Kindle Notes & Highlights
إنه يتحدث عن مشاعر الحب، وكيف تمنعها المخاوف وتفسدها علينا، الحب باعتباره أسمى المشاعر الإنسانية، والخوف باعتباره العدو الأكبر للحب.
إن أعظم جوانب النور في نظري هو جانب الحب؛ فهو المُحرِّك الأكبر للإنسان وهو الذي يلتهم كل آلام الدنيا، ويُعين الإنسان على تخطي الصعاب والمُضي في هذه الحياة من غير عجز وكلل، إنه يمدنا بالرغبة في الحياة نفسها.
إن الحب يمدُّنا بالحياة نفسها، يمدُّنا بالرغبة في البقاء فيها وبالتعلق بها، ويُعيننا على تحمُّل آلامها وتجاوُز مصاعبها، بل والخروج من أنانيتها وأمراض نفوسنا فيها، فهو أبرز جوانب النور في الإنسان، والعلاقة المبنية على الحب الصادق هي علاقة غير محدودة وغير مُقيدة بأسباب،
فكل تجربة مؤلمة تُضاف لرصيد الإنسان من الظلام، فإن جاء الجديد أو طرق الحب باب القلب استدعى الخوفُ التجاربَ السابقة؛ ليقيس عليها الجديدة، فيكون الإنسان أكثر خشية وأشدَّ إحجامًا عن كل جديد مع كل تجربة أليمة، فيخشى أن يتكرر ما سبق، وأن يكون في الجديد مثل ما كان في القديم.
ومن أسباب الغضب الحاجات الباطنة غير المُشبعة، بدءًا من الجوع وانتهاءً بالحاجة الجنسية،
ومن أسباب الغضب عدم الفهم،
لكل إنسان مساحة من الحرية والحركة يبحث فيها عن ذاته، ويُبدع فيها صورة حياته، ويصنع فيها عالمه الخاص الذي يرتاح فيه.
الإبداع هو طلب لأمرٍ غير موجود، وهو أحد أوجُه الحرية للإنسان، والقدرة على عدم الخضوع للأنماط المحدودة في الواقع، وهو جزء من رحلة الإنسان في بناء نفسه وتحريرها من القيود الوهمية والأنماط الشكلية.
يمكنك أن تُغيِّر التفاصيل، فتُجرِّب أماكن جديدة أو حتى تأخذ إجازة بين الحين والحين من القريبين؛ لتجديد الشوق وهضم المشاعر وكسر الملل والروتين، لذا كانت إجازات الأزواج من بعضهم بين الحين والحين من الأمور التي تُحسِّن العلاقات بينهم، وتجدد المشاعر أو على الأقل تفرِّغ المشاعر السلبية من الملل أو الشعور بالانحباس في العلاقة أو الغضب أو تقييد الحرية.
إن الإنسان المتوتر هو أسهل إنسان يمكن إخافته وإفزاعه،
فالإنسان المتوتر دومًا إنسان هشٌّ يسهل إخافته، فإن أسمعته مخاوف المستقبل وضرورة تأمين المخاطر والتمسُّك بكل الضمانات المادية -التي ستحتاج لا محالة للمزيد من التوتر- استجاب لك لا محالة، وإن شعر بعلامات الاضطراب في العلاقات سهل عليه أن يخاف من فقدها، والإنسان الذي يتعامل في علاقاته اليومية بخوف الفقد هو في حقيقته فاقد للإيمان بها، وهذا معنى الخواء الحقيقي.
فالإيمان فرع من الأمن، ومن لا يثق لا يؤمن، والمتوتر أبعد الناس عن الثقة؛ فالثقة أمان.
هل الإنسان مسؤول عن مشاكل الأرض، وعن توفير دخل مرتفع من المال؛ لنحيا بشكل طبقي معين، ومسؤول عن تأمين مستقبل أولاده، وعن الاستعداد للزمان وتأمين معاش التقاعد... إلى آخر هذه الحسابات؟
فالأمل هو كل منشود ممكن، واليأس هو انقطاع مشاهدة الإمكان، إنه اليقين في الاستحالة أو في أحسن الأحوال الظنّ برجحانها.
إن اليائس لا يُحب؛ لأنه لا يثق بنجاح العلاقة، ولا يجتهد؛ لأنه يشك في ثمرة جهده، بل ربما يثور على الحياة؛ لأنها لا تسير بسلاسة ورفق، فهو لا يرى أنه في رحلة تعلُّم، بل يرى أنه دومًا في حالة استنزاف.
ودعوات حب جميع الناس وقبولهم المطلق غير المشروط هي من المثالية الحالمة التي أراها مُضرَّة، فهي تُعلي قيمة الآخر مطلقًا على حساب نفسك، حتى تكون نفرتك من بعض الأمور، وبالتالي من الأشخاص الذين يمارسونها مشكلة فيك، فكأنك يجب أن تكون متاحًا للجميع، ومتسامحًا مع الجميع، وبالتالي لا تحب شيئًا ولا تكرهه، ولا تميل لشيء أو تنفر منه، إنها دعوة لئلا تصير إنسانًا!
ولكن إن شددتَ يدك فلم تدعْ مُعينًا يساعدك، وأغلقت بابك فلم تُعلِم أحدًا بحاجتك، وابتلعتَ لسانك فلم تبُحْ بشكواك، فكيف لغيرك أن يساعدك، وكيف للقريب أن يُدرك ما بك؟
فالمُعجَب يتحمَّس للبدايات، والمُحِبُّ يَعِدُ بما يعجز عن الوفاء به لحماس المشاعر،
إن قدرتك على الاستمتاع بجلسة هادئة على البحر أو وسط زرع وأشجار بلا صخب، واستمتاعك بمشروب دافئ بسيط، أو تأمُّل البشر في سعيهم، أو سماع الطيور ومراقبتها، أو التمشية مع صديق، أو قراءة كتاب، أو طبخ طعام، أو سماع أغنية محببة... كلها أمور هادئة بسيطة نمارسها في يومنا، وتصنع عالمنا الشخصي، وبعجزنا عن بناء هذه التفاصيل البسيطة فإننا نفقد عمقًا إنسانيًّا هائلاً في أنفسنا.
والتمشية نزهة، والصداقة مشاركة في التفاصيل، والزواج مشاركة في الحياة اليومية، والعمل أداة لكسب العيش، والسيارة وسيلة مواصلات...
فما تفعله يطلبك، وما تبذله يعود إليك.
وفهم طبيعة الحياة بهذا المعنى قد يحمل الإنسان على الثورة والغضب الذي نُسميه سُخطًا، أو الانهزام والاستسلام الذي نُسميه يأسًا، أو سكون القلب وسعي الجوارح الذي نُسميه رضا.
ولكن الخوف هو الذي يمنع القلب من ممارسة وظيفته، بل إن الخوف يمكن أن يمنع الإنسان من الكره، لذا ربما تجد البعض يمتنع من كره خاطفه أو من يؤذيه إن اشتد خوفه منه، بل في بعض الحالات المرضية يتحول الأمر -نتيجة الخوف الشديد- إلى حب لهذا الشخص المؤذي وتعلّقٍ به، وكأن الخوف الشديد -لما يسببه من ألم- يدفع الإنسان إلى تضليل مشاعره وتوجيهها لغير الوجهة الصحيحة، وفي الأحوال الطبيعية يمنعه من ممارستها بشكل طبيعي.
تجاربنا الأولى في الحب تكون عادةً أكثر صدقًا وعُمقًا وأقل نضجًا، ذلك أننا نُقدِم على الحياة ببراءة وصدق في المشاعر وجرأة، ومع ذلك نفتقد الحكمة والفهم الجيد لأنفسنا ولغيرنا، فنسيء التصرف ونتسبب في الألم لأنفسنا ولمن نحب، وفي كثير من الأحيان تنتهي أول تجربة بالفراق، وما نسمّيه فشلاً في العلاقة.
إن التصالُح الأعظم الذي نحتاجه في حياتنا هو التصالح مع التعاقب والتتابع المستمر في هذه الحياة، فنسعد بلحظاتها السعيدة ولا نقرن بينها وبين ألم انقضائها.
إن قياس التجارب على بعضها دومًا هو السجن الحقيقي للذكريات، والحقيقة أنه لا توجد تجربة متطابقة ولا متكررة بعينها وتفاصيلها، ولكن الإنسان يميل دومًا للتجريد والتعميم، فيُهمل التفاصيل ليضع الأمور المتشابهة في نسق واحد وسلة واحدة، فيحكم عليها حكمًا واحدًا ولا يُرهق نفسه بالتفاصيل وتوقُّع الجديد.
بل ربما يرتبط الأمر بنسمة صيف أو شكل سحابة، فالنفس تربط بين الأشياء بروابط عجيبة يصعب الإمساك بها، فتجد أن نسمة صيف مرَّت بك ذكَّرتك بتجربة مرَّت عليها سنوات طويلة حتى نسيتها،
الغالب أن حياتنا بعد الحب لا تعود كما كانت قبله، فما أن يحب الإنسان غيره -ولا سيما الحب بين الجنسين- حتى تتغير حياته، ويكون نمط يومه مختلفًا، وتفاصيل حياته تتبدل، فإن انتهى الحب بالفراق وانتهت العلاقة بالفشل شعرنا بأننا صرنا لا نعلم كيف نعيش حياتنا، وكأننا فقدنا القدرة على ممارسة حياتنا بشكل طبيعي، ونسينا كيف كنا نعيش قبل وجود من نحبه.
فتوقع أن تكون الحياة مع الحب قصة رومانسية كلها جمال في جمال هو نوع من السذاجة والجهل بطبيعة المشاعر الإنسانية التي يكثر فيها التقلُّب والتلوُّن، وهذا الثمن نحتاج لدفعه لنحصل على جمال الحب وصحبته وأنسنا بمن نحب.
فجزء من طبيعة الحياة أنك تبذل فيها لكي تُثمِر، وتُعطيها كي تُعطيك، وما لم تتعلم العطاء والمنح والصبر، فلن تحصد سوى الوحدة واليأس.
فلنتفقْ على أن الحب الصادق ينبغي عدم الشك بين الحين والحين في وجوده أو ثباته، فإن ثبتت هذه القاعدة أمكن تجاوز أي عوارض تطرأ ومعاملتها بهدوء وثقة.
إن القانون الأكبر في هذا الصراع هو أن ما تزرعه تحصده، فكلما زرعت الخوف جنيت منه المزيد، وكلما زرعتَ الحب حصدتَ منه المزيد.
فأقصى نجاح للخوف هو أن نمتنع عن الحياة، وأظهر صور هذا الامتناع في أن نسلب نفوسنا حق المحاولة المتجددة، وأن نعطيها الفرصة بعد الأخرى، وألا نستسلم للألم واليأس.
فأنت لن تنجح في علاقتك مع الآخرين دون أن تكون مُدرِكًا لنفسك فاهمًا لها، مواجهًا لمخاوفك ومتغلبًا عليها، ولكن لا يحملك عجزك عن هذا أو تأخرك فيه على الهروب من العلاقات بدعوى انتظار النضج، فأنت لن تنضج إلا في علاقة، ولن تظهر خفايا وتراكيب نفسك إلا عند التعامل مع الغير، ولن تواجه نفسك إلا من خلال التمسك بغيرك والانتصار لحبك له، فيحملك على تغيير نفسك ومعالجتها وعدم الاستسلام لمشاكلها ومخاوفها؛ فالحب وحده هو الذي سيقويك على المواجهة.

