عبدالعزيز السويد's Blog, page 61
April 5, 2016
«ساما» ومصير التوطين في المصارف
كان قطاع المصارف السعودية يتصدر القطاعات في نسبة توطين الوظائف، استمر على هذه الحال فترة لا بأس بها وحصد جوائز السعودة، ثم ظهرت توجهات في القطاع للاستعانة بشركات توظيف، التعاقد مع شركة تجلب موظفين في وظائف معينة، تحصل الشركة على مبلغ معين تعطي جزءاً منه للموظف. تطور الأمر بعد ذلك إلى موجة من توظيف الأجانب خصوصاً الآسيويين في مراكز مفصلية، ومنذ سنوات لا حديث لموظفي المصارف إلا عن إحلال غير معلن، يتم فيه توظيف آسيويين وأحياناً غيرهم من جنسيات أخرى محل سعوديين. وفي 9 شباط (فبراير) من هذا العام نشرت صحيفة «سبق» الإلكترونية تقريراً لها بعنوان «رحلة صعود تي بوي البنك… من 350 ريالاً إلى 100 ألف شهرياً… لغز «عدو السعوديين»، عرضت فيه باستفاضة نموذجاً للإمساك بقرار التوظيف والتسريح في المصارف، من خلال موظف آسيوي ترقى من عامل قهوة إلى ما هو أكبر من مدير شؤون موظفين، بتفاصيل مثيرة تصل إلى المزايا.
في تقرير الصحيفة إشارة إلى عدم اهتمام أو عجز مؤسسة النقد عن فعل شيء! هذا العجز في ما يبدو أدى إلى تقوية مراكز فئة الموظفين من عينة المذكور، مصداقاً للمثل الشهير «قال من أمرك قال من نهاك».
وتشير المعلومات الحديثة إلى أن قوائم الموظفين السعوديين الذين يعتزم البنك العربي الوطني الاستغناء عنهم في ازدياد يتوقع أنهم لن يقلوا هذا العام عن 300 موظف وهو رقم كبير ويعني 300 أسرة، المضحك في هذه القضية وربما منها في مصارف أخرى ما يشابه، أنه حينما يصدر قرار بالاستغناء عن موظف آسيوي أو غير سعودي يتم إيجاد مداخل أخرى له ليعود إلى وظيفة أخرى وفق ما ذكر لي بعض المطلعين.
والمصارف تعمل بأموال المودعين، وهي في الغالبية العظمى أموال مواطنين، وتحصل الإدارة العليا على منافع ومميزات كثيرة تدفع بعضهم «للمشي جنب الساس»، وفي المصارف ذات الشراكة السعودية الأجنبية يكون التنفيذي الكبير من الشريك الأجنبي. مررنا قبل سنوات طويلة بحالات كثيرة كان التنفيذي الكبير يعمل على راحته مطلق اليدين ما دام مجلس الإدارة راضياً عنه، وخصوصاً أن الضرر لم ينلهم منه نصيب.
والسؤال لمؤسسة النقد (ساما) هل تعي الأثر الخطر لأن يمسك فرد أو عدد محدود من الأفراد الأجانب بمفاصل قرارات التوظيف والاستغناء على هواهم ومن دون فحص وتدخل ومتابعة منها؟ وما دورها في حماية الموظفين المواطنين؟ ثم لماذا لا تتدخل وزارة العمل التي لاحقت منشآت صغيرة بسيطة حتى أقفلت أبوابها لأجل التوطين؟ ما يحدث أنه في مقابل إنشاء جهاز لتوليد الوظائف على مستوى الدولة اهتماماً بمواجهة البطالة يتم العمل الدؤوب لإضافة مواطنين منتجين لدائرة البطالة، فقط لأن الجهة المعنية لا تتحرك.
المياه.. هل سوء التطبيق متعمد؟
لا يلام الناس في شكوكهم إذا ما لمسوا ارتباكاً وعدم استعداد في تطبيق قرار مهم وحيوي يمس كل بيت؛ مثل قرار رفع تعريفة المياه، فكيف لأجهزة مثل وزارة المياه وشركة المياه بما لديهما من الموارد والطاقات والخطط أن تقعا في ورطة سوء التطبيق من التهيئة لصدور الفاتورة؟!
هل هي جباية أم ترشيد وخفض كلفة إنتاج وإيصال الماء إلى المستهلك؟ الناس يتساءلون، ولديهم كل الحق في ذلك!
مررنا بتجارب عدة من سوء تطبيق قرارات وبرامج، بما يفترض فيه أننا تعلمنا، وبكلمات أكثر دقة؛ إن الأجهزة الحكومية تعلمت ووعت الدروس، تجهزت واستعدت وهيأت الرأي العام، وقامت، قبل وليس بعد، بإيجاد حلول لكل ما يعرقل التطبيق العادل! لذلك يحق للناس الاستغراب والشكوك؛ لماذا يتكرر حدوث ذلك؟!
وزير المياه اشتكى من أنهم منذ 10 سنوات يقومون بحملات ترشيد من دون أن تلقى تجاوباً، وهذا كلام غير دقيق من متابع لهذا الشأن، فأول ما بدأت حملة الترشيد صحيح أنها كانت قوية ومؤثرة، لكنها بدأت تضعف من سنوات حتى تلاشت، وإذا أردنا أخذ دليل ملموس قائم حالياً؛ فإن أدوات الترشيد التي توصي بها الوزارة غير موجودة إلا في مقرها الرئيس بالرياض فقط! وهذا يضع الإصبع على جدية واحترافية حملة الترشيد وديمومتها، بل الأدق؛ على الاهتمام بها لتحقق أهدافها.
وفي رأيي المتواضع أن الغرض من رفع رسوم أو تعريفة المياه يراد به تحقيق أهداف عدة، أولها خفض كلفة إنتاج وتوفير المياه على الحكومة، بحيث يشارك فيها المستهلك بحصة أكبر، ويأتي الترشيد ثانياً، ولا خلاف في ذلك، المشكلة في تحميل المواطن أو المستهلك ما لا علاقة له به، مثل أن يصور على أنه مستهلك بمعدلات عالية، من دون توضيح شفاف لكيفية استخراج هذا المعدل، وهل هو المسؤول الوحيد عنه فعلاً؟
إن خطوات التطبيق الجيدة والمفيدة لقرار حيوي مثل هذا لا تخفى على كثير منا، حتى إنها لا تحتاج إلى طرحها ولا إلى مكتب استشاري عالمي أو غيره، فيمكن تحقيق كل الأهداف، التي دفعت إلى تعديل أو رفع تعريفة المياه، بحسن تطبيق القرار قبل وليس بعد، فالمسكنات لا تحقق نتيجة طويلة الأمد.
تشوهات المواليد
واحد من كل 24 مولوداً في السعودية يولد بتشوهات ولادية، بينما النسبة عالمياً 1 لكل 33 مولوداً. والفرق يشير إلى خلل كبير يجب علاجه. والتشوهات الولادية تعني بمسمى آخر التشوهات الخلقية، والأمراض الوراثية تصيب الأطفال، وتسبب إعاقات عقلية وجسدية تؤثر في حياة الطفل، ويمتد التأثير لأسرته بضغوط متنوعة، والأرقام من دراسة عملت عليها استشارية أمراض الأطفال والوراثة الدكتورة أمل الهاشم ضمن فريق ترأسه الدكتور أحمد كردي في مدينة الأمير سلطان العسكرية الطبية بتمويل من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
وعلى مدى ثلاثة أعوام، تمت خلالها متابعة 30 ألف حالة ولادة، كانت النتيجة 4 في المئة مقارنة بـ2 عالمياً.
وتشير الدراسة إلى أن عدد الولادات في السعودية 600 ألف ولادة سنوياً، ما يعني ولادة 24 ألف مولود بتشوهات ولادية، هذا غير أطفال أمراض الدم الوراثية، ما يعني زيادة عدد المواليد المصابين بأمراض تعوق حياتهم، وتؤثر سلباً في حياة واستقرار أسرهم.
وخلصت الدراسة إلى أن معدل زواج الأقارب البالغ 48 في المئة يمثل سبباً مهماً لهذه النسبة الكبيرة.
ما هو الحل؟
قبل إيراد الحل المقترح، لا بد من الإشارة إلى أن بعض الأسر تعيش حالاً من الألم والمعاناة لديها حالات متعددة من المواليد المتوفين، منها أسرة توفي لها سبعة مواليد في أعمار مختلفة جراء التشوهات الولادية، و30 أسرة تعاني من فشل الكبد، بعضهم يتوفى أطفالهم في السنوات المبكرة والبعض الآخر تتم له زراعة كبد.
تطرح الدراسة حلولاً لهذه القضية المهمة، تبدأ بإنجاز سجل وطني للتشوهات الخلقية أو الولادية، دولة مثل كوستاريكا أنجزت مثل هذا السجل منذ 30 عاماً، والمثير أنه قدم لوزارة الصحة مشروع لإنجاز هذا، ولم يتم البت فيه حتى الآن! أيضاً تفعيل الفحص قبل الزواج للأسر التي تعاني من الأمراض الوراثية، مع التوعية، والأخيرة تحتاج إلى أرقام وإحصاءات لمعرفة المناطق، حتى تكون للتوعية ثمرة وفائدة.
تنقل الدكتور أمل الهاشم ندم أزواج على عدم الفحص الصحيح قبل الزواج أو الاهتمام الجاد بالنتائج، والتحوط لما يمكن أن يحدث هو من الأخذ بالأسباب. أتمنى من وزارة الصحة سرعة إنجاز السجل، وتكثيف التوعية في المجتمع، خصوصاً في المواقع الجغرافية الأكثر إصابة حول أخطار عدم الفحص قبل الزواج، خصوصاً بين الأقارب، الشروط الاجتماعية التي تقيد البعض يدفع ثمنها أطفال وأسرهم، وأيضاً الاهتمام من وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية بالأسر التي تعاني، ولمدينة العلوم والتقنية الشكر على تمويل الدراسة.
April 2, 2016
ضد الاستفزاز
وقعنا بين فكي استفزازين اثنين، واحد رسمي والثاني إعلامي، صادر ووارد ، و«المعاملة» عالقة!
وهذه مشكلة كبيرة ومؤسفة تعطي دلالة على مستوى الحوار حول قضايا الشأن العام، وحقيقة فائدة مثل هذا الحوار أو النقاش.
فإذا كان المسؤول لا يدرك أثر تصريحات له ولا يزنها كما يجب متوقعاً ومتجهزاً لردود فعلها، فلا يعني هذا أن ينساق زملاء إعلاميون في لقاءات مباشرة أو غير مباشرة إلى الرد بالمثل أو أشد.
لا علاقة للإعلام بالهواش وانتقاء سليط العبارات ولا برفع الصوت واستغلال إدارة المكان للتنفيس عن شحنات سلبية عامة، إن مثل هذا الاستغلال لا يختلف عن استغلال المسؤول لحصانة موقعه لينأى بنفسه عن من يخدمهم بحجة أنهم وأنهم.
وقد تعتري البعض منا حالة عصبية و«نرفزية» مما يحدث من أثر قرارات بداية من عدم التهيئة الجيدة إعلامياً وفنياً إلى سوء تطبيق لها مع إصرار «مثير» على أن الخطأ برمته من هناك! لكن لا يجب أن نقع في ما وقع فيه من نلاحظ وننتقد أسلوب عمله، وإلا بماذا نختلف عنه.
ليس في هذا ادعاء مثالية بل محاولة للفرملة ونقطة نظام تستهدف التصويب لئلا تكثر البالونات الفارغة، وكل منا يمكن أن يقع في خطأ لكن من المستفز أن يستمرئ هذا الخطأ ليصبح أسلوباً أو يحاول بناء برج شاهق عليه.
«الهواش» والتلاسن ليس من الإعلام، وليس من الإعلام أيضاً استعراض العضلات برفع الصوت وحدة الكلمات، من البديهي أن هذا ليس من الذوق أيضاً. هناك وسائل عدة للإثارة والشد والجذب بثراء المحتوى والتجهيز الجيد.
ما الفرق بين هذا وما يحدث من صراعات على وسائل التواصل الاجتماعي بين أفراد وتيارات وصلت إلى حد استخدام كل مخزون العبارات المسيئة لتصل إلى اتهامات في العقيدة والوطنية، وما الفرق بين هذا وما يحدث في برامج «المهاوشات» الرياضية.
وكما أن الواحد منا لا يرضى الإساءة لإعلامي يعمل في أي وسيلة، من باب العدل والتوازن ألا نرضى أن يكون الإعلام ساحة للإساءة سواءً لمسؤول أم غيره. تعمدت عدم ذكر أسماء لئلا أفهم خطأ، ولأن الهدف أبعد، فالقصد التحوط من تشكل موجات على الشاكلة نفسها، وإذا كنا نرى في الإعلام جسداً ضخماً مع عدم فاعلية منتظرة فإن الأكثر استفزازاً أن نراه يكاد ينساق إلى ما يحدث في وسائل تواصل من تراشق غير مسؤول، وبدلاً من تقديم نموذج أفضل لها يحاكيها وينافسها تدحرجاً في منحدر.
March 30, 2016
كله منك يا لاغارد
طرحت بالأمس سؤالاً بقصد الاجتهاد للإجابة عليه اليوم، وهو كيف ستخرج «المياه» شركة ووزارة من هذه الورطة؟ ثم استخرت حين تأملت ردود فعل الوزارة والشركة في وسائل الإعلام على انزعاج مواطنين من ارتفاع فواتير المياه، لم اكتف بذلك بل استمعت إلى آراء بعض الزملاء من الكتاب بعد لقائهم بوزير المياه، من هذا وذاك اتضح لي أن الوزارة وضمنها الشركة لا تبحثان عن حلول بقدر الإصرار على إعلان تبريرات وتأكيدات على مسؤولية المستهلك 100 في المئة.
من هنا محاولة طرح حلول هو مثل الحرث في الماء، والآن أصبح سعر الماء مرتفع!
أعود إلى أساس قضية رفع الدعم وإلى التذكير بخطر تطبيق نصائح جهات دولية على علاتها ومن دون فحص دقيق لتداعياتها المستقبلية.
حين وفدت مديرة صندوق النقد الدولي كرسيتن لاغارد إلى الرياض عام 2012 مثل ساحرة تمتطي طائرة فخمة، قالت بصريح العبارة: «إن التعامل مع أسعار الطاقة محلياً هو الطريق الذي يمكن للسعودية أن تلجأ إليه للسيطرة على حجم الاستهلاك الداخلي من الطاقة، مع الحرص أن تتم إعادة هيكلة برامج الدعم، بحيث لا يستفيد منها أصحاب الدخول الثابتة، أو الأشخاص والجهات الذين هم ليسوا بالفعل بحاجة».
لا علاقة لهذه السيدة ومن تمثله من جهات دولية معروفة التوجهات بما سيحدث من نتائج، لديهم خططاً جاهزة يعيدون الحث على تطبيقها في كل دولة يرسمون عليها، لذلك من المهم بمكان فحص هذه التوجهات الاقتصادية ومعرفة آثارها الاجتماعية والأمنية والسياسية على المدى المتوسط والبعيد. لا أستبعد أن نقرأ قريباً تصريحات لها أو لزملائها في صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي ترحب وتمتدح قرارات رفع الدعم، وربما يشاد من خلالها بأداء الاقتصاد! وهو ما سبق وقيل عن اقتصادات عربية وغير عربية أخرى، مرت عليها الوصفات الدولية الجاهزة وأثمرت علقماً مراً.
في يقني أن غالبية المواطنين سيقومون بالمساعدة والمشاركة في أي عمل أو إجراء يحقق المصلحة العامة، لأنها في نهاية الأمر ستنعكس عليهم، سواءً كانت هذه البرامج في وقت فوائض مالية أم عجوزات. إنما سيعتمد القبول والتعاون والتفهم على منهجية التطبيق، توازنه مع الاستعداد الحقيقي لتطبيقه، الاستعداد الذي لا يعتمد الاستنساخ وعند حدوث أخطاء التجارب يلقى باللوم على المواطن.
March 29, 2016
التطبيق من داخل الصندوق
لا أقصد صندوق الطرد، السيفون – أعزكم الله – الذي وضع في الواجهة بعد تصريح وزير المياه، بل صندوق الفكر الإداري الحكومي وشبه الحكومي.
للعلم وللأمانة وزارة المياه التفتت للسيفون في حملة الترشيد طيبة الذكر وقامت بتوفير عدد من الأدوات منها كيس بلاستيكي يملأ بالماء ويوضع داخل صندوق الطرد، موفراً بعض الماء. ما فات على الوزارة والشركة هو البعد الزمني والمكاني، هذا «الفائت» يعطيك صورة عن الأجهزة «النائية»… اقرأ معي:
«الأدوات المرشدة لاستهلاك المياه موجودة بمعرض بيع أدوات الترشيد بمقر الوزارة امتداد طريق الملك فهد مقابل أسواق العويس».
كانت هذه إجابة وزارة المياه والكهرباء في «تويتر» على سؤال عن توافر أدوات الترشيد، والجواب هذا يخبر عن الكثير، إنه لا يخبر عن التفكير داخل الصندوق بل عن التطبيق من داخل الصندوق.
ما فات على الوزارة الأثر السلبي لطول المدة الزمنية ما بين ذروة حملة الترغيب باستخدام أدوات الترشيد وتطبيق التعرفة وهي مدة طويلة، يضاف إلى هذا أن الوزارة ومنذ إنشاء شركة المياه ضعفت توعوياً من حيث الكم والكيف إلى حد مستغرب. أدوات الترشيد غير موجودة إلا في مقر الوزارة، حسب ما جاء في التغريدة، هذا يذكرني بعذر دائم يستخدمه وزراء للرد على شكاوى حول نقص خدمة أو ضعفها، نرد بمثله على وزارة المياه «المملكة مترامية الأطراف!».
من الواضح الجلي أن الوزارة والشركة لم تكونا على استعداد حقيقي لتطبيق التعرفة المرتفعة، لا من حيث تهيئة الجمهور في مختلف الجوانب «أدوات الترشيد، وقراءة العدادات وفصل بعضها عن البعض، إلى آخره»، وهو أمر يستغرب الواحد حدوثه في شركة أو وزارة لو قرأت ديباجاتها في رسالتها ورؤيتها لجحظت عيناك. نستغرب النتيجة من دون حاجة لمكتب أو شركة استشارية أجنبية فرنسية أو موزنبيقية.
التفسير الوحيد لما حدث ويحدث هو العزلة المركّبة، هناك عزلة بين من يطبق ومن يطبق عليه، وعزلة داخل العزلة الأولى بين من يطبق وأدوات تطبيقه.
العزلة ليست في التواصل بل في معرفة وإدراك الوضع العام بتفاصيله الدقيقة والتجهيز للتعامل معه وفق ظروفه حتى يتحقق أكبر الفوائد مع أقل الأضرار. والسؤال كيف ستخرج «المياه» من هذه الورطة؟، سأحاول الإجابة في مقالة أخرى.
March 28, 2016
إحساس الآلات
بعد عمر طويل من صناعة المركبات والتفنن في أشكالها وأحجامها، ابتكر المخترع في العالم الأول «شعوراً» لهذه المركبات، حساسات مرهفة لها، إنها تنبه السائق إلى تجاوز منه أو عليه، ضمن حيّز مكاني محدد، أصبحت للمركبات قرون استشعار مع الحساسات هناك كاميرات أيضاً، ترى ولا ترى إن لم يكن السائق يرى، لكن هذه «الحواس» التي ابتكرها مخترع العالم الأول أدت إلى نتيجة عكسية لدى المستهلك في العالم الثالث، بدلاً من أن تحدث لديه طفرة «حواس» وفائضاً في الإحساس وشعوراً بمن حوله، تآكل إحساسه وبدأ يفقد حساسيته اعتماداً على إحساس الآلة.
من قديم كتب المفكرون عن تشابه بين الحيوان والإنسان، وأخذوا يعددون أوصافاً وخصالاً أخذها الأخير من الأول، من سمات الشخصيات إلى حالات الانفعال، الآن يمكن القول إن الإنسان أيضاً، وخصوصاً في دول العالم المتأخر أو المستهلك لمنتجات العالم المتقدم، أخذ من الآلة برودها «وجفاستها» وربما حاجة بطاريتها إلى الشحن، استعاض بحواسها عن حواسه لتموت قرون استشعاره ورهافة حسه، شعوره بالآخرين القابعين في الجهاز أكثر من درايته بمن حوله، الصوت أو الحرف الهاطل من الجهاز أشد سطوعاً من الحاضر بجسده وروحه، لذلك ربما لاحظت معي أن هناك معالم ظاهرة سلبية تشبه الموجة، سبق لي الكتابة عنها، وازديادها حتّم إعادة الكتابة، أراها غمامة غبار تنتفخ، يمكن لي أن أطلق عليها القابلية «للاستدباش»، مع أن «الدباشة» مستنكرة، إلا أن مؤشراتها تراجع كبير في الإحساس بحقوق وحضور الآخرين.. بوجودهم، تجاوز الأمر قيادة السيارات الذي نعلمه، بل تم البناء عليه في الأماكن العامة من دون سيارات، وسط الغادين والرائحين «والمهجولين» على أرجلهم، إنك تلاحظ تلك القابلية في الأسواق، وأمام أبواب المصاعد، وعند أبواب الخروج والدخول بشكل عام، ومثلما أخذ السائق من المركبة قسوتها وسرعتها واستخدمها في «تواصله» مع الآخرين، أخذ الماشي من الأجهزة عزلتها وتبلّدها، وحين تكون هي داخل النطاق يصبح هو خارجه.
March 27, 2016
كيف نقضي على التستر؟
في المنشور من الأخبار والتصريحات الرسمية ما يؤكد توجهاً أكثر جدية من ذي قبل لمكافحة التستر التجاري، نتمنى ذلك. صدرت أنظمة بقرارات من السلطات العليا لهذا الغرض آخرها صدر قبل 12 عاماً، إنما من دون تنفيذ فعال، لماذا؟ سؤال صغير لا تعرف إجابة شافية له.
تمكن التستر من الاقتصاد والشعب وأصبح هناك ما يمكن وصفه بالتغاضي، ما دامت الأوراق جيدة فكل معاملة يمكن إتمامها، وهناك سبل وطرق لتحقيق ذلك، قبل سنوات طويلة أتذكر موظفاً في أحد البنوك كان يستغرب من عامل بسيط تحويلات أسبوعية بمبالغ كبيرة، في تلك الفترة لا أحد يهتم، سواء كتب عن القضية أم أبلغ عنها.
طول مدة التغاضي تلك جعلت من التستر نشاطاً عادياً في العديد من النشاطات التجارية، الغالبية تعلم، مع اتفاق يشبه العرف على الصمت. حتى إن من لم يدخل في دائرة التستر من المواطنين للاستفادة، كان مثل القابض على الجمر، وحينما يرفض ما يعرض عليه يشار إليه بالغباء.
هل يمكن استئصال التستر التجاري؟
لا شك في أن المهمة صعبة. مواجهة ظاهرة ترسخت وتجذرت وعلاقات تعمقت بين أطراف التستر مع فهم لطبيعة وأسلوب الرقابة الحكومية واستيعابها من المتستر والمتستر عليه يصعّب المهمة، والملاحقة باصطياد بلاغ أو شيك من دون رصيد كما أعلنت وزارة التجارة أخيراً في واحدة من قضايا التستر المنكشفة لن يحقق الهدف كما ينتظر، لذلك ربما لو فكرت وزارة التجارة في حلول أخرى مصاحبة، خصوصاً أن لدى المتستر عليهم أموالاً وخبرات، وحتى المقيمين الآخرين، فهل يمكن التفكير في فتح أبواب لهذه الأموال لتستثمر في الداخل بشكل نظامي، بما يحقق الفائدة القصوى من تشغيلها توظيفاً وقيمة.
ثم إن أخبار قضايا التستر المعلنة من الوزارة حتى الآن لا تمس سوى صغار المتسترين، لم نر إلا مؤسسات صغيرة ومحال بيع، فهل التستر التجاري محصور في الشرائح الصغيرة من الأعمال التجارية فقط لا غير؟ أم إن هناك تستراً نخبوياً لم يمس.
عاصفة لإعادة الأمل!
أين كنا وأين أصبحنا؟ قبل ما يزيد على العام كان العرب في حال ذهول مما يحدث. قفز المشهد من تظاهرات «ربيع عربي» في اليمن وتسليم وتسلم سلطة من صالح إلى هادي ومبادرة خليجية لا تشبه إلا هدية ثمينة لمن لا يستحق.
تطورت الأحداث إلى احتلال إيراني ممنهج رأس حربته جماعة مسلحة صغيرة طائفية ترفع صور خامنئي والشعارات المزيفة نفسها، الموت لأميركا الموت لإسرائيل.
تكمن قوة التقدم السريع لحشد طائفي صغير في الخيانات المرتبة من ضباط في جيش علي عبدالله صالح. تهاوت الألوية العسكرية، تساقطت معسكرات مدججة بالأسلحة والصواريخ، وكان صالح -غير الظاهر في الصورة- ممسكاً بمقود القطار.
مع كل تقدم يسقط ضحايا ويتم استئصال ضباط وطنيين يمنيين، إما بالقتل أو الخطف. حرصت عناصر ميليشيات الحوثي على نشر صور الانتصارات حتى داخل غرف نوم قيادات عسكرية أو سياسية يمنية، في صورة عفنة أبعد ما تكون عن مروءة العربي، تخبر عن الانحدار الأخلاقي لفكر الجماعة، كان الإذلال هدفاً للمتحالفَين الحوثي وصالح. حوصر الرئيس الشرعي في قصره وقتل بعض أقاربه وحراسه، لتبدأ وساطات… في كل مرحلة عسكرية أو سياسية تكون الوساطات فرصاً للتمكين، يدخل على هذا الخط المبعوث الأممي، يتغير الاسم ويبقى على خط السير نفسه.
سقطت صنعاء ليعلَن النصر من طهران. ثم بدأت خطابات التهديد والوعيد، سبابة الحوثي رفعت مع كل ظهور تلفزيوني، أزبدت وأرعدت، وتوعدت وصولاً إلى مكة المكرمة.
من إهمال «دماج» إلى الخيانات في «عمران» وصنعاء، كان التعفن السياسي في اليمن سبباً في نجاح الحوثي بتحقيق انتصار صداه تردد في طهران وضاحية بيروت الشهيرة بالميليشيات.
يجب أن نتذكر تلك الأيام، حال الهوان العربي والشعور بالهزيمة مع تصريحات سياسية إيرانية أعلنت بوقاحة سيطرة طهران على عواصم عربية، هوان مع تشظٍّ وحروب وصراعات سياسية داخلية. من رحم هذا الوضع، ذاك الذهول، تولدت قوة. إن من يستعيد الذاكرة لا يمكن إلا أن ينظر بعين الإعجاب إلى ذلك الجهد المتواصل والدؤوب الذي عمل عليه وقاده الملك سلمان بن عبدالعزيز والقيادة السياسية السعودية. زخم سياسي كبير شهدته الرياض وترتيبات مع دول شقيقة وصديقة وحضور في المحافل الدولية نجح في استصدار قرارات دولية مهمة وضرورية لإعادة اليمن إلى شعبه، لتبدأ عاصفة الحزم تفاجئ الجميع لتعيد الأمل.
March 25, 2016
عن السعادة وأصحابها
معظم موظفي الحكومة حرروا في يوم ما خطاباً إلى «صاحب السعادة»، وأصحابها كثر، بعضهم باقٍ يرفل بنعيمها وبعض آخر خرج منها، وفي الاحتفالات يحرص من يتصدر المنبر متحدثاً ومرحباً بالحضور، أن يشير إلى أصحاب السعادة حتى تكتمل الأخيرة في ما يبدو.
في السلم البيروقراطي أصحاب السعادة هم كبار الموظفين ممن دون مرتبة الوزير إلى المدير العام، أحياناً تصل «صحوبية» السعادة إلى رئيس قسم بحسب حاجة مدبّج الخطاب.
في الخطابات تقلّص استخدام «صاحب السعادة» إلى «سعادة» لأنها بفعل الزمن كما يتوقع أصبحت حالة ملازمة، لذلك يمكن القول إن متلازمة السعادة الشعبية ارتبطت بالوظيفة الحكومية وبالحكومة. من هنا وعينا أن السعادة «المستمرة» لها أصحاب وموثّقة بخطابات رسمية، أقلّها في الوظيفة، ما فوق أصحاب السعادة وظيفياً مرّوا سابقاً عليها، أخذوا نصيبهم منها ويتطلعون إلى الأمام، وهو ما يشير إلى أن حالة السعادة غير مستمرة، ربما هناك حالة أعلى منها، هناك سعيد وهناك من هو أسعد.
هل تستطيع الحكومة أن تجعل الشعب الذي تحكمه وتدير شؤونه سعيداً؟ الجواب طبعاً بـ«لا ولكن»! أما سبب نفي القدرة على ذلك فهو موجود في تلافيف السعادة نفسها في خاصيتها، حال نفسية شعورية غير مستمرة تهبط على النفس وتغشاها ثم تقلع تاركة ذكرى فيها شيء من طعمها.
أما لماذا الـ«لكن» اعترضت في الإجابة عن السؤال أعلاه؟ الواقع أن الحكومة تستطيع ألا تكون مصدراً للتعاسة، والمسألة ليست صعبة التحقيق، تجتهد للتفتيش في أدراجها وأنظمتها وأساليب عملها وتعاملات موظفيها و«مواقعها» وخطابها مع الجمهور عن كل ما يجلب لهم وليس لها فقط، التعاسة أو يقرب منها، هذا وحده كافٍ لينشغل الناس أو الشعب والجمهور بما يعنيه بقضايا أخرى قد تجلب السعادة للجميع حكومة وشعباً، ربما يكتشف الفرد أن لديه القدرة على إسعاد آخرين فيصاب برذاذ السعادة.
القوائم التي تصنّف شعوب دول أنهم أكثر سعادة أو أقل ليست بعيدة عن قوائم الأكثر تأثيراً وشهرة وطولاً وقصراً، ولأن السعادة كما تعلم حال موقتة كما اتفقنا، هناك ما هو أهم منها، مثل شجرة توفّر لها المكان لبناء العش والاستقرار وهي السكينة والطمأنينة.
عبدالعزيز السويد's Blog
- عبدالعزيز السويد's profile
- 2 followers

