رسوم الظل

في ذروة الظهيرة شاهدت عدداً من العمال يتزاحمون على ظل قصير للوحة إعلانية من تلك اللوحات التي قطعت أوصال أرصفة المشاة، فأصبح في كل رصيف أكثر من تحويلة، والظل المتوافر من تلك اللوحة صغير ولا يفي بحاجة نصف عدد العمال، والمشهد غير نادر، لكنه يعيد للأذهان واقع الظل، من المطالبات بالتشجير في المدن إلى الحفاظ على الأشجار القليلة في الصحارى من جور الاحتطاب.

وخلال السنوات الطويلة الماضية انتشرت في البناء والتشييد للمنازل والبنايات ظاهرة «هندسية»، منقولة طبعاً مثل كل ظواهرنا في التشييد والبناء، من الملاحظ أن أكثر المنازل لم تعد لأبوابها مظلة كما كان في السابق، إذ كان يطلق عليها باللهجة المحلية «برنيطة» – في ما أذكر -، والمسمى معروف أصله، والواقع أنها ليست للزينة فقط، بل لها حاجة، سواء في الصيف أو الشتاء، والبناء المصمت هو الشائع، وربما المفروض من البلديات، لذلك من النادر أن تجد للبناء ظلاً في ذروة الظهيرة، حتى داخل المنزل.

الحكومة التي استيقظت أخيراً بعد نوم عميق على ترشيد الطاقة سمحت لسنوات طويلة – وما زالت – للبنايات الشاهقة والمتوسطة بالواجهات الزجاجية، وهي في واقع الأمر أفران أسمنتية ساخنة في موسم الصيف، وتتسبب بمستوى مرتفع من الهدر للطاقة، بل إن الكثير يبتعد عن المكاتب التي تقع في هذه الواجهات، وفي بعض المنشآت تكون من نصيب تعيس الحظ.

من هنا نرى أن الرؤية «البلدياتية» سابقاً كانت مبنية على الترخيص لكل ما هب ودب من «مخططات إنشائية»، واستطاعت المكاتب الهندسية الداخلية «داخل الأجهزة» والخارجية من القطاع الخاص أن تصبغ المدن والأحياء بهذه الصبغة غير المنسجمة، بل والمتنافرة مع واقع البيئة وحاجات إنسانها، ورؤية وزارة البلديات «الجديدة» التي فرضتها «رؤية 2030» لا تمس هذا الجانب ولم تلتفت إليه.

وبحكم أن هناك سباقاً لاستيلاد رسوم جديدة فالخوف أن تسمح البلديات للمباني ببروزات، لتوفير ظلال ولكن برسوم، وفق طول الظل وعرضه!


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 30, 2016 01:32
No comments have been added yet.


عبدالعزيز السويد's Blog

عبدالعزيز السويد
عبدالعزيز السويد isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبدالعزيز السويد's blog with rss.