عبدالعزيز السويد's Blog, page 64
February 29, 2016
«مغاغيط» الترشيد
أتوقف أحياناً أمام تجارب رجال الأعمال، ولا أقصد ما يكتب عنهم من مديح أو نشر كتب إنشائية عن مسيرتهم بل أعني مواقف تُخبر عن فكر الواحد وأسلوب عمله.
ويعجبني في واقع الأمر حكايات عن بعضٍ منهم تضيء مثل نور خاطف على تفصيل مهم في أسلوب تعاملهم «الفعلي» مع المال، في توظيف الموارد وترشيد الإنفاق، من ملاحظات تبدو صغيرة وعابرة وقد تدعو بعض الناس – خصوصاً محدودي الدخل – إلى التندر أو الضحك ربما، لعدم وعي بأهميتها.
وبعيداً عن ذكر الأسماء لأن المهم هو الفكرة والنظرة للأمور، وفي ترشيد الإنفاق والتقشف المفيد أروي عن رجال أعمال كلهم تقريباً من أصحاب البلايين أو مئات الملايين في الحد الأدنى، مواقف فيها رشد وإن بدا للبعض أنه فاق الحد في التدقيق.
رجل الأعمال يتجول في فرع من مصرف يمتلك منه نسبة كبيرة يتوقف عند واحد من صغار الموظفين يتطلع إلى سلة المهملات ثم يتناولها ويفرغها على سطح مكتب الموظف، يجمع «المغاغيط» قائلاً: «هذولا تراهم بفلوس يا ولدي».
رجل أعمال آخر من المصادفة أنه مصرفي أيضاً في جولة مفاجئة على موظفيه يشاهد محاسباً يقوم برمي رول ورق آلة المحاسبة بعد استخدامه، تمتد يده إلى الرول المستخدم موجهاً الموظف بقوله: «إنه يمكن إعادة استخدامه بطيه من الجانب الآخر».
ثالث أيضاً اكتشف أنه في كل جولة يشاهد آلة التصوير على وضع التشغيل من دون استخدام فيعاتب الموظفين على عدم فصل التيار الكهربائي عنها.
أما الرابع فهو من محبي لعبة البلوت، والشركة التي هو من كبار ملاكها تقوم بإهداء لعبة الورق لكبار العملاء، اتصل بالمسؤول متسائلاً لماذا لا يطلبون من المتعهد ورق لعب بعدد 32 ورقة فقط بدلاً من 52 ورقة، والـ32 هي العدد الذي تحتاجه البلوت. والفرق في العدد لا شك سيخفض الكلفة.
هذه النماذج أو الأفكار إن شئت أهديها للمخدوعين بالمظاهر في زمن يدعو إلى الرشد بالترشيد. أما الخامس فلست معه في ما فعل، وهو أيضاً رجل أعمال من أسرة ثرية، عاد من الإمارات وتبقى معه 100 درهم فأرسل سائق «الشركة» إلى البطحاء في مشوار طويل لتحويل المبلغ لأن سعر الصرف في مصارف البطحاء أفضل من غيره. لا تسألني كيف يتصرف رجل الأعمال في مال غيره فلم أتوصل إلى الآن لجمع حكايات كافية حول ذلك، المهم قارن ما قرأته بما تفعله أنت بالمال!
طرف خيط الاستقدام في «فيتنام»
السفير السعودي في هانوي عاصمة فيتنام سفير فوق العادة، هذا «الفوق» لم يحصل عليه بالترقية الوظيفية بل بالموقف والإجراء الذي اتخذه في قضية فضيحة مافيا الاستقدام «الوطنية» هناك.
من فوق العادة أن ينبش السفير في قضية، من العادة وما دونها أنه ينتظر إلى حين ورود شكاوى، فإذا وصلت، ولم تضل الطريق، يحيلها إلى موظف، والله يعلم ماذا يتم بها.
دخيل الله الجهني السفير السعودي في فيتنام حاول البحث عن حلول «وليس انتظار واسطات وعلاقات»، هذا البحث قاده إلى رصد «سماسرة سعوديين يجمعون العاملات المنزليات بكلفة لا تصل إلى 2000 ريال، واستقدامها للمواطنين بمبالغ تتجاوز 25 ألف ريال في بعض الأوقات «أي بنسبة ارتفاع بلغت 1150 في المئة»، من بينهم أعضاء من اللجنة الوطنية للاستقدام»، صحيفة الاقتصادية.
كان «تعطيش» السوق واستغلال بعض «الصحافيين» والصحف لإطلاق التصريحات من دهاقنة الاستقدام فصلاً من فصول هذا الملف المتورم، لكن أساس القضية صنعت في معامل وزارة العمل «تلك السنين»، حينما سلم ملف الجمل بما حمل للجنة تحمي مصالح تجار الاستقدام فقط، وبدل الحماية نتج تضخم وتعظيم أرباح و«قوة وجه»، وحينما حذرنا من ذلك لم يلتفت أحد، بل تطور الأمر إلى إنشاء شركات استقدام ليصبح الاحتكار رسمياً و«الأسعار» غير قابلة للنقاش فهي محددة مدموغة على جبهة العامل والعاملة، والآن ترى من مصدر رسمي كيف يتم «صنع» الرسوم أو الكلفة.
ولو عمل السفراء في إندونيسيا والفيليبين وسيريلانكا وأثيوبيا وغيرها بعض التقصي والتحري في وقته، أي أيام تعطيش السوق لربما وجدوا «علماً مفيداً» يعيدون فيه الثقة إلى المواطن، لكنهم اكتفوا بتسيير المعاملات.
قضية مافيا الاستقدام في فيتنام مع وجود أعضاء من لجنة الاستقدام ضمنها، هي طرف خيط ليس إلا، وإذا كان هناك من مصلح قلبه على حقوق المواطن والوطن يجب «تل» هذا الخيط لنصل إلى جذوره،
أصالة عن نفسي ونيابة عن من «أمون» عليهم من القراء والأصدقاء والمتضررين من «لعبة الاستقدام» أشكر سعادة السفير دخيل الله الجهني وفريقه العامل في سفارتنا في هانوي على هذا العمل الجليل، أعدتم إلينا بعض «الثقة» بالدور الحقيقي المنتظر من المسؤول.
February 27, 2016
ثغرات إعلامية رسمية
مع أن وسائل التواصل الإعلامي والاجتماعي فرضت نفسها وتجاوزت وسائل الإعلام التقليدية، لتصبح الوسيلة الأسرع والأعمق تأثيراً، إلا أننا نرى في جهات حكومية عدم اهتمام بالحضور الفاعل في هذه الوسائل. إن من أهم الأساسيات عند وجود حساب لهذه الجهة أو تلك، أن يكون الحساب موثقاً، الواقع الآن أن كثيراً من هذه الجهات وبعض مسؤوليها لم توثق صفحاتهم، وهذه ثغرة كبيرة يتم من خلالها نفاذ كثير من اللت والعجن والإشاعات.
ومنذ أن بدأت تزداد أعداد المستخدمين لوسائل التواصل الإعلامي الاجتماعي نبهت هنا إلى حسابات تضع أسماء لها قريبة من أسماء جهات حكومية، كي يخيل إلى المتابع أنها هي، لكنها ليست كذلك في استغلال فاضح ومكشوف، كما استخدم اسم «السعودية» كثيراً في صفحات وحسابات إخبارية لا يعلم من «يشتغل» خلفها، ولا أهدافه ومقاصده. جمعت هذه الحسابات ملايين أو مئات الآلاف من المتابعين خلال فترة «القيلولة» الرسمية، وأصبح لها تأثير كبير، والنتيجة أن الإشاعة أقوى من الحقيقة، وسرعة انتشار خبر «الإشاعة» إلى درجة تكاد تحقق أهدافها قبل صدور النفي أو التوضيح. فينتشر الخبر غير الصحيح أو غير الدقيق، حتى يصل إلى وسائل إعلام خارجية تنشره أو تستغله وفق أجندتها ليحقق الأثر السلبي، وقد يتحول إلى «مرجع» أرشيفي يتداول أكثر من نفيه، ليعود مستقبلاً مستخدماً من باحث أو كاتب.
وهذه الخلخلة لها نتائج سيئة، وإذا كان الحديث يكثر عن الاختراق الإعلامي فإن التراخي الرسمي شريك في تغلغل هذا الاختراق، فالفهم الخاطئ أن وزارة الإعلام هي الإعلام أو أن الإعلام هو القنوات الفضائية الخاصة التي يمتلكها سعوديون، أيضاً خطأ، هذا جزء من الإعلام، إذ أصبح الأخير أوسع منها ويتجاوزها.
كثير من الجهات الحكومية تهتم بشكل الحضور على حساب المضمون، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في عدد من القضايا الإنسانية اجتماعية كانت أو حاجات طبية «إخلاء، وحاجة إلى سرير»، وفقر، وغيرها، لا تجد تفاعلاً من الجهاز المعني إلا بعد إلحاح من متطوعين، وفي الحالات الاجتماعية تجد أن الجمعيات الخيرية لا تحضر في هذه الوسائل إلا لطلب التبرع أو نشر قائمة بالأعمال، لكن من النادر أن تجد تفاعلاً مع حال فقر أو حاجة معلنة.
الضجة وعلاقتها بالدجة
حاولت أن أفهم سبب غرام بعض أنصاف السائقين بصوت متفجر لعادم السيارة فلم أنجح! سيارات دفع رباعي أو «سبورات» من الغالية الأثمان، يقوم أصحابها بتعديل عوادمها لتحدث ضجيجاً يصم الآذان، يخترق طبلة الأذن عاصفاً بالعصب السمعي، ثم يواصل مرجّفاً البطين الأيمن من القلب!
هل هؤلاء متأثرون بمخرجي أفلام الرعب يا ترى؟! الاستمتاع بالإفزاع – فيما يبدو – مرض نفسي، البحث عن لحظة إثارة مرضية، ربما أنهم مازالوا يعيشون مرحلة شقاوة الطفولة المبكرة بأدوات كبار خطرة، وإذا كان الطبيب يقول للمريض قل «آه»، ليشخص حالته، فإن أصحاب هذه المركبات في واقع الأمر يتأوهون من خلال «شكمانات» سياراتهم.. هم يعلنون بالضجة أنهم في حالة «دجة».
ويسأل الإنسان نفسه: ألا يكفي صخب وضجيج أصبحا السمة الغالبة للمدينة طوال ساعات اليوم.
ويظهر أننا في حاجة إلى «ساهر» صوتي، أتخيله على شكل أذن كبيرة يمكن للتجميل وضع حلق لامع بحلمتها يتأرجح يميناً ويساراً، يقيس درجة الضوضاء التي تحدثها السيارة، وقد تتهشم مجساته عند مرور هذا النوع من المركبات.
العجيب في جماعة العوادم أعلاه أن معظم سياراتهم جديدة، بمعنى أنها لا تعاني من مشكلات ميكانيكية، إن ما يعاني من مشكلة ميكانيكية ونفسية وذوقية هي عقولهم.
تزايد أعداد سيارات تم تعديل عوادمها لتحدث أصواتاً أكثر ضجيجاً، وتبع ذلك أيضاً دراجات نارية يستمتع أصحابها بمفاجأتك… إنها لحظة الانطلاق.
أحياناً يبدو لي أنه من الترف طرح قضية التلوث الصوتي، وبخاصة مع وضع مروري معروف، وفي واقع الأمر أنا لم أطرحها الآن، بل أطرح قضية الإرهاب الصوتي المسكوت عنه.
هل تتفق معي أن مستوى الضوضاء مرتفع بزيادة في المدن الرئيسة؟ إذا أردت قياس هذا المستوى فيجب أن «تسافر» إلى الصحراء، إلى أبعد نقطة عن آخر «شبك» يمنعك من الغوص في البراري بحرية. لحظات السكون هناك تعطيك صورة حقيقية لما تعيشه يومياً في المدينة، سواء العاصمة أم غيرها من المدن الكبيرة.
وإذا كانت التنمية تستلزم استخدام الآلات، والازدحام السكاني يفرض حركة سيارات مكتظة غالب ساعات اليوم، فإن هناك ملوثات صوتية متعمدة يجب إيقافها.
ولو كان الأمر بيدي لخصصت غرفاً معزولة الصوت يوضع فيها أصحاب هذه السيارات للإنصات و«الاستمتاع» القسري «لسمفونيات» يعزفونها من سياراتهم، وجحا أولى بصوت «شكمانه»!
February 24, 2016
كيف تحول «الغشيم» فناناً؟
لا بد أن تجيد قراءة الأفكار و«تبخص» بالنوايا، لأنها الطريقة الوحيدة للسلامة في الطريق، قراءة أفكار السائقين الآخرين قبل وقت مناسب، وأنت في مركبتك وهم في مركباتهم وجميعكم في حركة مستمرة، واللغة المستخدمة لهذه القراءة ليست لغة النظام ورموزه وإشاراته ولوائحه بل لغة التوقع والتخمين المبني على خبرة متراكمة يفترض أنها متوافرة في المخيخ، ولكل سائق بحسب جنسيته فكر مختلف عن سائق آخر، يجب أن تجيد قراءته، ومع تراكم الجنسيات أصبح هناك شبه لغة أو ثقافة قيادة سيارات، يمكن لنا أن نطلق عليها ثقافة الفنان الغشيم، تفرع منها لهجات مختلفة، لذلك كتبت في السابق وأعيد أنه أصبح لدينا خبرة في قراءة أفكار السائقين، أحياناً يعاند بعضهم سطوراً من أفكار نقرأها فيحدث ما لا تحمد عقباه.
واذا اختلفت مع قائد مركبة في الطريق وقال لك «ماتشوفني..»، فهو مستنكراً يقصد ألم تقرأ أفكاري… أيها… الرجل الطيب!؟
مع هذا الواقع يمكن اقتراح استبدال ما يسمى «مدارس تعليم القيادة» بمدارس لتعليم قراءة أفكار الزملاء السائقين شركاء الطريق، وفي ذلك مجال رحب للتخصصات، الشعبة الآسيوية والشعبة الأفريقية، وكلاهما يتفرع منها أقسام للعربي وغير العربي، ثم الشعبة الغربية ودول البلطيق.
في الماضي كان من لا يتقن قيادة السيارة يوصف بـ«الغشيم»، وتتم السخرية منه أو «الطقطقة» عليه، وانسحب المصطلح «الغشامة» على كثير من الأمور لكنها في القيادة ومسك «الطارة» أساسية، وكان هذا يطلق على من يقترف أخطاء مرورية تضر بالآخرين أو تربك حركة سيرهم، مثلاً كان الغشيم هو من يقود السيارة بشكل إفعواني أو يسير على الخط الفاصل بين الحارات أو يتجاوز من اليمين، أو يسد على سيارة شخص آخر، وهو مستريح البال محتضناً صحن كبسة أو فول، هذا كان زمان أول، الآن الغشيم هو من لا يفعل ذلك! تحول الغشيم سابقاً إلى اللاعب «الفنان» الأساسي في تشكيلة الحركة المرورية اليومية، وكما أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، يكتسح غشمان زمان الساحة المرورية، ويسجلون «الأهداف» وترى مثلما أرى أن «الأهداف» المسجلة تتصاعد عدداً ونوعية مشبعة بالدماء.
February 23, 2016
في معنى «النأي بالنفس»!
أخيراً وبعد «ممانعة» صارخة، دانت الحكومة اللبنانية الاعتداء الإيراني على السفارة السعودية في طهران، واجتماع الحكومة اللبنانية الأخير وما تمخض عنه من بيان، يشير – في تقديري – إلى عدم استيعاب الساسة في لبنان مرتكزات الموقف السعودي، الذي ظهرت علاماته إلى السطح بقرار إيقاف المساعدات المالية.
ينبغي العودة إلى قرار الحكومة اللبنانية الأصلي غير المعدل الذي عبر عن عدم الإدانة في وقته لفهم المسألة، ذلك القرار كان نتيجة لواقع لبناني مر ومؤسف بلغ ذروته، لا يسر الشقيق ولا الصديق، هذا الواقع مستمر وفي تطور سلبي، وهو ما يجب أن يعمل ساسة لبنان على تغييره، وحتى الاختباء وراء شعار «النأي بالنفس» لا يحقق نتيجة في تغيير هذا الواقع، فلا معنى للنأي بالنفس عن قضية أو قضايا إذا كانت هذه «النفس» منقسمة أو مقسمة يسيطر عليها جزء بتدخلات مسلحة لمصلحة إيران في تلك القضايا.
موارد الدولة ومرافقها تحت سيطرته، ويشارك في إدارة الجزء الأهم من سياستها، وقوته العسكرية مجندة لعدم النأي بالنفس، بل وتتجاوز ذلك إلى إعلان العداء للعرب والعروبة، وتغذية أعدائهم في اليمن والعراق وسورية.
ما تبقى من الإخوة في لبنان يجب أن يعلموا أن جنوداً سعوديين وخليجيين ومواطنين مدنيين يقتلون في جنوبنا، بإسهام مسلح من الحزب المسيطر على دولتكم.
يحق للسياسي اللبناني زعيم حزب أو كتلة النأي بنفسه عن سياسات حزب شريك، لكنه وهو الشريك في إدارة الدولة المختطفة لن يستطيع النأي بنفسه إلا بموقف واضح يتعدى تصريحات إعلامية لم يعد لها طعم ولا لون ولا رائحة.
وما يجب أن يطرح في لبنان هو هل هذا الحزب الذي اختطف لبنان الدولة… لبناني بالفعل ويعبر عن مصالح اللبنانيين أم أنه يستخدم لبنان الدولة والجغرافيا والسكان لأهداف بعيدة عن مصالحهم؟ الإجابة عن هذا السؤال تحدد مسافة النأي بالنفس وأساليب التعبير عنه.
في واقع الأمر يستخدم حزب الكبتاغون الدولة اللبنانية كغطاء كما استخدم «المقاومة»، وهذه الدولة أو ما تبقى منها من الضعف بمكان حتى أن جماركها لا تستطيع إيقاف سيل المخدرات الذي يقتحم حدود دول المنطقة، وكما تغطي الطماطم والخيار عبوات مخدرات الكبتاغون يتغطى حزبه بالدولة اللبنانية لتحقيق أهداف فارسية لا تتطابق مع أهداف كل اللبنانيين، هذه النتيجة توصل إليها كل عربي شريف يعتز بعروبته ولا يقبل المساومة عليها تحت أي شعار مزيف.
February 22, 2016
العرب والأتراك في سلة واحدة
يقع على القيادة السعودية العبء الأساسي في مواجهة الهجمة الفارسية من جهة، وحماية النسيج العربي من التفكك من جهة أخرى. وفيما استُخدمت «داعش» كما استُخدمت قبلها «القاعدة» لتبشيع صورة المسلمين السنة وحصر الإرهاب فيهم حول العالم، يجري أيضاً على قدم وساق اختطاف الشيعة العرب المعتدلين من متطرفي الشيعة المدعومين من إيران، الصوت الشيعي المتطرف هو الحاضر في المشهد السياسي والإعلامي، حتى تحول العراق إلى منصة أمامية لهذا الاختطاف المسلح يستكمل من خلاله ما رسخته طهران في لبنان.
ولا يبدو أن هناك اهتماماً حقيقياً فاعلاً من دول عربية أخرى في هذا الشأن. ومع التباينات في المواقف المعلنة لدول عربية مختلفة ومؤثرة، لا يرى المراقب توظيفاً سياسياً لهذه التباينات في المواقف لصالح العرب كأمة تستهدف بالتقسيم والتهجير، ما يعني أن الأولويات مختلفة، مع أن الاستهداف واحد في النتيجة مع تغير مسمى الخنجر المسموم الذي يستخدم في خلخلة كل دولة على حدة.
في سورية أصبحت روسيا اللاعب الوحيد المهيمن على الأجواء والقرار السياسي، والقوات الإيرانية مدعومة بالمرتزقة من كل جنس تهيمن على الأرض. التشجيع الغربي لهذا تمكن قراءته بين سطور تصريحات كيري، حتى يكاد الغرب الذي استخدم تركيا طويلاً في حلف الناتو يعلن التخلي عنها أمام الضغوط والتحرشات العسكرية الروسية شبه اليومية.
المشهد الدامي في سورية يكشف عن أن واشنطن متبوعة بالدول الأوروبية الكبرى، أعطت موسكو الضوء الأخضر أو المقاولة من الباطن للتقسيم في سورية، العمل القذر تم إيكاله لبوتين، ولأجل التقسيم يستمر التهجير القسري للسوريين، أو من تبقى منهم، قصفاً بالطائرات، إكمالاً لما بدأته الميليشيات الإيرانية و «داعش».
مع هذا المشهد المنذر بالأخطار، لا نرى خطوة سياسية تركية إلى الأمام لفتح باب مصالحات بين جماعة الإخوان والسلطة المصرية، وبيدها إمكان ذلك، فلديها حضور في أوساط القيادات، وهي تدعمهم.
الأوضاع التركية الداخلية بعد العمليات الإرهابية الأخيرة، وموقف واشنطن المعلن والداعم لحزب العمال الكردستاني، وضعت أنقرة في مأزق، فهل يدفع ذلك السياسة التركية للقبول بالتحدي والتحول إلى رقم إيجابي في المصالحات العربية العربية؟ في واقع الأمر، السعي لإنجاز مثل هذه المصالحات سيصب في مصلحة أنقرة قبل غيرها.
February 21, 2016
صدمة في لبنان!
وصفت صحيفة «النهار» اللبنانية وقف الهبات المالية السعودية للبنان بالكارثة، وقالت في عددها أمس: «ما حصل ينذر بكارثة إن لم يجر تداركها وإذا كان ممكناً بعد تداركها». واختارت الصحيفة اللبنانية عنواناً: «صدمة جراحيّة أم بداية إجراءات متدحرجة؟ لبنان يُسابق أخطار حصار سعودي – خليجي»… انتهى.
و «حصار» هنا محشورة في العنوان، فما حدث هو أن السعودية أوقفت مساعدات لم تكن ملزمة لها بالأساس إلا لأن لديها أهدافاً عربية لمصلحة «الدولة» اللبنانية و «المواطن» اللبناني، ومع التأكد المؤكد أن هذه الدولة اختطفت كان لا بد من اتخاذ إجراء مثل ذاك.
وإذا كان هناك من أذى أصاب ويصيب لبنان، فهو من مغامرات وسياسات حزب إيران في لبنان المستهدف للعرب والمسلمين، إذ فجرت الثورة السورية الصندوق الأسود المشبع بالأحقاد للحزب ليظهر على حقيقته، حسن نصر الله وميليشياته ليس إلا منصة إيرانية متقدمة، وبعبارة أكثر دقة مخلب فارسي مسلح. ولم تكن المقاومة والشعارات إلا قفازاً ناعماً للتوغل في الوجدان اللبناني والعربي عموماً.
والاختطاف للدولة اللبنانية هو ما يحدث للدولة العراقية، وما كاد يحدث لليمن من مــرتزقة مجندة لطموحات خامنئي الفارسية.
وإذا كنا في السعودية والخليج لا نفرح من أي ضرر يصيب لبنان واللبنانيين بكل طوائفهم، فإن الواقع يقول إن إرهاب حزب الله اللبناني وفروعه أصابنا بالقتل والتفجير مرات كثيرة على مدى تاريخ نشاطه «المكاوم»، ولمسنا وسط هذه العمالة المسلحة للمشروع الفارسي الذي يستهدف الأمة العربية والسعودية والخليج في المقدمة، حياداً لبنانياً من الغالبية التي لا تنتمي لـ «حزب الله»، إلا من فئة صغيرة جداً تعد على الأصابع، على مختلف المستويات السياسية والإعلامية والاقتصادية كان «الحياد» موقفاً.
على رغم أن السعودية ودول الخليج الأخرى كانت وما زالت الساحة الرحبة و «الداعمة» لعمل الشركات ورجال الأعمال اللبنانيين من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية وتاريخها طويل في الهبات المالية والإعمارية للدولة اللبنانية.
ولا أشك في أن هذا ليس خللاً لبنانياً صرفاً بل هو خلل سعودي خليجي يجب إصلاحه، القراءة جاءت متأخرة جداً لتضع النقاط على الحروف، ولم تحقق سياسة «لعل وعسى» سوى مزيد من تغول إرهاب الحزب حتى أطلق لسانه ثعباناً للدعاية الفارسية.
إن خيار حسن نصر الله وحزبه هو إيراني فارسي نقي تماماً، تحت غطاء طائفي. ولم تكن إسرائيل والقدس سوى ذر للرماد في العيون يطبق فيها التلميذ تعاليم سيده في حلبة الرقص مع «الشيطان الأكبر».
ومن واقع اختطاف الحزب الفارسي في لبنان للدولة اللبنانية وتمكنه من مفاصلها، لا يشك في أنه أعد العدة لما هو أبعد بكثير من إيقاف مساعدات مالية من السعودية ودول خليجية يحتمل أن تلحق بها.
الواقع الذي يجب تأطيره أن لبنان الحاضر ليس إلا قاعدة متقدمة لطهران، الحزب الذي مكن الدولة الصهيونية من استباحة بيروت بالقصف الهمجي، وبقيت هياكله لم تتضرر لا يضع اعتباراً لمصلحة المواطن اللبناني ولا للدولة اللبنانية، ولن يعيد إلى لبنان دولته إلا وقوف اللبنانيين الشرفاء ضد اختطاف حزب فارسي لبلادهم.</
قرصة أذن أم مراجعة جذرية!
يراهن بعض الساسة اللبنانيين على زيارات يزمع القيام بها للعاصمة السعودية، لإعادة النظر في قرار إيقاف المساعدات، وفي تصريح له أعرب رئيس الوزراء تمام سلام عن أمله بأن تعيد القيادة السعودية النظر في القرار.
لكن، في الداخل السعودي ومنذ سنوات تتصاعد مطالبات بإعادة النظر في السياسة الخارجية السعودية. المطلب يتضمن مراجعات شاملة ليس للمساعدات فقط بل وللاستراتيجيات، خصوصاً من ناحية ربط المساعدات والدعم السياسي والديبلوماسي بالمصلحة الوطنية العليا.
لقد كشفت توابع زلزال «الربيع» العربي الكثير من الأخطاء التي لم تظهر للسطح، إلا من خلال نتائج تبدل مواقف، إذ لم تحقق السياسة «المثالية» للسعودية في دعم «الأشقاء» العرب المردود المناسب أو المتوقع، خصوصاً مع خطر التمدد الإيراني من العراق وسورية إلى اليمن المدعوم بتشجيع أميركي مستتر.
وربما يكون قرار إيقاف البلايين أو ما تبقى منها نقطة تحول هذا احتمال، والاحتمال الآخر أنه ليس إلا قرصة أذن على طريقة «لعل وعسى».
وفي ما يخص السياسة السعودية الخارجية، أصبح من الضرورة إخضاع قرارات الدعم وحتى المساندة السياسية لرؤية مؤسساتية تفكر في أبعد من رد فعل أو تأثر بحدث وقتي، لتعظيم الأهداف «الوطنية» المتحققة والمرجوة منها، كما أن من الأهمية بمكان العمل المستمر على إعادة النظر في قرارات من هذا النوع بصورة مرحلية، للتأكد من عدم انحرافها عن الأهداف أو تكسب البعض منها من تجار ودكاكين السياسة، ولو تبصرنا قليلاً لرأينا أن السعودية تدفع الآن ثمن دعم سابق قدمته في اليمن ولبنان، وحتى في سورية.
لقد كانت المساعدات طوال عهدها مثار تساؤلات من ناحية الجدوى الوطنية والأثر المتحقق هناك، وفي الغالب لأنها تمت من خلال أفراد هم حكام لأنظمة بدلوا تحالفاتهم وأظهروا غير ما يبطنون، ولو كانت من خلال مؤسسات وطنية داخلية لديها الرؤية والتتبع لمسار هذه المساعدات وتبدل السياسات لكانت الجدوى منها أكثر احتمالاً.
في السياسة لا مجال لتوقع حسن النوايا، خصوصاً والصراع مع عدو يخطط بهدوء منذ عقود لتأسيس بنية تحتية لأحزاب يديرها من طهران، وقد وجد -أو في واقع الأمر- أوجدت له قوى عظمى الفرصة المناسبة للانقضاض.
February 20, 2016
تضارب المصالح
قال وزير الصحة م/ خالد الفالح إن الوزارة «لن تسمح لأحد من ضعاف الأنفس بأن يقوّض الجهد والعرق الذي يبذله آلاف العاملين المخلصين في وزارة الصحة، ويشوّه تلك الصورة الرائعة التي ترسمها جهودهم الخيرة».
وهذا كلام دقيق، ولكن تحقيقه يحتاج إلى مجهود شاق، والمشكلة أن أغلب الوزارات والهيئات سمحت لأفراد أو عشرات من الأفراد أن يشوّهوا الصورة «الرائعة» بحسب الوزير، وحينما تقوم جهات حكومية بالتعامل بحدة من خلال ردود على «نزاهة» وبشكل من أشكال الاحتجاج فهي في واقع الأمر وبالنتيجة تساهم في تشويه صورة بقية العاملين، والصورة العامة لدى المتلقي أن كل مسؤول في جهاز يحاول جاهداً الدفاع عن «سمعة» جهاز يشرف عليه حتى ولو كان في هذا الدفاع المطلق والمرسل حجب لحقيقة أو «ستر» لمكشوف. هذا لا شك يزيد من تشويه الصورة.
وفي جانب النزاهة والمكافحة يلمس المتابع أن هيئة «نزاهة» تتقصى وتدهم والأجهزة تدافع، وكأنها ليست أجهزة في دولة واحدة تعمل لتحقيق هدف واحد. وفي كلمة الوزير قال إن من محاور استراتيجية الوزارة في مكافحة الفساد «الوقاية من خلال التوعية بمجالات تضارب المصالح والممارسات المنافية للأمانة».
و«تضارب المصالح» واحد من أكبر الآفات والسوس التي تنخر في الإدارة الحكومية إجمالاً، وللصحة نصيب وافر، ولا يمكن مكافحة ذلك بالتوعية، فهي ممارسات يعلم طالب الابتدائي أنها منافية للأمانة وللأخلاق. ومن الظلم لمن حصل على شهادة طبية القول إنه بحاجة للتوعية بأن تلك الممارسات منافية للأمانة! وهو قد «حمل» أمانة مهنة الطب أو الصيدلة أو إدارتهما.
إن مهمة الوزارة في تقديري هي فصل العلاقة الشائنة والمشوّهة التي تجذّرت وترسخت بين الطب والتجارة، التربح من المرضى سواء من مشافٍ أو أطباء وصيادلة. ومندوبو شركات الأدوية محلية وأجنبية تجدهم بحقائبهم ينتظرون أمام عيادات الأطباء، أو في مكتب المدير.
وأصبح من مهمات الطاقم الطبي في المشافي الصغيرة والكبيرة إلا ما رحم ربي أن يستحلب المريض بتمريره من دون حاجة طبية لتشغيل أقسام الأشعة والتحاليل مع صرف أكبر كمية من الأدوية «المحددة»، وإذا كان لدى المريض تأمين فيقال له إنه لن يخسر شيئاً، في حين أن صحته وسلامته تستخدم «دون ضمير» للإثراء غير المشروع والمنافي للأمانة الطبية وحتى الإنسانية.
عبدالعزيز السويد's Blog
- عبدالعزيز السويد's profile
- 2 followers

