كتبت هذا الكتاب في عام 1954، وظل مطويا في الظلام، وأنا أعود إليه من حين إلى آخر بالقراءة، والمراجعة: فأحذف هنا، وأزيد هناك بعض ما يعن لي من خواطر مكملة للموضوع، حتى جاء الكتاب بالشكل الذي أعده مرضيا لي كل الرضا، وصادقا كل الصدق في التعبير عما أردته من وضعه. وها هو ذا اليوم يخرج من الظلام، بفضل دار المعارف بمصر، وأنا أكثر ما أكون رضا عنه واعتزازا به.
ولد عيسى إبراهيم الدبابنة، في قرية ناعور عام 1918، وأتم دراسته الابتدائية في القرية والثانوية في المدرسة الاكليريكية في القدس عمل في تدريس اللغة العربية وآدابها خمس عشرة سنة في مدارس أهليّة في فلسطين والأردن، ثم عمل سكرتيراً ومفتشاً لإدارة مدارس الاتحاد الكاثوليكي في الأردن ثلاث سنوات، وموظّفاً في وزارة التربية والتعليم إحدى وعشرين سنة 1954-1975، ولمّا أُسّس مجمع اللغة العربية الأردني عام 1976 عمل أميناً عاماً له حتّى وفاته.
كانت صلته وثيقة بالعديد من أعلام الأدب العربي والإيطالي والمستشرقين في أنحاء العالم. وتقديراً لجهوده الأدبية كرّمته إيطاليا بمنحه درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة باليرمو عام 1976، وهو ثالث عربي ينالها بعد طه حسين وحسن عثمان، وبجعله عضو شرف في مركز العلاقات الإيطالية العربية، وعضواً في أكاديمية أصدقاء أومبريار، كما منحته الأكاديمية العالمية للفنون والثقافة في تايبي في تايوان الدكتوراه الفخرية عام 1981م.
شارك في عدد كبير من المؤتمرات العربية والدولية والاستشراقية، ونال وسامين رفيعين تقديراً لأدبه من رئيس الجمهورية التونسية والجمهورية الإيطالية. ودعي لإلقاء محاضرات عديدة بالعربية والإيطالية والإنكليزية في عدّة بلدان عربية، وفي جامعات إيطاليا والاتحاد السوفيتي وإسبانيا والمجر. ترجم بعض أعماله الأدبية إلى الإيطالية، والانكليزية، والروسية، والمجرية، والفرنسية، والإسبانية، وكان عضواً مراسلاً للمجمع العلمي العراقي والمجمع العلمي الهندي.
أصدر مجلّة "القلم الجديد" الأدبية الشهرية عام 1952، واستمرت لمدّة عام فقط واستطاعت برغم قصر مدّتها وضآلة إمكانيات صاحبها ،أن تتخطّى ضفّتي الأردن لتصل إلى مختلف الأقطار العربية والكثير من أوساط الاستشراق في العالم.
جاءت قراءتي لهذا الكتاب بعد أن استعرته من إحدى قريباتي، وقد كنت راغبة بقراءة أحد أعمال عيسى الناعوري بوصفه من أدباء الأردن الكبار، وقد ظننت الكتاب في البداية رواية، كما ورد على موقع وزارة الثقافة الأردنية، لكنني أثناء قراءته اكتشفت أنه سيرة ذاتية للمؤلف. ربما ليس من الممتع أن تقرأ سيرة ذاتية لكاتب قبل أن تقرأ شيئا من مؤلفاته، لكنني رغم ذلك أكملته. أعجبتني قصة كفاحه المرير، فهو بحسب ما قال عن نفسه لم يتلق تعليما سوى لمدة أربع سنوات فقط (وكان ذلك في الدير كونه مسيحيا وهذه أيضاً معلومة جديدة بالنسبة لي). فأن يتلقى شخص تعليما لمدة أربع سنوات فقط ثم ينمي موهبته بنفسه أمر جدير بالاحترام. أيضا أعجبني ذكرياته عن وفاة أمه، فقد أجاد الوصف ونقل المشهد.
مما لم يعجبني في الكتاب مبالغته الشديدة في التحسر على قسوة طفولته، حتى أنه ملأ الكتاب بعبارات (لو) و(ليت)، في حين أنني أظن أن قسوة الطفولة تكون هي الدافع في كثير من الأحيان للإنسان للتميز.
أيضا مما لم يعجبني وصفه لمغامرات مراهقته بالتفصيل مع "نورا" و"وردة" وغيرهن، والتمنيات التي كانت تجول بخاطره، في حين أنه لم يذكر كلمة واحدة عن زوجته، ولم يشر ولو إشارة عابرة إلى أي من أبنائه، فيما عدا ذكره أنهم ستة (صفحة 17).
اللغة جاءت متوسطة. ليست ركيكة ولا جزلة. مجموع التقييم نجمتان.