أيوب الإنسان
يقول بعض المؤلفين الغربيين والعرب بأن قصة أيوب موجودة في الأدب السومري، وهي أصل لكل قصة أيوب بعد ذلك!
تقول أبيات قصيدة أيوب السومري الموجودة في ألواح وبشكل مؤثر:
(ليلهج الإنسان بلا انقطاع بعظمة إلهه
ليمجد الإنسان كلام إلهه بكل إخلاص
ولينجُ هذا الذي يقيم في بلد العدل، ويشرح في بيت الغناء قضيته لزميله وصديقه
الرجلُ المخادعُ طوقني بريح الجنوب وإنا مكرهٌ على خدمته، والذي لا يحترمني أخزاني أمامك ..
أنت حكمتَ علىَّ بعذابٍ دائم التجدد،
أدخل البيت وأنا مثقل الروح،
أنا الحكيم لماذا أُحسب في الأغرار الجهلة؟
أنا المستنيرُ، لماذا أُوضعُ في عدادِ الجهال؟
القوتُ ميسورٌ في كلِ مكانٍ وقوتي أنا هو الجوع.
ويوم قـُسمت الحظوظ كان العذابُ حصتي.
إلهي، النهارُ الذي يفيضُ نورَه على الأرض هو عندي نهارٌ اسود،
والعذاب يغمرني كمن أُختير وحده للدموع،
والحظ السييء يطبقُ عليّ بقبضتهِ، يسلبني حتى نـَفَس الحياة،
والحمى الخبيثة تغمر جسدي).
يقولون إن هذه القصيدة من صنع سومري ثم صارت بابلية ثم غدت يهودية ثم مسيحية حتى غطت الأرض، أي ثمة تناسخ للنص.
لكن هذه المعاناة موجودة في كل مكان وفي كل زمان، وقصد الكتابة بهذا الأسلوب هو خلق الإنسان الصابر، الإنسان الراضي رغم كل عذابه وتفتت جسده من الجراثيم، وهو الشعوب المتألمة المستغلة غير القادرة على التغيير.
ومن الممكن أن يظهر أيوب المعاصر فيقول:
إلهي لقد مزقتْ راتبي الضئيل الإيجاراتُ العالية لسيدي المهيمن.
وتحاوطتني ذئابٌ كثيرة؛ صاحبُ البناية النهم للإيجارات، وأصحابُ الأقساط والديون الذين يجرون ورائي، وأتخفى منهم، فلا أستطيع!
ويقف على رأسي قاض صارم يأمر ببيع سيارتي المستعملة وأثاث بيتي، فنجثم على بلاط بارد، أو نمضي للشوارع نتسول ونقول حسنة لله!
ولم تفعل الوزاراتُ شيئاً، فحقوقي في التأمينات ضاعت أو أمام الحصول على درهم منها جبالٌ من القرارات والتوصيات والملاحقات، ولا تكفي مؤنة الشؤون حتى لثلاثة أيامٍ من الشهر، والعمال الأجانب المنهمرون مثل زوابع الشتاء يسرقون اللقمة من فمي، ومن أفواه عيالي الضائعين في المقابر والخرابات.
إلهي أرجو أن لا تتزايد الأسعار بهذا الشكل الجنوني، وكان لدي قارب أصطادُ به السمك واستولت عليه المحكمة، والبحر أستولى عليه الملاك، والحظور صارت خاصة وبها شركات مسيطرة.
وكان أباؤنا لديهم دكاكين أفلست من الهجوم الجوي التجاري الكاسح للعولمة.
إلهي لا أرجو سوى أن أحصل على قبري بعد هذه السن الطويلة، لكن حتى القبور صارت محجوزة، والمقابر تحولت إلى أراض مبيوعة، وعليك لكي تحصل على قبرك أن تكون لديك واساطات كثيرة.
ولهذا فإن الدودَ بدأ يغمر جسدي منذ الآن، وهو يأكل لحمي، وأنا قد صبرت كثيراً أكثر من أيوب نفسه، فمتى أحصل على دوائي وراحتي؟


