اسمع سيرة بني هلال ومش هتندم أبدا، وأنا شخصيا أفضلها من جابر أبو حسين عن سيد الضوي. السيرة دي مش مجرد سرد تاريخي أو مش ده الموضوع، لكنها عمل فني مهيب فيها معان وقيم لشعوب العرب في المشرق والمغرب. فيها الشجاعة والشرف والبطولة والمثال والعبرة. فيها دياب بطل الزغابة وفارسهم واللي كان ندل وخبيث وخسيس وبتاع مكائد وقتل ناسه وقتل الزناتي (أسد المغارب)، مش لأن دياب فارس شاطر أو قوي (رغم إنه فارس شاطر وقوي) بقدر ما إنه استخدم ندالته في قتله. حتى إن الزناتي قال وهو بيموت إنه كان يفضل يموت بإيد فارس نبيل وشجاع وشهم وذو مروءة واللي هو أبو زيد، عن إنه يموت بإيد دياب..
يقول الزنــاتى والزناتى خليفة/ نفــس الفتــى لا بـدها مــن زوالـها
يقول وقلــبه طــار من مستقره/ الأيــام والدنيـــا ســريع زوالها
الأيــام والدنيا كفى الله شـرها/ تطــوى عزيزا ثم تطوى أرذالها
فى رملـة البيضا ودنية منيتــى/ فى يد ديــاب لـيت أبـا زيد نالـها
وفي السيرة،أيضا، "أبو زيد"، بطل الغلابة وفارسهم واللي الناس بتحبه بسبب شجاعته ومحاسن أخلاقه وجميل عاداته ومروءته وعلمه بالنجوم والفلك وغيرها من المعارف اللي حصلها وهو في بداية حياته. وكمان بسبب المآسي الكتير اللي مرت بحياته من أول طرده هو وأمه خضرا الشريفة وتغريبته الأولى، مرورا بكل الأندال اللي عدوا في حياته (في وشه بلون وفي ضهره بألوان) والصعوبات وحمولات الحياة وأهله اللي رحل بيهم في تغريبة كبيرة وممتدة بحثا عن مكان يصلح للحياة.. وكما كان أبو زيد أصيلا، كانت فرسته أصيلة وتسمى "الكُحيلة"، وهي السلالة الأصيلة من الخيل وتسمى كذلك لجمال عينيها والتي تبدو كأنها مكحلة. والعرب تضرب بها المثل فتقول "البنت الكُحيلة" بمعنى الطيبة أصيلة النسب. وفي السيرة الهلالية، أيضا، كلام كتير عن الخيل، وكل فارس وفرسته. وفي كتاب "أنساب الخيل" يرد أنه "كانت العرب ترتبط بالخيل في الجاهلية والإسلام معرفةً بفضلها، وما جعل الله تعالى فيها من العز، وتشرفاً بها، وتصبراً على المخمصة واللأواء، وتخصها وتكرمها وتؤثرها على الأهلين والأولاد، وتفتخر بذلك في أشعارها وتعتده لها" وفي الحديث الشريف "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، ومن أمثلة العرب "أكرم الخيل أجزعها من السوط" ومعناه أن الفرس الكريمة تحرص ألاّ ينالها الضرب لأن فيه مذلة، فهي لذلك لا تحوج فارسها إلى استعمال سوطه، لأنها تُنجز ما يُراد منها دون أن تُدفع إليه. ويُضرب المثل للشخص الكريم الخُلق الحريص على ألاّ يُهان أو يُقرّع. وفي إحدى مغامرات "أبو زيد" وكان متخفيا في زي شاعر جوال لمعرفة الأحوال، طلب أن يركب فرس الأمير شبيب (ملك دمشق-الشام) وقال هي لك إن كنت تقدر على ركوبها، وفعلا ركبها أبو زيد. وقال الأمير شبيب في نفسه متعجبا كل العجب: وحق ذمة العرب أن هذه الأفعال لا يقدر عليها الشعراء، بل صناديد الأبطال. ويقول رواي السيرة الهلالية يا سادة يا كرام: ولا كل من ركب الكحيلة سايسها..
Published on October 18, 2017 00:00