اختراعات الكفتة

منذ زمن، لم أعد أصدق أخبار الاختراعات والابتكارات في العالم العربي. والسبب تراكم تجربة اتضح منها الفارق الشاسع بين ما يعلن وكيف يُعلن، في مقابل حقيقة واقعة، وصلت إلى نتيجة مفادها أن غالبية هذه الأخبار للزينة الإعلامية والتجمل، ادعاء بالتطور من أجهزة في المستوى التنفيذي يصدقها المستوى الأعلى، ليقام احتفال يبتهج به الجميع ويتم أخذ الصور التذكارية، وهي تدخل في باب إعلام «الآيس كريم».

وفي أخبار الاختراعات التي يعلنها في حضور أعلى مسؤول يفترض أنها خضعت لأعلى درجات الفلترة العلمية، في التأكد من صحة ما يُعلن ودقة ما يُروج له، لأنه عند إعلان بمثل هذا الحضور يعني في ما يعنيه مستوى قدرات وكفاءة الدائرة الخاصة الضيقة عن المسؤول الذي وافق على تدشين وحضور مثل هذا «الإنجاز» الفريد، بخاصة وهي دائرة تشارك في اتخاذ قرارات أكثر خطورة تمس أمن البلد واقتصاده.

نقابة الأطباء المصريين أحالت بعض الأطباء من فريق جهاز علاج «الفيروس»، الذي أعلن قبل عامين، الى لجنة تأديبية، الجهاز لحرث الذاكرة أطلق عليه الإعلام ساخراً جهاز الكفتة، فالشرح الذي تم وقت إعلانه لم يكن مقنعاً للمتخصصين ولا لغيرهم. والحال ليست مصرية، بل هي عربية بامتياز، ولدينا في السعودية مثل هذا، فمنذ سنوات أصبحنا نقرأ أخباراً عن أطفال صغار اخترعوا أجهزة أو طوروها، ويفيض الخبر في الحديث عن المخترع ونشأته ودور والديه في احتضان نبوغه أكثر من شرح معلومات عن الاختراع وتوثيق علمي لحقيقته. أما الكبار في الجامعات فلا يمكن نسيان «النانو»، والسيارات، مثل «غزال» وغيرها، وما يميز نقابة الأطباء المصريين أنها أعلنت «في ما يخصها» إحالة أطباء شاركوا في قضية اختراع «الكفتة» على لجنة تأديبية تحفظ ماء وجه المهنة والنقابة. أما لدينا فلا يذكر أن جامعة من الجامعات التي أعلنت في زمن سابق «إنجازات فريدة» تداركت لتصحيح الخطأ وتوضيح أسبابه ولماذا حدث ما حدث؟ طبعاً ليست لدينا نقابات ولكن لدينا جامعات وأجهزة أخرى تضررت سمعتها من إعلانات مثل هذه، ولم يفكر أحد من مسؤوليها في تنظيف هذه السمعة واستعادة الثقة، فالحكمة المعمول بها «كلام في الفايت نقصان في العقل».


 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 23, 2016 23:52
No comments have been added yet.


عبدالعزيز السويد's Blog

عبدالعزيز السويد
عبدالعزيز السويد isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبدالعزيز السويد's blog with rss.