عودة السحر

كتب : عبـــــــدالله خلــــــــيفة

موضوعا السحر والدين واسعان جداً، ولكننا نقصد هنا الأسباب التي أدت إلى بقاء السحر بل وأنتشاره بقوةٍ في العقود الأخيرة، حتى صار للسحرة بدل البيوت المخفية محطات فضاء ذات تأثير شعبي واسع!
إن السحر والدين تربطهما وشائج وصلات قوية، فكلاهما يعتمدان على الغيبيات، فهما مرحلتان من التفكير البشري اللتان لهما أسباب موضوعية، وإذا كان السحر هو المرحلة البدائية من التفكير البشري في البحث عن الأسباب، فالدين مرحلة تالية وأعلى منه للبحث عن هذه الأسباب كذلك!
فالبشر لا يختلقون أسباب التفكير بل هي تكونُ نتاجَ تطورهم الصعب وسط ظروف الطبيعة القاسية ووسط صرعاتهم الضارية كذلك!
وما يحيط بهم من ظروفٍ وأحداث فيها السيء وفيها المفرح لا يفهمونه كل الفهم، ولهذا يلجأون لقوى أخرى من خارج وسطهم البسيط لكي تعينهم على هذا الفهم وعلى التأثير فيها والتغلب عليها!
وتتباين استجاباتهم لهذه القوى حسب مداركهم وظروفهم العامة والشخصية، وحتى صاحب النفوذ والقدرة الهائلة يحتاج للسحرة لا لشيء سوى إنه فقد القدرة على السيطرة على الأوضاع والتنبؤ بالمصير، فيتوجه المعتصم الحاكم ذو النفوذ الهائل للاستعانة بالمنجمين، في حين إن أخاه المأمون كرس حكم العقل الديني!
وحتى لو جاء العالمُ ذو الإمكانيات العلمية الكبيرة لا يستطيع أن يفهم كلَ شيء، وأن يتنبأ بالمصائر، وأن يعرف تطورات الدول والأحداث بدقة، فهو يمكن أن يعرض ملامح عامة، لكن التطورات والأحداث لا يحيط بها كل وعي مهما كانت سحريته أو تدينه أو علميته!
والمجتمعات تتباين في تطورها فإذا حدثت الأزمات الحادة وكثرت الظروف السيئة عليهم أو داهمتهم أمراضٌ خطيرة لجؤا إلى نوع ما من التفكير بأنواعه الثلاثة السابقة الذكر، حسب مستوى معارفهم، وحسب تطور حياتهم، فالمتخلفون جداً والمأزومون يختارون السحر، مثل الذي يلجأ للفانوس السحري وبساط الريح والنفث في العقد والتمائم والأحجبة وغيرها، يستعين بها من أجل تجاوز الخطر وخلق الظرف الملائم له، وعادة يجري ذلك في المستويات الشعبية، التي لا حظ لها من دين عقلي أو من علوم، أو تكون الحالة قد وصلت في الإنسان أو المجتمع إلى درجة الإطاحة بكل ثوابت العقل!
إن الإنسان المأزوم جداً أو المجتمع شديد التخلف أو المأزوم جداً كذلك يلجأ للحل الأخير المتدني، وهو إزاحة العقل بشكليه الديني أو العلمي.
إن علينا أن نحترم هذه الأشكال الثلاثة الكبرى من التفكير البشري، فهي وليدة حالة الإنسان الموضوعية، فكم من مثقف حين يعجز عن حل تناقضاته الداخلية أو حين أستفحل به المرضُ الخطير، يلجأ إلى مشعوذٍ أوساحر، وكم من عالمٍ راح يكلم قبور أهله!
وقد ازدادت موجة السحر بسبب إن الموجتين السابقتين العلم والدين اللتين كانت أملاً للتغيير بالنسبة للجمهور تحولتا إلى مشاكل بل والأسوأ من هذا إن الموجة الدينية التظاهرية الشكلانية التي لفت بعض المثقفين تحولت في العديد من الأقطار إلى حروب أهلية وصراعات ضارية، بحيث أخذ جزءٌ من الجمهور الأكثر تخلفاً ويأساً يعود بشكل واسع إلى أي خشبة طافية في نهر الجثث والخراب والحرائق!
مع الظلمات التي تحيط بالإنسان الصادق المعذب بشكل حقيقي وليس الذي يستعين بالدين أو بالسحر بشكل سياسي نفعي، فإن اليأس يدفع إلى أشد الحلول غرابة ولاعقلانية.
وإذا كان دعاة العلوم والتصنيع القذر يلفون المدن بسحب السرطان، وبدلاً من أن يحصل العامل على أجر، يكون نزيلاً في أحد المستشفيات يواجه اللحظات الأخيرة من حياته السريعة، فإن بطل العمل العلمي هذا يتحول أعمى يريد النجاة بأي شكل!
أصبح الموت السياسي والموت الصناعي يخطفان الناس الفقراء خاصة، وبسرعة مخيفة وبضربات صاعقة، وتبخرت أحلام العلميين والدينيين وارتفعت أسهم السحرة والدجالين!

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 21, 2023 22:43
No comments have been added yet.