More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
لأن المجتمع الأمثل هو المجتمع العالمي الذي يهتم بشئون العالم كله وليس بشئون قطر معين، وعندئذٍ تصير الثقافة البشرية جميعها تراثًا عامًّا يجب أن يستمتع به كل من يسكن على هذا الكوكب، وعندئذٍ أيضًا تصير الثقافة هي الحضارة.
ومنَّا قليلون يبلغون هذه الدرجة حتى في عصرنا، حضارتهم هي ثقافتهم وثقافتهم هي حضارتهم، نعني أولئك الذين تغيروا أو تطوروا حتى طابقوا بين مصالحهم ومصالح البشر،
وأصبح لهم دين، وتربَّى لهم ضمير، حتى ليفكر أحدهم بقلبه ويحس بعقله، ويهتم بشئون العالم كما يه...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
ولكي نعيش في سلامة الضمير والجسم والذهن يجب أن نكون مثقفين، ننشد الثقافة العالمية لإيجاد حضارة عالمية.
وأكثر من التجارة في تنبيه الثقافة هو الصناعة؛ لأنها فنون وعلوم مختلفة، ويمكننا أن نجزم بالقول بأن في عصرنا الحاضر لا يمكن أمة أن تكون متمدِّنة ومثقفة إلا إذا كانت أمة صناعية،
الدراسة تكسبنا الشخصية المتطورة، ولن تستطيع أن تكون شخصًا متطورًا إلا إذا كنت دائم الدراسة،
تغير ذهنك بالمعارف الجديدة التي لا تفتأ تزودك بها العلوم.
وإن أحدنا مهما بلغ من الثقافة لا يزال طالبًا يدرس ويتعلم ولا يعتقد في نفسه الكمال أو التمام،
والطالب لا يستهتر، ولا يقرأ جزافًا، وكما أننا نحتقر الاستهتار في السلوك، ونطالب كل رجل بأن يلتزم الجد ويقصد إلى غايات شريفة
يجب أن نطالب القارئ بأن يقرأ جادًّا وأن يعين لدراسته قصدًا، وهو حين يتجه
هذا الاتجاه يجد أنه في غنى عن قراءة القصص السخيفة، وعن قراءة هذه الغوغاء من مجلات القيل والقال التي تستهلك الوقت والمال،...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
والفرق بين القراءة والدراسة هو أن الأولى يقصد منها عند جمهور القارئين اللهو وقضاء الوقت أو قتله، أما الدراسة فتحتاج إلى مجهود بغية الانتفاع، ولكن الحقيقة أن الدراسة عادة واتجاه، إذا نحن تدربنا عليها وتعبنا في البداية لا تلبث أن تثبت؛ وعندئذٍ ت...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
وكذلك الحال في القراءة والدراسة؛ فالأولى لهو بلا غرض، والثانية استمتاع له هدف الرقي، والانتقال سهل بالتدريب؛ لأن الدراسة تعود بعد ذلك مزاجًا لا يحتاج إلى جهد، فالجريدة التي نفطر بها في الصباح تقرأ عندئذٍ مع القلم
الأحمر والمقص، إلى جنب الخريطة أو المعجم السياسي، والكتاب تعلق عليه الانتقادات والشروح، بل تؤخذ منه التلخيصات.
ونحن حين نقرأ بالقلم نشارك المؤلف في كتابه؛ لأننا نناقشه في غضون القراءة، وربما نصل إلى تفاريع ذهنية لم يصل هو نفسه إليها، وقراءتنا عندئذٍ إيجابية عاملة وليست سلبية عاطلة، فنحن لا نلتقي ونتطبع بل نفكر ونطبع الكتاب، ويجب على القارئ ألَّا يستسلم للوهم...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
عندئذ لا نطيق أن نقرأ صفحة من مجلات القيل والقال أو القصص السخيفة؛ إذ ليس فيها ما يدرس، ثم تغدو دراستنا نظامية لها برنامج وفيها اتجاه أو اتجاهات، لغاية نتدرج فيها ونرقى بها.
ويجب على من ينشد الثقافة ألَّا يترك كتابًا قد قرأه إلا وله عليه حكم؛ وذلك بأن يقتني كراسة لتلخيص كل ما يقرأ، حتى إذا انتهى من تلخيص كتاب حكم عليه وأثبت الوجوه التي انتفع بها منه، وهل كان يساوي الوقت والمال اللذين أنفقهما فيه أم كانت قراءته ضررًا أكيدًا، وليس في الدنيا كتاب يعلو على هذا الامتحان، فنحن نقرأ وندرس كي ننتفع ونرتفع، وكي تتسع آفاقنا الذهنية، وتتربى نفوسنا وتستنير رؤيانا ونستمتع بالدنيا، فإذا لم يكن شيء من هذا، فإننا يجب أن نأسف على قراءتنا، وأن ننصح لغيرنا بألَّا يقع في الخطأ الذي ارتكبناه بقراءة كتاب سخيف.
السمة الأولى للرجل العصري؛ إذ هو العارف المجرب، الذي يدأب في زيادة معارفه وتجاربه.
متقائل بالمستقبل لأنه إنساني، ولا يطيق أن يسلم بأن الشر سيتغلب على الخير،
والسمة الثالثة في الرجل العصري أنه متطور،
الكتب العصرية العظيمة هي الكتب التي تغير الناس لأنهم تكسبهم قيمًا جديدة في الأخلاق أو الاجتماع أو العلم أو الأدب أو الثقافة عامة.
والكتاب الذي لا يغيرنا لا يربينا؛ لأننا ننتهي من قراءته ونحن على حالنا التي بدأناها به.
داروين
وكتابه «أصل الأنواع»
ونستطيع أن نذكر عشرات الكتب التي غيَّرت المزاج الذهني للمفكرين، أو النظام الاجتماعي للشعوب، وإن لم تبلغ في القوة والتأثير مستوى هذين الكتابين؛ فإن مؤلفات فولتير ألغت التعصب الديني في أوروبا، ومؤلفات روسو جعلتنا نحس إحساسًا دينيًّا نحو الطبيعة، ومؤلفات جوركي علمتنا كيف نؤمن بعظمة الإنسان، ومؤلفات برنارد شو جعلتنا ننضج، ونعالج مشكلاتنا بروح الرجولة والجد.
تاريخ الثورة الفرنسية،
إن الرغبة في الثقافة والاستطلاع والنمو الذهني عادة مثل سائر العادات، وهي أثبت
وأرسخ عندما تغرس أيام الطفولة والصبا، بل أيام الطفولة أكثر من أيام الصبا.
المعقول أن يعرف كل منا المبادئ العلمية التي يهتدي بها الطبيب والمهندس والمعمار والقاضي، كما يجب أن يكون كل منا أديبًا وفنانًا إلى حد ما حتى ولو لم يحترف الأدب أو الفن،
فلنكن إذن موسوعيين، ندرس التاريخ والأدب والفلسفة، كما ندرس الاقتصاديات والاجتماع والكيمياء، والأصول العلمية التي بنيت عليها الحضارة والصناعة القائمة، والرجل الذي يقصد من الثقافة إلى أن يكون موسوعيًّا يجد بعد سنوات من الدراسة أنه انتقل من الركود إلى التطور؛
والمعرفة قوة لا تطيق الحبس،
وعلى من ينشد الثقافة أن يختار أصدقاءه من المثقفين، حتى يجد فيهم المشورة الحسنة والاختيار السديد، ويتجنب أولئك الأميين الذين غرست فيهم المدرسة أو الجامعة الكراهية للكتب، أو أولئك الذين حملتهم الاعتبارات المادية في مجتمعنا على ألَّا يقيموا وزنًا لأي نشاط إلا إذ كان حرفيًّا يزيدهم درجة أو يأتي لهم بعلاوة في الوظيفة.
ولكننا نكسب لنعيش ولا نعيش لنكسب،
والحياة لهذا السبب يجب ان تكون أكبر من الحرفة، والنجاح فيها أهم وأخطر من النجاح في الكسب.
يجب أن ننجح في الحياة؛ أي ننجح في الأسرة بعلاقات زوجية حسنة وعلاقات أبوية بارة، وننجح في المجتمع بأن نكون اجتماعيين نقدر الصداقة، ونمارس الضيافة، ونشتغل بالسياسة، وننغمس في ...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
ولكن كما نكون اجتماعيين يجب أيضًا أن نكون انفراديين...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
نستطيع أن نخلو فيها أحيانًا بأنفسنا، وخلواتنا يجب أن تكون للد...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
ولكن الثقافة في أيامنا لم تعد عامة ولا محيطة؛ وذلك لأسباب كثيرة، منها ان المعارف قد كثرت وأصبحت الإحاطة بها شاقة، ومنها أن هذه الكثرة في المعارف قد بعثت على التخصص، وإذا أنت قرأت «طبقات الأطباء» لابن أبي أصيبعة وجدت أن الطبيب قبل ألف سنة كان «حكيمًا» كما لا يزال جمهورنا يدعوه؛ أي إنه لم يكن يعرف الطب فقط، بل كان أيضًا يعرف
نفسية معينة، وإذا قلنا «حال نفسية» فقد قلنا «حال فلسفية»؛ فالطبيب الحق هو في النهاية «الحكيم» الذي لا ينظر إلى المريض بعينيه فقط، وإنما ينظر إليه من خلال عينيه، فيفكر في حالته الاجتماعية واتجاهه النفسي وموقفه الفلسفي، وإذا فرضنا أن الطب يجب ان يتجزَّأ، وأن الطبيب يجب أن يتخصص في فنه لتيسير العلاج؛ فإننا مع ذلك لا نستطيع أن نقول إن المختصين سواء في الطب أم في غيره قد حصلوا على تربية للحياة، وقصارى ما نصفهم به أنهم حصلوا على مهارة في الحرفة، فإذا اقتصروا على هذا التخصص فإنهم بذلك يبقون أميين في فن الحياة.
وإنما هي وجدت أن التخصص يضيِّق الذهن ويحدد الآفاق، والثقافة العامة تجذب المتخصص إلى ميادين أخرى فيتحرر ذكاؤه من الضيق.
«الثقافة العامة» هذه هي شعار الجاحظ الذي كان أديبًا، عالمًا، فلكيًّا، نباتيًّا، يدرس الحيوان والكواكب والسياسة والاجتماع والدين والطب؛
والخلاصة أننا يجب ألَّا يحدنا التخصص؛ لأن التربية للحياة قبل كل شيء، وليست لعلم أو فن معين، والوسيلة إلى ذلك هي الثقافة العامة.
وكل دراسة تحتاج إلى شيئين، هما الحافز والذكاء.
بضرورة الرقي بالتثقيف الذاتي؛
قيمة لأية دراسة لا تتفاعل مع حياتنا،
يجب أن نجعل دراستنا مزدوجة؛ أي لا نقنع بالقراءة بل نزيد عليها كتابة، فإذا قرأنا فصلًا لخَّصناه مع التعليق والنقد، وأحسن الطرق لأن نفهم الكتاب أن نلقي عنه محاضرة؛ لأننا عندئذ نشارك المؤلف في تأليفه، ونستذكر أشياء كثيرة ما كنا لنستذكرها لو إننا كنا قد قنعنا بالقراءة.
يجب أن نعين الوقت والمكان للدرس، بحيث يصير الدرس عادة، فإذا دقت الساعة تنبهت النفس، وإذا دخلنا الغرفة وجدنا أن جوَّها ينادينا بالقراءة والدراسة.
الكتاب لا يزال وسيبقى قوي الأثر في التثقيف الذاتي،

