الأب الغني والأب الفقير

by Robert T. Kiyosaki

إن أغلب الناس يفشلون في إدراك أن مقدار ما تجنيه من المال ليس هو الاعتبار الأول في الحياة، وإنما مقدار ما تحتفظ به منه،

على المدى الطويل يتبين أنه ليس المهم مقدار ما يجني المرء، بل مقدار ما يحتفظ به، وإلى متى سيحتفظ به.

ولهذا عندما يطرح الناس السؤال: "من أين أبدأ؟" أو "أخبرني كيف أحقق الثراء سريعًا"، يصابون بإحباط عظيم في أغلب الأحوال جراء إجابتي؛ إذ أقول لهم ببساطة ما أخبرني به أبي الثري عندما كنت فتى صغيرا، وهو أنه: "إن أردت أن تكون ثريا، فستحتاج إلى اكتساب المعرفة عن المال"

ربما صارت المحاسبة أكثر الأشياء مللًا في عالم اليوم، كما يمكن اعتبارها أكثر الأشياء جلبا للتشوش. ولكن إن أردت أن تصير ثريا على المدى الطويل، فلربما تصير المحاسبة هي الشيء الأهم. والسؤال هو: كيف لك أن تقوم بتدريس موضوع ممل ومربك للأطفال؟ والإجابة هي: بأن تيسره وتلقنهم إياه أولًا في شكل صور.

"الأثرياء يكتسبون الأصول، أما الفقراء والطبقة الوسطى، فيكتسبون الالتزامات ويظنونها أصولا".

القاعدة الأولى: عليك أن تعرف الفرق بين الأصول والالتزامات، وأن تشتري الأصل.

"الأثرياء يكتسبون الأصول, أما الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى فيكتسبون الالتزامات ويظنونها أصولا".

وعندما سأله "مايك": "وما الأصل؟". أجابه: "لا تقلق على ذلك الآن، ودع الفكرة تتغلغل في عقلك وحسب. فإن كان بوسعك استيعاب البساطة فيها فستكون لحياتك خطة، ولسوف تجري أمورها المالية بيسر. الأمر بسيط، ولهذا تغيب الفكرة عن الكثيرين". فسألته: "أتعني أن كل ما نحن بحاجة إلى معرفته هو طبيعة الأصل وامتلاكه، وبعد ذلك سنحقق الثراء؟". هز أبي الثري رأسه موافقًا وقال: "إن الأمر بهذه البساطة".

لقد آمن أبي الثري بمبدأ "أ. ع. ب. س" أي: "أبق على الفكرة بسيطة وساذجة"، وهكذا بقيت تلك الأفكار بالنسبة لولدين صغيرين، وهكذا وضع لهما أساسا ماليا راسخا. الأصل يضع المال في جيبك, أما الالتزام فيسحب المال من جيبك.

القسم الأعلى من الشكل هو بيان الدخل، والذي يطلق عليه غالبا حساب الأرباح والخسائر، ودوره هو قياس الدخل والنفقات، أي التدفق المالي بنوعيه الصادر والوارد. أما القسم الأسفل من الشكل فهو قائمة الميزانية, ويطلق عليها هذا الاسم لأنه يفترض بها أن توازن بين الأصول والالتزامات. ويغفل العديد من المبتدئين العلاقة بين بيان الدخل وقائمة الميزانية - هذه العلاقة التي يجب فهمها.

فإن أبي الثري قد علم ولدين صغيرين أن "الأصول تضع المال في حصالتك",

الأصل يضع المال في جيبك, أما الالتزام فيسحب المال من جيبك.

فإن بغيت أن تصير ثريا، فأنفق ببساطة حياتك كلها في شراء الأصول، أما إن أردت أن تصير فقيرا أو أن تكون فردا من الطبقة الوسطى، فأنفق حياتك في شراء الالتزامات.

فإن واجه الناس عثرات مالية، فمعنى هذا أن هناك شيئا ما لا يستطيعون قراءته، سواء كان أرقاما أم كلمات. هناك شيء ما أسيء فهمه؛ فالأثرياء صاروا إلى الثراء لزيادة ما يعرفونه في مجالات شتى عن أولئك المتعثرين ماليا، فإن أردت أن تصير إلى الثراء وأن تستبقي ثروتك، فمن المهم لك أن تكتسب المعرفة بطبيعة المال، بالكلمات والأرقام على السواء.

التدفق النقدي يخبرنا بكيفية تعامل الشخص مع المال.

ولأن الطلبة يبارحون المدارس مفتقرين إلى المهارات المالية، يجتهد العديد ممن تعلم منهم في العمل في مجاله وينجح، لكنه يكتشف لاحقا أنه متعثر ماليا. إنهم يعملون بجد، لكنهم لا يحرزون تقدما في حيواتهم. إن ما يفتقر إليه تعليمهم ليس تعريفهم بكيفية جني المال، بل كيفية إنفاقه، أي ما الذي عليهم القيام به بعد جنيه، ويطلق على هذا الاستعداد المالي، أي ما الذي ستفعله بالمال فور حصولك عليه، وكيف تحميه من أن تصل إليه أيدي الناس، وإلى كم من الوقت ستحتفظ به، وكيف تجعل هذا المال يعمل بكد لأجلك.

قلما يحل المزيد من المال مشكلات الفرد المالية؛ فالذكاء هو ما يحل المشاكل. وهناك مقولة لصديق لي أكررها المرة تلو المرة على مسامع الغارقين في الدين: تقول: "إن وجدت أنك قد حفرت لنفسك حفرة... فتوقف عن إكمال الحفر".

الخوف ذاته الخوف من النبذ الذي يدفع بالناس للتشبُّه بالآخرين ويتغاضوا عن مناقشة الآراء شائعة القبول: أو التوجهات العامة, وهي آراء تتماثل مع القول "إن منزلك يعد أصلا" و "فلتحصل على قرض لتسوية المستحقات حتى تتخلص من ديونك"أو "فلتعمل بجد أكثر" أو "إنها فرصة التخفيضات" أو "في يوم من الأيام سأصبح نائب رئيس" أو "عليك بادخار المال" أو "عندما أنال العلاوة، سأشتري لنا منزلا أكثر رحابة" أو "إن صناديق الاستثمار المشترك آمنة".

إن بيان المركز المالي الذي يخص والدي المتعلم يمثل أفضل تجسيد لحياة امرئ يخوض سباق الجرذان، إذ تبدو نفقاته على الدوام آخذة في التزايد مع تزايد دخله، غير سامحة له أبدا بأن يستثمر في أصول, ونتيجة لهذا تتخطى التزاماته أصوله.

إنك تجد الطبقة الوسطى نفسها في حالة دائمة من المعاناة المالية، إذ يأتي دخلهم الرئيسي من الراتب، وبتزايد هذا الراتب تتزايد الضرائب المفروضة عليه, فتتزايد نفقاتهم تزايدا مساويا للزيادة في رواتبهم، وهكذا يتحقق معنى "سباق الجرذان", فتراهم يعدون منزلهم الاستثمار الرئيسي، بدلا من الاستثمار في الأصول المولدِّة للدخل.

إن المأساة الحقيقية هي أن نقص التعليم المالي المبكر هو سبب المخاطرة التي يواجهها أفراد الطبقة الوسطى العاديون، فمنطق لعبهم في الجانب الآمن إنما هو نتاج موقفهم المالي الواهن في أحسن أوصافه. إن قوائم الميزانية لديهم ليست متوازنة؛ إذ إنهم مثقلون بالالتزامات، ومفتقدون أية أصول حقيقية تولد لهم دخلا.

وكما ذكرت في مستهل هذا القسم، فإن أهم قاعدة عليك تطبيقها هي معرفة الفرق بين الأصول والالتزامات؛ فعليك فور تمييزك بينهما أن تركز جهدك على امتلاك الأصول المولدة للدخل وحدها؛ فذلك هو السبيل الأفضل لسلوك الدرب المؤدي إلى الثراء. واستمر في ذلك، وستتزايد بنود عمود الأصول في ميزانيتك، وركز على إنقاص كل من الالتزامات والنفقات، فهذا ما سيتيح المزيد من المال لاستمرار التدفق في عمود الأصول,

الثروة هي قدرة شخص على البقاء حيا لأطول وقت... أو هي إلى متى يمكنني النجاة إن توقفت عن العمل اليوم؟ فبخلاف الدخل الصافي الجدير بالتقدير - الفرق بين أصولك والتزاماتك، والذي يصبغ غالبا آراءك وخلفيتك تجاه يستحق التقدير - ييسر هذا التعريف صياغة مقياس دقيق لمعرفة هذا. وها قد صار بوسعي الآن قياس ومعرفة أين أنا من أهدافي الرامية لتحقيق الاستقلال المالي. ورغم أن هذا الدخل الصافي يشتمل غالبا على تلك الأصول غير المولدة للسيولة، كتلك الأشياء التي أتيت بها وتقبع الآن في مرآبك، تقدر الثروة بمقدار المال الذي يولده مالك، ويتيح، تبعا لهذا، مقدار العافية المالية المتاحة لك. إن الثروة هي مقياس التدفق النقدي من عمود الأصول مقارنة بعمود الالتزامات.

لنرجع إلى تعريف "فوللر" ونسأل: ما عدد الأيام التي يمكنني البقاء ناجيا فيها؟ دعنا نفترض أننا نتحدث عن شهر فطبقا لهذا التعريف، ليس لديَّ سوى ما يكفي لنصف شهر. وعندما يبلغ التدفق النقدي الذي يولده عمود الأصول الخاصة بي ألفي دولار، سأكون عندها ثريا. إنني الآن لديَّ دخل تولده أصولي شهريا يغطي تمامًا نفقاتي الشهرية. فإن ابتغيت زيادة نفقاتي، فعليَّ أولا أن أزيد من التدفق النقدي الذي تولده الأصول للحفاظ على هذا القدر من الثروة. لاحظ هنا أنني قد استغنيت عند هذه النقطة عن راتبي، فقد ركزت على النجاح في ملء خانة خاصة بالأصول وهبتني الاستقلال ماليا، فإن تركت وظيفتي اليوم، فسيكون بوسعي تغطية نفقاتي الشهرية بالتدفق النقدي المتولد عن الأصول التي أحوزها. إن هدفي التالي سيكون تعظيم التدفق النقدي الذي تولده أصولي لأعيد استثماره في خانة الأصول، فكلما زاد مقدار المال الذي يذهب إلى خانة الأصول، تعاظمت محتويات هذه الخانة، وكلما تعاظمت الأصول التي بحيازتي، تعاظم التدفق النقدي المتولد عنها. وطالما أبقيت على نفقاتي في مستوى أدنى من التدفق النقدي الذي تولده هذه الأصول، فسوف أزداد ثراءً، وسيرد إليَّ المزيد والمزيد من الدخل المتولد عن موارد غير موارد العمل الجسدي.

يبتاع الثري أصولا. • أما الفقير فذو نفقات وحسب, • بينما يبتاع أفراد الطبقة الوسطى الالتزامات ويظنونها أصولا.

الأثرياء يركزون على خانة الأصول الخاصة بهم, فيما يركز سواهم على بيان الدخل الخاص بهم.

هذا الدرس الذي يمثل السر رقم ثلاثة من أسرار الأثرياء؛ وهذا السر هو "اعتن بعملك الخاص". في الأغلب تأتي المعاناة المالية نتاجا لأناس يعملون طوال حياتهم عند شخص آخر، ولهذا سيجد العديد من الناس أنهم يقتربون من أيامهم الأخيرة في العمل دون أن يمتلكوا شيئًا يوازي سنوات من العمل والجهد.

ولكن هناك فارقًا كبيرًا بين مهنة المرء وعمله, وكثيرا ما أطرح على الناس سؤالًا هو: "ما عملكم؟"، فيقولون لي: "آه، أنا أعمل في مصرف", ومن ثم أسألهم إن كانوا يمتلكون هذا المصرف أم لا, فيأتي ردهم في العادة: "لا، بل أعمل هناك وحسب". في هذا المثال، تراهم قد اختلط عليهم الأمر بين مهنتهم وعملهم؛ فمهنتهم قد تكون العمل بمصرف، لكنهم لا يزالون بحاجة إلى عمل خاص بهم.

ولكي يتحقق الأمان المالي للفرد, فإنه يحتاج إلى التفكير في عمله الخاص. وعملك الخاص هذا هو ما يدور حول الخانة الخاصة بالأصول، بخلاف خانة الدخل الخاصة بك، وكما تقرر سابقا، فإن القاعدة الأولى هي أن تعرف الفرق بين الأصول والالتزامات، وأن تبتاع الأصول؛ فالأثرياء يركزون على خانة الأصول الخاصة بهم, فيما يركز سواهم على بيان الدخل الخاص بهم.

ولهذا نسمع كثيرا من يقول: "أنا بحاجة إلى علاوة"، أو "لو أنني أنال فقط ترقية", أو "سأعود إلى الدراسة لأتلقى المزيد من التدريب، حتى يمكنني الحصول على وظيفة أفضل" أو "سأعمل وقتا إضافيا" أو "ربما سأتمكن من الحصول على وظيفة ثانية". إن ما يقوله هؤلاء الناس قد يبدو منطقيا للبعض. ولكن إن أنصتَّ إلى ما قاله "راي كروك"، فسترى أن هذه الأفكار لا تزال بعيدة بالمرء عن التفكير في عمله الخاص؛ فلا تزال تلك الأفكار جميعا تركز على خانة الدخل, ولن تقدم للشخص عونا على أن يحقق المزيد من الأمان المالي، اللهم إلا عندما يوجه ما يكتسبه من مال إضافي إلى حيازة أصول تولد له دخلا.

إن السبب الأساسي في تحفظ الفقراء والطبقة الوسطى ماليا "بمعنى قولهم إنني لا أحتمل خوض المخاطرة" هو افتقارهم إلى القاعدة المالية للانطلاق, فتراهم مرتهنين بوظائفهم، وغير قادرين إلا على اللعب في الجانب الآمن.

ابدأ بالتفكير في عملك الخاص. واحتفظ بوظيفتك اليومية، ولكن اشرع في ابتياع أصول حقيقية، لا التزامات أو ممتلكات شخصية تخلو من القيمة بعد إحضارك إياها لمنزلك؛ حيث ستخسر السيارة ما يقرب من خمسة وعشرين بالمائة من سعر شرائها فور خروجك بها من متجر بيعها، وهي ليست أصلا وإن تركك المصرفيون تدرجها كواحد من أصولك؛ فقد انخفضت قيمة مضربي المصنوع من التيتانيوم والبالغة قيمته أربعمائة دولار إلى مائة وخمسين دولارًا بمجرد أن ضربت به الكرة.

طبقا لرؤيتي، تندرج العقارات تحت فئات شتى: 1. أعمال لا تتطلب حضوري الشخصي. إذ أمتلكها، ولكن يوكل شأن إدارتها وتسييرها لآخرين، فإن توجب عليَّ العمل هناك، فعندها لن تحتسب عملا، بل وظيفة. 2. الأسهم. 3. السندات. 4. العقارات المولدة للدخل. 5. صكوك الدين. 6. عوائد الملكية الفكرية، كعوائد الموسيقى والمؤلفات وحقوق الاختراع. 7. أي شيء آخر له قيمة ويولد دخلا أو ينال تقديرا وله قيمة سوقية معتبرة.

لقد شجعني أبي المتعلم حين كنت صغيرا على أن أجد وظيفة آمنة, أما أبي الثري، فعلى الطرف الآخر شجعني على أن أبدأ بحيازة الأصول، وكان ذلك شيئًا أحبه، وقد قال لي: "إن لم تكن تحب القيام بذلك، فلن تلتزم بالقيام به". إنني أجمع الأصول لأنني ببساطة أحب العقارات والأراضي وأحب شراءهما، كما أنه يمكنني إدامة النظر إليهما طوال اليوم بلا كلل، وعندما تظهر المشكلات، فلن تكون بالسوء الذي يغير من حبي للعقارات، أما أولئك الذين يكرهون العقارات، فليس عليهم الإقدام على شرائها.

فإستراتيجيتي تتعامل مع أسهم الشركات الصغيرة على أنها ستنفد في غضون عام، أما إستراتيجيتي مع العقارات، فهي على النقيض تقتضي بأن تبدأ بعقارات صغيرة، ثم تأخذ في زيادتها أكثر وأكثر، وبالتالي تؤجل سداد الضرائب المستحقة على مكتسباتك منها؛ فهذا ما يسمح لقيمتها بأن تزداد زيادة جوهرية. وبصورة عامة، فإنني أحتفظ بالعقار لما يقارب السنوات السبع.

ابدأ في الاعتناء بعملك الخاص. احتفظ بوظيفتك الأساسية, ولكن ابدأ في شراء الأصول الحقيقية وليس الالتزامات.

فهناك فارق كبير بين الأثرياء وبين غيرهم، وهو أن الأثرياء يسعون إلى التمتع بالرفاهية مؤخرا، فيما تعمد الطبقات الفقيرة والوسطى إلى ذلك بادئ ذي بدء؛ إذ تعمد الطبقات المتوسطة والفقيرة لحيازة سلع الرفاهية كالمنازل الرحبة والمجوهرات والفراء والألماسات أو القوارب لرغبتهم في أن يبدوا أثرياء، وسيبدون كذلك، لكنهم في الحقيقة يغرقون في المزيد من الديون. أما الذين يعمر المال في أيديهم، أي الذين يثرون بعد طول زمان، فهم الذين عملوا على تكوين خانة الأصول بادئ ذي بدء، ومن ثم يأتي لهم المال المتولد من خانة الأصول بالرفاهية, في الوقت الذي تقايض فيه الطبقات الوسطى والفقيرة، سلع الرفاهية بعرقهم ودمائهم وبإرث أبنائهم.

تأتي الرفاهية الحقيقية مكافأة على الاستثمار في العقارات الحقيقية وعلى تنميتها. فعلى سبيل المثال، عندما فاض عندنا أنا وزوجتي بعض المال الذي تولد من المباني السكنية التي في حيازتنا، ذهبت وابتعت لها سيارة مرسيدس, ولم يقتض الأمر أي عمل زائد أو مخاطرة زائدة من جانبها، حيث كانت الشقق السكنية هي التي ابتاعت لها السيارة المرسيدس. وقد كان عليها في كل حال أن تنتظر لأربع سنوات ريثما تنمو محفظة استثماراتها في العقارات وتشرع في النهاية في الفيض بمال زائد كافٍ ليبتاع لها السيارة. لكن الرفاهية وهي السيارة هنا مثلت مكافأة حقيقية لها لأنها قد أثبتت أنها تعرف كيف تنمي خانة أصولها. والآن، تعني هذه السيارة لها أكثر بكثير من مجرد سيارة أخرى وحسب؛ إذ تعني انتفاعها بذكائها المالي في الحصول عليها. إن ما يفعله أغلب الناس هو الهرولة فجأة والإقدام على ابتياع سيارة جديدة، أو سلعة أخرى من سلع الرفاهية ببطاقة الائتمان، وقد يكون ذلك بسبب أنهم قد شعروا ببعض الملل وأرادوا لعبة جديدة وحسب, لكن حيازة الرفاهية من خلال البطاقة الائتمانية فعل غالبا ما يدفع المرء إلى الندم الحقيقي عاجلا أو آجلا على تلك الرفاهية، إذ يضحي الدين الذي أتي بتلك الرفاهية عبئا ماليا.

لقد بيَّن أبي الثري لي ول"مايك" أنه لم يكن لا في إنجلترا ولا في أمريكا في الأساس ضرائب, بل كانت هناك بعض مناسبات وقتية، فرضت خلالها الضرائب لتمول الحروب؛ إذ كان الملك أو الرئيس يلقي بكلمة يدعو الناس بعدها إلى التبرع والمساهمة، وقد فرضت الضرائب في بريطانيا للقتال ضد نابليون حيث امتدت الحرب منذ عام 1799 وحتى عام 1816، كما فرضت الضرائب في أمريكا لتمويل الحرب الأهلية التي استمرت منذ عام 1861 وحتى عام 1865.

إن عملت سعيا وراء المال، فإنك بذلك تمنح القوة لصاحب عملك، أما إن جعلت المال عاملا عندك، فأنت حينئذ من يمتلك القوة ويتحكم فيها.

كل دولار دخل خانة الأصول هو بمثابة موظف عظيم يعمل جاهدا من أجل أن يجلب المزيد من الموظفين, ومن أجل أن يشتري لرئيسه, الذي هو أنا, سيارة بورش جديدة.

إنني أذكِّر الناس بأن حاصل الذكاء المالي إنما هو جماع لمجالات أربعة رحبة من الخبرة، هي كالتالي: المحاسبة وهي ما أسميه الثقافة المالية أو القدرة على قراءة الأرقام. وهي مهارة لا غنى لك عنها إن أردت تشييد إمبراطورية مال؛ فكلما تزايد ما بين يديك من مال، ازداد مقدار الدقة التي تحتاج إليها، وإلا سقط المنزل على مَنْ بين جدرانه وهذه المهارة منوطة بالجانب الأيسر من المخ، وهو الجانب المسئول عن التفاصيل. وتتمثل الثقافة المالية في القدرة على قراءة البيانات المالية وفهمها، وهي مهارة تساعدك على أن تلمس نقاط القوة والضعف في أية منظمة. الاستثمار وهو ما أسميه علم "توليد المال للمال". وهو العلم بالإستراتيجيات والخطط، وهي المهمة المنوطة بالجانب الأيمن من المخ، ذلك الجانب المسئول عن الإبداع. فهم الأسواق أي علم العرض والطلب. فهناك حاجة إلى معرفة "الخصائص الفنية" للسوق، والتي تحركها العواطف، أما العامل الثاني المهم للسوق فهو الجوهر أو المنطق الاقتصادي للسوق, بمعنى: هل ينطوي استثمار ما على المنطق أم يخلو منه بناء على ظروف السوق الحالية؟ القانون على سبيل المثال، يمكن لمنظمة قائمة على باقة من المهارات الخاصة بالمحاسبة والاستثمار والمعرفة بالأسواق أن تحقق نموا معجزا؛ إذ يسع الفرد الذي يمتلك المعرفة بالمزايا الضريبية والحماية القانونية التي تمنحهما الشركات، أن يصير إلى الثراء في فترة أقصر من الفرد الذي يعمل موظفًا أو مالكًا فرديًّا لشركة صغيرة الحجم؛ فالأمر هاهنا أشبه بالفرق بين شخص يسير على قدميه وآخر يحلق طائرا، كما أن الفرق يَضْحى عميقا عندما يتعلق بتحقيق ثروة على المدى الطويل.

ولقد لاحظت في حياتي الخاصة أن المكسب عادة ما يتبع الخسارة؛ فقبل أن أنجح في اعتلاء دراجة، سقطت عنها مرات كثيرة. ولم يحدث أن قابلت لاعب جولف لم يخطئ قط تصويب الكرة، كما لم يحدث أن قابلت مطلقًا شخصا وقع في الحب ولم يتحطم قلبه، وكذلك لم أقابل شخصًا واحدًا صار إلى الثراء ولم يخسر ماله قط.

هناك مقولة أخرى شائعة في تكساس، وهي: "الجميع يرغب في دخول الجنة، ولكن ليس ثمة من يقدم على الموت"، فأغلب الناس يحلمون بتحقيق الثراء، لكنهم يخشون خسارة المال، ولهذا لن يدخلوا الجنة أبدا.

الفشل يلهم الناجحين، والفشل يهزم الخاسرين.

إن هناك العديد من الناس يرون في الهجوم على "بيرل هاربر" خطأ ارتكبته أمريكا، لكنني أرى أنه كان خطأ يابانيًّا، ففي فيلم Tora, Tora, Tora، نرى أدميرالًا يابانيًّا مكتئبًا، يخاطب تابعيه المحتفين قائلا: "أخشى أننا قد أيقظنا ماردًا نائمًا"، لكن بيرل هاربر قد صارت منطلقًا ملهمًا لأهلها؛ إذ حولت إحدى أفدح خسائر أمريكا سببا من أسباب النجاح؛ فقد وهبت تلك الخسارة القوة لأمريكا، وسرعان ما أشرق نجم أمريكا كقوة عظمى. إن الفشل يلهم الناجحين، والفشل يهزم الخاسرين - هذا هو سر الناجحين الأعظم، وهو السر الذي لم يعرفه الخاسرون، فالسر الأكبر للناجحين هو أن الفشل مثار إلهام للنجاح، ولهذا لا تجدهم خائفين من الخسارة. أعيد استشهادي بمقولة "فران تاركينتون": "معنى الربح هو ألا تخشى الخسارة"، وأناس مثل "فران تاركينتون" لا يخشون الخسارة لأنهم يعرفون أنفسهم. إنهم يكرهون الخسارة، ولهذا يعرفون أنها ستلهمهم أن يصيروا أفضل؛ فهناك فارق كبير بين كراهية الخسارة والخوف منها. إن غالبية الناس يخشون خسارة المال فيخسرونه في النهاية، وهكذا يفلسون ورأس مالهم الفتات.

فإن كانت عندك أية رغبة في تحقيق الثراء، فلابد لك من اتباع مبدأ التركيز. ولتضع كثيرًا من بيضك في القليل من السلال، ولا تتبع الفقراء والطبقة الوسطى فيما يفعلون، بأن تضع القليل من بيضك في الكثير من السلال وركز: أي اتبع طريقًا واحدًا حتى تبلغ النجاح.

المشغولون دائمًا هم أكثر الناس كسلًا، وكلنا قد سمع قصة رجل الأعمال الذي يكد في عمله ليجمع المال، ويجتهد ليوفر الرفاهية لزوجته وأطفاله، فتراه يقضي ساعات طوالًا في مكتبه ثم يحضر عمله إلى منزله في العطلات الأسبوعية. ثم يرجع إلى منزله ذات يوم ليجده خاويا، فقد رحلت عنه زوجته وأطفاله. لقد كان يعلم بوجود المنغصات بينه وبين زوجته، لكنه بدلا من أن يبادر بإصلاح ما بينهما، ظل منشغلا بعمله، فانهار أداؤه في عمله وخسر وظيفته وأسرته في النهاية. إنني اليوم أقابل أناسا لم يسمح لهم انشغالهم برعاية ثرواتهم، كما أن هناك أناسا لا يسمح لهم انشغالهم بمراعاة صحتهم. والسبب في الحالتين واحد - انشغالهم؛ إذ يجدون فيه وسيلة لتجنب شيء ما لا يرغبون في مواجهته. وهم ليسوا بحاجة إلى من يخبرهم بذلك؛ إذ يعلمون ذلك من أنفسهم تمام العلم. بل في الواقع يتمثل رد فعلهم، إن أنت ذكرتهم بتلك الحقيقة، في الغضب والسخط عليك. فإن لم يكن انشغالهم في العمل أو بشئون أطفالهم، فإنهم يتشاغلون بمشاهدة التليفزيون أو الصيد أو لعب الجولف أو التسوق. لكنهم يعلمون طوال الوقت أنهم يتجنبون شيئا مهمًّا؛ وتلك هي الصورة الأكثر شيوعًا للكسل، أي الكسل بالانشغال.

لقد آمن أبي الثري بأن مقولة "ليس بوسعي القيام بذلك "تغلق المخ، بينما مقولة "كيف يمكن لي القيام بذلك؟"، تفتح الباب للفرص والإثارة والأحلام.

على النقيض من ذلك المسلك، نجد مسلك التضحية الزائدة، المتمثل في قول الوالد لولده: "إنني أضحي بحياتي لأبتاع ذلك لك، وإنني لأبتاعه لأجلك لتحظى أنت بما لم أحظ أنا به مطلقًا في طفولتي". ومثال ذلك أيضًا, أحد جيراني خالي الوفاض، والذي عجز عن إدخال سيارته في المرآب؛ لأنه مليء عن آخره بألعاب الأطفال، المدللين الذين ينالون كل ما يطلبونه. ولا ينفك جاري هذا يردد كل يوم: "إنني لا أريد لهم أن يشعروا بالحاجة" لكنه بهذا لا يدخر شيئا لتعليمهم الجامعي ولا لتقاعده، في الوقت الذي ينال فيه أطفاله كل ألعاب الدنيا. ولقد حصل مؤخرا على بطاقة ائتمانية جديدة، واصطحب أطفاله لزيارة لاس فيجاس قائلا بشعور من يضحي تضحية عظيمة: "إنني أفعل هذا من أجل أطفالي". لقد رفض أبي الثري مقولة: "ليس بوسعي القيام بهذا" في الوقت الذي كان هذا هو ما أسمعه صباح مساء في منزلي. بدلًا من ذلك كان يطلب أبي الثري من أبنائه أن يقولوا: "كيف يمكن القيام بذلك؟".