فولكس .. لكل مواطن
غربت الشمس .. حل الغسق .. غرق الدير في الصمت .. تتصاعد الى الذاكرة الاسئلة الابدية .. الحمقاء .. اللامجدية .. لماذا ؟ .. لماذا هناك اناسا جائعين ؟ .. واتضح بجلاء اننا لسنا سوى بشر ضائعين .
سأشتري سيارة فولكس لكل جائع .. ( تاكسي كحلة بيضه ) .. الاجابة الوحيدة المتبقية من بين الاحتمالات الممكنة .. الفولكس السيارة الالمانية .. زهيدة الثمن .. والملقبة بـ " سيارة الشعب "
تاريخيا .. صنعت بأوامر طاغية العصر الحديث " هتلر " .. عربة صغيرة تبرد بالهواء لا الماء .. لقد اشتكى له حاشيته .. تعثر عربات جنده الزاحفة نحوى الصحارى والمناطق الحارة .. اراد لها ان تكون خفيفة الوزن ، بكلفة قليلة ، ليقال عنها ايضا .." سيارة الشعب " .. او الخنفساء كما ينعتها الاخرون .. وكان لها دورا في حربه الكونية لأجل المجد الزعامة الابدية ، والتي انتهت بدمار بلاده المانيا ، وخمسة وخمسون مليون قتيل . ولاستخدامها فى الدعاية له والحكم النازى .. وشعاراته الفضفاضة " السعادة من خلال القوة " .
" يقول المؤرخون إن ما قام به أدولف هتلر إنما هو ركوب على موجة التنقل والتي ازدادت أهميتها بشكل كبير آنذاك في جميع أنحاء العالم . وكان هتلر يتقن الوسائل التي يمكن من خلالها اجتذاب الألمان وكسب ودهم من أجل تأمين سلطته... وقد استغلت الدعاية النازية ذلك الأمر .. وولدت بالتالي فكرة .. سيارة الشعب . " .. صممها مهندس يهودي .. وادعى الاعلام النازي انها من تصميم الفهرر .. وقيل قتل المصمم فيما بعد .
في عام 1934 تحدث عن بداية " معركة العمل " .. وما بعدها .. كذبة اخرى لمواجهة فيض الأعداد المرتفعة للعاطلين .. والمرض والجوع والموت والبؤس .. حينئذ .. كان مجرد التعبير عن الامتعاض .. كما الاضرابات .. يدرج في باب الخيانة العظمى للامة.. يزج بقادتها في معسكرات الاعتقال .
صنع للشعب السيارة الخنفساء .. واختار لنفسه سيارة المرسيدس - بنز 770 .. المجهّزة خصيصا لحمايته .. جدرانها من صفائح الفولاذ المقاوم للانفجار ، والرصاص .. وبمحرك يمكنه توليد 230 حصاناً من الطاقة الميكانيكية كان كثير الشكوك بكل من يحيط به .
سيارة الشعب .. ارتبط ذكرها بالرئيس خوسيه موخيا .. زعيم الارغواي .. رفض التخلى عن سيارته العتيقة " الفولكس " ، كما قصر الرئاسة . واحتفظ لنفسه بنسبة 10 بالمئة فقط من راتبه وتبرع بالباقي للجمعيات الخيرية في بلاده .. وقال : أن المبلغ الذي يتركه لنفسه يجب أن يكفيه اذ العديد من أفراد شعبه يعيشون بأقل من ذلك بكثير . لذلك حصل على اعتراف دولي ولقب " أفقر رئيس في العالم وأكثرهم سخاءً " عاش فترة الرئاسة في بيته الريفي .. ولم يكلف خزينة بلاده تكاليف جحافل الحراس كبقية رؤساء العالم.
كان لبصماته القيادية اثر بالغ في القضاء على الفساد .. وانتشال بلاده من ربقة العوز والديون .. نظرته للقيادة المثالية .. " أن تبادر للقيام بالفعل حتى يسهل على الآخرين تطبيقه " .. فكان رجل الشعب ونصير البراغماتية . أفقر رئيس في العالم أو رئيس الفقراء .. يعلق على اللقب : الفقير ليس ذاك الشخص الذي لا يجد مالاً ، وإنما الشخص الذي لا يكفيه ما يحصل عليه من أموال ويطلب الأكثر .
في مؤتمر " راو " الذي نظمته الأمم المتحدة ، تسأل بدهشة : " هل تتوافر الموارد العالمية اللازمة لوضع ثمانية مليارات إنسان في مستوى يضاهي سكان الدول الغنية ، العالم في حاجة للعدالة أكثر من أي شيء آخر ".
انتهت فترة ولايته الرئاسية .. كسب الجموع .. احبه شعبه .. عاد الى بيته الريفي يمارس طقوس حياته اليومية .. مواطن من عامة الشعب .. تؤانسه رفيقته النضال .. السيارة الفولكس العتيقة .
اخيرا .. قدم له عرض مغري .. بيع السيارة بالمال .. وبقيمة مليون دولار .. أليس من العدل ان يكون السعر اكثر واكبر ؟!! .. سيارة الدكتاتور الايطالي الفاشي بينيتو موسوليني بيعت في مزاد علني عام 2008 ، بمبلغ 1.5 مليون دولار .. أليس من العدل ان تعرض بالمزاد العلني هي الاخرى ؟ .. يقال ان الرئيس موخيا ابتسم ودمعت عيناه عند سماعة العرض .. وتسأل .. ما شأن هؤلاء الذين يريدون ان يشتروا كل شيء بالمال ؟ ويتاجرون بكل شيء ؟ .. ورفض العرض .. فما كل شيء للبيع .. وان بيعت اوطان .. ومن عساه صاحب الصفقة .. ذلك الامير العربي الثري نفطا .
يا للمفارقة .. تشابهت المناصب والمراكب .. الوانها .. وأنواعها .. انها السيارة الفولكس الالمانية ذاتها .. مرة اخرى .. لقد وجد فيها رئيس فقراء العالم ناصيته لبناء دولة وانتشالها من ربقة الازمة .. وجور الفقر .. ووجد فيها اغني واعتى الطغاة في التاريخ المعاصر .. ناصية لسرقة السلطة الشرعية بالدبابة .. لشعب آمن .. وبلد تفيض ارضه بالخير .. فلكس خوسيه. كانت ومضة امل وتفاؤل لشعب فقير .. انتشلته من بين انياب التخلف والفساد .. ثم كانت مثيلتها .. محط تشاؤم .. جالبة للقهر والدمار .. والحرب والخراب .. مزقت احشاء وطن .. وروت تراه بأنهار الدماء... ادخلت لمتحف التاريخ قسرا " متحف السراي " .. لم يحتمل الثوار رؤيتها هناك .. حطموا زجاجها .. كما حطمت اجيال واجيال .
انقشعت ادخنة الوهم .. الدستور قيد الانجاز .. وقريبا سيبدأ مارثون التطاحن على كرسي الجمر .. كرسي الرئيس .. وحملة انتخابية .. ملصقات .. شعارات .. انتخبوني ( سأشتري فولكس لكل مواطن ) .. سيارة الشعب .. الخنفساء احيانا .. زهيدة التكلفة ..( تاكسي كحله بيضة لين ايدير الله طريق ) .. ناصية لإطعام الجائعين .. النازحين .. المهجرين .. الجرحى .. اسر الشهداء .. وللمحاصرين بين اسوار وطن ينتحر .. وحرب يستعر لظاها ويشتد .
Published on November 21, 2014 00:54
No comments have been added yet.
عبد القادر الفيتوري's Blog
- عبد القادر الفيتوري's profile
- 11 followers
عبد القادر الفيتوري isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

