عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الرموزُ الدينيةُ والأساطير

تأخذ الثقافةُ الشعبية الدينية الإسلاميةُ الراهنة التاريخَ الماضي من خلالِ منظار الأساطير القومية.

الأساطيرُ القوميةُ وليس العقلانية القومية سواءً كانت عربية أم فارسية أم تركية أم هندية  وغيرها، مرحلةٌ من تكونِ القوميات الإسلامية المختلفة في ظلِ الثقافةِ السحرية والدينية، حين يقومُ جهازٌ حكومي مسيطرٌ مركزي قامع بدهسِ أحلام الشعوب ورفض تجلياتها الحرة في مجال السياسة والحقوق فتختلق أساطيرها وتاريخها الخاص في ظل الثقافة الدينية التوحيدية العامة.

أراد العربُ التوحيديون النهضة، وفي المرحلة الراشدية الوامضة، شكلوا بعض الظروف المفيدة بين الحكام والمحكومين، كانت رؤاهم  الدينية وظروفهم تشكلُ ذلك التوهجَ الإنساني النادر، لكن مرحلة التمدد المناطقي الواسع والفتوحات، عادتْ بظروف مختلفة.

نشأت فئاتٌ أكثرُ غنى أُضيفتْ للفئاتِ الغنية التقليدية التي كانت تقوم بذلك عبر قرون.

بني أمية خاصة أكثر الذين إستفادوا من المرحلتين، وأصطفتْ إلى جانبِهم فئاتٌ عديدةٌ من قريش والانصار والفاتحين، وكَثُرت الثروات، وما عاد نهجُ المساواة السابق بقادرٍ على الصمود أمام التمايزات الاجتماعية الحادة.

كان صعودُ بني أمية ثمرة طبييعة لكل هذه التحولات، وكان ثرواتهم التاريخية السابقة، إضافة للثروات التي إنهالت عليهم بعد الفتوحات، قد كوّنتْ كوادرَ سياسيةً وعسكرية مجربة لم يستطع بنو هاشم مجاراتهم في هذه الأعداد.

وإستثمرت بني أمية هذه القدرات وعرفت كيف تقيم التحالفات مع القوى الغنية الصاعدة في قريش وفي الأنصار، وإستمالت دهاة العرب المعروفين.

فلا توجدُ هنا مؤامرةٌ محبوكةٌ منذ فجر التاريخ الإسلامي على بني هاشم، بل هي الصراعاتُ الاجتماعية والسياسية الطبيعية، وصعود نموذج اللامساواة، وحروب الفتوحات التي كونت فئات كبيرة من الأغنياء تحالفت وكونت طبقة عربية بدوية في زمن الأمويين وعربية فارسية متحضرة في زمن العباسيين.

 وبهذا فإن بني أمية جمعتْ خيوطَ السلطان بين يديها لأنها إستثمرتْ التحولات، وهو أمرٌ عارضتهُ قوى كثيرة، عربية وغير عربية، لكن لم تستطع تكوين دولة المساواة الشعبية التي احتاجت ظروفاً سياسية وفكرية كبيرة كانتشار الديمقراطية ومعرفة ظروف الانتخابات والتحالف بين النخب الطليعية التجارية والمثقفة وهذه كلها تحتاج لعصر مختلف كما يبدأ ذلك في عصرنا الراهن الذي تتوفر فيه بعض هذه الشروط الكبيرة.

نموذجُ المساواة دائماً هو نموذج أولي تأسيسي تجميعي، لكن ظروف التاريخ الطبقي هي مختلفةٌ وهي تكرسُ اللامساواة وظهور التمايزات القبلية والقومية والسياسية حتى تظهر ظروفٌ معاصرة تخففُ منها ثم تنفيها. وتتيح الرأسمالية الحديثة ذلك عبر ظهور الطبقتين المتصارعتين المتحالفتين في البناء الديمقراطي: البرجوازية والعمال.

ونموذج اللامساواة الأموي جعل الشعوب المَغزُوة من قبل العرب المسلمين تثورُ وترتد، وتكونُ تاريخَ المذاهب المختلفة مع مذهب العاصمة الحاكمة.

وتتصور الصراعات الاجتماعية الطبيعية مؤامرات من قبل الأمويين ومن قبل العرب ومن قبل السنة والشيعة وبقية الطوائف وهي صراعات إجتماعية.

وفي خلال هذا النزاع الاجتماعي (القومي) نشأتْ أساطيرُ المذاهبِ وتصويرُ التاريخ بما ليس فيه، وإضفاء الصراعات الشعوبية على التاريخ الديني. وتفجير الخلافات ومنع التطورات في كل دولة وعلى مستوى الأمم الإسلامية المختلفة.

ورعم مرور كل هذه القرون لكن العقلية التمزيقية غير التوحيدية مازالت تفعلُ فعلها، وتضعُ المؤامرةَ الكامنةَ الشريرة، ورمزها أبليس، في التاريخ البشري الاجتماعي المحض، فتعيد كلَ شيء للخوارق والغيبيات.

ويمكن هنا تصوير فريقي الصحابة عبر العلاقات بين الكائنات الخيرة أو الشريرة حسب موقع المُصورِ والكاتب، في حين أن التاريخَ له أسبابهُ الواقعية المختلفة، وهو صراعُ العرب والفرسِ والأتراك والهنود، صراعُ الأغنياءِ والفقراء، صراعُ الحكامِ والمحكومين، صراعُ المركزِ المسيطر والأطراف المحكومة، صراع القوميات المتوارية وقتذاك.

هذه الإسقاطاتُ على التاريخِ الإسلامي المبكر تمثلُ تاريخيةَ الثقافة لدى الشعوب الإسلامية وهي تكّونُ نفسَها داخل عباءة هذه الثقافة لكن من خلال الموقع المختلف.

وحين تنتفي أسبابُ الصراع بين العرب والفرس والأتراك وغيرهم من الشعوب الإسلامية، تتضاءلُ هذه القصصُ المكَّونةُ داخل الميثولوجيا الشعبية، والتي يفترضُ أن ترتفعَ عنها النخبُ والقادة السياسيون، ويؤسسوا علاقات مختلفة بين الأمم الإسلامية، ويصنعوا تاريخاً مختلفاً.

لكن بقاء هذه القصص يعبرُ عن إستمرار العلاقات غير الديمقراطية التحديثية بين النخب والشعوب، وضخامة الموروث والعلاقات العنفية والكراهية بين بعض الشعوب الإسلامية المتجاورة، وكذلك عن عدم قدرة النخب بقدراتِها الحالية على إعادة تحديث الشعوب الإسلامية العائشة في هياكل تقليدية متخلفة.

__ATA.cmd.push(function() { __ATA.initDynamicSlot({ id: 'atatags-26942-6150b7c416482', location: 120, formFactor: '001', label: { text: 'الإعلانات', }, creative: { reportAd: { text: 'الإبلاغ عن هذا الإعلان', }, privacySettings: { text: 'الخصوصية', } } }); });
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 26, 2021 06:59
No comments have been added yet.