مذكرات قاسم محمد الرجب (1918-1973) صاحب مكتبة المثنى الشهيرة ببغداد وفيها يتكلم باسلوب سهل وممتع عن كل مايتعلق بالكتب وتجارتها ومؤلفيها والحياة الادبية في العراق ورموزها منذ مطلع القرن العشرين. This is the autobiography of Qasim Muhammad al-Rajab (1918-1974), owner and founder of the famous Al-Muthanna Bookshop in Baghdad. The books tells the story of books trading and the cultural life in Iraq from the beginning of the 20 century.
يتحدث صاحب مكتبة المثنى قاسم محمد الرجب عن ذكرياته في قالب مقالات منشورة عن سوق السراي في العراق، ما كان معروفًا بذلك الوقت بسوق الكتب قبل شارع المتنبي الحديث، وما يحدث فيه من عجائب وطرائف محبين الكتب وطرق تعامل الكُتبيين، ومدى خبرتهم، ومعرفتهم بحرفتهم، وأساليبهم في البيع، واسعار الكتب، ومشاكل الورق، ومشاق الطباعة والأستيراد. يتحدث عن الرقابة، عن المنع، عن المصادرة، ويتحدث ايضًا عن سيرة مليئة بالكفاح والجهاد، الحق لله من يرى سيرة هذا الرجل العصامية وكيف صعد من قُعر الفقر المدقع إلى قمة المجد والغنى، يستغرب بشكلًا ملفت، ويقول هل قاسم الرجب مثل بقية البشر؟ فلا يحير جوابًا. يذكر قاسم الرجب ذكرياته الأولى عن الكُتبي نعمان الأعظمي، وكيف كان يعمل لديه ٧ سنوات بلا كلل او ملل، حتى في أيام تعبه ومرضه، بِلا إجازة او راحة، في أيام الأعياد والعُطل، بل انه تجشم عناء التنقل سيرًا على الأقدام من الأعظمية إلى بغداد بِلا وسيلة تنقل، فقط من أجل ان يعمل ويسد حاجة أهله. وبعد ذلك يأتي على ذكر مكتبته (مكتبة المثنى) التي افتتحها في عام 1941 وما واجه من الصعوبات والمعوقات الكثيرة، وكيف تجاوزها جميعًا بحنكته وخبرته العظيمة. ويأتي على ذكر سفره لمصر، وتعرضه للسجن من أجل الكُتب والثقافة، وترصد الرقابة له، واغلاق مكتبته مرارًا وتكرارً. الكتاب مليئ بالحِكم والعجائب والأمور المضحكة جدًا، وقد اشتمل وعدد كثيرًا مما يتعلق بصنعة الكُتب وبيعها والمتاجرة بها. يجدر الذكر ان المقالات تحتاج لإعادة تحقيق، بل انها في كثير من المواضع مشتته ومربكة لتداخل المواضيع على بعضها، ولتكرار الممل في بعض العناوين. ومن المهم التذكر قبل الحكم على الكاتب وفكره بل حتى عقليته، انه محصور بزمان مكانه، ومعية عصره، ولذلك لا يجدر اصدار حكم عليه، بل التركيز الكامل على تحصيل الفائدة من مذكراته، ولا شك ايضًا ان هناك مبالغات وأمور لا تقبل التصديق. عدى ذلك الكتاب رائع جدًا وبهي، ومخصص فقط لمن احب الكُتب وعشقها وهام فيها. اللغة سهلة ومستساغة، محببة للنفس كثيرًا. رحم الله قاسم الرجب وغفر له ما تقدم وتأخر من ذنبه، وجزاه الله خير الجزاء على نفعه العالم العربي اجمع بما نشر وطبع.
من ألذِّ ما قرأتُ من المذكراتِ مذكراتُ قاسم الرجب الكتبي صاحبُ مكتبةِ المثنى، هذه المذكراتُ ظللتُ فترةً طويلةً أبحثُ عنها حتى بالمكتبةِ المركزيةِ فلمْ أجدْ لها أثرا إلى أن يسر المولى إيجادَها بعد انتظارِ ثلاثة أشهر، وهذا أظنُّه سببٌ آخرُ جعلني أتلذذُ وأستمتعُ بالإبحار في الكتابِ قاسم لديه قصةُ كفاحٍ، فهو قد عاشَ حياةَ الفقر والعوزِ والحاجةِ والفاقةِ إلى أن وصلَ به الأمرُ أنه لم يجدْ ما يشتري به ثوبًا للمدرسةِ،وعجزَ عن سدادِ ثمنِ ثوبِ العيدِ للخياط (فبقيتُ في داري لا أخرجُ منها حتى انتهى العيدُ (السعيد))، ولديه كذلك قصةُ عشقٍ للكتاب: قرائته، البحث عنه، طباعته، نشره، بيعه... يؤرخ الرجبُ لتجربته في مكتبتِه ويتوسعُ كثيرا ليصحبَنا في كل ما يتعلقُ بالكتابِ من سفراتٍ، وذكرياتِه مع النشرِ والورق والرقابة والكتب الشيوعية والمكتبات المنافسة في سوقِ السراي وبيع المجلات، ودخولِ السجنِ بسبب بعض الكتب، ومؤلفات عظيمة فرط فيها فباعها ثم ندمَ ككتاب البعثةِ العلميةِ المرافقةِ لحملةِ نابليون
هنا قيدتُ بعضا من الفوائدِ التي ظفرتُ بها:
_ لكتاب الأغاني يعودُ الفضلُ في إذكاءِ روح المطالعةِ التي أحببتُها كثيرا
_ هناك كثرةٌ من أصحابِ الأقلام لم أرهمْ قد دخلوا السوقَ، أو اشتروا كتابا، وهذا أمرٌ عجيبٌ، ولم أجدْ من أصحابِ المكتبات بالسوقِ من أحرز ثروةً إذ المعروفُ أن الكتبَ لا ثراءَ منها قط
_ كثيرٌ من اليهودِ كانوا يتجرون بالمصاحف ولوحاتِ الآياتِ القرآنيةِ
_ الكتابُ العربي الذي يطبعُ في أي بلدٍ كانت أسواقُ العراقِ تستهلكُ ٧٠ ٪ مما طبعَ منه، وكذلك المجلات
_ كان أكثرُ من يشتري الكتبَ المستعملةَ هم من اليهود، فإن أحدهمْ لم يكن قط يشتري كتابًا جديدا مهما كان غنيًا
_ يُعدُّ العراق أفقر بلاد العالم قاطبةً بالمخطوطات إذا ما قيس بمصرَ واستنبول ودمشقَ والهندِ
_ لم يصرفْ كتاب أسرع من تصريفِ كتاب (طبيعة المجتمع العراقي) للدكتور علي الوردي، فإن الكميةَ التي وزعت منه كانت ستة آلاف نسخة نفدت كلها خلالَ خمسة عشر يوما فقط
_ الرقيبُ هو هو لم يتغيرْ منذ الحكمِ العثماني
_ لم يكن يقر لي قرارٌ ولا يرتاحُ لي بالٌ عندما أُسبق باستيرادِ أي كتاب، بل كنتُ ولا أزالُ سباقا إلى استيرادِ كل كتاب يصدرُ
_ لابد من القولِ أخيرًا أني ما بلغتُ الذي بلغتُ إلا لأني كنت مستقيمًا في عملي، بعيدًا عن كل ما يغضب الله تعالى، فلم أدخنْ ولم أشربْ ولم أرتكبْ منكرا قط، ولم يشغلني شاغلٌ عن تربيةِ أولادي، والمطالعةِ الكثيرةِ، والإخلاصِ في توسيعِ نطاق عملي، وخدمةِ المكتبة بكل سبيلٍ
هي مش مذكرات، هي مجرد تجميع لمقالات لصاحب مكتبة المثنى الي كان بينشرها بشكل دوري في الجرائد. مواقف وطرائف وغرائب،. مثلها مثل حديث رجل طاعن في السن يروي لك ما يتذكره من أمور غريبة ومضحكة وقعت له في حياته ليس أكثر
"ولا بد من القول أخيراً أني ما بلغت الذي بلغت إلا لأني كنت مستقيماً في عملي بعيداً عن كل ما يغضب الله تعالى، فلم أدخّن ولم أشرب ولم أرتكب منكراً قط، ولم يشغلني شاغل عن تربية أولادي، والمطالعة الكثيرة، والإخلاص في توسيع نطاق عملي، وخدمة المكتبة بكل سبيل."
إطلالة على حياة كُتُبي حصيف وناشر قديم، عرفت بها كيف كانت سوق الكتب والثقافة قبل ستّين سنة بالأخص في العراق ، والتي -إن أصاب نظري- كانت بدائية فوضوية في حالة لا تشجع على القراءة ومكابدة البحث والاطلاع، وإن تخرج بها جمهرة من العراقيين النابهين تلك الأيام، ويبدو منها أن العالم العربي إلى قبيل السبعينيات لم يعرف دور النشر ولا تنظيم التوزيع وتسهيله ولا غفوة الرقابة.
شيئان أعانا قاسم الرجب بعد الله على هذا النجاح الكبير في هذه البضاعة الكاسدة-مع الأسف-أولهما أنه نشأ مُعدماً فقيراً لم يكمل تعليمه واضطر للعمل طفلاً، فعركته الحياة حتى اشتدّ عوده بالعصامية، ثانيهما أن أصحاب المكتبات جهّال يعاملون الكتب كما يعاملون رزم الورق، ولشدة جهل سوادهم الأعظم بما في داخلها أو بموضوعاتها ربما اشتروها بالوزن وباعوها لشركات السجائر، أما هو فقد كان يقرأ ما يبيع في طفولته وأحب القراءة، وأظن السبب أنه لما انقطع طفلاً عن التعليم وجد العزاء والعوض في المطالعة، وحسنٌ له ذلك فإن كثيراً من المتعلمين آلات صمّاء تحسّست بيد فاترة قشور العلوم والآداب ولم تزد على ذلك.
وشاء الله أن يطيل في عمر هذا الجهل، فأدركناه في زماننا وأحسبه-قتله الله-سيعيش أكثر منا، وهو أهون وأخفّ وطأة في المكتبات التجارية، لما تمليه منافسة السوق وحب المال من العناية بالمعروض من الكتب، ولكنه أشد تفشّياً وأوقح ظهوراً في المكتبات العامة والجامعية، جرعت من مرارته أنا مرات كثيرة، منها مرة لا أنساها في مكتبة عامة كنت زائرها اليتيم، تلتحف كتبها التراب ويستلقي بعضها على بعض بفوضى، رآني رجل المكتبة أستعير كتاب "مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس" في أخبار الحملة الفرنسية على مصر للمؤرخ الجبرتي المتوفى سنة 1825م، رآني فقطّب في وجهي وانتهزه مني وأنكر قائلاً: من سمح لك باستعارته؟ وربما راعه من اسمه كلمة "التقديس" فظنّه كتاباً خطيراً في العقائد أو مما يحث على التطرف والتكفير فأضمر في نفسه شناعة معتقدي وسوء مقصدي، لكنه لطيبة قلبه وسماحة نفسه أشفق على غرارتي وعطف على ضلالتي، وأخذ يعظني بمخاطر الإرهاب وخطورة التطرف وشناعة مذهب الخوارج، ثم عاود النظر في الكتاب فشعر من كلمة "الفرنسيس" أن أولى به أن يكون كتاب انحراف وكفر وإلحاد، فعكس الكلام بلباقة إلى ذمّ الإلحاد وتقبيح الفلسفة وتخطئة الكفّار، ثم قرر في نهاية الحديث أن يكون مع الوسطية والاعتدال في ذمّ الجانبين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
إن القارئ الذي ساح في المكتبات عامّها وتجاريّها ونفض الغبار وفكّ القرطاس وخالط الورّاقين والمرتادين وسمع منهم حَكيهم وبثّهم سيجد في هذه المذكّرات أُلفة من يشترك معه ويقاسمه ويفيده في التجربة الثقافية من هذه الناحية الخاصة. شان المذكّرات افتقادها لبعض الإشراق في الأسلوب، والتكرار لبعض الحوادث(وهذا من خطأ محرر الكتاب) وكثرة ثلب المؤلف للناس المذكورين فيها مع قلة ثنائه عليهم، وقد يذكر موقفاً تافهاً ليثلب به المذكور، ولا جرم كثير من العصاميين هكذا، من الذين شدّ الدهر عليهم وغدر المقرّبون بهم فساءت ظنونهم.
"منذ أن افتتحت مكتبتنا المسماة مكتبة المثنى سنة ١٩٣٦ دأبت على الحصول على كل نادر من الكتب العربية المطبوعة، حتى باتت مختصة بذلك. وهي تعتبر أول من أدخل الكتب المطبوعة في أوروبا إلى العراق". بهذه العبارة التي كتبها قاسم محمد الرجب لك أن تعرف أهمية هذه المكتبة. ولقد جذبني الكتاب لما حوى من معلومات تأتي في صلب دراستي الجامعية، كتاب رسم لي معالم عن طبيعة تجارة الكتب في البلاد العربية لا سيما العراق في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها. وإليكم بعض المعلومات التي عرفتها: ١- كان الشيخ أمجد الزهاوي، وهو فَقِيه عراقي بارز عُرف بورعه، لا يدخل المكتبة قبل أن يخلع نعليه ويضعهما تحت إبطه وهو بهذا يتحاشى أن يدوس ورقة إذ ربما كان في تلك الورقة لفظ الجلالة.
٢- إن البغدادي إذا أفلس باع مكتبته، وكذلك إذا تزوج، أو أراد شراء دار له
٣- إن إيران تستورد م�� يصل العراق من نفائس الكتب بمعدل ٧٠٪
٤- إن الكردي لا يشتري كتاباً ما لم يكن ورقه أصفر من النوع النباتي، فإن لم يتوفر له ذلك يعمد إلى شراء شيء من الزعفران يصبغ به صفحات الكتاب كافة.
٥- يُعدّ العراق أحسن سوق لبيع الكتب وأعظمها إذا ما قيس بسائر الأقطار العربية.
٦- كان أكثر من يشتري الكتب المستعملة هم من اليهود، فإن أحدهم لم يكن قط يشتري كتاباً جديداً مهما كان غنياً.
٧- يُعدّ العراق أفقر بلاد العالم بالمخطوطات إذا ما قيس بمصر واسطنبول ودمشق والهند.
٨- مكتبة المثنى سميت كذلك نسبة إلى ( المثنى بن حارثة الشيباني ) أحد قادة الجيش الإسلامي الذي فتح العراق.
٩- لقد فتحت مكتبة المثنى الطريق واسعة إلى التعريف بالكتاب العربي لدى جميع الجامعات المعنية بالاستشراق وبيعه في مختلف أنحاء العالم.
١٠- المفروض في باعة الكتب أن يكونوا مهذبين مؤدبين، وأن يكونوا متسمين بالكياسة والأدب وحسن اللقاء.
صفحة من تاريخ الثقافة العربية والنشر والمكتبات،للكتبي العراقي الأشهر قاسم الرجب صاحب مكتبة المثنى التي طارت شهرتها خارج العراق،من الممتع قراءة مذكرات او ذكريات هذا الرجل لنعرف حالة النشر والثقافة في العراق ومراكز الطباعة العربية،كان المؤلف من الصنف من الكتبيين الضالعين في معرفة الكتب والمؤلفين،فلا يكاد يعرف كتاباً مفيداً الا استورده ما نشط الحركة الثقافية في العراق.
عاصر المؤلف بداية انتشار الكتب المطبوعة في العراق واختفاء المخطوطات او الكتب القلمية،فقد عمل منذ بداية حياته في مكتبة كانت الاشهر في ذلك الوقت،وعندما حصل خلاف بينه وبين صاحب المكتبة التي عمل فيها سنوات قرر ان يستقل بعمله الخاص ونجح نجاحاً باهراً
تحدث المؤلف عن كثير من محبي الثقافة والكتب التي كان يترددون على مكتبته وكان كثير منهم من الضباط والسياسيين والكتاب ما جعله قريب من ذلك العصر التي كانت الكتب لها سوقاً رائجاً،كان المؤلف اول من اعاد تصوير الكتب التي حققها المستشرقين التي اختفت ولم يعد لها وجود في المكتبات فحصل منها نفع كبير
في الكتاب عدة لمحات جميلة تستحق ان تقرأ سيستمتع به من يحب هذا النوع.
لم يعن قاسم الرجب بحجم ما كان يعرضه على رفوف مكتبته، وإنما بنوع ما يعرضه منها. ولم يكتف باستيراد أو تسويق نفائس الكتب، وإنما شرع، في السبعينات بخطوة رائدة، لم يكن مسبوقاً إليها على الاطلاق، وهي إعادة طبع تلك النفائس النادرة بالتصوير بطريقة الأوفيست وتجليدها على نحو مطابق لأصولها. أصدر أول مجلة شهرية في العراق، سماها (المكتبة) وكانت مجلة معرفية، ضمت بحوثاً جادة في نقد الكتب، والتعريف بالمخطوطات النادرة، ورسائل لكبار المحققين والباحثين، فضلاً عن متابعة جادة لآخر الأخبار الثقافية في العراق والأقطار العربية والعالم، بالإضافة للتعريف بإصدارات مكتبة المثنى.
مذكرات قاسم الرجب، وجدت في دفتر خاص به، وكان قد نشر بعضاً منها في جريدة البلد البغدادية قدم لها وعلق عليها د. عماد عبد السلام رؤوف. قاسم الرجب، رجل أحب الكتب فخدمها بكل ما أوتي من قدرة. كتاب ممتع نفيس؛ أنصح به.
هذا القاسم في أمر الورق والوراقة خادم المكتبة والعلم الكتاب هذا من أنفس الكتب واهمها يحوي تاريخ كفاح شخصي وكفاح علمي وهمه عالية في إنشاء مكتبه فب عصر اقرب ما يقال عنه بأنه امي قد تكون مذكرات او طريقة تأسيس مكتبة رغم كل الصعوبات يستحق القراءة أكثر من مره
كتب مذكراته هذه في حلقات متسلسلة نشرها في جريدة البلد البغدادية
ترك قاسم الرجب المدرسةَ وهو في سادس ابتدائي ليبيع الصحف لعله يتمكن من مساعدة أهله، وكانت أحوالهم المادية ليست بذاك، ثم اشتغل عند نعمان الأعظمي صاحب المكتبة العربية سنة ١٩٣٠م وكان راتبه ضئيلا جدا، وبقي يعمل سنتين ويقوم بعمله أحسن قيام ولا يتبرم ولا يتذمر من قلة الراتب.
ثم ترك قاسم مكتبة نعمان الأعظمي بعد أن أرهقه بقلة الراتب وكثرة الشغل، وكان بخيلًا ولم يتحمله قاسم، فتركه من غير رجعة. ثم اقترض مالا من خالته واشترى من لندن كتاب معجم الأدباء وبدأ يتاجر ويربح في يومٍ قيمةَ راتبه أيام كان عند الأعظمي!
سمى مكتبته أولا مكتبة المعري، وكان وهو صغير يحفظ كثيرا من لزومياته ونتفًا من رسالة الغفران، يقول عنها: التي كنت اقرؤها فلا أفهم ما ذكره فيها حتى نشرها كامل كيلاني وشرح بعض مفرداتها وأسماء من جاء ذكره فيها فحبب إلي مطالعتها.
افتتح مكتبة المثنى سنة ١٩٣٦ وهي أول مكتبة تدخل الكتب المطبوعة في أوروبا إلى العراق، فأصبحتْ تُقصد من كافة العلماء الأدباء لما احتوته من النفائس المطبوعة بمختلف مطابع العالم، فلما قلّت تلك الكتب بعد الحرب العالمية الثانية، شرع بنشر الكتب النادرة بطريقة التصوير الأوفسِت، وكان أول من فكر في البلاد العربية بهذا الأمر.
من أسباب نجاح مكتبة المثنى: أنها لا تهمل طلبًا، ولا تتأخر عن الرد على أي رسالة تصل إليها من كافة أنحاء العالم.
يقول عن جده واجتهاده: كنت أبذل قصارى جهدي في الحصول على كل نادر من المطبوعات العربية. وأصبح يبعث الكتب إلى جامعات اليابان وكندا وغيرها.
لم يُعنَ قاسم الرجب بحجم ما كان يعرضه على رفوف مكتبته، وإنما بنوع ما يعرضه منها، فطفق يستورد ذخائر التراث العربي التي كان يحققها المستشرقون.
لم يكتف باستيراد أو تسويق نفائس الكتب، وإنما شوه في السبعينيات بخطوة رائعة لم يكن مسبوقا إليها على إلاطلاق، وهي إعادة طبع تلك النفائس النادرة بالتصوير بطريقة الأوفيست وتجليدها على نحو مطابق لأصولها. المشروع كان من الضخامة ما تنوء به المؤسسات الكبيرة، لا الآحاد من الرجال، ومع ذلك فقد تكفل الرجب بالقيام به وحده.
قال صلاح الدين المنجد: إن الأفراد في شرقنا قد يقومون أحيانا بأعمال عجزت عنها الحكومات نفسها، وإن صاحب مكتبة المثنى مثال واضح لذلك، فإن مجلة المكتبة التي يصدرها قد سدّت مسد هذه النشرات التي كنا نطالب بها، وإذا به وحده يقوم بما كان ينبغي أن تهتم به الهيئات الرسمية والمؤسسات العلمية.
ويقول عنه الطناحي : كان من خير الوراقين وأنبلهم وأعلمهم في هذا الزمان.
كان في بداية تحصيله قد اشترك بمجلة التايم الأميركية وغيرها ويقول: لقد ذكرت ما ذكرت ليعرف حضرات القراء أنني من هذا السبيل تأصل فيَّ حب المراسلة والرغبة في التجارة التي لم أكن أدرك يومئذ أنني سأكون يوما ما من محترفيها أو صاحب مكتبة، نظرا لفقري وبؤسي ويأسي، وعدم تشجيع أستاذي يوما ما وبأي وجه لي.
كان يتلقف أغلفة الكتب من المجلدين، دائم التردد إليهم ليجمع ما انتزعوه من الأغلفة، يقول: وكان غرضي من ذلك أن أطّلع على أندر الكتب وأحدثها من خلال هذه الأغلفة، فاحتفظ بها وذلك كما يفعل هواة الطوابع، وقد جمعت منها كمية كبيرة كنت أستأنس بها كلما سنحت لي الفرصة.
كان لا يضيع وقته، وكلما وجد فراغا ذهب إلى المكتبة العامة ليطّلع على الغريب مما حوته من الكتب المطبوعة باعتناء المستشرقين مما لم يكن يصل إلى سوق الكتب في حينه.
ولم يكن ينجح دائما في تسويق الكتب، قال: كنت استوردت كثيرا من الكتب النفيسة النادرة، ولكنني عجزت عن بيعها وتصريفها، فبارت عندي وتكدست في مكتبتي ومخزني وحرتُ فيما أفعل بها لأتخلص منها فقد تضايقت نفسيًا منها، وأصابني ضيق مادي من جرّاء ما تجمع لدي منها. ثم تخلص منها بطريقة ذكية، إذ انتقد المكتبة العامة في الجريدة لخلوها من هذه العناوين، فاشتراها جميعها مدير المكتبة!
سافر إلى مصر سنة ١٩٤٤ ليطّلع على الكتب والمكتبات إذ لم تكن دور النشر إلا في مصر، لكنه صُدم عندما لم يرَ كتبيًا عارفا بالكتب، إلا عندما التقى بمحمد نجيب الخانجي نجل الكتبي الشهير محمد أمين الخانجي.
واشترى كثيرا من مكتبة القاضي أحمد حسين أخي طه حسين، لأنه أراد التخلص من مكتبته بسبب شكواه من أخيه طه حسين الذي كثيرا ما ضايقه باستعارة ما يحتاج إليه هو وأصدقاؤه وطلابه من مكتبته.
ثم سافر فيما بعد إلى القاهرة ثم حيكت ضده مؤامرة من مباحث مصر فقبض عليه وسجن ٤٠ يومًا!
كان قاسم يبدي رأيه في الكتب بلا مجاملة، فيقول مثلا عن كتاب أمين الريحاني "أنتم الشعراء" وكتاب ردٌ عليه "أجل نحن الشعراء": والكتابان من أتفه ما قرأت.
ويقول عن الفرق بين الكتاب الرديء والكتاب الجيد: ولو دققنا هذا الكتاب الذي يُعنى بتوزيعه مؤلفه هذه العناية البالغة لوجدناه من التفاهة بحيث لا يمكن أن تنصرف منه نسخة واحدة، هذا إلى رداءة طبعه وبشاعة غلافه؛ أما الكتاب الجيد فيباع بدون إعلان ولا دعاية، ويفرض نفسه على القارئ فرضا دون حاجة إلى موزع يروَّجه.
فهرسَ مكتبته وطبعها في ٦٠٠ صفحة، وفي الفهرس توجيهات ونقد لبعض الكتب أزعجت مؤلفيها وناشريها، فقد كتبَ ملاحظات على بعض المؤلفات: إنه كتاب قيم، أو كتاب تافه، أو كتاب لا بد من قراءته.
ولم تدر عليه الكتب ربحا كغيرها من التجارة، يقول: ونشطتُ في طبع الكتب ونشرها بطريقة الأوفسِت، فصار مجموع ما نشرته من النفائس المطبوعة ٢٥٠ كتابا، وبلغ ما صرفتُه عليها مبلغا لا يقل عن ربع مليون دينار عراقي، فلو كانت هذه المبالغ قد استغليتها في أية تجارة أخرى، لربحت أضعاف ما ربحته من هذه الكتب، ولكن رغبتي وحبي للتجارة بالكتب كانت هي الغالبة، ولم أجد من أصح��ب المكتبات بالسوق من أحرز ثروة إذ المعروف أن الكتب لا ثراء منها قط.
أنهى كتابه بذكر أسباب نجاحه: ولا بد من القول أخيرًا أني ما بلغت الذي بلغت إلا لأني كنت مستقيما في عملي، بعيدا عن كل ما يغضب الله تعالى، فلم أدخن ولم أشرب ولم أرتكب منكرا قط، ولم يشغلني شاغل عن تربية أولادي، والمطالعة الكثيرة، والإخلاص في توسيع نطاق عملي. وخدمة المكتبة بكل سبيل.
This entire review has been hidden because of spoilers.
" كان من خير الوراقين وأنبلهم وأعلمهم في هذا الزمان."
قاسم محمد الرجب صاحب مكتبة المثني واحدة من أكبر المكتبات ودور النشر في الوطن العربي
يحكي قاسم الرجب في مذكراته عن بداية عمله بمجال الكتب في المكتبة العربية في سوق السراي وبعد أن اكتسب الخبرة الكافية يترك المكتبة العربية يفتتح مكتبة خاصة به أسماها في البداية مكتبة المعري ويغير الاسم بعد ذلك إلي مكتبة المثني
يكتب عن تجارب و مشاكل النشر وتوزيع الكتب التي ادي بعضها الي سجنه وغلق المكتبة أكثر من مرة ، طرائف ونوادر القراء وهوس البعض في جمع الكتب وأصحاب المكتبات الأخري وأساليب العرض والبيع والتعامل في سوق الكتب.
أمهات الكتب التي اهتم بها و أعاد طباعتها وتوزيعها ، المجلة التي أصدرها باسم " المكتبة " والتي اهتمت بأخبار التراث والتحقيق و النشر وطبع بها قوائم مكتبة المثني
"ولا بد من القول أخيراً أني ما بلغت الذي بلغت إلا لأني كنت مستقيماً في عملي، بعيداً عن كل ما يغضب الله تعالى، فلم أدخن ولم أشرب ولم أرتكب منكراً قط ولم يشغلني شاغل عن تربية أولادي، والمطالعة الكثيرة، والإخلاص في توسيع نطاق عملي، وخدمة المكتبة بكل سبيل."
كتاب رائع فيه سيرة هذا الرجل العصامي الذين استطاع أن يبني مجده بفضل من الله أولاً ثم بفضل جدِّه واجتهاده .
يبدأ الكتاب بقصته هو وعائلته التي تعيش في فقرٍ شديد ، ثم بداية بحثه عن الرزق واشتغاله في المكتبات عاملاً عند نعمان الأعظمي ، ومن ثم كيف بعد ذلك شق طريقه بنفسه حتى أصبح على ما هو عليه - رحمه الله - .
في الكتاب سيرة المثقفين والثقافة في العراق والبلدان العربية وسيرة الكتب والرقابة والرقيب .
كتاب رائع ومن كتبه تعمّد أن يمتّع قارئه بالكثير من الحكايا والقصص .
This entire review has been hidden because of spoilers.
مذكّرات ماتِعة ومُثرية، يذكر بها قاسم الرجب صاحب مكتبة المُثنّى أحوال الكِتاب والقُرّاء في القرن الماضي ببغداد دار السّلام. كانت ليالي لذيذة بصُحبة هذه المُذكّرات، وكنت أتمنّى بأنّي لم أنتهي منها بهذه السرعة.
كتاب جميل فيه طرائف وغرائب عن الكتب والمكتبات والكتبيين ! عبارة عن قصة الكاتب في انشاء مكتبة المثنى وما مر هو ومرت به المكتبة من أحداث ومواقف متنوعة يحكيها بأسلوب لطيف.
لطالما تساءلت كيف هي حياة من عاش ومات في ظل الكتب ! من إلتصقت به رائحتها و طاردته عناوينها وصورها.. فوقع في غرامها مجبراً و نالت منه صروف الأيام ما نالت ..
من الأعظمية إحدى ضواحي بغداد برز صبي صغير لا يتجاوز عمره الحادية عشرة ، كان قد ترك دراسته للتو بسبب ضيق الحال واتجه إلى بغداد ليعمل في المكتبة العربية لصاحبها نعمان الأعظمي في سوق السراي ..
كان قاسم الرجب فتى نبيهاً سريع التعلم لا يتغيب يوماً عن عمله حتى في المرض ، ورغم قلة أجره إلا أنه أتقن عمله أيما إتقان ، بعد سنوات ضاق به الحال مع صاحب المكتبة فتركه وقرر فتح مكتبة خاصة به رغم صغره في السن ، إلا أن الشجاعة والذكاء كانتا من أبرز صفاته .
بدأ بدكان صغير قليل المحتوى كبير القيمة فكان لا يعرض إلا ما ندر من أمهات الكتب ، هذه الميزة هيأت له جمهوراً ثقيلاً أخذ بيده واحتواه برعايته فبدأ صيته يعلو ويشتهر ، كان اسم المكتبة في ذلك الوقت المعري ثم حولها للمثنى ، وبدأ يسافر لمصر لجلب الكتب ..ثم مالبث أن انتقل من سوق السراي إلى شارع المتنبي ووسع نشاطه ليشمل المجلات ..
وحيث أن الكتبي يجري عليه ما يجري على كل المهن فقد تعرض لكل النكبات التي مرت بها العراق والعالم .. ثم في آخر عمره بعد كساد تجارة الكتب وبينما هو يباشر خسائره في لبنان أصابته أزمة قلبية حادة ومات ..
كان للرجب مكانة كبيرة في عصره فهو صاحب أكبر مكتبة في العراق والتي يقصدها الساسة والأدباء والمفكرون وكان ممن يؤخذ برأيهم ويُعتد في الكتب والطبعات ، كما يرجع له الفضل في إنشاء أول مجلة تُعنى بالتراث والتعريف بالكتب والمقالات المهمة ، والتي سماها " المكتبة " ، كان بدايةً يوزعها مجاناً ثم بسعر رمزي ... ومن فضائله أيضاً أنه تولى طباعة كتب التراث " كان قد حصل على بعضها من مكتبات خاصة لبعض الشخصيات " على نفقته وصورها بطريقة الأوفست وأعاد تجليدها بطريقة فاخرة وكان يوزعها على المكتبات الوطنية والمتاحف و لجامعات في أوروبا وأميركا .. كما كتب عنه رثاء كثير بعد وفاته ، رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وجزاه عن المسلمين خيراً ..
هذا الكتاب هو مذكرات كتبها قاسم الرجب والذي كان ينشر منها مقالات متسلسلة في جريدة البلد ، تجد فيها كل مايتعلق بالكتب وطرائف وغرائب الكتبيين ورواد المكتبة على حدٍّ سواء ، كما أنه يوثق لتاريخ سوق السراي وشارع المتنبي والعراق والعالم العربي بشكل عام .. و له تعليقات جميلة على الحوادث التي مرّ بها ..
كنت في مكتبة قديمة صغيرة أشاهد الكتب المكدسة وأتابع حركة البيع والشراء وأطلع على المشهد الثقافي في أوائل إلى منتصف القرن الماضي. ما يحسب للمؤلف أنه قارئ أولاً ثم بائع وتاجر. وهذا جعله يتحدث عن الكتاب وشؤونه بحب وينتقد بكثرة جشع التجار وجهلهم، ويقدم لمحبي الكتب وقرائها خدمات جليلة قلَّ نظيرها. من أجمل ما قرأت من المذكرات