يصف المؤرخ محمد لبيب البتنوني رحلة الحج للخديوى عباس حلمي الثانى والكتاب يحتوى على الوصف والمعلومات التاريخية والتعليقات والمشاهدات في زمن الحج سنة 1327 هـ المكتوبة بأسلوب جزل جميل يجعله مميز عن الكتب الأخرى التى تناولت نفس الموضوع. وقد أستعان المؤلف ببعض الخرائط التى قام بإعدادها اللواء محمد صادق باشا كذلك بعض الصور الفوتوغرافيه التى قام بإلتقاطها اللواء إبراهيم رفعت باشا وهما من الرواد الأوائل في تصوير الحرمين في النصف الثانى من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
تبدأ الرحلة الحجازية بحديث عن تراثيات الجزيرة العربية العرقية من الناحية الطبوغرافية في الأقوام السابقة ثم يتناول ويطيل المقام بين الدول العربية في كافة العالم العربي والإسلامي حتى في الشمال الإفريقي، ثم يبدأ في سرد أحداث صفة الجزيرة والحجاز ومباشرة يتحول للتاريخ الحديث في اليمن وعسير وحديث عن الأدارسة في صبيا والإمامية في اليمن والبرتغاليون في عمان ويتنقل دون حدود بين دول العالم العربي.
تبدأ بعد هذه المقدمة – إن شاء أحد تسميتها بذلك – الرحلة إنطلاقًا من مصر حتى مدينة جدة وحديث لطيف عن قبر أمنا حواء - عليها السلام - ومن جدة الحديث عن مكة وأحاديث ذات طابع ديني عن المشاعر المقدسة والحديث في مكة يطول حيث أهلها وناسها وحديث لحياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعود المؤلف زمنيًا لسيرة إبراهيم عليه السلام عندما يتناول تفاصيل بيت الله العتيق - الكعبة – في مكة.
يستعرض الرحالة فيما بعد الجوانب السياسية في حكم مكة وفقًا للمصادر القديمة ووصولًآ للحديثة ومن ثم يوثق الكتاب جدول رائع بأسماء من تولى مكة من الأشراف من زمن الفتح إلي تاريخ الرحلة (1327هـ) وفقًا لمصدر حديث وهو من أجمل جداول الرحلة.. بما أن الحدديث هنا عن الأشراف كان لزامًا لذلك التاريخ – أي وقت الرحلة – أن يخوض المؤلف في الفصل الذي يليه الحديث عن الحركة الوهابية وعن الحكم السعودي وعلاقته بمكة والنزاعات التي حدثت بين السعودية الأولى والأشراف في زمنها حتى يصل لحكومة السعودية الثالثة التي كانت في بدايتها ولم يكتمل نموها بعد وعلاقتها وتنازعها مع آل رشيد وأغلب هذا الجزء رغم معاصرة المؤلف لزمنية الأحداث فلم يأتي فيه بجديد وظل تركيزه منصبًا على الرحلة ولا أعلم هل هو إهتمامًا منه بخط سير الرحلة – وأظنه كذلك – أو ضعفه للتحليل التاريخي.
يعود من جديد المؤلف للحديث عن مكة والحرم المكي حديثًا ثم قديمًا منذ البدايات التاريخية، وهنا يبدع الرحالة في وصف كل ماله علاقة بحدود الحرم والعمرة والحج والمشاعر والمقدسة من صفحات (94 – 146)، وبعدها يبدأ حديث القدس والمسجد الأقصى دون أن يطيل وسرعان ما يعود في إطار ديني يتناول كيفية الحج وهذا لا يعتبر خروج عن سياق الرحلة طالما الحديث عن رحلة في أرض الحجاز، ويكمل الحديث تداخلًا ما بين مكة والمدينة وكل المشاعر المقدسة.
فيما بعد يتناول المؤلف الحديث عن الرسول – عليه السلام – والخلفاء الأربعة الراشدين، ويتحدث عن فتنة الخوارج فكما نلحظ حديثه عن ما هو خارج إطار أو مسار توثيق الرحلة يعتبر جزء من الحجاز وليس الأمر عنده مقتصرًا على المكان كأغلب كتب الرحالة بل يتعاده للزمان كجزء من الإرث العام المعلوماتي / التاريخي وأخيرًا يختم الرحالة رحلته بعودتة لمصر.
مما لفت نظري في الرحلة : معاصرته أثناء الرحلة – تحديدًا – لأحداث تاريخية خطيرة ليت أنه أوفاها حقها من التحليل.
دمج الكتابة التاريخية كمعلومات عامة عند مروه بمنطقة تاريخية فلا يكتفي بسرد ما يراه بل يدعمه تاريخًيا وهذا ليس مبتكرًا عنده بل سبقه البعض لكن قلة وهو أكثر من ذلك فكانت ميزة في كتابه.
جدول حكام الاشراف في مكة إضافة موفقة من الرحالة.
توثيقه لما شاهد في أسواق مكة التي أندثرت الآن بسبب توسعات الحرام وغيرها من عوامل التجديد والتحديث.
حمام (الطيور) الحمى.
الغناء في حارات مكة وبين المقاهي.
القوافل والحداء في الحجاز.
القربان – تاريخيًا – في العالم.
سكة الحديد.
عوائد المصرين عند الحج.
فاصلة : مما وجدت في الرحلة وتوقفت (مع إعجابي العام بالرحلة) خارج إطار الطابع التوثيقي ذكر محمد لبيب لما يعرف في تاريخ الحجاز الشعري وصولًا لحدود الجنوب بفن (الكسرة) وهى عبارة عن بيتين من الشعر خفيفة ذات موسيقى عذبة وقد كانت الرحلة سنة (1327هـ) وهذا جعلني أعرف أن عمر (الكسرة) الذي كنت أظنة لن يتجاوز الـ(70) عام قد تجاوز على أقل تقدير القرن وزيادة. وقد ذكر محمد لبيب بيتي الشعر دون معرفة هويتها واسمها عندما تناول القوافل في الحجاز وهو من جميل فصوله في الرحالة.