كاتبة وناقدة أدبية. نالت دكتوراه في الدراسات الاسلامية من جامعة السوربون ـ باريس. وعملت في حقل التربية والتعليم الجامعي. • حاضرت في عدد من الجامعات (تونس، اليمن، باريس) وشاركت في مؤتمرات وندوات أدبية وفكرية في أكثر من بلد عربي وغربي. • نالت جائزة مؤسسة العويس الثقافية لعام 1992-1993، في "حقل الأبحاث الأدبيّة والنقديّة". كما حصلت على عدد من الشهادات والدروع التقديريّة. • كتبت المقالة والدراسة لأكثر من صحيفة ومجلة لبنانية وعربية، وكان لها مواقف وآراء في السجال الذي دار، زمن الحرب اللبنانية، حول علاقة الأدب بالسياسة. • عضو فاعل وعضو استشاري في أكثر من مؤسسة ومجلة ثقافية أدبية عربية. • عضو ورئيسة لأكثر من لجنة تحكيم آخرها جائزة البوكر للرواية العربية. • تركز بحثها مؤخراً حول العلاقة بين المرجع الحي وروائية الرواية العربية. 2008 اختيرت رئيسة للجنة تحكيم النسخة الثانية لجائزة البوكر العربية.
الناقدة التي طالما تناولت السرد الروائي تحلق هنا وببراعة في أكثر من حكاية متفرقة على مراحل العمر، تمرر هذا الشريط الذي حاول اختزال حياتها المليئة بالطفولة في صيدا ومفارقاتها وأسئلتها الأولى والمفاهيم الاجتماعية المختلفة التي تشعل فتيل السؤال على كل اتجاه، مرورا بحكاية اسمها الحقيقي: حكمت.. الذي لم تكن تستسيغه فضلا عن معناه الذي لم يرق لها، لتختار يمنى الاسم الذي راح مع مرور الزمن يؤرقها: «أنا يمنى أقول. فهل طوى الزمن حكمت أم يمنى وحكمت لاتزالان تتصارعان في داخلي؟».
أنا في العادة، لا أقرأ السّير الذّاتية، باعتبارها توثيقيّة أكثر ممّا هي تشويقيّة. لكنّي لم أستطع أن أضع هذا الكتاب في خانة السّير، ولا حتّى في أيّة خانةٍ أدبيّة أخرى. إنّ الكتاب جامعٌ لكلّ أنواع الفنّ الأدبيّ. فاللغة آسرة، يتماهى القاريء وإيّاها في خطّها لوصف متميّز، سردٍ دراماتيكيّ ساحرٍ، وقليلٍ من التوثيق التاريخي الذي أكسب السّيرة مصداقيّتها. إلا أني أعيد وأكرّر أنّي ما شعرت بأنّها سيرة.. بل رواية مرهفة الأحاسيس، تمتدّ على سنواتٍ عدّة باقتضاب، دون أن يملّ اللسان من القراءة، أو الذهن من التخيّل. يمنى العيد بكتابها هذا، أسّست لنوعٍ أدبيّ جديدٍ. وحقيقةً، ما كنت أتوقّع أن حياة هذه الكاتبة مليئة بالأحداث المشوّقة. خصوصًا طفولتها الحزينة والسّعيدة في آنٍ، وأثرها فيما بعد على مسار حياتها. وكأنّ يمنى تختزل حياة الفرد في طفولته التي تكون في معظم الأحيان مؤسّسًا لشخصيّة المرء في مراحل حياته القادمة. لن أكثر من الكلام العموميّ، ولن أكشف عن أيّ تفصيلٍ في الكتاب الذي يؤرّق الرّوح. وإنّما سأتركه لكم كي تستشفّوا فائض جماليّته بأنفسكم. كتاب يستحقّ القراءة. بجدارةٍ!
يمنى العيد..كاتبة مثيرة للاهتمام دون شك لأسباب عديدة، أولها أنها على حد علمي المرأة الوحيدة التي ترأست لجنة تحكيم بوكر حتى الآن وذلك عام 2008. ثانيها أنها صاحبة أكثر من اثني عشر مؤلَّفاً! أحدثها صدر قبل ثلاثة أشهر تقريبا تحت تصنيف سيرة روائية. إذاً ماذا عن الكتاب؟ أعجبتني أكثر من نقطة. أولا اكتشفت أن يمنى العيد ليس اسمها الحقيقي بل هو اسم شهرة! ثانيا أعجبني أنها تميزت منذ صباها وناضلت لتنال عقها في التعليم وذلك في خمسينات القرن الماضي.
ما الذي لم يعجبني؟ لغة الكتاب..قوية لكنها تجنح في بعض الأحيان إلى كثرة التشبيهات التي تصبح في النهاية غير مفهومة. لاحظت بوضوح أن هذه الصفحات كانت ثقيلة وأن أجمل الصفحات كانت تلك التي تحدثت فيها عن مدرستها ثم جامعتها، أي ما يُتوقع من سيرة ذاتية.
إذاً هل أنا راغبة بالقراءة لها مجددا؟ أعتقد أن الإجابة هي نعم :)
لعل الشعور العام الذي يخالج القارئ عبر سياحته في جزئي السيرة، (أرق الروح) ثم (زمن المتاهة)، هو الشعور بمغالبة الكاتبة لحياة متثلمة وناقصة ومليئة بالثقوب، وهي طوال رحلة التذكّر تحاول أن تستعيد محاولاتها الكادحة في رتق الثقوب وملء الفجوات مستعينة بالصبر الجميل والأحلام الممكنة. وكانت إزاء دراما الحياة المعيشة ودراما تاريخ بلدها لبنان تهرب من نفسها إلى نفسها، ومن وطأة الحدود والتقاليد إلى أفق التحقق والمعرفة، ومن الحروب والدمار إلى فسحة التسامح واستبصار ما يأتي. و كأي كتابة عن السيرة تأتي الذات في المقدمة، من أجل الاستنطاق والفهم والاستشراف من علو. وفي حالة (أرق الروح) نرى الكاتبة منذ البداية تهرب من ذاتها القديمة المقدَرة لها بحكم المولد والنشأة والبيئة، نحو ذات أخرى تصوغها كما تودّ لها أن تكون وتتشكل. فتهرب من (حكمت المجذوب) وهو اسمها الرسمي الحقيقي إلى (يمنى العيد)، وهو الاسم الأدبي الذي اختارته معبراً عن وجودها الآخر وكينونتها الجديدة المتطلعة إلى عالم يشبهها وتشبهه. وكانت بذلك تنأى شيئاً فشيئاً عن محيط (صيدا) الضيق المفعم برائحة التقاليد وسجن العائلة وركود المجتمع وقلة شأن النساء، نحو موقع آخر تكون (بيروت) فيه هي البديل المشتهى، حيث العلْم والثقافة والانفتاح، وحيث رفاق القلم والنضال والحياة التي تمور. وهناك يتبلور الحلم بالتعليم الجامعي والزواج ومسيرة الكتابة والانفتاح على أفق السفر إلى فرنسا واستكمال الدراسة العليا في باريس. ورغم هذا الانجذاب إلى بيروت إلا أن الأقدار كانت تنسج خيوطها للعودة إلى (صيدا) مسقط الرأس ، لتشتغل يمنى العيد في مجال التدريس والتربية ردحاً من الزمن ، ثم لتغادرها مرة أخرى إلى بيروت بعد إتمام مهمة التأسيس للتعليم الثانوي برؤى منفتحة وقلب جسور .
كان الأحرى أن تسمي كتابها "ألق الروح"..روحها رغم كل القلق والأرق الذي عاشته إلا أنها تعبر إليك بألق عجيب..تتألف معها وكأنها أختك..شخصا تعرفه جيدا! أو ربما أن كل امرأة تجد في الأخرى شيئا يشبهها..كانت تتحدث عني أحيانا! وفي الصفحة 241 قالت عن والدها الذي مات " سأوصي بدفني قربك علّ ترابك يضمني إليك فأحظى في مماتي بما لم أحظ به في حياتك" فتذكرت إهداءي إلى والدي في روايتي "أحزان إليكترونية"! يبدو أن أغلبنا لا يعرف اباه جيدا..! أغرمت بسيرتها وكأنها ذاتي..