نظريةُ التطورِ مثبتةٌ علمياً
إن نظرية التطور لصاحبها تشارلس دارون نظرية مثبتة علمياً، وليس ثمة مجال لأي جعجعة مضرة بالعلم والدين معاً.
ليس هذا ما نقوله بل هو أمرٌ صار من شؤون معاهد الأبحاث والجامعات.
فالوليدُ في بطنِ أمه تم تصوير تحولاته وكيف يعيش دورة الكائنات من كونهِ سمكةً حتى يمر بدور الحيوانات التي لها ذيول حتى يستوي إنساناً متجاوزاً لهذه المواضي الحيوانية. صورةٌ تختصرُ تاريخاً طويلاً وغنيةٌ عن أي بيان!
أنها أشكالٌ مصورة لا تقبل الدحض وصار الذيلُ الذي يبرز في لحظات من تطور الجنين مادةً للضحك على أصل الإنسان!
يمكن لنا في مقالات أخرى أن نوضح ضخامة دور نظرية التطور في العلوم وفي التطورات البشرية الثورية المعاصرة. ويكفي هنا القول بأن الغربيين وهم يستعدون لسكن الكواكب القصية جداً، يستعينون بنظرية التطور.
فكيف تدخل مثل هذه النظرية في مسألة غزو الفضاء؟!
أنهم يقومون بقراءة كيفية نشؤ الكوكب الأرضي ومراحله، ويبحثون عن الكواكب المشابهة له في العمر والظروف، وقد وجدوا قمراً في مجموعة (شمسية) مقارب لنشأة الأرض، ويعيش ظروف مشابهة.
ويحدث هنا درس لنباتاته وكائناته المحتملة وكيف يؤثر اتساع الأوكسجين على أشكال هذه الكائنات، وقد عرض هذا في الأفلام العلمية في الفضائيات حتى صار عادياً. والعلماء الغربيون يتجهزون فعلاً ليكونوا شركاء في مثل هذا التطور، وفي استعمار الكون وتفيدهم النظريات العلمية في هذا التوسع، الذي هو بالنسبة لهم حالة يومية قابلة للتنفيذ بسبب الميزانيات الضخمة المبذولة على العلم وعلى اكتشاف الكواكب والفضاء عامةً.
أنها نظرية تفتح آفاقاً خطيرة على تاريخ الإنسان وتطوراته. وليس ممكناً لعاقل على هذه الأرض اليوم أن تجرأ بالقول بضلال غزو الفضاء وبطلان نظريات نشؤ الكون التي تغدو مسائل يُبرهن عليها في المعامل المكلفة.
وفي الطب لنظرية التطورِ تطبيقاتٌ هائلة، وقد أدت المقارباتُ في دراسة الإنسان والقرد إلى العثور العلمي، وليس التهويمي والخيالي، إلى وجود نسبة عالية من التشابه البيولوجي (الجسدي) بين هذين الكائنين، ويصل إلى 95% من كيانيهما. وهذا تحديدٌ علميٌّ أرجو أن يتفضل أحدٌ من الأطباء والمختصين بالبيولوجيا من تفنيده إذا كان خاطئاً.
وأن يكون للسمكة عينان وللأسد عينان وللإنسان عينان فهذا ليس كذلك مصادفة. هذا سجلٌ لتطور الكائنات، وتاريخٌ طويلٌ جرى في المحيطات، حتى أعطاك التطورُ أكملَ منجزاته!
ويتم في الطب خاصة الاستفادة من هذه المقاربات، وصار العلاج يجري بعد سلاسل من التجريب في الحيوانات، ولو كانت غير مقاربة لنا، ونائية عنا، ما قاموا بمثل هذه التجارب!
وقد حدثت ثورات في مجال البيولوجيا والكيمياء الحيوية بسبب ذلك.
ولكن هذا كله لا يعني خدش معتقدات الناس الدينية، وتحقيرها، وكذلك لا يعني التجمد عند نصوصها، ولنا في الغربيين أسوةً حسنة، فقد قاوموا طويلاً النظريات العلمية وحرقوا أصحابها، وأبعدوها عن مجال الدرس والتربية، فما أفادهم ذلك شيئاً، بل أضر بهم. فكان أن أقبلوا عليها واستفادوا منها إستفادةً عظيمة، دون أن تزول المسيحية أو يخبو شأنها.
والتجربة يجب أن نسفتيد منها لا أن نعيد تكرار أخطاءها، فنظراً لتأخرنا علينا أن لا نقاوم العلوم المجربة والتحقيقات المغيرة للعالم، والتي مُحصت وجُربت وأفادت، وهذا لا يعني كذلك إلغاءنا لتاريخنا وتراثنا، فهو ركيزةُ عالمنا، ولنا وحدنا أن نكيفه مع حداثة العالم.
وقد عملَ أجدادُنا في ظروف بسيطة وقاسية وفي محدودية علمية ثم تطوروا وابتكروا، وفسروا الماضي وتأولوا وفتحوا الآفاق.
وحتى إننا نجد بذورَ نظرية التطور لدى ابن خلدون وفي التراث الإسماعيلي، وقد وصولوا بالحدس إلى كون الكائنات من شجرة واحدة. وقد قال بعضُ الهندوس إنني اتألم حينما أقطعُ شجرةً!
وكم قام أطباؤنا وعلماؤنا بتشريح الحيوانات، والاستفادة من نسيجها المشابه للبشر، وابتكروا الأدوية المفيدة بناءً على ذلك.
ولكن هذا لا يعني المطابقة المعنوية والأخلاقية والفكرية بين عالم الإنسان وعالم الحيوان!
فاللإنسان تاريخهُ الطويل الغني الحضاري المختلف، وقد تكون قد حدثت مقاربات للأجساد أما الثقافة والعقول والأخلاق فهي مكونات الإنسان والحضارات.
وقد تجمدت الكائناتُ الأخرى في مستويات دنيا، لأسرار وعوالم وأسباب لا تزال تخضع للدرس، ولا نزال نجهل كيفية نشؤ الإنسان تماماً، ولانزال لم نفك أسرار الكتب الدينية كلياً.
ولكن الذي لا يقبل الدحض هو وجود العائلات الكبرى في عالم الطبيعة، التي سُميت الأنواع، التي تكونت في جغرافيا مشتركة.
ولا يجب أن ندخل في معركة مجانية ضد العلوم، ونحجر النظريات الحديثة في المدارس والجامعات، مثلما أن علينا أن نؤصل جذور طلبتنا وشبابنا في تراثهم، غير صانعين تضادات بين الجانبين، وغير موجهين الأجيال الجديدة للصراع ضد العلوم والنظريات الحديثة، فهذه الصراعات تضرنا، وتعطلنا.
ولا شك أن ذلك سوف يؤدي إلى صراعات في العقول والمستويات، وإلى عدم قبول من الفريقين المتضادين المتطرفين الذين دينوا العلوم، والذين أنكروها أو أنكروا ما إعتقدوا أنه مضاد مع الأديان.
ولكن الموقف العقلاني المنفتح سوف يوجد حلولاً لهذه الصراعات والتناقضات المعرفية، على مستوى الممارسة الطويلة التاريخية، حين نعمق العلوم في حياتنا، وحين نقدر على قراءة النصوص الدينية بانفتاح ونضج.
نظريةُ التطورِ وإكتشاف جديد
تعرضتْ نظريةُ التطور لداروين إلى هجومٍ عربي إعلامي في الآونة الأخيرة من قبل بعض رجال الدين بسببِ نشر أبحاث في مجلة ساينس الأمريكية عن إكتشافِ هيكلٍ عظمي للإنسانِ يَجعلُ عمرَ البشرية يتوغلُ لأكثر من ثلاثة ملايين سنة فيصل حسب إجتهادهم إلى 4.4 مليون سنة وهي عمرُ (احفورة أردي)، وأكد الإكتشافُ إن الإنسان الحالي (ربما) تطور من سلفٍ آخر ليس هو القرد والشمبانزي بل هو أقرب لصورة الإنسان الحالي، فهو إكتشافٌ يضيفُ مليوناً أخرى من عمر جذور الإنسان القديمة المفترضة كما يزحزحهُ عن موقعهِ المقارب للقرود!
لكن الأصوات الحادة في رفض العلوم حولت وأدلجت الإكتشاف من أجل الإطاحة بهذه النظرية التي أكدتها أدلةٌ كثيرة، والتي وضعتْ التاريخَ الإنسانيَّ على أساسٍ علمي فيما يتعلق بنشؤ أشكال الحياة من أساسٍ واحد، أما مسألةُ الأدلةِ القاطعةِ في تكوين الإنسان وأصله التام المنجز فهذا لم يَحدثْ ولم يُطرح.
فهناك رؤيةٌ عامة عن تكون الأحياء وقد قُدمت عليها أدلةٌ وفيرة، وفي زمن دارون كانت الأدلة أقل وتتعلق بالأنواع العامة.
(يقول العلماءُ أن التطورَ قد خلفَ وراءه العديدَ من السجلات التي تروي تاريخَ الأنواع المختلفة وزمن نشوئها. الأحافير بمجموعها مع التشريح المقارن للنباتات والحيوانات الموجودة حالياً، تشكلُ سجلاً تشريحياً ومورفولوجياً. وبالمقارنة التشريحية والشكلية بين الأنواع الحالية والأنواع المنقرضة يمكن لعلماء المستحاثات أن يقوموا بمعرفة الارتباطات والأصول المشتركة بين هذه الأنواع. تقوم بعض المستحثات المهمة بإثبات الصلة بين أنواع منقرضة وأنواع موجودة حالياً عن طريق ما يدعى أنواع "انتقالية"، مثال هذه الأنواع الانتقالية أرخأيوبتركس الذي أثبت العلاقة بين الديناصورات والطيور) ، موسوعة ويكيبيديا. وتعطي الموسسوعةُ العديدَ من هذه الأدلة الملموسة عن كيفيةِ نمو الأحياء وتداخلها وتطورها، وتضيف:
(جميع هذه الإثباتات من علم الإحاثة، التشريح، علم الوراثة، والجغرافيا، إضافة لمعلومات أخرى حول تاريخ الأرض قامَ العلماءُ بربطِها سوية ضمن إطار تقدم نظرية التطور من خلالها وتجعلها نظريةً علميةً متماسكة. فمثلاً علم المناخ الإحاثي paleoclimatology يشيرُ إلى العصر الجليدي الدوري الذي كان فيه مناخ الأرض أكثرُ برودةً، مما أدى لنشوءِ وانتشارِ أنواعٍ حية قادرةٍ على تحملِ البرد القارس وأهم هذه الأنواع الماموث woolly mammoth.، (السابق)
لكن هذه الأدلة لم تكن حاسمة كلياً حتى جاءتْ علومُ الأحياءِ لتقدمَ أدلةً غير قابلة للنقض،(ففي عام 1953 توصل جيمس واطسون وزميله فرانسيس كريك الى إكتشافِ الحمض النووي الذي يُثبتُ صحةَ أغلب أفكار داروين، فقد عثرا على تركيبةِ الحمضِ النووي DNA الذي يبينُ الصفات الوراثية للكائن الحي. وقد حصلَ الباحثان بفضل هذا الإكتشاف على جائزة نوبل للطب عام 1962. ويرى إدوارد أوسبورن ويلسون، وهو أحدُ أشهر علماء التطور البيولوجي المعاصرين أن لعلم الأحياء الحديث علامتين بارزتين، الأولى في عام 1859 عندما نُشر كتاب أصل الأنواع، والثانية في عام 1953 عندما نُشرت تركيبة الحمض النووي.)، (موقع: علوم وتكنولوجيا).
لقد غدتْ الشفرة السرية الغامضة للكائنات الحية مكتشفة فحدثت بعدها ثورات تقنية في الزراعة والطب والفضاء وغيرها من المجالات! أي أن الصناعيين والمزارعين في الغرب قدموا سلعاً متطورة في عيش الإنسان وأكله ورقيه.
إن الضجيجَ المُضاد الذي يصدرُ في العالم العربي غير مفهوم وغير مفيد معاً، وفي هذا الضجيج يتم حشر الأديان في سياقات العلوم وإكتشافاتها، وتتصاعدُ دعواتٌ حماسية للصراع معها!
لا بد لنا من قراءة هذا الضجيج وجذوره وأهدافه، فجماعاتُ قراءات النصوص الدينية عبر التسطيح يقومون بحشرِها في الصراع مع النظريات العلمية، ويوصلون إنجازات هذه العلوم وإكتشافاتها بأشكالٍ كاريكاتيرية تصَّعدُ في المؤمنين نزعات التطرفِ والهجوم على العلماء والاكتشافات ومقاومة الحداثة والديمقراطية وإعطاء الجماهير العاملة حقوقها، وهي أدواتهم للرقي والتحرر وتطوير حضارتهم الإسلامية!
يقتبسون من كل هذه الثورة العلمية والتقنية الهائلة خيوطاً هزيلة فيقولون:(إنهم يهدمون الأديان. إنهم يصورون الإنسان بأنه من أصل القرود!)(الحضارة الغربية الكافرة تريد القضاء على دينكم يا مسلمين!).
مثلما فعلَ شيخٌ يمني (أجهز) على نظرية التطور ومنعَ قوانينَ تحدُ من الزواج بالفتيات الصغيرات القاصرات، معتبراً ذلك كله دفاعاً عن الإسلام!
هناك مسارٌ علمي صناعي مفجر للتحولات، ومن أهمها صناعة الطب وعلاج الإنسان فلولا فهم جسد الإنسان وعلاقاته بالمخلوقات الأخرى ما كان من الممكن أن تظهر وتتطور علوم الطب، ولولا دراسة الجينات الموحَّدة عددياً حتى بين الإنسان والفأر، ما ظهرتْ علومُ العلاج!
إن مسار الأديان وكتبها المقدسة مسار مخلتف عن مسارات العلوم الطبيعية، فتلك لها أبحاثها وعلماؤها المختصون، وهم يدرسونها بإستقلال عن إنجازات وتقلبات وإفتراضات العلوم الطبيعية.
قام رجالُ الكنائس بالصراع ضد نظرية التطور وفي سنة 1925 توقفت معاهدٌ ومدارسٌ في الولايات المتحدة فيما يسمى بـ(قضية القرد!) فماذا إستفادوا غير توقف التعليم؟
علينا أن نستثمر نظرية التطور وإنجازاتها في العلوم التطبيقية خاصة، فيما يكون للدين إستقلاله ودوره. وحين يقوم رجلُ الدين اليمني بتأجيج العداء للنظريات العلمية في وقت تتدهور زراعة الفلاح تتدهور ووضعه السياسي، فلا يعرف أسباب أمراض المنتوجات الزراعية ولا مشاكل المواليد البشرية، والفتيات الصغيرات يمنعن من الدراسة، فمن يستفيد من كل هذا التخلف الذي يُربط زعماً بالإسلام؟
دارون... ونظرية التطور
ليس هذا ما نقوله بل هو أمرٌ صار من شؤون معاهد الأبحاث والجامعات.
فالوليدُ في بطنِ أمه تم تصوير تحولاته وكيف يعيش دورة الكائنات من كونهِ سمكةً حتى يمر بدور الحيوانات التي لها ذيول حتى يستوي إنساناً متجاوزاً لهذه المواضي الحيوانية. صورةٌ تختصرُ تاريخاً طويلاً وغنيةٌ عن أي بيان!
أنها أشكالٌ مصورة لا تقبل الدحض وصار الذيلُ الذي يبرز في لحظات من تطور الجنين مادةً للضحك على أصل الإنسان!
يمكن لنا في مقالات أخرى أن نوضح ضخامة دور نظرية التطور في العلوم وفي التطورات البشرية الثورية المعاصرة. ويكفي هنا القول بأن الغربيين وهم يستعدون لسكن الكواكب القصية جداً، يستعينون بنظرية التطور.
فكيف تدخل مثل هذه النظرية في مسألة غزو الفضاء؟!
أنهم يقومون بقراءة كيفية نشؤ الكوكب الأرضي ومراحله، ويبحثون عن الكواكب المشابهة له في العمر والظروف، وقد وجدوا قمراً في مجموعة (شمسية) مقارب لنشأة الأرض، ويعيش ظروف مشابهة.
ويحدث هنا درس لنباتاته وكائناته المحتملة وكيف يؤثر اتساع الأوكسجين على أشكال هذه الكائنات، وقد عرض هذا في الأفلام العلمية في الفضائيات حتى صار عادياً. والعلماء الغربيون يتجهزون فعلاً ليكونوا شركاء في مثل هذا التطور، وفي استعمار الكون وتفيدهم النظريات العلمية في هذا التوسع، الذي هو بالنسبة لهم حالة يومية قابلة للتنفيذ بسبب الميزانيات الضخمة المبذولة على العلم وعلى اكتشاف الكواكب والفضاء عامةً.
أنها نظرية تفتح آفاقاً خطيرة على تاريخ الإنسان وتطوراته. وليس ممكناً لعاقل على هذه الأرض اليوم أن تجرأ بالقول بضلال غزو الفضاء وبطلان نظريات نشؤ الكون التي تغدو مسائل يُبرهن عليها في المعامل المكلفة.
وفي الطب لنظرية التطورِ تطبيقاتٌ هائلة، وقد أدت المقارباتُ في دراسة الإنسان والقرد إلى العثور العلمي، وليس التهويمي والخيالي، إلى وجود نسبة عالية من التشابه البيولوجي (الجسدي) بين هذين الكائنين، ويصل إلى 95% من كيانيهما. وهذا تحديدٌ علميٌّ أرجو أن يتفضل أحدٌ من الأطباء والمختصين بالبيولوجيا من تفنيده إذا كان خاطئاً.
وأن يكون للسمكة عينان وللأسد عينان وللإنسان عينان فهذا ليس كذلك مصادفة. هذا سجلٌ لتطور الكائنات، وتاريخٌ طويلٌ جرى في المحيطات، حتى أعطاك التطورُ أكملَ منجزاته!
ويتم في الطب خاصة الاستفادة من هذه المقاربات، وصار العلاج يجري بعد سلاسل من التجريب في الحيوانات، ولو كانت غير مقاربة لنا، ونائية عنا، ما قاموا بمثل هذه التجارب!
وقد حدثت ثورات في مجال البيولوجيا والكيمياء الحيوية بسبب ذلك.
ولكن هذا كله لا يعني خدش معتقدات الناس الدينية، وتحقيرها، وكذلك لا يعني التجمد عند نصوصها، ولنا في الغربيين أسوةً حسنة، فقد قاوموا طويلاً النظريات العلمية وحرقوا أصحابها، وأبعدوها عن مجال الدرس والتربية، فما أفادهم ذلك شيئاً، بل أضر بهم. فكان أن أقبلوا عليها واستفادوا منها إستفادةً عظيمة، دون أن تزول المسيحية أو يخبو شأنها.
والتجربة يجب أن نسفتيد منها لا أن نعيد تكرار أخطاءها، فنظراً لتأخرنا علينا أن لا نقاوم العلوم المجربة والتحقيقات المغيرة للعالم، والتي مُحصت وجُربت وأفادت، وهذا لا يعني كذلك إلغاءنا لتاريخنا وتراثنا، فهو ركيزةُ عالمنا، ولنا وحدنا أن نكيفه مع حداثة العالم.
وقد عملَ أجدادُنا في ظروف بسيطة وقاسية وفي محدودية علمية ثم تطوروا وابتكروا، وفسروا الماضي وتأولوا وفتحوا الآفاق.
وحتى إننا نجد بذورَ نظرية التطور لدى ابن خلدون وفي التراث الإسماعيلي، وقد وصولوا بالحدس إلى كون الكائنات من شجرة واحدة. وقد قال بعضُ الهندوس إنني اتألم حينما أقطعُ شجرةً!
وكم قام أطباؤنا وعلماؤنا بتشريح الحيوانات، والاستفادة من نسيجها المشابه للبشر، وابتكروا الأدوية المفيدة بناءً على ذلك.
ولكن هذا لا يعني المطابقة المعنوية والأخلاقية والفكرية بين عالم الإنسان وعالم الحيوان!
فاللإنسان تاريخهُ الطويل الغني الحضاري المختلف، وقد تكون قد حدثت مقاربات للأجساد أما الثقافة والعقول والأخلاق فهي مكونات الإنسان والحضارات.
وقد تجمدت الكائناتُ الأخرى في مستويات دنيا، لأسرار وعوالم وأسباب لا تزال تخضع للدرس، ولا نزال نجهل كيفية نشؤ الإنسان تماماً، ولانزال لم نفك أسرار الكتب الدينية كلياً.
ولكن الذي لا يقبل الدحض هو وجود العائلات الكبرى في عالم الطبيعة، التي سُميت الأنواع، التي تكونت في جغرافيا مشتركة.
ولا يجب أن ندخل في معركة مجانية ضد العلوم، ونحجر النظريات الحديثة في المدارس والجامعات، مثلما أن علينا أن نؤصل جذور طلبتنا وشبابنا في تراثهم، غير صانعين تضادات بين الجانبين، وغير موجهين الأجيال الجديدة للصراع ضد العلوم والنظريات الحديثة، فهذه الصراعات تضرنا، وتعطلنا.
ولا شك أن ذلك سوف يؤدي إلى صراعات في العقول والمستويات، وإلى عدم قبول من الفريقين المتضادين المتطرفين الذين دينوا العلوم، والذين أنكروها أو أنكروا ما إعتقدوا أنه مضاد مع الأديان.
ولكن الموقف العقلاني المنفتح سوف يوجد حلولاً لهذه الصراعات والتناقضات المعرفية، على مستوى الممارسة الطويلة التاريخية، حين نعمق العلوم في حياتنا، وحين نقدر على قراءة النصوص الدينية بانفتاح ونضج.
نظريةُ التطورِ وإكتشاف جديد
تعرضتْ نظريةُ التطور لداروين إلى هجومٍ عربي إعلامي في الآونة الأخيرة من قبل بعض رجال الدين بسببِ نشر أبحاث في مجلة ساينس الأمريكية عن إكتشافِ هيكلٍ عظمي للإنسانِ يَجعلُ عمرَ البشرية يتوغلُ لأكثر من ثلاثة ملايين سنة فيصل حسب إجتهادهم إلى 4.4 مليون سنة وهي عمرُ (احفورة أردي)، وأكد الإكتشافُ إن الإنسان الحالي (ربما) تطور من سلفٍ آخر ليس هو القرد والشمبانزي بل هو أقرب لصورة الإنسان الحالي، فهو إكتشافٌ يضيفُ مليوناً أخرى من عمر جذور الإنسان القديمة المفترضة كما يزحزحهُ عن موقعهِ المقارب للقرود!
لكن الأصوات الحادة في رفض العلوم حولت وأدلجت الإكتشاف من أجل الإطاحة بهذه النظرية التي أكدتها أدلةٌ كثيرة، والتي وضعتْ التاريخَ الإنسانيَّ على أساسٍ علمي فيما يتعلق بنشؤ أشكال الحياة من أساسٍ واحد، أما مسألةُ الأدلةِ القاطعةِ في تكوين الإنسان وأصله التام المنجز فهذا لم يَحدثْ ولم يُطرح.
فهناك رؤيةٌ عامة عن تكون الأحياء وقد قُدمت عليها أدلةٌ وفيرة، وفي زمن دارون كانت الأدلة أقل وتتعلق بالأنواع العامة.
(يقول العلماءُ أن التطورَ قد خلفَ وراءه العديدَ من السجلات التي تروي تاريخَ الأنواع المختلفة وزمن نشوئها. الأحافير بمجموعها مع التشريح المقارن للنباتات والحيوانات الموجودة حالياً، تشكلُ سجلاً تشريحياً ومورفولوجياً. وبالمقارنة التشريحية والشكلية بين الأنواع الحالية والأنواع المنقرضة يمكن لعلماء المستحاثات أن يقوموا بمعرفة الارتباطات والأصول المشتركة بين هذه الأنواع. تقوم بعض المستحثات المهمة بإثبات الصلة بين أنواع منقرضة وأنواع موجودة حالياً عن طريق ما يدعى أنواع "انتقالية"، مثال هذه الأنواع الانتقالية أرخأيوبتركس الذي أثبت العلاقة بين الديناصورات والطيور) ، موسوعة ويكيبيديا. وتعطي الموسسوعةُ العديدَ من هذه الأدلة الملموسة عن كيفيةِ نمو الأحياء وتداخلها وتطورها، وتضيف:
(جميع هذه الإثباتات من علم الإحاثة، التشريح، علم الوراثة، والجغرافيا، إضافة لمعلومات أخرى حول تاريخ الأرض قامَ العلماءُ بربطِها سوية ضمن إطار تقدم نظرية التطور من خلالها وتجعلها نظريةً علميةً متماسكة. فمثلاً علم المناخ الإحاثي paleoclimatology يشيرُ إلى العصر الجليدي الدوري الذي كان فيه مناخ الأرض أكثرُ برودةً، مما أدى لنشوءِ وانتشارِ أنواعٍ حية قادرةٍ على تحملِ البرد القارس وأهم هذه الأنواع الماموث woolly mammoth.، (السابق)
لكن هذه الأدلة لم تكن حاسمة كلياً حتى جاءتْ علومُ الأحياءِ لتقدمَ أدلةً غير قابلة للنقض،(ففي عام 1953 توصل جيمس واطسون وزميله فرانسيس كريك الى إكتشافِ الحمض النووي الذي يُثبتُ صحةَ أغلب أفكار داروين، فقد عثرا على تركيبةِ الحمضِ النووي DNA الذي يبينُ الصفات الوراثية للكائن الحي. وقد حصلَ الباحثان بفضل هذا الإكتشاف على جائزة نوبل للطب عام 1962. ويرى إدوارد أوسبورن ويلسون، وهو أحدُ أشهر علماء التطور البيولوجي المعاصرين أن لعلم الأحياء الحديث علامتين بارزتين، الأولى في عام 1859 عندما نُشر كتاب أصل الأنواع، والثانية في عام 1953 عندما نُشرت تركيبة الحمض النووي.)، (موقع: علوم وتكنولوجيا).
لقد غدتْ الشفرة السرية الغامضة للكائنات الحية مكتشفة فحدثت بعدها ثورات تقنية في الزراعة والطب والفضاء وغيرها من المجالات! أي أن الصناعيين والمزارعين في الغرب قدموا سلعاً متطورة في عيش الإنسان وأكله ورقيه.
إن الضجيجَ المُضاد الذي يصدرُ في العالم العربي غير مفهوم وغير مفيد معاً، وفي هذا الضجيج يتم حشر الأديان في سياقات العلوم وإكتشافاتها، وتتصاعدُ دعواتٌ حماسية للصراع معها!
لا بد لنا من قراءة هذا الضجيج وجذوره وأهدافه، فجماعاتُ قراءات النصوص الدينية عبر التسطيح يقومون بحشرِها في الصراع مع النظريات العلمية، ويوصلون إنجازات هذه العلوم وإكتشافاتها بأشكالٍ كاريكاتيرية تصَّعدُ في المؤمنين نزعات التطرفِ والهجوم على العلماء والاكتشافات ومقاومة الحداثة والديمقراطية وإعطاء الجماهير العاملة حقوقها، وهي أدواتهم للرقي والتحرر وتطوير حضارتهم الإسلامية!
يقتبسون من كل هذه الثورة العلمية والتقنية الهائلة خيوطاً هزيلة فيقولون:(إنهم يهدمون الأديان. إنهم يصورون الإنسان بأنه من أصل القرود!)(الحضارة الغربية الكافرة تريد القضاء على دينكم يا مسلمين!).
مثلما فعلَ شيخٌ يمني (أجهز) على نظرية التطور ومنعَ قوانينَ تحدُ من الزواج بالفتيات الصغيرات القاصرات، معتبراً ذلك كله دفاعاً عن الإسلام!
هناك مسارٌ علمي صناعي مفجر للتحولات، ومن أهمها صناعة الطب وعلاج الإنسان فلولا فهم جسد الإنسان وعلاقاته بالمخلوقات الأخرى ما كان من الممكن أن تظهر وتتطور علوم الطب، ولولا دراسة الجينات الموحَّدة عددياً حتى بين الإنسان والفأر، ما ظهرتْ علومُ العلاج!
إن مسار الأديان وكتبها المقدسة مسار مخلتف عن مسارات العلوم الطبيعية، فتلك لها أبحاثها وعلماؤها المختصون، وهم يدرسونها بإستقلال عن إنجازات وتقلبات وإفتراضات العلوم الطبيعية.
قام رجالُ الكنائس بالصراع ضد نظرية التطور وفي سنة 1925 توقفت معاهدٌ ومدارسٌ في الولايات المتحدة فيما يسمى بـ(قضية القرد!) فماذا إستفادوا غير توقف التعليم؟
علينا أن نستثمر نظرية التطور وإنجازاتها في العلوم التطبيقية خاصة، فيما يكون للدين إستقلاله ودوره. وحين يقوم رجلُ الدين اليمني بتأجيج العداء للنظريات العلمية في وقت تتدهور زراعة الفلاح تتدهور ووضعه السياسي، فلا يعرف أسباب أمراض المنتوجات الزراعية ولا مشاكل المواليد البشرية، والفتيات الصغيرات يمنعن من الدراسة، فمن يستفيد من كل هذا التخلف الذي يُربط زعماً بالإسلام؟
دارون... ونظرية التطور
Published on June 03, 2019 12:50
•
Tags:
نظرية-التطور-مثبتة-علميا
No comments have been added yet.


