لا تُحدِث الحرب شيئًا سوى أنّها تنكأ ما كان متصدّعًا قبل حصولها. تبعث ندوبًا متجذّرة، أكانت متمظهرة بسمكةٍ اخترقت جسد السابح خلسة، أم بغربةٍ مديدة تُفقِد صاحبها القدرة على وطء الحياة التي تمضي بجانبه. ظافر، بطل الرواية، هو أقرب إلى شخصيّةٍ رمزيّة معاصرة تتقاطع يوميّاتها مع تحوّلات اليمن، ما قبل الحرب وخلالها، والهجرات الجغرافيّة والأبديّة التي تفرضها على الناس. نتابعه في يوميّاته وفي تنقّلاته التي تشبه جولات متواصلة في البحث عمّا هو غائب. عمّا لا نعرف له وجهًا أو شكلًا. مع هذا لا نجاة إلّا بالحبّ، أو هكذا يُخيّل إلى شخوص الرواية. عبير ونبات وناجية وكفاية وسلمى وأشجان... وغيرهنّ من النساء اللواتي يظهرن في حياة ظافر ويعبرن بها، لسن نساءً فحسب، بقدر ما يحفّزن ويشحنّ محاولاته لشقّ كوّة في هذا الغياب. أثناء ذلك، تتفرّج السماء... تنظر ولا ترسل المعجزات، بل تنفث سجائرها على الأحياء في الأسفل، حيث الحرب والمعارك لا تتوقّف، وحيث التواطؤ الاضطراريّ مع الموت يصبح السبيل الوحيد للنجاة.
حصل على بكالوريوس آداب قسم الجغرافيا، وأكمل دراساته في هو روائي، كاتب قصة قصيرة، وكاتب مسرحي يمني. ولد في محافظة الحديدة ودرس في جامعة صنعاء. نشر خمس روايات، سبع مجموعات من القصص القصيرة، ومسرحية واحدة وسيناريو فيلم واحد. جامعة صنعاء. يعمل موظفًا بوزارة الثقافة ويشغل موقع مدير تحرير مجلة الثقافة. صدر له (11) كتاباً ما بين الرواية والقصة القصيرة والمسرح والسيناريو. تُرجمت روايته “قوارب جبلية” إلى اللغة الفرنسية، وروايته “بلاد بلا سماء” إلى اللغة الإنجليزية، وروايته “حمار بين الأغاني إلى اللغة الإيطالية. وصلت روايته ” فيلسوف الكرنتينة ” إلى القائمة الطويلة في جائزة البوكر للرواية العربية في 2008. أُختير ضمن أفضل 39 كاتباً عربياً تحت سن الأربعين في مشروع بيروت 39 الذي نظمته مؤسسة (Hay Festival) هاي فيستفال للآداب البريطانية في عام 2009. حصل على منحة إقامة إبداعية في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة أربعين يوماً في مركز فيتوشا الثقافي (Vitosha Cultural Center) بولاية ميشيغان، وذلك خلال الفترة (20 يوليو – 30 أغسطس 2012).
أشار بلال فضل أول كتابه "في أحضان الكتب" أنه لكل روائي مفتاح ندخل به إلى عالمه الروائي، الذي دون شك يختلف من قارئ لآخر.
والحق أن للروائي وجدي الأهدل عندي أكثر من مفتاح، أهمها بالنسبة لي اللغة، فالقراءة في المحصلة علاقة بين الانسان واللغة، كما هي تمامًا للكاتب، يأتي بعدها مفتاح الحقيقة التي يؤطّرها في سرديات تتباين مع كل عمل أدبي.
البطل ظافر - انتقاء حصيف للاسم - يروي حياته منذ الطفولة، مظهرًا ثيمات عديدة للنص، أبرزها الحرب والموت، الظاهرة في العنوان، إضافة للحب الذي بقي قدرًا استثنائياً حتى الصفحات الاخيرة "قدري مع النساء يحتم علي الإكتفاء بقراءة الفاتحة على أرواحهن!"
الرواية ملأى بالرمزيات، فحتى الشخصيات النسائية العديدة، عبير ونبات، ناجية وكفاية، سلمى وأشجان، وغيرهن كرسهن الكاتب لايضاح جمالية المرأة اليمنية بمختلف أطيافها.
مابين تخيل سمكة تسكن رأس ظافر، وواقع السماء التي تمطر الويلات على رؤوس البشر، تمضي الرواية بالقارئ منذ الصفحات الاولى بسلاسة وفضول، متتبعة يوميات ممثل أسس مسرحًا وفشل، لكنه واصل معركته الذاتية مع الحياة، رغم الموت المخيم على الأحداث.
رواية تحوي ما وصفه كونديرا بروح التعقيد التي تقول للقارئ (الأشياء أشد تعقيدًا مما نتصور) والحق ان ميلان لازمني وأنا أقرأ، فالرواية قراءة للوجود البشري، اليمني ان اردنا التحديد، ما سماه كونديرا (مايدور في الداخل) فالجن والقات، أيضًا سبأ عابرون بين الأسطر في قبض على الجذور والتاريخ.
العبقري وجدل الأهدل مغامر في كتاباته، خضت مع ماتوفر لي من كتبه رحلة عجيبة، طرقت عبرها أبوابًا مؤصدة للكثيرين، لكني تعرفت من خلالها على فكره وقيمه، شجنه وهواجسه.
أذكر أني بدأت ملتقانا بالكاتبة عائشة ابراهيم مع اقتباس لبارت، وعلى الأغلب سأستهل به أمسية اليوم مع ضيفنا الكريم ( ان نص اللذة هو النص الذي يرضي فيملأ فيهب الغبطة.. إنه النص الذي ينحدر من الثقافة فلا يحدث قطيعة معها ويرتبط بممارسة مريحة للقراءة)
▪️لم نولد من أجل الصراع والتنافس وتحويل البشر إلى أعداء لنا، لكن أتينا من أجل الإنسجام مع الحياة والتكامل مع الآخرين، وأن الإنسان ليس سوى ضيف، عليه أن يراعي آداب الضيافة، ثم يمضي بسلام.
مسك ختام نقاشات الرواية في عام ملتقى صيدلية الكتب الثالث، يمنيّ بامتياز هذا المساء على زوم مع الاديب وجدي الأهدل.