عبدالعزيز السويد's Blog, page 69
January 2, 2016
مساحة الدلع
من الطرائف التي لا تنسى أن شخصاً من أصحاب الثروات شعر بالقلق وهو يعمل على عقد صفقة ضخمة هل تمر وتنجح كما حدث لسابقاتها أم لا، ومع أنها من فائض النعمة لكن نجاح جديد له طعم ألذ، هداه تفكيره أن يصلي ركعتين ويدعو الكريم المنان لتحقيق حلمه، فكان أن طلب من سائقه التوقف أمام أحد المساجد والوقت ليس وقت صلاة مفروضة.
وبعد أن توضأ دخل إلى المسجد وهو يمني النفس بالهدوء والسكنية ليخلص في الدعاء من دون شرود أو تشويش، لكنه وجد المسجد خالياً إلا من شخص وحيد قد سبقه ساجداً يدعو الله تعالى بحرارة ومسكنة أن يستجيب لدعائه.
انتظر الثري حتى فرغ الشخص الآخر من صلاته ثم سأله عن حاجته ليجيب الآخر أنه مديون بثلاثة آلاف ريال، على عجل أخرج الثري المبلغ من جيبه وهو يبتسم قائلاً: خذه وأمسك الباب!.
الثري هنا يريد الانفراد في روضة المسجد ليتمكن من الدعاء بهدوء ومن دون إزعاج لذلك «استثمر» مبلغاً لا يراه شيئاً في مقابل ما يحلم به، وهو يشبه من هذه الزاوية «الانفراد بالساحة» رجل الأعمال الذي خرج في مقطع على الـ«يوتيوب» قائلاً للمواطنين «كفاية دلع» بسبب ردود الفعل على رفع رسوم الكهرباء وأسعار الوقود.. لكنه من دون أن يدفع من جيبه شيئاً لهم.
تم الدفع باللسان هنا. لدينا طبقية في الدلع والتدليع، وإذا كنا نريد زيادة وتنويع مصادر الدخل وعلى سبيل المثال لا الحصر، لماذا لا يتم رفع الرسوم الجمركية على السلع الفاخرة غالية الأثمان من السيارات البنتلي واللمبرغيني وما في طبقتها إلى اللوحات الثمينة والمجوهرات ذات الأسعار الفلكية.
مثل هذه السلع لن يؤثر رفع الرسوم عليها حتى على من يقتنيها، لأنهم في الغالب لا يعدون النقود.
نستلف «كفاية دلع» من صاحبها ونطالب وزارة الصحة بأن تتوقف عن تدليع بعض المستشفيات الخاصة، وإذا كانت الوزارة تريد رفع أداء الاستثمار في القطاع الطبي الخاص وتحسين صورته السلبية، ومادام هناك نية لطرح أسهم شركة من شركاته للاكتتاب كما ذكرت الصحف، ولإيصال «رسالة» المنظومة الصحية بصدقية وأمانة، نطالب وزارة الصحة بأن تنشر تقريراً مفصلاً عن السجل الطبي والمهني لهذه الشركة، حتى يعلم المواطن الكريم الذي هو لب وهدف وأساس التنمية حجم ومقاس «الدلع» الذي ينتظر طرحه «هو» فيه!.
December 31, 2015
كيف نخفف عن المواطن؟
هذا السؤال يناط بالحكومة الإجابة عليه، فإذا كان رفع الدعم عن الوقود والكهرباء له ضرورة، وأن إيقاف الهدر مع الترشيد هو العنوان المعلن للمرحلة الاقتصادية المقبلة، وهو ما نرجو أن يطبق فعلاً، وعلى المواطن تحمل جزءاً من المسؤولية، فلا بد أن تبحث الحكومة عمّا يخفف عن المواطن في نواحٍ أخرى، والقصة ليست في إعانة أو صرف رواتب جديدة، لأنه عند إعلان مثل ذلك سيتم امتصاصه من تجار السوق بين ليلة وضحاها، بل لو نشر أن «هناك توجهاً لدراسة إمكان واحتمال النظر في ذلك»، وهو من المستبعد بل، والمستحيل في ظل هذه الظروف، لو نشر مثل هذا الخبر لرفعت الأسعار بلحظة قبل بداية دراسته، وحتى لو نفي لاحقاً ستبقى الزيادة.
هذا في المجمل، وتخفيفاً عن المواطن يجب البحث عن قضايا يشتكي منها تسبب له الصداع ولم يجد لصوته من ينصت له.
لنأخذ مثال على ذلك، من المعروف أن الناس يضطرون للمستشفيات والمستوصفات الخاصة لتردي الخدمة الصحية الحكومية، وطول مدة الانتظار.
وليس لدى كل المواطنين تأمين طبي يخفف من كلفة العلاج، الشريحة التي ليس لديها تأمين هي الكبيرة، وهي تستنزف وتستغل من القطاع الطبي الخاص، ليس كله للأمانة على شاكلة واحدة، لكن أغلبه كذلك، إن من السائد إدخال المريض في متاهات التحليلات، وعمل الأشعة من دون ضرورة طبية، مع صرف أدوية أكثر من الحاجة، لتضخيم دخل المنشأة الطبية الخاصة، والطبيب والطبيبة مستفيدان هنا، وهذا النوع من العلاقات بين المنشأة والموظف يجب فك ألغازه! تجارة الطب في القطاع الخاص نموذج لمص الدماء من المضطرين، ولا ينفع إغلاق منشأة طبية بسبب خطأ تشخيص طبي أو تغريمها، خصوصاً أن المريض لا يحصل على شيء، لأن المال يذهب للصحة.
وحتى يشعر المواطن بطعم رد حقه له، يجب أن يحصل على تعويض أو ترد له قيمة ما دفع على الأقل في الحالات العادية، مثل استغلاله في متاهات التحليلات، وعمل الأشعة وخلافه من دون حاجة طبية.
وزارة الصحة ليست مهتمة بالرقابة النوعية على القطاع الطبي الخاص، نقرأ أخباراً عن إغلاق منشأة طبية لسبب أو لآخر، ما الفائدة «الساخنة» التي عادت على المواطن، إن فتح باب الشكاوى من تغول القطاع الطبي الخاص ضرورة، وبإمكان وزارة الصحة فتح الباب الإلكتروني لذلك، على الأقل يشعر المواطن بأن «المنظومة الصحية» تهتم بمعاناته، وهناك من يستمع إلى شكواه ويرد له حقوقه، هذا نموذج للتخفيف عن المواطن، وهناك مجالات أرحب يمكن العمل فيها ولن تكلف الجهاز الحكومي إلا تشغيل موظفيه المراقبين كما يجب أن تكون الرقابة.
December 30, 2015
ليلة البنزين!
الشيخ مدهن مبسوط من رفع أسعار الوقود ورسوم الكهرباء، يردد وهو يضحك النكت التي تم تداولها بسرعة بعد قرارات مجلس الوزراء الأخيرة، ولأنه يحب الحلاقين ويكثر من زيارتهم، أعجبته طرفة عامل محطة البنزين ليلة أول من أمس مع الازدحام الكبير على المحطات، إذ علق على الزحمة قائلاً: «الليلة أول مرة أحس بإحساس الحلاق ليلة العيد».
أما النكتة الأخرى التي يضحك منها الشيخ مدهن، فتقول إن مواطناً سأله ماذا ستفعل بـ2016، فأجاب الألفان أسدد بها الدين، والـ16 نمشي بها الحال لآخر الشهر.
بالنسبة للشيخ مدهن لا تهمه هذه الزيادات ولا تفرق معه، سيقوم بتحميلها بكل بساطة في كل ما يبيع على المستهلك، هو مشغول بأمر آخر، استدامة تغيير الأرصفة ببلاط جديد في الشوارع ونمو قطاع المقاولات لديه، مع ابتكار صنوف جديدة من المشاريع البراقة.
معلقاً على ازدحام أناس على محطات البنزين قبل العمل بالأسعار الجديدة قال مدهن وهو يضحك: «على دربك شل جركل».
للدقة لا يمكن أخذ انطباع الشيخ مدهن عن قرارات رفع الدعم عن الوقود والكهرباء كمؤشر عن الرضا من عدمه لأنه بكل بساطة لن يتأثر بها، فهو عينة متحيزة، ولا تمثل القاعدة العريضة من المواطنين.
بل ربما يستفيد ببعض الزيادة عليها من رجل الأعمال في أسعار سلع وخدمات، لذلك فإن الإيهام بأن المواطن لن يتأثر من قرار رفع الأسعار فيه تخدير، ومن الممكن أن يتقبل الارتفاع حينما يرى أفعالاً جادة لإيقاف الهدر الحكومي والسنوات الماضية كانت شاهداً على هدر فاق كل التصورات، من المشاريع المتعثرة إلى غيرها من مشاريع مرتفعة الكلفة.
إذا لمس المواطن مثل هذا الفعل، وانعكس إيجابياً على حياته سيتعاون.
والسؤال الذي يتردد في ذهن المواطن مع خلفية عدم انعكاس إيجابي على معيشته من الحملة الشهيرة لإصلاح أوضاع العمالة، فلا أعدادها انخفضت ولا كفاءتها تحسنت، بل ارتفعت كلفتها وزادت رواتبها مع ثبات دخله هو، لم تستفد من هذا الارتفاع سوى شريحة محدودة من القطاع الخاص.
asuwayed@
December 29, 2015
ملف شهادات الوفاة في المستشفيات
اعترض أهالي المتوفين في حريق مستشفى جازان على سبب الوفاة المدون في محضر، طلبت منهم إدارة المستشفى «التابع لوزارة الصحة» التوقيع عليها، وفي خبر نشر في إحدى الصحف قال ذوو المتوفين إن إدارة المستشفى كتبت أن أسباب الوفاة طبيعية، بعد الرفض والاعتراض منهم جرى التعديل إلى «اختناق ناتج من غاز أول إكسيد الكربون»، «من دون ذكر أنه ناتج من حريق مستشفى جازان وأن مكان الوفاة مستشفى الملك فهد المركزي».
ومن الواضح أن إدارة المستشفى، ومعها الوزارة، لديهم حرص على «التوثيق التاريخي»، يبدو أن سجل المستشفى والإدارة أهم من الحقيقة، فلا يترددون عن «تعميم» أسباب الوفاة كلما كان التعميم غير محدد للمسؤولية، ومن دون ممسك واضح، وإذا كانت الوزارة ممثلة في إدارة المستشفى تستسهل ولا تبالي» إذا أحسنَّا النية» في تدوين أن سبب الوفاة طبيعية في وفيات حريق مستشفى قضيته صارت قضية رأي عام وتحول إلى حدث تاريخي احتل مرتبة متقدمة في الكوارث العالمية من هذا النوع؟
إذا كان الأمر بهذه السهولة و«السيولة» والاستغفال الإداري، فماذا يحصل ويحدث لما يدوَّن من أسباب حالات الوفيات في المستشفيات كل يوم؟
من الحديث المتكتم عليه والذي يدور بعيداً عن الإعلام ويندر من يتطوع للإعلان عنه صراحة، ولاسيما من المختصين القريبين من المفاصل لأسباب لا تخفى، أن تدوين أسباب الوفيات في شهادات الوفاة في المستشفيات عليه علامات استفهام وقد يخفي الكثير من سوء التشخيص الطبي والأخطاء الطبية وتردِّي الخدمة الصحية. لقد جاء اعتراض أهالي المتوفين في حريق مستشفى جازان ليفتح هذا الملف على مصراعيه، مع تعارض المصالح بين «الدقة» في تدوين أسباب الوفيات و«سمعة» المستشفيات وإداراتها مع الأطباء التي يحرص عليها أكثر من الحرص على حياة المرضى وسلامتهم.
إن وزارة الصحة مطالبة بإعادة النظر في إجراءات إصدار شهادة الوفاة في المستشفيات، بحيث لا تخضع الأسباب الحقيقية للدفن والتكتم ولو فتح وزير الصحة هذا الملف ربما انكشفت عورة أخرى بعيدة عن العيون في الخدمات الطبية، وفي انكشافها والكشف عنها تنظيف لجروح وأورام هذا المرفق المريض.
December 28, 2015
لنا الطبل ولكم جرس الإنذار
لجنة التحقيق في حريق مستشفى جازان تجزم بأن سببه تماس كهربائي، قبل انتهاء أعمالها!، ونشرت «الحياة» يوم أمس عن عضو في اللجنة قوله: «أنه تم فك اللغز، واتضح أن التماس الكهربائي سببه نقطة تماس، كانت في جهة، وموقع انطلاق الحريق كان في جهة أخرى»، وأضاف: «أن المستشفى يفتقر إلى كواشف الحريق والدخان، وأن صافرات الإنذار كانت تعمل بصفة مستمرة، ويتم إطفاؤها من طريق المستشفى، من دون أن يتم عمل صيانة وكشف دوري عن عملها الدائم، حتى أصبح الكادر المناوب متعوداً سماع صوتها باستمرار».انتهى الاقتباس من الخبر.
لم يكن هناك لغز، ولاسيما مع محضر الدفاع المدني المنشور، والصمت حول من تسلَّم المبنى وكيف تم ذلك من دون نظر إلى المخالفات!
أعود إلى جرس الإنذار والكادر.. لا شك أن صوت جرس الإنذار مزعج، وحين ينطلق يصاب الناس بالخوف وربما الهلع، ينغِّص لحظة السكون والدعة، لذا لا أحد يحب «صوت» جرس الإنذار، ولأنه في حالة مستشفى جازان ينطلق وتقفله الإدارة..» أصبح الكادر المناوب متعوداً على سماعة باستمرار».
هذا التعود جعل الكادر يعتبر جرس الإنذار كاذباً أو مضخماً ربما السبب ليس إلا دخان سيجارة موظف منزوٍّ أو مع مديره، والجرس يبالغ!
هذه الصورة الصغيرة لواقع «جرس الإنذار والكادر»، والتعامل معه يمكن تكبيرها لتشمل مفاصل التنمية في الوطن.
وأزعم أن عدداً لا بأس به من الكُتاب يقومون بدور جرس الإنذار؛ تحذيراً عن الأخطار والأخطاء الحالية والمستقبلية في شتى مناحي الشأن العام من خطط وبرامج تمت أو يُنوى إتمامها، يطالبون بأجهزة فاعلة أو كواشف للدخان؛ حذراً من الحريق، حتى أصبحوا يوصمون بالإزعاج مثل جرس الإنذار في مستشفى جازان، وقد لا يتم «قفل» جرس الإزعاج هذا؛ لأن صوته صار ضعيفاً معتاداً عليه، لا قيمة له مع كثرة المواليد من أصوات الطبول المغردة، وأزعم أن للطبول دوراً كبيراً في مجتمعنا، وهو دور محتفًى به. الطبل هو الأداة الموسيقية الوحيدة المعتمدة في مجتمعنا فلا يُذكر خلاف عليها، لذلك تطفو الطبول على السطح لتتصدر الواجهة وتتحول إلى جرس احتفال، ومعذرة من الشاعر في ذلك الزمن البعيد، في زمننا هذا يمكن القول:
(ونحن أناس لا توسط عندنا** لنا -الطبل- دون العالمين أو القبر).
asuwayed@
December 26, 2015
«الربيع العربي» صناعة أوروبية!
في لقاء معه نشرته «الحياة»، قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إن «الربيع العربي اختراع أوروبي وليس عربياً»، ويبدو أن العرب في المغرب يرونه أوروبياً، في حين يراه عرب المشرق أميركياً، وتصريحات «الفوضى الخلاقة» وتقسيم المنطقة والشرق الأوسط «الكبير» حاضرة في الأذهان.
إلا أن رمي التهمة على الغرب فيه محاولة للتنصل السياسي من المسؤولية، الربيع العربي هو منتج عربي لظروف ومعطيات عربية رسختها الأنظمة السياسية العربية في عقول جماهيرها، فإذا جاء الغرب، سواء أكان أميركا أم أوروبا، وحتى إيران وروسيا، لاستغلاله، فإن المسؤولية عنه لا تتغير.
البيئة الخصبة التي سمحت لشرارة البوعزيزي بأن تنتشر في البلاد العربية ويحدث ما حدث من أهوال وقتل وهجرة وتهجير طائفي، تقع على الاستبداد والاستئثار بالسلطة والمال. هذا هو الذي زرع الأرض العربية بالقش فكانت الشرارة بمداها الإعلامي كافية لسقوط أنظمة وتهاوي دول.
لا يمكن أن نلوم الغرب إلا في أنه يعلن شعارات يطبقها داخل حدوده فقط، فحين يطبق نقيضها في البلاد العربية فهو في المؤكد ساعد في إنتاج البيئة الخصبة لحريق الربيع العربي، وهو لا شك ساهم بآلته الإعلامية وشعاراته في إيهام الحشود من الجماهير بأنها على حافة الخلاص من الاستبداد. الغرب بقدراته وأطماعه واستفادته من تراكم التجربة التاريخية ساهم في الربيع واستفاد منه مثلما استفاد من جمود قبله، لكن المسؤولية الرئيسة في ما وصل إليه العرب تقع على الساسة العرب أنفسهم.
لم يعد لذكر مصطلح «الربيع العربي» قيمة أو أثر يذكر في أذهان الجماهير العربية، ما بين من صحا على الفاجعة ومن يضع «الثورات المضادة» مسؤولية عن هذا الحصاد المر، والمعضلة الآن في أن الأرض العربية أصبحت أكثر خصوبة وتهيئة ومناسبة، ليس لزراعة «ربيع عربي جديد» بل لمزيد من الحرائق والتهجير والاستنزاف.
مستشفى الألم في جازان
لم تصل الخدمات الطبية إلى حد القبول، منذ زمن وهي تدور حول نفسها على رغم كل ما صرف وقيل وتم الوعد به، لكن أن يتحول مستشفى إلى بؤرة خطر لتحترق فيه 25 نفساً ويصاب أضعافهم فهذا ليس مستشفى بل هو أقرب للمستودع المهمل، وقبل أن تضمد الجراح، خبر عن حريق محدود في برج الدمام الطبي من دون إصابات ولله الحمد، حيث أخلى الدفاع المدني المرضى.
اللافت في حريق مستشفى جازان وأيضاً ما نشر عن حريق برج الدمام استبعاد احتمالات أن يكون الحريق بفعل فاعل! فمنذ بداية انتشار خبر حريق مستشفى جازان وهناك تأكيدات أن السبب تماس كهربائي، وقبل أن تبدأ لجنة التحقيق في عملها؟
وزير الصحة قال إن حريق المستشفى في جازان كشف عن «خلل في رسالة المنظومة الصحية»، والخلل في الصحة ككل من قديم وتغيير الوزراء «المستمر» يهدف إلى إصلاح هذا الخلل، ولا ألوم الوزير بقدر ما ألوم من هم أقدم منه في الوزارة ممن أقروا ووافقوا على استلام هذا المستشفى بحاله التي حذّر منها الدفاع المدني حسب ما انتشر، إذا كانت صورة المحضر التي انتشرت صحيحة فهي دليل دامغ على «الخلل» ومن تسبب في «الخلل» وأصل «الخلل»، وإذا أراد وزير الصحة أن يصنع من المحنة منحة، عليه الإمساك بهذه القضية من جذورها، ليجعل منها نموذجاً لوضع المسؤولية في رقبة المسؤول، أما سياسة «شراء الوقت» باللجان التي لا يعلن عن أسماء أعضائها، ولا تنشر نتائج تحقيقاتها فهي الطريق الممهد لتكرار المأساة.
إنَّ بإمكان الوزير أن يضع قائمة بأسماء من وافق على افتتاح وتشغيل مستشفى بهذا الوضع، ثم وضعهم أمام الرأي العام، ومن المؤكد أن للموافقة أسباب هي مربط الفرس في معرفة أساس الداء.
كتبنا مراراً أن المشكلة في وزارة الصحة «إدارية» بامتياز، ولأنه لا يوجد محاسبة واضحة شفافة على رغم كل التاريخ الحافل بالإخفاقات فلا يمكن إلا توقع مثل هذه المآسي، أما تطور الخدمة نفسها وانتشالها من واقعها فهذا هو المستبعد بل أقرب إلى الحلم خصوصاً مع بقاء الحال «الإداري» على ما هو عليه.
December 24, 2015
الشركات المساهمة.. لمن؟
الشركات المساهمة من حظوظ مجالس إدارتها وكبار الموظفين فيها، وما يتبقى يمكن أن يكون من حظوظ المساهمين.
هذا هو الواقع لدينا، وسواء أكانت شركات مساهمة مملوكة بالكامل للقطاع الخاص أم للدولة حصة فيها. النموذج الأخير يتيح لكبار موظفي الحكومة في «الجهاز المعني بالإشراف عليها أو تمثيل حصة الدولة بها» حصة أكبر من الحظوظ، إضافة إلى أن القرار يكون أكثر بطئاً، والضغوط والعلاقات، بما يتيح للإدارة مساحة رحبة من الوقت؛ لأخذ راحتها.
غُرمت شركة الاتصالات وشُهِّر بها في قضية قديمة نسبياً، طال أمد مكوثها في دهاليز القضاء. الإدارة الحالية لشركة الاتصالات لا علاقة لها بهذه المخالفات فهي من «إدارة وإنتاج» إدارات سابقة رحلت عن الشركة. والمخالفات التي استدعت الغرامة «عشرة ملايين ريال»، والتشهير في الصحف، تندرج تحت «إساءة استغلال الوضع المهيمن»، وكل وضع مهيمن يغري بالاستغلال، ولاسيما مع عدم توافر رقابة حقيقية وقتية. هذه الأوضاع «المهيمنة» في ظل أحوال المحاسبة والمساءلة الضعيفة هي من حظوظ الإدارة. وما دامت الشركات المساهمة المهيمنة وغير المهيمنة هي من يدفع الغرامات ويُشهَّر باسمها بعد وقت طويل فلا يُتوقع تغيير يذكر في تحسين مستوى الشفافية والمحاسبة وحفظ حقوق المخدومين والمساهمين.
إذا لم تُقرن المحاسبة والتشهير بالأشخاص الذين قاموا بتلك الأفعال المخالفة أو أصدروا القرارات بتنفيذها وحرصوا على استمرارها فلن يتغير شيء يذكر، سوى إتاحة الفرصة لـ«وجبات» إدارية جديدة تؤسس لمخالفات أخرى، تُكتشَف بعد وقت طويل وبعد أن تطير الطيور بأرزاقها.
في تلك الفترة الزمنية محل المخالفات ضج الناس من سوء الخدمة والتعطيل وخسارة المال والوقت ولم يحصلوا من الحكم والتشهير «المتأخر» على شيء يذكر ربما آمل بتحسن الخدمة وحفظ الحقوق المستقبلية.
مع أن هذا لا يقلل من أهمية الحكم وجهد وزارة التجارة لمتابعته وإنجازه.
لابد من أن هذا الإجراء تعرض لضغوط ومحاولات إثناء، فهي المرة الأولى التي يُشهَّر فيها بشركة مساهمة بهذا الحجم، إلا أننا نتطلع إلى الأفضل.
يجب أن يدفع الإداري الذي يستغل الأوضاع المهيمنة مع مجلس إدارته ثمن هذا الاستغلال أولاً، ثم تدفع الشركة تالياً.
December 23, 2015
تقييم الطبيب النفسي
كان الناس يقنعون برأي الطبيب ويعتبرون كلامه مثل «فتوى» طبية، فهو الرأي الأتم كما يخط في المعاملات الرسمية، ثم أصبحوا يحتاجون إلى رأي طبيب آخر، وتطور الأمر إلى رأي ثالث، ومن يتيسر له أن يسافر إلى الخارج أو يرسل تقاريره لمزيد من الحيطة والحذر! وهذا لم يكن ليحدث لولا كثرة الأخطاء الطبية وأخطاء التشخيص، لأسباب كثيرة منها تجارة الطب وتزوير الشهادات ،لكن في حال احتياج مريض لطبيب نفسي المسألة تكون أصعب وأكثر تعقيداً.
ولأن العالم المتقدم يهتم بالإنسان ويبحث عن الأصلح، يطور باحثون في جامعات أميركية نظام كومبيوتر فريد من نوعه، يمكن من خلاله تقييم أداء الطبيب النفسي، الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام قال: «إن الباحثين من جامعتي يوتا وواشنطن بصدد تطوير نظام كومبيوتر جديد يمكنه أن يقيّم للمستخدمين الأطباء النفسيين الذي يتعاملون معهم، فهو يعمل عن طريق استخدام التسجيلات الصوتية لجلسات العلاج النفسي، ولديه مجموعة من التقنيات المتطورة والبرامج الحديثة التي تمكنه من تقييم مستوى الطبيب ومدى صحة المعلومات والنصائح التي يقدمها للمريض»، وحسب الخبر لا يكتفي نظام الكومبيوتر هذا بالتقييم بل يتجاوزه إلى «كشف الأطباء الذين لا يقومون بعملهم بشكل جيد أو يخدعون المرضى».
والخدعة في الطب النفسي أكثر من غيره، لأنه يعتمد على مهارات شخصية في الإقناع وإيمان بنظريات وتحليل نفسي قد يقنعك بما ليس فيك، وهو يشبه في صورته من صورة الرقية الشرعية والطب الشعبي، للذمة هنا والأمانة دور كبير. للوهم هنا مساحة رحبة حتى ولو لم يكن متعمداً، يكفي أن يرسم الطبيب النفسي صورة عن «الحالة» التي أمامه ثم يلونها بالألوان التي تناسبه، ولكل لون سعر.
وإذا ما تم إنجاز برنامج التقييم للأطباء النفسيين هذا وتم اعتماده ثم وصل إلينا، أتوقع أننا سنكتشف الكثير من «الزيف»، ستكثر أخبار صحافية مشابهة لأخبار الشهادات الطبية المزيفة والمضروبة، وأتمنى على وزارة الصحة لدينا أن تتابع مراحل تقدم هذا «البرنامج»، لأن الطب النفسي لدينا لازال في الظل لم تسلط عليه الأضواء، و«النفسية» مع الحاجة لتقييم مستمر لها مرشحة للازدياد لأسباب اجتماعية واقتصادية، وإذا ما وضعنا في الاعتبار الحال السياسية العربية، يمكن تخيل مدى الحاجة المتوقعة. أيضاً ربما نكتشف أن برنامج التقييم هذا يصلح للتقييم النفسي الإداري، فمثلما أن الطب النفسي خاضع لتجارب الطبيب في عقل المريض، الإداري أيضاً يقوم بمثل ذلك في المجتمع ككل.
December 21, 2015
العيون الطويلة
قرر الشيخ مدهن استبعاد أستراليا من قائمة الدول التي ينوي زيارتها، كان قد وضعها في «الخاطر» بعدما قرأ وسمع عنها الكثير، لكن بعد نشر الملحقية الثقافية السعودية في أستراليا سلسلةً من الإرشادات لطلابها المبتعثين، فرش الشيخ مدهن الخريطة ووضع علامة إكس على أستراليا. الملحقية قالت: «إن التعامل مع الجنس الآخر في أستراليا رجلاً كان أم امرأة قائم على الاحترام وحسن النية، فالابتسامة والضحك وحسن التعامل من الطرف الآخر لا تعني بالضرورة رغبته في بناء علاقة عاطفية».
وكل هذا يعلمه الشيخ مدهن حق العلم، ولا يختلف معه على الإطلاق، لكن ما أزعجه، وجعله يعيد النظر في قارة أستراليا كلها بسكانها الأصليين والمهاجرين، هو أن القانون -بحسب ما شددت الملحقية- يصنف تحديق النظر على أنه تحرش جنسي قد يتحول إلى قضية جنائية. ساخر علق الشيخ مدهن على الخبر قائلاً: يعني أي واحد أو وحدة أطالع فيها ترفع علي قضية، أحسن الواحد يسافر وهو مغمض!؟، وتابع قائلاً: أصلاً ما نسافر إلا حتى «نشوف وننشاف»!.
يعتبر الشيخ مدهن تحديق النظر من «الطاقة المتجددة» وهي بالنسبة إليه مثل طاقات الرياح والشمس، كل صباح تتجدد بمحفز الفضول و«الاكتشاف» هو يهرب من مفردة «الشفاحة»، ولا يرى في تحديق النظر قلة أدب وانتهاكاً لخصوصية الآخرين، سواء أكانوا يمشون أو يأكلون، وحينما تلتقي عيناه بعيون آخرين من رجال أو نساء يواصل التحديق؛ لأنه من «قلة المراجل» أن يبادر هو بصرف النظر، فهي من متع السفر. التفحص الدقيق للآخرين مثل جهاز سكانر يواصل «السكاننق» من الرأس حتى أخمص القدمين مع عودة مكوكية إلى محور الارتكاز: العيون! الشيخ مدهن يحمد الله -تعالى- على أن هذه «العقد» الغربية لم تصل إلى بلادنا. تخيل لو أن هذا «التغريب» حط رحاله في البلاد، ماذا سيفعل مدهن وغيره عند إشارات المرور وفي ممرات المولات وصالات الانتظار، كيف سيقضي وقت «فراغه»؟ إذاً.. «بلاها ذا الأستراليا».
عبدالعزيز السويد's Blog
- عبدالعزيز السويد's profile
- 2 followers

