نسيج من مأساة تعبره خيوط فرح، هكذا هي الحياة كما نجدها في كل ركن وزاوية من هذه القصص، فمن ذاكرة الفرح الصافي يستمد القاص عروقًا نابضة ليحرك بها اللحظات الثقيلة التي تجترها الحياة على اللا أحد، أهل الهامش المنسيين، إنها لوحة كبيرة تتضام فيها معاناة المغتربين عن ذواتهم أو أوطانهم أو أحبابهم لتعبر عن الجليل والمنسي من التجربة الإنسانية.
❞ «الموت شيء مرعب، ليس في حد ذاته، ولكن بما يتركه للأحياء من بقايا حياة الراحلين.» ❝
❞ عندما تتوقف ماكينة الري فجأة فتكتشف، في تلك اللحظة بالتحديد، أنها كانت تعمل، ولكنك، لفرط انتظامها في أداء مهمتها، لم تشعر بعملها إلا بعد أن توقفت. أتأمل حياتي محاولًا أن أكتشف كم فيها من ماكينات ري؛ لأمنحهم الامتنان الذي يستحقونه في الوقت المناسب؛ إذ إن الامتنان، الذي يفوت أوانه، يترسب في القلب على هيئة كلاب تعوي. ❝
لفت نظري الاسم والغلاف وأنا أتصفح مختارات تحدي أبجد للقراءة وقررت أن أقرأها، مجموعة قصصية خليط ما بين الغربة والتعب والحنين والوحدة وذكريات الطفولة والموت.. ما لفت نظري فيها، حكاية تيريز التي جاءت من نيروبي وتركت طفلتها لتعمل خادمة، قبيحة هي وتدري ذلك وكم هو محزن محاولة تخفيف الأمر بإخبارها أنها جميلة! لا تبصرها العين كما لم تبصر السيد لا أحد الذي قتل عن طريق الخطأ ولم يعبأ لموته أحد! حكاية تحمل في طياتها معنى التهميش في أوضح صوره، حكاية الكثير من البشر ولكم هي مؤلمة ومحزنة! - وهناك حكاية "علي الجمَّال" الذي جاء بعد خمس بنات لعم حسن، ذكرتني وحدة عم حسن بحكاية وحشة لتشيخوف، الرجل الذي لم يجد من يبثه حزنه على موت ابنه وظل يحادث كل من يركب معه ولم يهتم لحديثه أحد، فحكى لحماره عن وحشته. ظن العم حسن أن الدنيا ستقوم ولن تقعد لغرق العبارة ولكن ملهاة الشعوب كانت لها الكلمة الأخيرة ولم يحزن سوى الأقربون! ❞ لم يشعر عم حسن وقتها بالحزن ولا بالإحباط، بل شعر بشيء آخر: الوحدة. تذوق مرارتها في فمه، وبدا على ملامحه أنها كانت أكثر مرارة من أي شيء تذوقه في حياته. وحين خرج من المطعم، كان قد مات تمامًا. لكن، لسبب غامض، لم تُعلَن الوفاة، ولم يُدفَن إلا بعدها بأربع سنوات. ومرة أخرى، احتفلت مصر يومها بكأس إفريقيا الثالثة على التوالي. ❝ - "الرف العلوي" والإزعاج اللامتناهي، وأنا أيضا لا أستطيع تحمل كل هذه الأصوات التي تأتي من كل مكان وأجاهد نفسي ألا أبكي من شدة الألم والصداع الناتج عن تداخلها. - ذكرتني حكاية "المحطة والنبي يا سطى" بموقف حدث معي في الصف الأول الإعدادي عندما كنا في اللجنة الثقافية وطُلب منا أن نختار رئيسًا لها، بعض الفتيات قمن بإقناعي بالترشح للمنصب وعندما جاء وقت التصويت لم يصوت لي أحد وأنا اخترت شخصًا غيري للمنصب :"D - دهشتي كانت شديدة من حكاية "في المطار" فأنا لدي عادة أثيرة بمراقبة الناس في الطرقات ومحطات القطار وتخيل حيواتهم أيضًا، وأعجبت بنسج الخيال في القصة وحمدت الله على ثبات موقفي من مثل حياة صاحبة فستان السهرة الرقيق. - "جدتي" هنا بكيت فأنا أفتقدها بشدة ولم أدخل منزلها بعدما رحلت سوى مرتين وفي كلتاهما بكيت ولم أقوى على الانتظار كثيرًا. " بعد رحيلها، عندما دخلت البيت الذي قضيت فيه معظم طفولتي وصباي، استقبلتني على أعتابه غربة مُرحبة " هذه هي القراءة الأولى للكاتب ولن تكون الأخيرة بإذن الله وما كتبته ليس مراجعة للعمل بقدر ما هو شعوري اتجاه الحكايات التي لمست قلبي وذاكرتي.
مجموعة لذيذة تدندن حول الحبّ والعلاقات والسفر والغربة والحنين والذكريات لغة الكتابة عذبة وسلسلة وحين بدأتُ بأول قصّة ظننت أن لها تكملة لكن حين عرفت أنّها جزر منفصلة أحببتها أكثر التجربة الأولى للقراءة لكريم ولن تكون الأخيرة، ولو كتب شيئاً طويلاً أحبّ أن أقرأ له.