مؤلف هذا الكتاب المناضل المرحوم بن يوسف بن خدة من الرعيل الأول للحركة الوطنية التحريرية الحديثة التي حققت، عبر مراحل عديدة من الكفاح المتعدد الوجوه، حلم الشعب الجزائري وآلاف المجاهدين الجزائريين بتحطيم النظام الاستعماري الفرنسي، وبعث الدولة الجزائرية المستقلة، وهو لا يحتاج إلى تعريف، بالمعنى المتداول لهذه الكلمة، نظرا لما تقلده من مسؤوليات وما قام به من أدوار في حياته النضالية الحافلة، ولكن قراء الكتاب قد ينقذون بسهولة أكثر لأغراض المؤلف إذا ألموا ببعض جوانب النضال الطويل السري والعلني الذي خاضه هو وجيله والتي لم تتوفر بعد لأسباب عدة بالقدر الكافي في أعمال المؤرخين. إن هذه الصفات التي يتمتع بها المرحوم الأخر بن يوسف بن خدة هي التي تجعل شهادته من المصادر المتزنة التي يمكن أن يركن إليها المؤرخون، وهي التي جعلته يختار طريق المعارضة المبدئية الرصينة في الأزمة المتعددة الأبعاد التي عرفتها البلاد والتي ما زالت جراحها لم تندمل بعد.
الكتاب عبارة عن شهادة للمناضل والمجاهد المرحوم بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة غداة الاستقلال، يسرد فيها المخاضات العسيرة التي مرت بها الحركة الوطنية الجزائرية على مدى عقود ما قبل ليلة الاول من نوفمبر، التي لم تكن إلا قمة جبل نضال طويل وتقلبات وصراعات مع السلطة الاستعمارية وبين النخب الجزائرية بمختلف اطيافها، انتهت بقرار مجموعة من الشباب الراديكاليين (مجموعة 22) إعلان انطلاق الثورة المسلحة عكس رغبة بقية التيارات السياسية بما فيها الاستقلالية بقيادة مصالي الحاج. التغيير لا يأتي إلا على أيدي المبادرين الذين لا ينتظرون أحدا ولا ينتظرون الظروف المثالية لأنها يستحيل أن تصبح كذلك مهما دام الانتظار.
هذا الكتاب يستعيد مسيرة تاريخية تزيد عن ثلاثين سنة،فإنه يعالج قضايا كبرى في حجم أحداث8ماي1945 م ،دون أن يغض الطرف عن عديد المشاكل التي أفرزها تطور الكفاح،والتي ستكون لها تأثيرات حاسمة على مستقبل الحركة،وتوجهاتها مثل:إنشاء المنظمة الخاصة كجناح عسكري لحزب الشعب-حركة انتصار الحريات الديمقراطية،والتنسيق بين أنشطة الحزب سواء التي يجيزها القانون أو التي يحظرها،والانحراف المتمثل في النزعة البربرية،وأزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي تمخض عنها تشكيل جبهة التحرير الوطني.هذه الأزمة لم تكن كما يزعم البعض محصلة للسيطرة على جهاز الحزب،بل الأمر على العكس تماماً إنه الإصرار على التمسك بمبادئ القيادة الجماعية... كما يعكف الكتاب أيضاً على دراسة جميع هذه الوقائع،وتحليلها،وتقديم وجهة نظر المؤلف عنها من موقعه كمعاصر لها أولاً،وكقيادي في الحزب ثانياً.
كتاب قيم يخوض في الحقبة السياسية ما قبل الثورة فيبدأ في لمسات الحزب الشيوعي الفرنسي على القضية الجزائرية ثم تأسيس نجم شمال إفريقيا على يد مصالي الحاج الذي صوره الكاتب بمروقه عن الخط السياسي الراشد وانحرافاته خاصة ما قبل الثورة بسنوات مما أدى إلى أزمة حركة الانتصار والحريات الديمقراطية ويذهب بنا الكتاب إلى مناقب حزب نجم شمال إفريقيا وانتقاله الى الجزائر وتحوله إلى حزب الشعب فحركة الانتصار والحريات الديمقراطية ونضال هذه الأحزاب على الأوجه الداخلي والخارجي وفصل الكتاب في الأزمات التي ضربت التيار الاستقلالي منها الخصوم السياسيين من جمعية العلماء المسلمين والإدماجيين والشيوعيين وخونة الحزب نفسه ومنها النزعة البربرية ومنها المنظمة الخاصة والقمع الذي حدث في 8ماي 1945 وأردف تنمر مصالي على قيادة الحزب حسب زعم الكاتب والتي وصلت إلى حد الاقتتال بين المصاليين والمركزيين