سياسة الصداقة

لجاك دريدا بعض النصوص في رثاء بعض أصدقاءه وغيرهم من المفكرين المعاصرين له، فهو كتب عن "ميتات رولان بارت" والحديث عن ميتات بارت تأتي من الحديث عن حيوات بارت، والحديث عن الصداقة بين دريدا وبين كل نص لبارت، أو كل بارت..يقول دريدا إن الموت يستدعي خطاب مش سكوت، خطابا موجها لمن رحل، إليه، شخصه، نصه، أو ما بقي منه داخلنا.. هل نحن نرثي بارت أم نرثي انعكاسه فينا؟ وهكذا كل رثاء كتبه دريدا للأصدقاء أو الزملاء الذين رحلوا (له نصوص أخرى بعنوان أعمال النحيب في رثاء فوكو ودلوز وألتوسير وغيرهم).. هو رثاء أو هجاء لانعكاسهم فينا بمعنى من المعاني. ولدريدا محاضرة أخرى عن الصداقة "سياسة الصداقة" كتب فيها أن التماثل في الصداقة هو أمر مزعوم، بل هو أمر مزعوم حتى في علاقة الإنسان بنفسه. ومفهوم الصداقة مفهوم يحمل بداخله مفهوم العدواة، فكل معنى للصداقة من أرسطو حتى كارل شميت يحمل بداخله معنى للعداوة، فالصداقة تحمل مضادها بغرض القمع/ قمع المفهوم هنا لكن هل هذا القمع قادر على إخفاء مفهوم العدواة؟ إن القمع لا يخفي تماما ما يحاول أن يخفيه، بل إن هناك احتمالية دائمة لخروج المقموع دائمًا ليقوض كل البناء القائم، مهما كانت درجة الاستقرار التي يبدو عليها. هل يمكن أن نضمن بقاء الصداقة أو حتى الأخوة (بمعناها وليس كمجرد صلة بالدم)؟ دريدا يقول إنه لا يمكن ضمان استمرار تلك المواقع أبدا؛ فمن يكون صديقك اليوم قد يصير عدوك غدا والعكس.. ومن ثم يعارض دريدا أفكار كارل شميت التي يمكن تلخيصها بأنه كان يعتبر الآخر/المختلف هو بالضرورة عدو، ومنذ لحظة تعيينه عدوا ينبغي التخلص منه (كمثل فكرة قتل الكافر)؛ ومن ثم فإن تلك النظرة تنظر إلى السياسة باعتبارها صراع دائم بين المختلفين، صراع قد يصل إلى الحرب. لكن دريدا يختلف مع هذا الطرح الإقصائي، ويقول لنا إن المواقع التي يحتلها كل من الصديق أو العدو، قابلة للتبدل (في السياسة بحكم المصالح المتغيرة بطبيعتها) فصديق اليوم قد يكون عدو الغد والعكس..
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 14, 2016 06:22
No comments have been added yet.