السحرُ وتغييرُ العصور

كتب : عبـــــــدالله خلــــــــيفة

القصة ذات أطوار تاريخية عديدة، لكن الوعي المحافظ الأسطوري لا يعرفها، فقد كان السحرُ ملازماً للقصص القديمة، والقدرات خارقة للأبطال الرجال عادة حيث لا بطولات نسائية.
ومن هنا كان البطلُ قادراً على الطيران بأجنحة أو بدون أجنحة، وظهور الأجنحة المتكرر يشير للرغبة في الطيران.
الأبطال السحريون هؤلاء ينقلون مدينة من مكانها ويحضرونها أمامهم وينتقون إمراة جميلة ويحاكمون المدينة عن دينها وموروثها ويتحكمون فيها.
أو يقدرون على الدخول في جوف الحيوانات الكبيرة بدون موت أو حتى تسمم غذائي.
أو يمشون من منطقة نهرية محدودة في بلدتهم ثم يمشون مسافات هائلة بمقاييسنا المعاصرة بدون موت بل يصلون للبحر القصي.
لهذا كانوا يماثلون حتى القصص التالية في ألف ليلة وليلة حيث البطل يكتشف المصباح الذي يعطيه قدرات خارقة أو يستخدم البساط للطيران مثل المرأة العجوز الساحرة التي تستخدم المكنسة للطيران!
ولهذا حين تتداخل القصص السحرية وأشكال الوعي الأخرى يحدث اشتباك بين الفهم المعاصر وهذه العقلية القديمة التي تريد السيطرة والتحكم في السدود والمعامل والمجالس النيابية والمدارس وهي بهذه الثقافة القصصية العائدة للمجتمعات الإقطاعية الزراعية حيث لا آلات ولا مختبرات علمية ولا معاهد تحليلية للنصوص القديمة، لكن هو التمايز بين أزمنة مختلفة لكل منها ظروفها.
لكن الأبطال الخارقين يتكشفون والقصص الخيالية تُدرس باعتبارها معبرة عن مرحلة طفولية من التاريخ الشعبي، وتغدو موروثاً للقراءة وزاداً يمثل بكارة الجنس البشري في فهم الطبيعة والبشر والتطور الاجتماعي.
ملاحم مثل الأوديسة والإلياذة وجلجامش وألف ليلة وليلة تعبر عن سير شعبية كبرى فالملاحم الإغريقية عبرت عن الشعب الأثيني وهو يشكل دولته ويزيح القوى المنافسة من خلال أبطال بدوا خارقين.
لكن الوعي السحري لا يتخلى عن أبطاله، وقدراتهم الإعجازية لا يحيلها لظرف الزمان والمكان، وعقلية البشر السائدة في كل مرحلة تاريخية، فهو وعي لا يعرف القراءة الموضوعية، ويعتبرها صالحة لكل زمان ومكان، ولهذا فإن جثوم الإنسان طويلاً في جوف حيوان أمرٌ ممكن، ونقله البلدان بطرفة عين أمر سهل، وعبور الخرائط الجغرافية بصحاريها وجبالها ووحوشها لا غبار عليه حيث تكفي بعض التعاويذ والورق العتيق للقيام بهذه المهمات المذهلة لكنها تعبير عن حلم وهذه الرحلة السحرية تعقبها مرحلة واقعية يفهم فيها الإنسان سببيات التطور ويصيغ قصصاً مختلفة مبنية عن تقاربه مع العلوم.
هذه القدرات هي التي جعلت العرب يصيغون من القصص الفارسية والهندية المبعثرة ملحمة بشرية قصصية كبرى هي ألف ليلة وليلة وغذت البشرية عامة بتقنيات السحر العجائبية في حين أن أحفادهم عجزوا عن تطوير القصة في هذه الجوانب الخارقة ودمجها بالواقع المعاصر وإنتاج مركب بين السحر والتاريخ والواقع.
رغم تقدم العلوم الإنسانية تحتفظ القصص القديمة بنكهتها وتظهر أسرارها الحياتية البسيطة، وتغدو الخوارق أشكالاً تعبيرية أبنة عصورها، ويمكن تداخلها مع العصور الراهنة وأن تظهر عقليات إبداعية جامعة.
هذا ما احتفت به آداب أمريكا اللاتينية وأدب عصر النهضة الأوربي وكيف إنشات حكايات خرافية طريفة مثل رحلات جلفر وروبنسون كروزو وقصة الغوريلا العملاقة التي تغزو لندن عاصمة الحداثة والقوة!
غياب السحر والبنى المركبة في القص وغياب تحليلات الصراع الطبقي تجعل القصص العربية نثرية سطحية تعبر عن يوميات وجزئيات فاقدة للوهج والتغلغل في الحياة والوعي.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 21, 2023 22:56
No comments have been added yet.