يستأنف الكاتب، في هذا العمل ما بدأه في الجزء الأول (النبوّة والسياسة): باحثاً في تكوين المجال السياسي في الإسلام المبكّر، وفي لحظة سياسية وتاريخية منه هي لحظة الخلافة التي تلت وفاة النبي (صلّى الله عليه وسلم)، وفرضت على الاجتماع السياسي الإسلام الوليد تأسيس قواعد لتنظيم المجال السياسي ذاك. وقد حاول الكاتب في هذا الكتاب الفتنة والانقسام أن يقرأ تكوين المجال السياسي الإسلامي، في لحظة الخلافة الراشدة، من طريق تحليل مختلف العوامل والديناميات الحاكمة له: جدلية الديني- السياسي؛ فعل العوامل الاجتماعية (= القبيلة)، والاقتصادية (= تدفّق الثروة)، والسياسية (= الصراع على السلطة)؛ جدلية المركز- الأطراف؛ جدلية النص- الاجتهاد ... من أجل بناء إدراكٍ متكامل لسياقات ذلك التكوين ومآلات الاجتماع السياسي الإسلامي. وقد اعتمد الكاتب في دراسته أمهات مصادر التاريخ الإسلامي، محاولاً بناء صلة نقدية، أو حذرة، بها وبمروياتها حين تدعو الحاجة إلى ذلك، مثلما سعيه في تحرّي الدقة في بناء الأحكام والاستنتاجات من خلال التدقيق في الروايات التاريخية، وتجنّب استسهال الاطمئنان إلى معطياتها.
عبدالإله بلقزيز باحث مغربي في الفلسفة وفي شؤون الفكر العربي والفكر السياسي. حاصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس في الرباط، المغرب. أستاذ الفلسفة والفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء. هو الأمين العام لـ"المنتدى المغربي العربي"، الرباط
Abdelilah Belkeziz
Morocco Writer, Holder of the State’s Doctorate Degree in Philosophy from Mohammad V University in Rabat, Belkeziz is the Secretary General of the Moroccan Arab Forum in Rabat. He has previously worked as head of the Studies Department at the Beirut-based Arab Unity Studies Centre. Belkeziz has published hundreds of articles in Arabic newspapers such as Al-Khaleej, Al-Hayat, Al-Safeer and Al-Nahar. In addition to articles, he has published around 43 monographs.
بعد قراءة المقدمة اكتشفت إنه الجزء الثاني لبحث الدكتور بلقزيز عن المجال السياسي في الإسلام المبكّر. الجزء الأول عن العهد النبوي، أما الجزء الثاني الذي نحن بصدده، هو عن فترة الخلافة الراشدة.
الكتاب ليس سردًا للأحداث، ولكن تحليل الحدث وتحليل القرارت وتحليل المشهد العام من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام حتى نهاية الخلافة الراشدة.
فكرة الكتاب عن الفتنة والانقسام، فالفتنة سببت الانقسام. ما هي تلك الفتنة؟
بدأ الكاتب بأول فتنة وهي وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن هو الشخص القادر على ملىء الفراغ الذي سببه موت النبي، وهل يوجد شخص قادر على ملىء هذا الفراغ؟
ثم تم التطرق إلى أول خلاف بين الصحابة وهو واقعة الثقيفة، بين الأنصار من جهة وجزء من المهاجرين من جهة " أبي بكر - عمر - أبا عبيدة" رضوان الله عليهم، ثم بين الثلاثي ومن بايع الخليفة الأول وبين بني عبد مناف "آل هاشم - وآل أمية".
لماذا قال سيدي عمر بن الخطاب عن هذه البيعة، هي "فلتة وقانا الله شرها".
لماذا وافق بني عبد مناف على الخليفة الأول؟ هل لسابقته وقربه من حضرة النبي؟
ثم توجه إلى أول وأبرز وأهم حدث في عهد خلافة الصديق، وهي حروب الردة. ما هي أسباب تلك الحروب؟ وما هي وجهة نظر تلك القبائل؟ لماذا خالف بعض الصحابة رأي أبي بكر في محاربة تلك القبائل.
قبل موت أبي بكر، يعهد الأمر إلى عمر بن الخطاب .. ويرد نفس السؤال: لماذا وافق بني عبد مناف على الخليفة الثاني؟
للعلم: أبي بكر وعمر، من قبائل ضعيفة مهمشة، بني تيم وبني عَديّ على التوالي. ولا وجه مقارنة بين تلك القبائل وبين بني عبد مناف.
يتمكن عمر من إدارة الخلافة بصورة أكثر من رائعة ومن وجهة نظري كانت شخصيته وفهمه شخصيات الصحابة وكان يتمتع بسعة أفق، كل تلك العوامل جعلت منه "صمام الأمان" والمانع لانفجار كان محتم وقوعه.
قبل موته، يضع الشورى لتحدد من هو الخليفة القادم، ولكن عند تحليل شخصيات الشورى وعلاقاتهم ونسبهم، نرى أن الأمر كان محسومًا لعثمان بن عفان رضي الله عنه بنسبة كبيرة.
عوامل مختلفة يطول ذكرها وشرحها، جعلت الفترة الأخيرة من حياة الخليفة الثالث، ملتهبة انتهت بمقتله عطشانًا محاصرًا، ومعه كسرت صورة الخليفة. من قتل عثمان بن عفان؟ لا يوجد إجماع على قتلة الخليفة الشهيد. وهل كان من بينهم صحابة كبار؟ أم كانوا جماعة من الأمصار؟
بعد موت عثمان، يبدأ فصل جديد من الانقسام: علي بن أبي طالب خليفة بأمر أهل الأمصار والثوار، هناك جماعة من كبار الصحابة رفضت بيعة علي، مثل حسان بن ثابت ومحمد بن مسلمة وغيرهم، وهناك من بايعوا ثم اعلنوا عصيانهم وهم طلحة والزبير، وهناك من يترقب الأمر من بعيد في صمت وهو معاوية وأهل الشام.
كان فريق طلحة والزبير الذي انضمت إليه أم المؤمنين عائشة عليها السلام، نادى بالإصلاح والثأر لعثمان، على الرغم من إنهم كانوا أصواتًا مرتفعة ضد قرارات وسياسات عثمان. كان هذا الانشقاق هو تمهيد لأول حرب أهلية في الإسلام - حرب الجمل - والتي انتهت بمقتل عدد من الصحابة الكبار وفوز علي عليهم.
بعد تلك الحرب بدأت الرسل تتوالى بين الإمام علي ومعاوية. وانتهى الأمر إلى معركة صفين وهي قمة هرم الفتنة والحرب الأهلية. لماذا رفض معاوية بيعة الإمام علي؟ هل كان دم عثمان هو الحائل؟ وهل لو تم القصاص من قتلة عثمان هل كان سيدخل معاوية فيما دخلت إليه جماعة المسلمين ويبايع عليًا؟
مع بداية هزيمة جيش الشام، يقرر رفع المصاحف، لتدب الفتنة والخلاف في جيش علي. من صاحب قرار وقف القتال في جيش الإمام علي؟
تنتهي المعركة بحالة من اللاسلم واللاحرب، ويقرر الطرفان فكرة التحكيم وهو القرار الذي سيولد "الخوارج والشيعة". من الشخصية التي أرادها الإمام علي ليكون حكمه؟ ومن اختار الأشعري ليكون حكمًا؟
تنتهي واقعة التحكيم بنهاية سد بدون تقديم حلول، وتبدأ سلسلة من الانهزامات التي يواجهها الإمام علي مع تخاذل أهل الكوفة، في مقابل مزيد من الأرض والسيطرة لمعاوية. لماذا عانى الإمام علي من ثورة جيشه وتمرده دائمًا؟ ولماذا كان جيش الشام يدًا واحدًا مع معاوية؟
يقتل الإمام في منتصف رمضان.
يوجد في الريفيو عدد من الأسئلة لم أقدم لها جوابًا، لأن الأمر سيطول وسنحتاج إلى المئات من الكلمات. أجوبة بعض هذه الأسئلة قدم لنا الدكتور عبد الإله أجوبة لها وفقًا للروايات التاريخية والمنطق والوضع الاجتماعي والقبلي.
يتابع عبد الإله بلقزيز رحلته الباحثة في مراحل تكوّن الدولة الإسلامية ونشأتها. وإذ تعرّض في الجزء الأول إلى ثنائية الدينيّ والسياسيّ في مرحلة الدولة النبويّة، فقد اهتمّ في هذا الجزء بمرحلة الخلافة الراشدة وأسباب اندلاع الفتنة. لا يركّز الكتاب على الأحداث السياسية التي عرفتها هذه الحقبة، ولا يهتمّ بسرد التفاصيل، بل إنّه يفترض من القارئ أن يكون على قدر من الإلمام بها. في المقابل، يحاول في أغلب الأحيان فرز الأخبار وتحليل المصادر من أوجه متعددة حتى يمكنه إعادة تشكيل تفاصيل تلك الحقبة بما أمكن من الموضوعية. وهو في ذلك مثلما يقول، لا يواجه تحدّيا ابستيمولوجيا بقدر ما يواجه تحدّيا إديولوجيا أقرّته عوامل الفرقة المذهبية التي أثرت على كل شيء بما في ذلك مصادر المعرفة التاريخية الممكنة.
لم أقرأ بعد كتاب الفتنة للدكتور هشام جعيّط ولكن يبدو أن الكاتب تأثر كثيرا به واستقى الكثير من أفكاره، ما يجعلني حذرا في الحكم على مدى الإضافة التي قدّمها ها هنا. والمهمّ عندي أنّ الكاتب تميّز بمنهجية رائقة، سلسة، تساعد القارئ على الإلمام بالصورة المعقدة، واستيعاب مختلف عناصرها. لقد اهتم د. عبد الإله بلقزيز في آخر أقسام الكتاب بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تراكم الثروة اهتماما بدا لي سطحيا إلى حد ما، اكتفى خلاله بتأكيد استثراء الصحابة وهم الذين لم يتعوّدوا عليها، وتبيين مخاوف عمر بن الخطاب من تبعاتها. لكنّه لم يبيّن بشكل أعمق ذلك المرور التدريجيّ في الأفكار والهواجس المسيطرة على الصحابة، من هواجس العقيدة إلى الخلاف على الثروة. تأخير هذا القسم عوض تقديمه جعل منه أمرا ـ لا هامشيا ـ ولكن بشكل ما، غير ذي تأثير على بقية العوامل، بينما أرى جازما أنّه العامل الجوهريّ والأساس، وأن بقية العوامل الدينية والقبلية والسياسية وغيرها، ليست إلا تمظهرات فوقيّة لذلك. لقد حدثت الفتنة برأيي، لأنّ العرب لم تكن جاهزة للتعامل مع الثروة، ولئن استطاع عمر بن الخطّاب برؤيته السياسية الثاقبة أن يؤخّر المواجهة، فإن عثمان بن عفّان لم يكن قادرا وهو الأمويّ الثريّ أن يدرك مخاطر هذه التحولات السريعة على مجتمع بدويّ. إنّ فتح الأمصار وتراكم الثروة فرض على العرب تغيير نمط عيشهم بشكل أسرع من قدرتهم على الاستيعاب، وقد كان ذلك سببا أساسيا برأيي في بروز الاختلافات في الرؤى وتغليب السلبيّ على الايجابي في العلاقات، وتواتر الأخطاء والانشقاقات وفقدان الثقة والتفكير في المصالح الشخصية الخ... اليوم وبعد نحو ألف وأربع مائة عام من تلك الأحداث الدامية، لا نزال للأسف ننظر إلى تلك الأحداث بشكل انفعاليّ عاطفيّ، ولا نزال نصطفّ خلف انشقاقات أكثر تعقيدا من أن نخطّئ طرفا فيها ونبرّئ آخر. ألف وأربع مائة سنة مرّت، ولا يزال خطاب مثل خطاب بلقزيز نخبويا، ولايزال الخطاب السائد هو خطاب الغوغاء من الشيوخ المتصابين الذين يخفون خواء عقولهم تحت عمامات سنّيّة وشيعيّة...
هذا الكتاب ليس سرد تاريخي للاحداث التي تلت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانما تحليل ودراسة لتلك الأحداث وقراءة لما بين السطور اعتمادا على نفس المصادر التاريخية التي اعتمدها كتاب آخرين .... اعتبر الكتاب من أهم ما قرأت في السنوات الأخيرة
كتاب رائع, لي عودة للمراجعة. -------------- المراجعة الكاملة لسلسلة تكوين المجال السياسي الإسلامي في سبع صفحات لذلك رفعتها على جوجل درايف: https://drive.google.com/file/d/1CPC0...
من أفضل ماقرأت في هذه الموضوع. من اسباب نجاح هذا الكتاب ان درجة التفاصيل وعمقها كانت بالدرجة المطلوبة، فلاهي معقدة ومشتتة ولاهي سطحية بأي حال من الأحوال وكذلك اسلوب الكتابة كان موضوعيا بالحد المقبول ( على الاقل بالنسبة لي)