ابطال الرواية:أحمد فلسطيني مسلم سني _جورج دمشقي مسيحي_فواز من القامشلي يحمل افكار شيوعية عن والده_موسى دمشقي يهودي و العديد من سكان قصر شمعايا من اللاجئين الفلسطينين و جيرانهم اليهود... تروي الرواية الفترة التي قررت فيها الحكومة السورية فتح بيوت اليهوديين غير المقيمين بدمشق لإسكان اللاجئين الفلسطينين و كان قصر شمعايا أحدها حيث حوى بغرفه الكثيرة العديد من الاسر الفلسطينية و تحدث الكاتب عن مجريات حياة هذه الاسر،حيث نجد أسرة جيرانهم اللذين هاجروا للدول الاسكندنافية و هناك بدأوا يفقدوا انفسهم و هويتهم،و جارتهم ام حسين الداية و المداوية بالطب الشعبي و صاحبة الافكار الخلاقة التي جعلتها تغير واقع اسرتها المعيشي البائس و جعل جيرانها يغارون منها و يحاولون تقليدها لكنها دائما كانت متجددة...جارتهم عيشة التي كانت تؤمن بتفسيرات الاحلام و تنبات بمقتل اقرب الناس لها و هو زوجها بعد حلم راودها ،و عن حياتها و زوجها البسيطة الفلاحية بالجليل ،،،فاطمة التي تشارك بكل المناسبات و تزعرد للفدائيين و ام العبد و بناتها و ما آل وضع بناتها من امتهان بعض المهن الوضيعة إلى ان تزوجن و توفي زوجها إثر إدمانه الكحول...و أحمد و عائلته و تعرفه على مكونات المجتمع الدمشقي المتناقضة و المتعايشة مع بعضها بكافة طقوسها و اختلافاتها الفكرية و العقائدية ،إلى أن ذهب للعمليات الفدائيية و وقوعه بالأسر ثم عودته من الاسر ليجد صديقه جورج قد تخرج و تزوج و صديقه فواز قد اصبح فنانا معروفا و تزوج و موسى ايضا بعد ان سافر و درس الفن السينمائي و هنا تبدا صعوبه تاقلمه مع المحيط إلى ان يدرس الفلسفة السياسية في لبنان لكنه لم يجد امرأة ترضي طموحاته و آراءه و تشابه حبه الاول لرشا التي ابعدها عنه زواجها من رجل خليجي و أبعد هذا الزواج رشا عن ذاتها و هويتها و انتمائها مع منع زوجها لها من ان تحقق بعض الاشياء التي تذكرها بانتمائها و ما زاد محنة رشا هو انحراف ابنائها عامر الذي اصبح مسلما متشددا يخجل بأمه و اخته بعد تاثره باهل ابيه بالسعودية و سامر الذي جرفته التربية الامريكية و تطوع بالجيش الامريكي ليقاتل بالعراق و هو ما جرح أمه جدا... أرخت هذه الرواية تلك الفترة من التاريخ السوري و الفلسطيني لكنها جعلتني أعيش مع الإنسان بمختلف طوائفه ذلك الإنسان الذي خربت إنسانيته السياسة او جعلته ينقسم داخليا بحثا عن ذاته الإنسانية المفقودة...
يغوص علي الكردي عميقا في ذكريات طفولة تعوم في فضاء بيئة شديدة التعقيد من جهة وغاية في البساطة من جهة أخرى. ولعلها – هذه الرواية- بحث في تفاصيل أزمة وجودية يعي لاجئ فلسطيني طفل ذاته وهو يحملها في بيئة متنوعة ومتعددة، يبدو هو ذاته في وسطها كإضافة غرائبية، تعلن عن تناقض الألم والدهشة لباحث سوسيولوجي شكلي سرعان ما تصدمه المتناقضات غير المتوقعة. في مكان هو بيئة دمشق القديمة التاريخية وفي أحد تفاصيلها الأكثر حساسية ربما، حارة اليهود الدمشقية الكلاسيكية ، تنفجر الحكاية مع وصول اللاجئين الفلسطينيين الذين يتم استيعابهم في مفارقة ربما كانت ذات دلالة في بيوت اليهود الذين تركوا دمشق إما ليهاجروا إلى فلسطين أو أوربا وأمريكا. انه مكان التكوين الأول حيث اكتشف اللاجئ أنه صار لاجئاَ فوقف محتاراً وسط هذا الوجود الغرائبي ما بين نادب حظه أو متمرد على واقعه. في قصر شمعايا يحاول اللاجئون ومنهم بطل روايتنا إعادة تشكيل عالمهم وسط اغتراب متجذر في الإحساس والإرادة، مع سعي دؤوب مثابر للاحتفاظ بما تبقى من شذرات ذاكرة مغتصبة!! من هذا المكان يتتبع الكردي مصائر شخصياته ومكابداتها في السعي لمصالحة مع الذات والعالم في خليط ديني وثقافي يساعد حيناً ويجهض الحلم بمأساوية حيناً آخر. ربما تكون (قصر شمعايا) إذا هي حكاية ألم اللاجئين الذي لاينتهي أكثر مما تكون حكاية ذواتهم المتفردة، باعتبار أن ألم اللجوء يعيد توحيد المصائر من حيث الجوهر وان اختلفت من حيث الشكل. وربما يكون حجر الأساس في الرواية (إضافة إلى جوهرية مصائر اللاجئين هنا) هو إعادة اكتشاف الآخر، اليهودي العربي، في بيئته الأصلية غير الملوثة بالصهيونية وإسرائيل، إعادة اكتشافهم كمواطنين عاديين يعيشون أحلامهم وأوهامهم كما غيرهم. ولا شك أن التطرق لهذه الموضوع، استعادة يهود دمشق في وضعيتهم الأصلية (وان كان مكان الرواية يفرضه موضوعيا) يشير إلى جرأة من الكاتب بطرق موضوع لعله مازال يعتبر من المحرمات، لامسه الفكر السياسي قليلا وابتعد عنه الأدب والاجتماع العربيين. تتبع مصائر الشخصيات اليهودية في رواية علي الكردي لايقل أهمية عن تتبع مصائر شخصياته الفلسطينية، خصوصاً وأنه لامس الموضوع الأكثر حساسية، وهو إزالة التهمة المسبقة عن أنهم كانوا جميعاً عملاء للصهيونية- ما عملت على تعميمه الحركة الصهيونية نفسها- والتحرر من صنمية المصير الإجباري لهؤلاء اليهود بالانتهاء في إسرائيل، ما ننجح الكاتب في تجاوزه دون أن يعمم وبقدرته على إبقاء الباب مفتوحا لما يتوقعه القارئ (نموذج الطيار الصهيوني الأسير). إلى ذلك اتسمت الرواية التي جاءت صغيرة الحجم، بإمكانية تفتح وتوسع كبيرة، تركها الكاتب ربما لإصراره كما صرح على تقديم رواية قصيرة سهلة القراءة وتمكن القارئ من إعادة اختراع الأجوبة على أسئلتها المتعددة.. ومن المحاور التي كان من الممكن للكاتب التوسع فيها ربما الإضاءة أكثر على شخصية والد البطل الرئيسي (أحمد) وبالتحديد البعد المتعلق بعمله كمنشد ديني، مقابل عمله الأصلي كـ (كوا)، كما كان يمكن الغوص أكثر في العلاقة السرية بين أبيه وأمه وصورة زوجها الشهيد، بدلالاتها المتعددة!! ومن المحاور أيضاً محور ابني (رشا) وتناقض مصيريهما باتجاهين كل منهما محبط ومأساوي، رغم تناول هذه الثيمة في أعمال لكتاب آخرين وكذلك في السينما، إلا أن الشغل عليها كان ممكناً، وآخر هذه المحاور ربما والأكثر خطورة وأهمية ربما، كان محور الطيار الصهيوني، الذي كان دمشقياً في يوم من الأيام وعاد ليقصف مدينته ويقع في أسرها هذه المرة باعتباره (العدو)، ولكن للكتاب أفكارهم أيضا وللقارئ أن يعيد اختراع الحكايات كما يريد! في الجزء الأخير من هذا التعليق، لابد من القول أن علي الكردي في روايته الأولى، بعد مجموعة قصصية يتيمة، وتاريخ طويل من العمل الصحفي، نجح برأيي في امتحان التجربة الأولى ممسكاً بزمام حبكته، وشخصياته، في عمل روائي ناجح يستحق ما تستغرقه قراءته من وقت.