عن متعة القراءة مرة أخرى

في كتاب "قيم من التراث" كان الدكتور زكي نجيب محمود يقول عن القراءة: إنك تقرأ لتضيف إلي عمرك المحدود عشرة أمثال أو مائة أو ألفاً بحسب القدر الذي تقرؤه والطريقه الي تقرأ بها. لماذا؟ لأنك خلال عمرك المحدود ستجمع خبرات وأفكار عن العالم و عن الناس و عن حقيقة نفسك لكن تلك الخبرات والأفكار سيكون مداها مرهوناً كذلك بعدد السنين التي كتب لك أن تحياها.
أحيانا أجدني استعيد القراءة في بعض كتب التراث زي طبقات ابن سعد، وسيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري، وفي علوم الحديث والفقه واللغة وعلوم القرآن والقراءات. وكنت بتلقى كل العلوم والمعارف دي في وقت مبكر وكنا بنختمها في الدروس على يد مشايخ في الجوامع.. فلان يقرا معانا السير والتاريخ، وفلان يقرا معانا علوم الأحاديث ونصوص الصحاح والسنن، وفلان يقرا معانا من أول التحفة السنية لحد ألفية ابن مالك بشروحاتها المختلفة، وفلان يقرا معانا تفسيرات وأسباب نزول القرآن وآياته وسوره، وفلان يقرا معانا ويعلمنا الفقه وأصوله ومذاهبه، وفلان عقائد وتوحيد، وفلان عبادات... وفلان تراجم العلماء. ثم تغيرت الاهتمامات والأفكار وحتى مساحات الوقت وتعقدات الحياة وحجم المسئوليات والعمل والالتزامات. وبالتالي الحمد لله إن الواحد قرا زمان كل الحاجات دي واتعلم منها الكثير وهضم منها على قد معدتي وقتها :).. أنا أصلا كنت بدرس في مدارس عادية مش أزهر بس كنت بروح من نفسي ألف وأدور على المشايخ في المساجد، المساجد اللي قضيت فيها وقت كبير جدا جدا في الصغر للعبادة ولطلب العلم، نوع معين من العلم اللي كان هو الوحيد اللي متوفر أمامي ساعتها، والأكتر إني كنت بتطوع للخدمة في بعضها شكرا وحمدا لله على ما وهبني من وقت وعقل وعلم وهداية.. وثقة وبصيرة ورضا وطمأنينة. والعلم والقراءة والكتب كانت ومازالت بالنسبة لي وكما قال الجاحظ "والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود بيانك، وفخم ألفاظك".
وأنا بقرأ بشغف ونهم شديد مقالات أجزاء "تراث الإنسانية" -خلصت الجزء الأول من المجلد الأول وبدأت في الجزء الثاني، ما بين مقالات عن كتب أعرفها وقرأتها وبالطبع المقالات بتضيف جديد لفهمي للي قريته قبل كده، وبين مقالات عن كتب مكنتش أعرف عنها حاجة، وبين مقالات عن كتب التراث القديمة اللي بفتكر من الذاكرة البعيدة الدروس بتاعتها بكل امتنان.. كل مرة بعيد قراءة كتاب -يستاهل- بضيف لفهمي السابق فهم أو بعمق فهمي السابق، وكل مقال وقراءة لأعلام الثقافة اللي عملوا الموسوعة الطريفة والغنية دي، هي إضافة لمحصولي السابق بكل تأكيد.
أما كيف تكون القراءة، فأيضا، يكتب الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه "قيم من التراث": ولكن كيف تقرأ؟ إقرأ وكأن الذي معك ليس كتابا من صفحات مرقومة بحروف وكلمات بل كأنك تتحدث مع مؤلف الكتاب، إقرأ وكأن الذي معك هو الرجل الحي يعرض عليك فكرته أو خبرته بصوت مسموع ففي هذه الحالة ستجد نفسك مدفوعاً إلي مراجعته ومساءلته ومراجعته جزءاً جزءاً، ومعني معني، وهكذا تكون القراءه الحية بفاعليتها الذهنية، فلا تجعل من نفسك أثناء القراءة شريطاً من أشرطة الكاسيت يتلقي ولا حيلة له فيما يتلقاه، بل تمهل هنا وقف هناك واسأل وحاور ووافق واعترض، فالذي معك هو إنسان حي بفكره ووجدانه وقد يكون إنساناً أطول منك باعاً وأقدر منك علي الغوص وراء الحقائق لكنك لن تبلغ منه كل ما تريد إلا إذا وقفت منه موقف الأحياء من الأحياء إذ يلتقون في دروب الحياة ومسالكها..
5 likes ·   •  4 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 19, 2016 09:51
Comments Showing 1-4 of 4 (4 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by Israa (new)

Israa Dahash بتنصحني بكتاب :
قيم من التراث .. أم تراث الانسانية ؟


message 2: by [deleted user] (new)

ياريت الاتنين لو أمكن :) لكن لو لازم فتراث الإنسانية نظرا لغناه وفائدته المعرفية الأكبر بسبب طبيعته المختلفة كموسوعة. صدر منه إلى الآن ثلاثة أجزاء وباقي تسعة أجزاء تصدر تباعا.


message 3: by Israa (new)

Israa Dahash ماهرعبد wrote: "ياريت الاتنين لو أمكن :) لكن لو لازم فتراث الإنسانية نظرا لغناه وفائدته المعرفية الأكبر بسبب طبيعته المختلفة كموسوعة. صدر منه إلى الآن ثلاثة أجزاء وباقي تسعة أجزاء تصدر تباعا."

ايوا انا مبدئيا هبدأ ب قيم من التراث
شكرا للريفيو الجميل :)


message 4: by [deleted user] (new)

عفوا :)


back to top