبير عن العقل الباطن، بطريقة يعوزها النظامُ والمنطق، معتمدة على الأحلام والخيالات والرؤى والهواجس والهلوسات:
«وفي آخر الليل أعيدُ أعضائي المبعثرةَ إلى أمكنتها قد أضعُ أصابعَ اليد اليمنى في القدم اليسرى، وقد أخطئُ في ترتيب تفاصيل وجهي، وقد أضعُ القلبَ مكان إحدى الكليتين… لكنني إذا ما استيقظتُ صباحاً سأدرك أنني استيقظتُ كجثةٍ مكتملة».
وتظهر في سُريالية رشا عمران بعضُ ملامح المدرسة الوحشية في الفن التشكيلي، مثل تركيزها على استخدام اللونين الأسود والأحمر، وهما لونا الموت والدم، وكذلك قيامها بتحريف الأشكال عن طريق تغيير حجومها وأماكنها ونِسَبها الطبيعية:
«حين يصبحُ قلبي بحجمِ نملةٍ سوداء تزحف على البلاط بلا هدفٍ وبلا وجهةٍ غير عابئة بالأقدام الثقيلة حولها.. حين يصبح قلبي صغيراً جداً بحيث أنني أنا نفسي لا أراه!».
أخرجت عينها اليسرى من محجرها وعلقت فيها مفتاح البيت ثم بدون أي صوت يمكنه أن يزعج سطوة الموت والفراغ خرجت من كادر اللوحة واقتربت من سريري وضعت العين والمفتاح تحت مخدتي ثم عادت لتختفي في ظلال اللوحة