ثمّة قول ان الرواية تبدأ حين ينتهي التاريخ، لكني اعتقد ان التاريخ قد يكون رواية من احدى الروايات الكثيرة الممكنة، وحين نردف هذا القول ب"التاريخ يكتبه المنتصرون" يصبح التاريخ رواية منحازة كتبتها أقلام من سادوا على حساب من بادوا. من هنا أتت هذه الرواية (الأفرو أمريكي) كمحاولة جادة في نقد وإعادة كتابة التاريخ فاتأكت على ما كتبه كابياثي دي باكا (مسجّل حملة نارفايير الى فلوريدا) بعين ناقدة وناقضة للكثير من المقاطع التي حاولت طمس أهمية هذا المغربي في تلك البعثة.
اذن، الأفرو أمريكي، رواية تاريخية تتتبّع خطى مصطفى الأزمّوري من أزمور في المغرب مرورًا بالبرتغال واسبانيا، وصولًا الى العالم الجديد وتحديدًا فلوريدا. كُتبت بلسان الراوي العليم المتداخل مع الشخصيات والتي يعرف بواطنها، الراوي العليم المتخصص بالتاريخ والمنقّح له، الراوي العليم الناقم على تجاهل المغاربة (بشكل خاص) والعرب (بشكل عام) لقصة مصطفى الأزمّوري.
الرواية مثيرة للإهتمام بالفعل، فهي تحدثنا عن موضوع نجهله (او انا كنت اجلهه)، وتحاول ان تجعل من نفسها الكتاب المقابل لكتاب دي باكا كأني بالكاتب يقول "ذلك العبد الذي صوّره دي باكا وقلل من شأنه وزوّر تاريخه، وهذا مصطفى الإنسان الذي اصوّره انا واعيد له حقّه ومسيرته الحقيقية". من هنا تفوّق المؤرخ على الروائي في النص وظهر بصورة أوضح بين السطور.
استعمل الكاتب لغّةً وتركيبًا لغويًا يمكن وصفه بالقديم، لكنه مناسب لتلك الفترة (بداية القرن السادس عشر)، مما جعل النص جافًا بعض الشيء وعابه التكرار والحشو في العديد من الأماكن.
يعيب النص ايضًا وجود عشرات الأخطاء الإملائية والنحوية (وهذا نعيبه على دار النشر)، على صعيد المثال: ص46، "عبيد" وليس "سعبيد" ص88، "مرفقيه" وليس "مفرقيه" ص102، "ماذا" وليس "مذا" ص104، "يخلد" وليس "يخلذ" ص113، "نظيراتها" وليس "نضيراتها" ص129، "زومن ثمّ" وليس "من تمّ" وغيرها الكثير
تكررت جملٌ عديدة بذات الصيغة داخل النص: "كحدّاد على النفخ في الكير" عدة مرات "رجلًا فحلًا أشبق من أسد وألذّ من العسل" عدّة مرات "ضاجع زوجته بقوّة حجّار" عدة مرّات
بالإضافة الى اللغة شبه الجافة والحشو فقد سقط الراوي في فخّ انتقاده لدي باكا في بعض الأماكن، فإذا كان المؤرخ الاسباني قد قلل من شأن مصطفى فإن المؤرخ المغربي قد بالغ في صفاته وكراماته في بعض المقاطع، وهذا لم يحتاجه النص، فعلي صعيد المثال يقول الراوي عن مصطفى ص292: "ميّت أيقظه الأزموري من غيبوبته، مثلًا. سمكة قفزت من المسيسيبي الى اليابسة، ضاحكة لإستيبيانكو، ثم عادت الى مياهها، مثلا. كثرة الشهب بالمرصاد، في السماء، في الأشهر التي وطئت فيها قدما استبيانكو أرض الهنود، مثلا... تمرير الراح اليمنى لإستبيانكو على جبهة الهندي المصاب بالحمى، مع ترتيل شجيّ حصيلته الشفاء، مثلا،.." هذه الأوصاف تجعل من مصطفى نبيًا جديدًا خارقًا!!
بشكل عام رواية جيدة، ثمّة جهد كبير في البحث والتقصي ومحاولة محاكاة لغة قديمة بالأسلوب. وستكون فاتحة لقراءة الأعمال الاخرى للكاتب عبد العزيز ايت صالح.
ملاحظة: ناقشنا الرواية في نادي صنّاع الحرف بحضور الكاتب الذي تقبّل النقد وزاد نكهةً على النقاش بإستطراداته ومسعة معرفته.
رحلة مصطفى الازموري من أزمور إلى اسبانيا ليصبح استيبانيكو ثم رحلته إلى العالم الجديد في بعثة للبحث عن مدن الذهب ليتحول الى استبان. رواية تستند إلى سيرة الازموري الحقيقية و تبني عليها مغامرة سردية عن الوطن و عن الحب و عن الاستعمار.
محاولة فريدة لسرد حياة ورحلة مصطفى الازموري "استيبانيكو" من منظور مغربي. الرواية مجهود ملحوظ لاستقراء ما دونه الاسبان خلال الرحلة نحو العالم الجديد ، في علاقتهم بمصطفى، وإظهار الدور الطلائعي الذي اضطلع به هذا الأخير في تذليل الصعاب من جانب، وتيسير التواصل مع الهنود، إضافة إلى الذود عنهم أمام بطش المستكشفين الغزاة من جانب آخر.
مجهود طيب بذله عبد العزيز أيت بنصالح في تخيل المشاهد والأحداث التي سكت عنها أو أغلفها cabeza de vaca في كتابه relación. وبالرغم من ذلك فإن السرد أفسده نوع من المغالاة في الأوصاف والتكلف في اختيار وتنميق الأساليب المستعملة.
أتمنى أن يلقى هذا الكتاب إقبالا أكبر من طرف القراء المغاربة، وأتمنى أن يواصل عبد العزيز أيت بنصالح في الكتابة الروائية ذات خلفية تاريخية.