ماذا لو كنتَ حاضرًا يقفُ بين ماضٍ مُهدَّدٍ بالتلاشي ومستقبلٍ قد يضيع في دروب الأبديّةِ المفخّخةِ بالعَدَم؟ بل ماذا لو كانَ ينقصُ قبيلتَك أن تضحكَ ليلًا، وكان عليكَ أن تُهديَها تلك الضحكةَ الناقصة في مولودٍ أبَى أن يجيء؟ خمسة عشر عامًا قضّاها بطلُ الرواية لاهثًا وراء ماضٍ يريد أن ينتشله من فكاك الضياع، وفحولةٍ أرهقها الشكّ، وآتٍ مهدّدٍ بالعجز عن الامتداد في مستقبلٍ يُضحك القبيلة ليلًا مع الأطفال الضاحكين، فكان الطفلُ الأنبوب ضوءًا شَحيحًا خفقَ في آخر النفق بعد لَأْيٍ، لكنّه أبى أن يكون واثقَ اللمعان. خمسة عشر عامًا من مآتمَ صامتةٍ وجنائزَ تسير إلى صدر البطل ولا يمشي فيها سواه. كلّ القصّة ساعاتٌ بين المستشفى والطريق، لاذَ فيها البطل بذاكرةٍ تنزف حكايةً بعد حكايةٍ، ساعاتٌ من زمنٍ هاربٍ تمتدُّ فتطوي قرونًا من عذاب الباطن وقسوة الخارج، في انتظار نبإٍ عظيمٍ يصرخ البطلُ بعدَه في وجه العالم: نعم لقد صرتُ أبًا، وهذا الاسمُ لي، ولتأتِ الآنَ النهاية. ولكن، إذا كان الابن تأكيدا للأبوّة واستمرار النسل في الذاكرة، ألا تكون الكتابة أبوّة الأبوّات؟ هكذا تواجهنا هذه الرواية وجها لوجه لتُعلن عن ميلاد أبٍ كبير.
بلا منازع هذه أجمل رواية قرأتها لها العام ولربما لأعوام مضت... لغة باذخة في الفخامة والابداع والجمال هذه الرواية استثناء سردي مبهر سوف تستوقفك الجمل لا اراديا كي تقرأها مرات ومرات ..….رائعة
هذه رواية رائعة. رواية كُتبت فقط لتستمتع بفخامة لغتها وجميل عباراتها. من أجمل ما قرأت من أعمال مؤخراً من حيث اللغة الجميلة جداً، بعد رواية صلاة القلق للصديق المصري محمد سمير ندا.
رواية جميلة جدا يمكنك قراءتها في جلسة واحدة، أو احتساؤها على مهل للاستمتاع بكل فقرة. لا أظن الموضوع متداولا في السردية العربية : عدم الإنجاب من منظور الزوج، الرجل، اللا أب. رجل يعيش وسط عشيرة بأفكار تقليدية محافظة، ويقع تحت طائلة الأحكام والخزي والسخرية وكل أنواع الضغط الممكنة. رجل تحمل زوجته أخيرا، لكن ابنته تأتي قبل موعدها وتتحول لحظة الولادة وما بعدها إلى إعصار من الأفكار والذكريات التي نعيشها مع الراوي. رواية لا يحدث فيها الكثير، بل نكاد نستغني فيها تماما عن الأحداث، لصالح اللغة الجميلة والأفكار الجديدة والمشاعر التي تحدثها بنا في كل صفحة ! أنصح بها، وبشدة.
الأدب السعودي يثير الإعجاب بحق. وليست هذه المرة الأولى التي تفاجئني فيها رواية سعودية على هذا النحو الجميل. كأنّ لهذه الأرض قدرة خاصة على إنجاب كتابة أكثر صدقًا نُبلًا. في هذا العمل، تصنع اللغة الفارق. لغة فائقة الدقة تمنح النص عمقه وحساسيته. هي رواية قصيرة من حيث الحجم، لكنها لافتة من حيث الموضوع: العقم الذكوري، وهو موضوع نادر بل شبه محرَّم في الأدب العربي . كما أنها تدهش بأسلوبها السردي الهادئ والمكثّف. فزمن الحكاية لا يتجاوز أربعًا وعشرين ساعة تقريبًا في عام 2022 غير أن زمن الرواية الحقيقي يتمدّد ليشمل عمر الراوي كلّه: في سباق محموم مع الوقت لإنقاذ حياة طفلته المولودة قبل أوانها يستعيد الراوي رحلة طويلة، شاقّة، مليئة بالانكسارات والعقبات، رحلة قادته في النهاية إلى ولادةٍ تكاد تكون معجزة بعد انتظار دام خمسة عشر عامًا ثقيلة. ولا يجامل الرواي نفسه : يكشف شكوكه، ولجوءه إلى وسائل غير مألوفة، وصغائره الإنسانية، بل ويذهب إلى حدّ اقتراف ما كان، بالنسبة إليه، أمرًا لا يُفكَّر فيه. كان كل شيء مباحًا في سبيل انتزاع تلك الولادة المؤجَّلة. وإلى جانب ذلك، يهيمن على النصّ حضور كاسح لشخصية لا تقل أهمية عن الأفراد: القبيلة. قبيلة تنظّم حياة الجميع، وتتسلّل إلى أدقّ التفاصيل، حتى إلى غرفة النوم نفسها. وفي ظلّ هذا الكيان الأسطوري تغدو الخصوصية وهمًا هشًّا، ويتحوّل العقم إلى وصمة لا تُمحى ولا يُسمح بنسيانها. "القبيلة التي تضحك ليلًا" رواية جميلة جدّاً أنصح بها و بشدّة.
مراجعة #القبيلة_التي_تضحك_ليلا للكاتب السعودي #سالم_الصقور 📝 :
📝أنهيت هذه الرواية في جلسة واحدة.رواية جميلة جدا، رواية ذكيٌة ومنفردة، موضوعا ليس بمتداول ربّما لحساسيّته خاصّة في المجتمعات العربيّة. هي الرواية الأولى للكاتب سالم الصقور مماّ جعلني أنبهر بقدرته العالية في الكتابة وفي اللغة الفصحى الرّائعة والأساليب اللغويّة المثيرة والجذّابة وتفنّنه في جمع ألوان مختلفة في نصه.
📝رواية إجتماعيّة،نفسيّة،وجوديّة،فلسفية ذات طابع عبثي وعدمي في آن واحد ورغم قصر حجمها وجدت نفسي أقف على عدّة مقاطع لأعيدها لما تحمله من عمق.
📝سانطلق في مراجعتي من العنوان الذي يعني الكثير."القبيلة التٌي تضحك ليلا"هي حكاية يسردها والد الشخصيّة المحوريّة له مرارا. الحكاية هي حكاية قبيلتين متجاورتين نشبت بينهما حرب وكانا في صراع دائم وصل حدّ القتل.أثناء اللّيل بينما يعمّ الهدوء تُسمع أصوات ضحكات جذّابة ورقيقة آتية من خيام احد القبيلتين يحمل الرّيح صداها.عند وصول تلك الضّحكات للقبيلة المعادية يشعرون بالإحباط واليأس ويحاولون معرفة ما يجعل اعدئهم سعداء وهم في فترة صراع.وبعد ترصّد إكتشفوا أنّ مصدر الضحك هم ألأطفال. القبيلة التّي تضحك ليلا كان لديها اطفال تؤنسهم وتبعث البهجة بينما الاخرى لا أطفال لها. فهل مفهوم السّعادة يتعلّق اساسا بالاطفال؟هل الحياة السّعيدة مرتبطة بالإنجاب؟هل البقاء والعيش في بهجة وراحة مرتبط بتواصل النّسل؟هل الرّجل ملام على عدم تواصل النّسل وإدخال الفرحة في محيطه بتواصل نسله؟ العديد من التّساؤلات وأخرى سنكتشفها في رحلة بطل الرواية وصراعه مع الزّمن في إيجاد أجوبة. . 📝رواية تقع كلّ احداثها في ليلة واحدة يرويها لنا "علي بن مانع" وهو نفسه الشخصيّة الرئيسيّة،تنقلنا بين الحاضر والماضي ونكتشف من خلالها قصّته مع الأبوّة. علي بن مانع هو رجل يعيش في قبيلة بنجران،متزوج ما لا يقلّ عن خمسة عشرة سنة ،لم يذق طعم الأبوّة وحُرم منه.سعى جاهدا وبكلّ الطرّق العلميّة منها والغير علميّة للإنجاب.لجأ إلى الأطباء،إلى الاعشاب،إلى رجال الدّين،إلى السحّرة،إلى المشعوذين وسافر العديد من البلدان حيث المعالجين الروحييّن في بلاد العرب واليمن والشام والاردن والمغرب،لجأ ألى شعوذات اباظيّة من عمان وتجرّع ادوية صوفيّة من السودان،إمتسح بمياه السلفيّة السنيّة ووضع حروز الشيعة والإسماعليّة وطلامسهم وصىرف أموال طائلة في العلاجات فقط من اجل سماع ضحكة طفل في عالمه. لم يترك بابا إلاّ وطرقة واخيرا حملت زوجتّه وأنجبت طفلته لكن هذه الطفلة غير مكتملة ويلزمها حقنة موجودة في مستشفى بالرياض اي في الطرّف الآخر.يجد نفسها راكبا سيّارته متّجها إلى حيث هذه الحقنة، في سباق مع الزًمن.أثناء الرحلة يسترجع العديد من الذكريات يشاركنا إيّاها في شكل مونولوج وحوار داخلي يكشف عن كلّ خوالجه وصراعاته الداخليّة.فماهو شعور رجل إنتظر طويلا ان يحمل ببن بديه إثبات إستمراريّة نسله؟هل أنّ هذا العقم يمثّله او يعكس عقم المجتمعات العربيّة في السموّ والإرتقاء؟
📝أسلوب شاعري مشحون بالرمزيات والدلالات والإستعارات والتشابيه التّي أفضت جماليّة في طرح المواضيع.
📝رواية تعالج مواضيع عدّة.رواية عن الإنجاب،عن العقم،عن 'الفحولة'،'عن الخصوبة' ومفهومها،عن الأبوّة. عن الآباء والأبناء،عن علاقة الآباء بأبنائهم،عن طباع الأبناء. عن الإعتقادات والمعتقدات البالية والرجعيّة . عن التدجيل والسحر والشعوذة. عن خرق مساحة الخصوصيّة والحريّة في المجتمعات الرجعيّة وعن طريقة فرضها نماذج معيّنة تحدّد الفرد وتُملي عليه ما يجب ان يسير عليه. عن مفهوم الإستمراريّة والحياة والموت والبقاء. رواية عن الرّجل،عن مفهوم الرجّل،عن المعايير والتصنيفات المجتمعيّة للرّجل والضغوطات الممارسة عليه وما تفرضه عليه. إلى جانب ذلك ينقد القصور الحياة القبليّة باشكالها،من مظاهر الفساد بالمجتمعات والخراب. ينقد كيفيّة تاويل الدّيانات.
📝موضوع ألم الرّجل وإنكساره ووجعه وخيباته. موضوع حسّاس لم يطرح من قبل فعادة تركّز النصوص عن إنجاب المراة وعقمها وأ جاعها ورفض الرّجل والمجتمع لها ولكن هنا نرى ما يمرّ به الرّجل في حالة عدم الإنجاب.
📝حقيقة الموضوع المطروح مهم جدّا.وجدت نفسي أعود إلى الوراء في موضوع دراسة جذبتني وهي تتعلّق ب "Concept og Masculinity"
أي مفهوم الذكورة وبالتّحديد في الأدب. كيفيّة تحديد الذكورة والذي يشير إلى الطرق التي يتم من خلالها تصوير هذا المصطلح وعلاقته بالمجتمعات،كيف أنّ هذا المفهوم يبحث في وضع المجهر على الهوية الذكورية، والسلوكيات التٌي تحدّده ويحدّدها لها محيطه، والأدوار الملزومة عليه، والتوقعات الاجتماعية المرتبطة بجنسه كذكر. كيف يحدّد مفهوم الذّكورة؟ تطور الأفكاروالمعاني والتفاسير في تحديد هذا المفهوم في سياقات ثقافية، تاريخية، واجتماعية مختلفة. هذا المفهوم الحسّاس والموضوع الاكثر عرضة للتفسيرات المتباينة بناءًا على الزمن، والثقافة والمكان.
فمتى يفف تحميل المجتمعات سواء كان للذّكر او الانثى ما لا طاقة لهما على التحمّل.متى تتوقّف هذه الصّور النمطيّة والقوالب الجاهزة والاحكام المسبّقة ويمكن للإنسان أن يحدّد هويّته بإستقلاليّة وحريّة دون أن يكون نسخة متواصلة لسابقيه.أن ينتمي لنفسه ويمثّل نفسه وأن يكون بشرا مستقلا بذاته.
📝العقم الحقيقي هنا هو العقم الفكري والعقم في الإجتهاد والعقم في التطوّر والعقم في التقدمّ والرقيّ.
📝رواية عميقة جدّا ،ذات لغة ساحرة وشاعرية.انصح كثيرا بقراءتها.
أود أن أقول هنا أن بعض الروايات تكون مشكلتها سقف التوقعات الذي يرفعه قراؤها، وتتأثر بهم قبل قراءة العمل . رواية جميلة طبعًا، وتحمل فكرة جديدة وثرية جدًا، لكني رأيت أن الكاتب توقف عند حدود فكرته ولم يتجاوزها وكتجربة أولى للكاتب فهي واعدة جدًا، ولاشك سأنتظر روايات الصقور القادمة . ينطلق سالم الصقور من منطقة سردية أخرى مختلفة زمنيا ومكانيا، حيث تتناول الرواية حكاية تدور أحداثها في العصر الحالي، ولكن يبدو فيها حضور الماضي وهيمنة القبيلة واضحا، والصراع بين ما تمثله المدينة وما تمثله البداوة أكثر حضورا وهيمنة على البطل وعالمه الواقعي كله. يخوض بطل الرواية صراعا نفسيا داخليا بين رغبته في أن يكون أبا للمرة الأولى، وبين ما تفرضه عليه بيئته ومجتمعه من عادات وتقاليد تحكم تصرفاته وتجعله غير قادر حتى على التعبير عن نفسه ورغباته، مما يجعل البطل/السارد يلجأ إلى الذاكرة ويستدعي الماضي وحكاياته أملا في تسكين آلامه وجراحه. الرواية تدور كلها في يوم واحد تقريبا، وبين حدثين فارقين في حياة بطلها الذي ينتظر مولودته الأولى التي طال انتظاره لها، ثم يفاجأ بالأطباء يخبرونه أن حياتها مهددة فيبقى على أمل إنقاذها حتى اللحظة الأخيرة.
تتجاوز الرواية ذلك الحدث الفارق والمؤثر لتعود إلى القبيلة التي لا تزال تحكم وتفرض حضورها وتأثيرها على الرجل والمرأة هنا على السواء. يستحضر بطل الرواية أثناء بحثه عن منفذ/وسيلة لإنقاذ ابنته، ذكرياته وماضيه كله، وتلك العلاقات المختلفة التي ربطته/قيدته بأفراد من عائلته وقبيلته الذين يعيشون في واقع اجتماعي وثقافي يبدو مدنيا متحضرا في ظاهره، ولكن البداوة والقبلية بكل تجلياتها تكمن في تفاصيله. من غرفة العمليات في المستشفى، يستحضر بطل الرواية كل ذكرياته منذ بدأت فكرة زواجه وكيف تعاملت معه الأسرة والقبيلة وكيف كان انتظارهم لمولوده بعد أيام من الزواج. ذلك أنه من حق كل فرد من تلك القبيلة أن يتدخل في حياة الآخرين باعتباره شريكا. تنمحي هنا كل سمات الحرية والاستقلالية، وتفرض على ذلك الفرد المخالف كل الأوامر والتعليمات التي يجب عليه الامتثال لها. فالزواج مثل الموت،على حد تعبيره، لا أحد يستطيع أن يخبرك بما ينتظرك هناك، سواء كان زواجا تقليديا وقبليا في مدينة صغيرة على تخوم الربع الخالي، أو كان مدنيا في معرض لفنون ما بعد الحداثة في باريس.
"القبيلة التي تضحك ليلا" هي حكاية، كان والد البطل يسردها له كثيرا، وهي التي تحكي عن قبيلتين متحاربتين يجمع بينهما عين ماء يشربون منه، وفي كل مرة تنتصر واحدة منهما على الأخرى، أما في الليل فكانت تصل إلى إحدى القبيلتين أصوات ضحكات عالية تملأ ليلها بالبهجة، فيما القبيلة الأخرى في حيرة وحسرة من أمرها، ذلك أن القبيلة الأولى كان لديها أطفال يؤنسون ليلها بالضحك، أما الأخرى فلا أطفال ولا ضحك. هكذا تتحول تلك الحكاية في نفس البطل إلى معادل موضوعي لحالته، فها هو يبحث عن الأنس بالطفل الوحيد الذي ظل يحلم به طويلا، وكأنه حرم من هذه الضحكات وحرم من الحياة. وهكذا تتحول حياته كلها وذكرياته وحكايات ماضيه إلى منغصات تقض مضجعه من بداية الرواية إلى نهايتها.
لقد ارتشفت نص هذه الرواية القصيرة على مهل وتلذذ كما يرتشف فنجان الاسبريسو بعد صداع وخمول،، نص ساحر وعميق رواية مكثفة بالمعاني والمشاعر ،، عن معاناة أب لم ينجب ولم يرزق بذرية عن الخيبات والأمال ورحلة السعي،، حقيقة بأن كل عبارة بلا مجاملة تستحق التأمل فيها وإعادة قرائتها ومحاولة تفسيرها وتفكيك رمزيتها،، مليئة بالاستعارات والرموز وعميقة جداً أفكارها مفعمة تارة باليأس والأسى وتارة بالإحباط والتسليم وتارة ببصيص الأمل والسعي،، بلغة ساحرة وشاعرية . رواية تشهد ميلاد روائي من الطراز الرفيع الأستاذ سالم محمد التقيته في معرض الرياض للكتاب في مكتبة أما بعد فكان ونعم الرجل الخلوق البشوش.
القبيلة التي تضحك ليلاً للكاتب سالم الصقور من اجمل ما قرأت لعام 2025… رواية متكاملة تتجانس عناصرها وتتحّد لتخلق عملا أدبيا يستوفي كل شروط الابداع… لغة مُحكمة اتسّمت بالرقي والاناقة والبلاغة. بإيجازٍ ملفت ورشاقة عفوية كانت الافكار تتوالد فاسحة المجال للقارىء للتحليق في فضاءات انسانية ، اجتماعية وفلسفية عميقة…اللغة لم تكن ابدا استعراضية انما لغة مرهفة ذكية ، جعلت كل كلمة تبرز وكأنها سيدة الفكرة… يتمتع القارىء بجمال لغةٍ بدت وكأنها قيثارة تعزف الحان المشاعر الانسانية الراقدة في اعماق النفس البشرية… على مدى 135 صفحة وفي زمن سردي لا يتجاوز ال 24 ساعة كنا نرافق الراوي في رحلة حياة حكمتها النُظُم القَبلية وشكّلتها بيئة ذكورية متعنّتة تجعل من استمرارية النَسَب معيارا لموقع الفرد داخل جماعته… دائما ما كنا نقرأ عن تأثير الحرمان من الأطفال على كينونة المرأة واكتمالها ، أما الآن ومن خلال هذه الرواية ، استطعنا ولوج عالم الرجل الذي يرزح تحت ضغوطات اجتماعية نفسية هائلة، عليه التعايش معها وكبتها في كل لحظة من حياته… حرمان ٌ ارسى مشاعر عدم الاكتمال فأطلق تساؤلات وجودية حول الحياة والموت والأبوة والطب والعلم والشعوذات والأسرة… للزمان والمكان حصتهما من براعة توظيفهما في متن الرواية،. فيما الزمن السردي لا يتجاوز اليوم الواحد تمكّن الراوي من تمرير قصة حياة كاملة ، منذ لحظة ولادته واطلاق الاسم عليه حتى اللحظة االراهنة في حركة تتأرجح بانسيابية بين الماضي والحاضر!! وللمكان رمزية خاصة من المشفى الذي يشهد لعبة القدر الجاحدة التي تجاور الفرحة العارمة بولادة حيوات جديدة مع الفقد القاسي الذي يوّلده الموت…حتى الطريق ما بين نجران والرياض كانت بابا لإلقاء الضوء على الحرمان الواقع على مدن تبعد عن المركز، فتنال نصيبها من التهميش والنسيان…. الرواية زاخرة بثيمات عديدة أبرزت بوضوح الصراع الداخلي الناجم عن حاجات الفرد وتعقيدات حياته الخاصة في مواجهة منظومة قبلية تحكم الطباق على حياته وخياراته وتحرمه من أبسط حقوقه في التعبير عن معاناته وقهره. "القبيلة بنك اجتماعي، تموّل افرادها بما يفيض عن حاجتهم لتأخذ في المقابل كل ما يحتاجون اليه من حرية واستقلالية… بكل بساطة ، ان تعيش وسط قبيلة كأنك تعيش في احدى ضواحي جهنم".
هذه الرواية درّة من درر الفن الروائي الذي يتيح لنا نادي جسور من ورق فرصة اكتشافها ومناقشتها لتجعل من القراءة فضاء انسانيا معرفيا بامتياز خاصة اذا كان العمل يشكل إضافة مميّزة الى عالم الأدب.
من النصوص القوية و المميزة التي قرأتها هذه السنة . حكاية "على"و حلمه بطفل يغني حياته و يحي ليله بالضحك. العمل واقعيا ممتد زمنيا على 15 ساعة هي عمر ولادة طفلته السابقة لأوانها و مجازيا ممتد للماضي الفردي الشخصي و الجماعي العام . العمل عبر أحداثه يدور حول الحياة و الموت و فكرة الأبوة و الإحساس بها .
لو أنّني سأضع عنوانًا لهذه الرواية فهو: "أربع وعشرون ساعة في حياة رجل" فالرواية كلّها تحكي أحداث يومٍ كامل من الساعة الثامنة مساءً إلى الساعة السابعة مساءً في اليوم التالي. استطاع الكاتب وضع بداية رائعة لروايته: "في كلَ شهرٍ قمريّ يموت واحدٌ من أبنائي، فينتصب سُرادق العزاء في صدري، ولا أحد يشاركني تلك المآتم السريّة" استهلال مشوّق. تُحاول الرواية من خلال فكرة إنجاب مولود أن تنقد الصور الذهنيّة التي توارثتها القبيلة وأفرادها عن مفهوم الرجولة، وأنّ فكرة إنجاب مولود مرتبطة وفق ما تعارفت عليه القبيلة بإثبات رجولة الزوج، وهذا في حدّ ذاته قد يكون بالنسبة لرجلٍ لا يُقرّ بمثل هذه التحديدات العشوائيّة ولا يعترف بها أمرٌ غير مهم، لكنّه لن يسلم من شخصٍ كما ورد وصفه في الرواية "لديه مجهر يتفحّص به عيوب الناس ونقائصهم ويُطلق لسانه الحاد في شؤون الجميع" وهذا ما يدفع بعض أفراد القبيلة إلى خلق أكاذيب عن حياتهم ليعيشوا بها وسط هذا المجتمع كما فعل دحيدح. مقابل ذلك يواجه علي بن مانع -بطل الرواية- أفرادًا من القبيلة نفسها ربما يُردّدون المفاهيم والأفكار نفسها أمام المجتمع لكنّهم يحسدونه على عدم إنجاب الأبناء، وهنا يظهر الخضوع للشرط الاجتماعي لمجرّد الحصول على إجازة في الرجولة تمنحها القبيلة لمن ينجب بينما تحجبها عن أولئك الذين قدرهم ألّا ينجبوا! يُرافقك في هذه الرواية لغة عالية المستوى، مع نُدرة في الحوارات، وكثيرٌ من لحظات الانتظار والترقّب التي يواجهها البطل ونحن معه. انتظار خبر يُقرّر حياة أو موت، فرح أو حزن، انتقال إلى دور الأب أو البقاء كزوج فقط، على مدى 15 سنة يمرّ هذا الرجل بالسيناريو نفسه فهل يُمكن لأربعٍ وعشرين ساعة أن تكون مختلفة؟
عظمة على عظمة يا سالم الصقور، عظمة على عظمة وإن كان قلبي انفطر.
أروايةٌ هذه أم طقطوقةٌ تمزج ما بين الطرب العربي الأصيل والإيقاع الشعبي المُحبَب؟!
كانت لحظةً ذهبيةً تلك التي قررتُ فيها قراءتها؛ لقد امتزجتُ وإياها حيث ممرُ المستشفى المُحايد اللون، حيث تتدفَق الذكريات في مُحاولةٍ لردع الخوف وأحاسيس أُخرى، حيث الجمال الساحرُ الخفيف يعزف الوجع واليأس والتشظي بلحنٍ أحسستُ وكأنني أعرفه منذ زمنٍ بعيد.
إنها مصلٌ شجاعٌ يحقن الذاكرة بمشاركة الوجع والفقد، بحثًا عن شخصٍ يُخبرنا أنه مرَ من هنا: من ردهات الطوارئ، وممرات الانتظار أمام أقسام العمليات، وقضى الليل في غرف التنويم والأشعة، وفي وحدات المناظير، ثم انتهى بعد المشوار أو ربما بدأ عند ثلاجة الموتى، ليُجسَد مقطع تميم الذي قال فيه: "نفسي الفداءُ لكلِّ مُنتصرٍ حزين". وفي اللحظة نفسها التي مدَ فيها الموت يده إلى "حنّا"، وإلى مَن بفراقهم امتُحِنا، كنا و"علي بن سعدى" ضئيلين حزينين واجفين إلى جانب الموت؛ غير أن الحياة لم تكن كذلك، لقد كانت زاخرةً، وافرةً، هادرةً، تتجلى في بعض تجلياتها بقلمٍ يطويه الموظف بين إصبعيه وقد كتب به شهادة وفاةٍ بحروفٍ تهدر بنبض الحياة.
أما من جهةٍ أُخرى ومع أنني أُدرِك والله، أنه ما هكذا يُقرأ الأدب إلا أنني وجدتُ لنفسي بعض عزاءٍ فتعزيت، فمَن سيمنعني؟ جهتي الأُخرى تقول إن بطل الرواية لم يدع بابًا إلا طرقه: عرافة، ساحر، طقوسٌ مُريبة، وامرأةٌ مُوكَلة بأطفال الجن تصنع الزار، فضلًا عن أنه تسخط غير مرة؛ ف�� سبيل طفلٍ يأتي بالمسرَاتٍ المسائية. وهنا يكمن عزائي: إذ كان لنا مريضٌ رحل رحمه الله وغفر له وجعله في منازل الشهداء وما طرق من الأبواب غيرَ بابٍ واحد، وما تسخَّط ولو بنظرة، وإن كان رجاؤه نفسُهُ، حياتُهُ، ذاتُه؛ لِيَنعم بمسرّات أولاده المسائية وأشياء أُخرى.
ملاحظة: ليس باسمي وحسب، بل بثقةٍ أقولها باسم كل مَن قرأ القبيلة التي تضحك ليلًا: نحن في انتظار العمل القادم لهذا الكاتب البارع في تصوير مشاهد القلوب ومنازلها.
ملاحظة أُخرى: للوالد الحكيم في الرواية، الذي صنع قصة القبيلة التي تضحك ليلًا قنطرةً يُمَرِرُ من خلالها رأيه، أقول: حتى قلوب أهالي القبيلة التي تملك أولادًا بكت لهذا الجمال الحزين.
ملاحظة أخيرة: برأيي من أعظم انتصارات الكاتب أن يجعل قارِئَهُ يجترُ مشهد الموت الذي عاشه وحيدًا من الذاكرة، دون أن يشعر أنه كان وحيدًا حينها؛ لقد كنّا جميعًا معًا.
أحياناً أشعر أن الكُتاب لا يطيلون في أعمالهم لا لشيء سوى أنهم يكسلون عن كتابة حبكة أعمق وأكثر تماسكاً. وعادة أنا من حزب عدم الإطالة والتمطيط بلا داع، لكن هذه الرواية هي من الأعمال النادرة التي أشعر أنها كانت تستحق كثيراً أن تكون أطول من هذا بكثير. ورغم ذلك إذا كان الكاتب قد تمسك بهذا الحجم حرصاً منه على مستوى جودته فقد نجح في ذلك وأقدرّه لأجل هذا.
لغة رائعة وسرد باهر، وأقدّر حقاً أن الكاتب ولا يأتي ليبيع لنا الأوهام والرومانسيات والمثاليات عن قضية بها من الأسى ما بها. وتؤثر في حياة الفرد بشكل مزعزع ولا فكاك منه. نظرة مختلفة إلى الطرف الثاني من العلاقة (الزوج/ الأب المؤجل) لقضية عادةً ما نوقشت من زاوية المرأة، وخصوصا في مجتمع له خصوصيته كالذي ناقشه العمل. وأعود لأؤكد أن هناك ما شعرت أنه ناقص ومبتور، وكان توضيحه ليجعل العمل أكثر اكتمالاً ونضجاً. ربما هو فضول القارئ الذي لا فكاك منه مهما أقنع نفسه "أنها مجرد رواية" وربما هي هفوة فنية فعلاً، لكن العمل يستحق القراءة على كل حال.
القبيلة التي تضحك ليلاً - ليست مجرد رواية عن رجل يسعى للأبوة بل رحلة غاصت في أعماق الموضوع وكشفت عن الصراعات اللي يمر فيها العقيم في مجتمع قبلي لغة الكاتب بديعة وابدع في وصف المشاعر.. أعجبني التركيز على الجانب النفسي في العمل وحكم المجتمع والضغوط الناتجة عنها على موضوع مثل هذا والرؤية المختلفة لمفهوم الأبوة والانجاب. عمل رائع يستحق القراءة. ومن أجمل الأعمال السعودية التي قرأتها..
"في كل شهر قمريِّ يموت واخدٌ من أبنائي، فينتصب سرادق العزاء في صدري، ولا أحد يشاركني تلك المآتم السرية"
"بعض طرقات هذه الحياة يسقط فيها حقنا في الرجوع بعد أول خطوة نخطوها، تزج بنا في مسار اللاعودة، وعادة ما تكون طرقات اللاعودة طويلة ونائية، لأن كل من سلوكها قبلنا اختفوا في لا نهايتها الغامضة.."
لا بدو وأن تعيش هذه الرواية في الذاكرة طويلاً، فقد لامست مستوىً بلغ الذروة في السرد والتشبيه والحكمةً والنقد، لذا كان خليقاً بالكتّاب السعوديين أن يصلوا إليه، فإما أن تبهرنا بهذه الصورة، وإلا فلا تضيّع أوقاتنا في قراءة أعمالٍ هزيلة حسبها أن تكون تدريباً كتابياً وأن تولد ميتتاً من المطبعة، ولا ترتقي أن تعتلي منصة الطباعة والنشر .
كيف يتعايش الرجل في المجتمعات القَبلية مع حالة العقم أو تأخر الإنجاب ؟ كيف يقابل نظرات المجتمع المليئة بالانتقاص أو الإهانة أوفي أحسن الحالات بالشفقة ؟ تعتبر رواية القبيلة التي تضحك ليلاً للكاتب السعودي سالم الصقور من الروايات القليلة التي طرحت موضوعاً حساساً وغير مطروقٍ كثيراً وهو الصراع الذي يعيشه الرجل العقيم. خاصة وأن هذا الصراع عادة ما يكون معقداً وله عدة اتجاهات داخلية وخارجية ويشتبك مع أكثر من فضاء ابتداءً من الدين و الطب وحتى حدود الخرافة و السحر. تبدأ الرواية التي تُروى على لسان البطل "علي بن سعدى" وهو ينعى أمله الذي يموت كل شهر دون أن يحمل معه بشارة الأبوة: ( في كل شهر قمري يموت واحد من أبنائي، فينتصب سرادق العزاء في صدري ولا أحد يشاركني تلك المآتم السرية). من هنا تبدأ المعاناة من غياب الحدود الفاصلة بين ما هو خاص وحميم في حياة الشخص وبين ما هو عام ومشاع. ففي المجتمع القبلي يشعر الجميع بحكم الدم والقرابة بأن لهم حقاً في التدخل في معضلة علي التي تهدد توسعهم وتقف حجر عثرة أمام فكرة التكاثر والسند ، فيتحول علي إلى " حالة" أو "قضية" الكل يفتي بشأنها ويقترح لها الحلول بغض النظر عن رأيه هو . ثم تحصل المعجزة التي انبرى الطب بتقديمها رغم ما يشوبها من استهجان مجتمعي ينم عن جهل عميق فيطرح الكاتب هنا حساسية موضوع "أطفال الأنابيب" عند المجتمعات القبلية التي تنظر بانتقاص "لسلالة المختبرات" مسلوبة الحميّة التي لم تنحدر كغيرها من ظهر القبيلة مباشرة. تأتي المولودة إلى الحياة مانحة صك الأبوة لوالدها الذي يريد أن يلوح به في وجوه الجميع ليعتقوه ويصل لمرتبة القبول الاجتماعي عنه كرجل و أب ، ولكن حضور الابنة للحياة كان واهناً وضعيفاً و هنا تكون ذروة الرواية حيث يبذل علي كل وسعه لأن تبقى ابنته حية فيتمزق بين رغباته ويواجه بصدق مخيف كل أفكاره و أفكار مجتمعه التي تضغط عليه بلا رحمة فيختلط اليأس بالأمل والخوف بالرجاء محاولاً إحضار أمر نقل لابنته لإحدى مستشفيات الرياض حيث تملك هناك فرصة أعلى للنجاة من الموت الذي يحيط بها. عبر رحلة برية من نجران للرياض منذ لحظة ولادة ابنته التي لم يرها بعد ، ينبثق إعصار من المشاعر يعصف بالبطل علي الذي يستسلم ليأسه حيناً ويلوذ بالأمل حيناً آخر ..وفي هذا السياق يقف ليسترجع ذكرياته ولحظات ضعفه التي لم يشاركه فيها أحد في مجتمع يدعي أنه يقوم على فكرة الدعم ولكن الحقيقة أنه يقدس" صورة "القبيلة وما تمثله أكثر مما يقدر جوهر الفرد الذي هو جزء منها. لذلك ترتفع في النص نبرة الشك و البرود تجاه كثير من الثوابت كالقبيلة و التقاليد بل ونبرة ازدراء خفية تظهر هنا وهناك في نقد صريح للتسلط على الفرد و تحجيم قدره و حصر وجوده في قوالب معينة.» رواية أولى للكاتب واعدة ومبشرة بمقدم قلم حقيقي جاد و عميق للساحة الأدبي
ترددت كثيرا في اقتناء هذه الرواية لا.اعلم ما السبب ولكن كانت صدمة حقيقية لهذا القلم المبدع سرد ممتع ولغة بديعة وبليغة النهاية تركت شعور غريب وعميق جدا في قلبي لدرجة اني احسست بانقباضة في قلبي..
رغم براعة الأسلوب و الذكاء في اختيار الفكرة الرئيسية إلا إن إصرار الكاتب على تسجيل الشطحات من الأراء والأفكار ومحاولة تمرير بعض الرسائل غير الجيدة عبر الرواية يجعلني أعتقد انه أفسد عمل روائي جيد جداً
رواية قصيرة يتحدث فيها المُتحدث علي بسرد سلس عن انتظاره الطويل للإنجاب ، خائضاً تفاصيلاً مخاضاً أليماً يسببه له المجتمع و القبيلة و المُحيط متشككاً في رجولته و حظه السيء لم تعجبني الرواية بسبب انفلاتات الكاتبة على الدين شعرت انني اقرأ لشخص ناغم على الدين و العقيدة و القدر حتى و ان كان يحاول أن يصور جانباً واقعياً من حياة أحدهم إلا انه كان بإمكانه عدم المبالغة في هذا الطرح المُلحد ربما
دائماً نسمع عن صعوبة الانجاب من وجهة نظر المرأة لكن الرجل؟
رواية أحداثها تدور في ليلة واحدة، بعد أعوام من الانتظار ومحاولات لا نهائية للإنجاب، يُرزق بطل الرواية بطفلة، لكن حالتها حرجة. فنعيش معه تلك الليلة المليئة بمشاعر السنين الماضية من زواجه ومحاولاته ليكون أبًا، وندخل في أجواء القبلية، تحديدًا في نجران بالمملكة العربية السعودية.
رواية رائعة، بلغتها المبهرة وموضوعها الجديد من نوعه، لكنني شعرت أن هناك موضوعات أو مشاعر مبتورة لم يُكملها الكاتب.
بشكل عام، أنصح بقراءتها، وبالتأكيد سأكون مهتمة بأعمال الكاتب المستقبلية. والتقييم النهائي: ٣.٧٥/٥ ⭐️
قرأت الرواية مع نادي عروبة للقراءة كاختيار لكتاب من السعودية وهذة تعتبر أول تجربة حقيقية لي في الأدب السعودي. لا اعتقد أنني كنت سأختار بنفسي قراءة الرواية بدون النادي لكني ممتنة جدا لهم لهذا تحديدا، لأجرب أنواع جديدة عليّ من الأدب واتعرف علي جوانب وقصص لم أكن لأتعرف عليا ابدا. بدأت الرواية بدون اي توقع أو معرفة مسبقة عن فكرتها وفهمت أنها تتحدث عن رجل يتمني إنجاب طفل ولم يُكتب له نصيب بعد 12 عاما من الزواج والمحاولة ومع التقدم في الرواية اتضح أن الأمر أكثر تعقيدا. مع التقدم في الرواية لم اعد اعلم إن كان يرغب في الإنجاب حبًا في الأطفال أم رغبة لإثبات شئ ما لأهله وقبيلته ولكي يتفادي تعليقاتهم. شخصية البطل ليست شخصية "محبوبة" ولن يتقبلها الجميع خاصة مع نظرته العبثية للحياة وبعض آراءه المسيئة للأديان في بعض الأحيان لكني أري هذة الرواية لا تعبر عن شئ سوي بطلها، لا تعبر عن هذا المجتمع ولا ثقافة القبيلة ولا الأدب السعودي وقد لا تعبر عن الكاتب نفسه 100% وهذة هي فكرتها. الرواية كانت فرصة بالنسبة لي لأري فكرة الرغبة في الإنجاب من جانب الرجل علي عكس المعتاد وهو أمر لم اقرا عنه ولا أعطيته اهتمام من قبل لكننا نري هنا رجل يبذل كل ما في وسعه ليرزق بطفل ونري شعوره ودوافعه وإحساسه وسط قبيلته. شخصيًا تعاطفت معه في كذا موقف وان كنت لم اتفق معه كثيرا وشعرت في بعض الأحيان أن رغبته في الإنجاب هي فقط رغبة في إثبات نفسه وسط أهله ومحاولات لسد فراغات بداخله وحل مشاكل نفسية لا تخص أحد سواه لكنه يأبي أن يواجهها. اجمل ما في الرواية اللغة كانت مميزة جدا ولكني شعرت الرواية يمكن أن تختصر لتكون نوفيلا مثلا لأن بعض الأحداث كانت مهلهلة ينقصها بعض التفاصيل أو يمكن التخلي عنها وان كانت الفكرة نفسها جيدة و غير مألوفة.
عادة ما نسمع عن صعوبة الحمل والإجهاض المتكرر والمحاولات المستمرة للعلاج من منظور النساء اللواتي يحلمن بالأمومة. ولكن هذه كانت المرة الأولى التي أرى فيها نفس هذه التجربة الصعبة من منظور الرجل.
ولم تكن الرواية مجرد قصة رجل يسعى للأبوة ، بل كانت أيضاً قصة عزلة ووحدة رجل يعيش في بيئة اجتماعية ومجتمع قبلي تتشابك فيها حياة الناس بطريقة تجعل من الصعب للغاية فهم وحدة هذا الرجل.
بأسلوب الكاتب الجميلة وسرده السلس، عايشنا عزلة الشخصية الرئيسية وخيبات آماله، وآلامه.
استفتاح انيق لقراءات هذا العام لغة باذخة جدا وصور خلاقة تمهلت في قراءتها حتى لا تنتهي المتعة على عجل والا فأنها من روايات الجلسة الواحدة واستطيع ان اصنفها في قائمة روايات الحدث الواحد والبطل الواحد . الحدث الذي جاء كثيفا بطريقة تجعلك تشعر بدقات قلب البطل بل وتسمع ضجيج افكاره وتعيش في دوامة حيرته في حوار طويل مع النفس ومحاججة عادلة للهواجس ومحاكمة متأنية للمذهب والملة والقبيلة والمجتمع وتشريح دقيق للمكان بكل عناصره ومعطياته .ثم جاءت الخاتمة مفتوحة ليكتمل عقد الاثارة .اعتب على الكاتب الذي امتعنا واقتنص عقولنا شطحات بطله والتي ربما تعمده ليتوغل في دهاليز الطائفة وليعري الخرافة وليكشف زيف الرموز . بخستها نجمة في التقييم لاجل هذه الشطحات التي لا يقبلها وجداني . النجمات الاربع لجزالة اللفظ وترف الاسلوب وتظافر العناصر وجمال الوصف . رائعة بكل معنى وتستحق القراءة ومبهرة حد الاقتباس والاستشهاد .
ناقشت الرواية موضوع لم يسبق لأحد أن كتب عنه المتعارف عليه غالبًا في مجتمعنا أن الأم هي القائمة على التربية ، والعائلة الصحية الصحيحة تجعل الأمر ينقسم فيكون جزء للأب وجزء للأم ، ف الأمر أكبر من أن الطفل يحمل اسم ابيه والسلام ، بطل الرواية يعاني من مشاكل في الإنجاب فهو إلى الان لم يصبح أب ويشرح لنا معاناته لم ينجو بالطبع من تعليقات وتجريح الآخرين و بالأخص من قبل أقاربه وأصدقائه ف أينما يولي وجهه يتلقى هذا السؤال الرواية واقعية حقيقة وتركت أثر وبصمة هائلة وتحاكي المجتمع فعندما يقرأها شخص خارج مجتمعنا فهو يتعرف على ثقافة هذي المنطقة بالشكل الصحيح وأسأل الله أن يرزق كل محروم بالذرية ، وأن يشفي المرضى منهم
بعد زواج استمر خمسة عشر سنة و لم يثمر عن أطفال، ينتظر الآن علي زوجته التي دخلت غرفة العمليات كي تضع مولودها في الشهر الثامن ..
هو كما قال يقف في مفترق بين حاضره و مستقبله. فزوجته في وضع دقيق و الجنين لم تكتمل رئتاه بعد..
خلال تلك اللحظات العصيبة التي تتأرجح فيها أبوته بين الوجود و العدم، يسترجع علي ذكرياته في هذا الزواج و نظرات القبيلة لزوجين لم يحظيا بأطفال، و لكن هذه المرة من منظور الرجل لا المرأة.
كيف يطعن الزوج في فحولته بالكلام الجارح و المسيء إن كان يعاني ضعفا في الخصوبة..
يستعرض علي رحلته مع الحقن المجهري، و لحظات الترقب و خيبات الامل و سرادق العزاء التي تنصب مع كل نتيجة سلبية.
الرواية قصيرة لا تركز على الأحداث بقدر ما تسلط الضوء على شخصية رجل يحلم بالأبوة، و حين يتحقق الحلم بصعوبة، يظل معلقا بين الحياة و الموت.
"الزواج مثل الموت، لا أحد يستطيع أن يخبرك بما ينتظرك هناك، سواء كان زواجا تقليديا وقبليا بمدينة صغيرة على تخوم الربع الخالي او كان مدنيا في معرض لفنون ما بعد الحداثة بباريس. الزواج لغز كوني معقد التركيب تنهار امامه كل النظريات. ربما الغاية النهائية من تزاوج البشر هي اعتراف بالوحدانية لاخر متعال بهويته ليس له شريك يساكنه ويأنس له" ،
"يحدث أن تمنحنا الحياة صفعة وقبلة معًا، وكل ما علينا أن نحتفل بالقبلة مع الجميع ونعالج الكدمات وحدنا" ،
رواية جميلة، وسعيدة بإني اتناقشت مع الكاتب واعطاني بعض التوصيات، وختمها بكتابه واهداء عليه. جدا استمتعت في القراءة. تنقلاته سلسة. وكلامه موزون، وابعد من انه يكون محصور في (القبيلة التي تضحك ليلا) رواية على لسان رجل، ويحكي معاناته وهواجسه في الوصول الى حلم (الابوة)، حزين نعم. تمنيت صفحات اضافية عن نجوى، اروى، وعبدالناصر بالذات!
اتمنى للكاتب التوفيق، ومنتظرين روايات اكثر واكثر.. ويمكن (سير ذاتية)