خرجت من غرفتي كالعادة لأتوجه للعمل، رأيت والدتي ذات السبعين عامًا، وابنتي مشاعل الأقل من عام واحد، كلتاهما تحبو. الصغيرة كانت تبكي باحثةً عن أمها. لم يلبث أن تحول البكاء إلى ابتسامة طفولية ساحرة. الوالدة تحبو ذاهبة إلى الحمام، الخادمة أعياها السهر ونامت، لم تشأ الوالدة إيقاظها، تتمتم بعبارات طالما رددتها: (أصبحنا وأصبح الملك لله، الحمد لله على هذه النعم الكثيرة، يا الله من حيلي إلى قبيري، اللهم لا تجعلني عالة على أحد). الصغيرة تفتح الباب بيدها الناعمة لتخرج للحياة، والكبيرة تغلقه بيد متيبسة، ملّت الحياة، لا تريد أن يراها أحد خشية أن يهب لنجدتها. الصغيرة ببشرة نقية ملساء صافية، والكبيرة ببشرة
خرجت من غرفتي كالعادة لأتوجه للعمل، رأيت والدتي ذات السبعين عامًا، وابنتي مشاعل الأقل من عام واحد، كلتاهما تحبو. الصغيرة كانت تبكي باحثةً عن أمها. لم يلبث أن تحول البكاء إلى ابتسامة طفولية ساحرة. الوالدة تحبو ذاهبة إلى الحمام، الخادمة أعياها السهر ونامت، لم تشأ الوالدة إيقاظها، تتمتم بعبارات طالما رددتها: (أصبحنا وأصبح الملك لله، الحمد لله على هذه النعم الكثيرة، يا الله من حيلي إلى قبيري، اللهم لا تجعلني عالة على أحد). الصغيرة تفتح الباب بيدها الناعمة لتخرج للحياة، والكبيرة تغلقه بيد متيبسة، ملّت الحياة، لا تريد أن يراها أحد خشية أن يهب لنجدتها. الصغيرة ببشرة نقية ملساء صافية، والكبيرة ببشرة تقاسمتها التجاعيد والخشونة وتحكم فيها اليأس. الصغيرة بعينين جميلتين ضاحكتين، الكبيرة بعينين غائرتين لم يبق منهما سوى أحافير من الجلد والعظام. الصغيرة تنضح بالصحة والحياة، والكبيرة هدها المرض وملّت الحياة. الصغيرة تضحك لأبسط الأشياء، والكبيرة تجد صعوبة في الابتسام. الصغيرة تحاول الوصول لكل ما حولها، والكبيرة تتجنب كل ما حولها. وقفت بينهما على نفس المسافة، أنظر إلى هذه وتلك، واحدة تحاول الصعود، وأخرى تساق لمنحدر حزين. لست هذه ولا تلك، بل حاصل مجموعهما معًا مقسوم على اثنين. أنا نصف عمرهما معًا، ونصف حياتهما معًا، ونصف سعادتهما معًا، وقفت على نفس المسافة أراهما معًا. واحدة تصعد في مرح، وأخرى واهية تنزل إلى منحدر. فكرت في الحياة ما أقصرها وما أطولها! ما أجملها وما أقبحها! ما أسعدها وما أشقاها! ابدأ والنهاية ماثلة أمامك. من العادات السبع للكاتب ستيفن كوفي. نحن الذين نصنع السعادة والشقاء، الصحة والمرض، النجاح والفشل، الفقر والغنى. أجمل ما رأيت تلك القناعة والرضا البادية على محيا والدتي، لم أس...
...more
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.