عبدالعزيز السويد's Blog, page 52
July 19, 2016
الثور المظلوم
في القصة الشهيرة عن الأسد والثيران الثلاثة، الأبيض والأسود والأحمر، والتي تحلو استعادتها كلما أحدقت بالعرب أوضاع سيئة متردية، ليضرب المثل: «أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبيض»، استطاع الأسد إقناع الأكثرية «الأسود والأحمر» بعدم استهدافه لهما، لينفرد بالأبيض ثم يلتهمه!
نجح في شق الصف، لكن الراوي أو القاص لم يخبرنا عن أحوال الثور الأبيض، ولماذا وقف الثوران الأحمر والأسود ضد رفيقهما، هل كانت هناك خلافات؟ وما نوعها؟ فهل كان الأبيض سيئاً في تعامله، ربما مغروراً مستبداً يستأثر بالأعشاب والظلال، أم أن هناك غيرة من الثورين الآخرَين تجاهه لسبب مجهول؟
تعيد القصة – مثل قصص وعظية كثيرة – أهمية الوحدة والاتحاد ضد الأخطار المحدقة، وهي شبيهة بقصة الأب مع بنيه حين أوصاهم بالاتحاد، ليثبت لهم أن الاجتماع وعدم الفرقة هو السبيل الوحيد لمواجهة الأعداء.
لكن في قصة الثيران الثلاثة فجوة عن سبب موافقة الثورين، على رغم أنهما سيصبحان أضعف إذا ما أُكِلَ الثور الأبيض، ولسد هذه الفجوة في القصة، حتى تكون أكثر منطقية وتحقق الهدف المرجو من خلاصتها، أي ليبلغ المثل الشهير مخيخ المتلقي، لأن الهدف من القصة هو العبرة من النتائج، وهي لا تتحقق من دون دخول في التفاصيل، فالشيطان يمكن فيها كما يقال وهو الواقع، أما الوحدة والاتحاد فهي من المتفق عليه والمسلم به، حتى لدى كل من لا يجمعهم ما يجمع الثيران من صفات ومصالح.
لذلك يخيل إليّ أن هناك دوراً غامضاً لشخصية خامسة جرى استبعادها من القصة، ولكنها محورية، وربما خلف الكواليس، دور لمستشار، أقرب ما يكون هو الحمار. كانت الثيران الثلاثة تعتمد عليه في التعامل مع قضاياها، وهذا الحمار هو الذي قدم النصيحة للثورين الأسود والأحمر، ومن غير المستبعد أن يكون الأسد قام بتوظيف هذا الحمار وغرسه وسط الثيران الثلاثة، لتحقيق هدف الوفرة الغذائية له، ولا بد أن للحمار أيضاً هدفاً أو أهدافاً، ربما يتحقق له عصفوران بحجر واحد، السلامة الموقتة من الأسد، والاستئثار بالمرعى الأخضر.
July 18, 2016
التطرّف السريع
لا نبحث سوى عن شيء من التعقل والتوازن، للفصل بين شعار «الحرب على الإرهاب» المعلن، في مقابل واقع استغلاله سياسياً وعسكرياً لأهداف أخرى، بما يتضمن ذلك من تقوية شوكته بأساليب مختلفة وتضخيم قدراته إعلامياً، ثم «استثماره» لتحطيم دول وتهجير شعوب من أراضيها واستبدالها بشعوب أخرى.
نعم هناك إرهابيون من المسلمين ومن غيرهم أيضاً، كما أن هناك إرهاب دول وحكومات.
لم ينتخب المسلمون أياً من الإرهابيين الذين فجروا أو قتلوا، بل إن الغالبية العظمى والساحقة من المسلمين نبذتهم، ولاحقتهم حكومات دول عربية وإسلامية.
لكن الحكومات في واشنطن ولنــدن تم انتخابها من مواطنين هناك، وعــلى رغم بشاعة ما اقتــرفته واشنــطن ولــندن في العراق وأفغانستان، والكم الضخم من المدنيين القتلى بالـــطائرات بطيار ومن دون طيــــار في البلـــدين وغيــرهما، واســتخدام أحدث الأسلحة، لم يصف أحد مواطناً أميركاً أو بريطانياً بأنه إرهابي. والسياسيون مـــنهم الذين أشعلوا النيران في المنطقة العربية والإسلامية، وعلى رغم تعاقب حكومات جديدة في بلادهم، لم يحــاكموا أو يتم وصــفهم بالإرهاب. إن أقصى ما قيل بحقهم تمحور حول «أخطاء» تخص مصالح دولهم فقط!
ومنذ أن حرص الإعلام الغربي وتابعوه من قنوات إعلامية عربية على وصف تنظيم داعش بـ «الدولة الإسلامية» والتسويق الواضح للعيان يستهدف تضخيم صورته، مع بث إعلامي مبرمج للفظائع التي يرتكبها من قطع الرؤوس والحرق والقتل، كان من البيّن الجهد المبذول لترسيخ صورة ذهنية لوحش ضخم تكفل التبرير لما بعدها مستقبلاً.
وزير الداخلية الفرنسي، مع ضغوط عليه بعد فشل الأجهزة الأمنية في منع حادثة نيس، واتهام بسوء تصرف رجال أمن لاحقوا السيارة مطلقين النار، ما دفع السائق إلى السير بسرعة أكبر وحصد مزيد من الضحايا على امتداد كيلومترين، وقع في تناقضات التبرير، أمام المعطيات الحاضرة، ما بين السجل الشخصي السلوكي للإرهابي، الذي لا يشير إلى علاقة بالدين الإسلامي ولا علاقة بتنظيم إرهابي، وفجاعة جريمة الدهس وإطلاق النار، الذي هز العالم، ليقول الوزير الفرنسي بكل بساطة: «منفذ اعتداء نيس تطرّف بسرعة على ما يبدو»!؟
July 17, 2016
توظيف السخط
استكمالاً لمقالة أمس «توظيف الإرهاب» من قبل الدول والتنظيمات، نتأمل جانباً آخر من إمكانية التوظيف بعيداً عن استغلال الفكر والعقيدة، أو على الأقل جعلها عاملاً مساعداً لهذا الاستغلال.
تبنى تنظيم داعش الإرهابي العملية الإجرامية في نيس، واصفاً سائق الشاحنة الفرنسي الجنسية من أصول تونسية بأنه «أحد جنودنا».
وعلى رغم كل المعلومات «المبثوثة» من إعلام فرنسي، التي لا تشير إلى التزام ديني بسيط لدى سائق الشاحنة المجنونة، الذي قتل وأصاب نحو 200 شخص دهساً بشاحنة مسرعة، وعدم ظهور بيان مصوّر للإرهابي يكشف عن دوافعه كما هي العادة لدى بعض إرهابي داعش والقاعدة.
وسواء صدق «داعش» أم كذب، لا بد من التأمل والتدقيق في عنصر مهم، دائماً يُغْفَل أو يتم التغافل عنه في تجنيد الإرهابيين، وهو توظيف السخط والاكتئاب وحالة الإحباط، ويمكن أن يكون السخط لأي سبب شخصي أو مجتمعي، وأصبح بالإمكان معرفة ذلك من دون حاجة إلى الحصول على ملف نفسي للمستهدف، وسائل التواصل تتيح الحصول على تقرير عن الحال النفسية بالنقاش واستمرار التواصل والرصد لشخص وحتى لفئة مهمة من مجتمع ما، ويمكن توظيف ذلك بسهولة ويسر للمحترفين في أجهزة الاستخبارات أو التنظيمات الإرهابية.
وفي ما سمي الربيع العربي، شاهدنا توظيفاً لشعارات جاذبة للفئات والمكوّنات الأعرض في المجتمعات العربية البائسة، تختص بالجانب الاقتصادي والمعيشي والحقوقي، وقد فتح ذلك النجاح عيون حتى بعض الناشطين المشاهير في وسائل الإعلام الجديد من الذين لم يعهد منهم: «تأريخياً» اهتمام بهذه الجوانب.
النجاح في الاستقطاب أسبابه معروفة من أحوال اجتماعية واقتصادية وحقوقية سيئة تعيشها شعوب عربية، حتى من المهاجرين في أوروبا وأميركا فهؤلاء صيد سهل، هناك القاعدة العريضة منهم في أدنى درجات المجتمعات الأوروبية، مع سهولة التواصل والمحادثات وبناء الصداقات من خلال وسائل الإعلام الجديد، وهذه الجزئية على رغم حيويتها وأهميتها يتم إهمالها عند الحديث عن أسباب نجاح تجنيد الإرهاب الشباب وصغار السن في الدول العربية، لأنها ربما تكشف كثيراً من نواحي الفساد والفشل في تحقيق وعود التنمية، وتحسين أحوال المعيشة، والحفاظ على الحقوق.
July 16, 2016
توظيف الإرهاب
بين الحرب على الإرهاب وتوظيف الإرهاب شعرة دقيقة، و«الخطأ» الكارثي – مقصوداً كان أم متعمداً – الذي اقترفته حكومة بوش الابن مع زمرته بمشاركة حكومة توني بلير تكاد فرنسا تقع فيه، ردود الفعل الأولية على العمليات الإجرامية يجب أن تتحلى بالفارق بين منطق العقل والدولة والسلام وبين منطق الإرهاب والانتقام، إشارة الرئيس الفرنسي في خطابه إلى الإرهاب «الإسلامي أو الإسلاموي» في أول رد فعل رسمي منه على الجريمة الإرهابية في مدينة نيس الفرنسية تصب في اتجاه الخطأ نفسه.
وإذا كان هناك من محاولة «امتصاص» سياسي داخلي «فرنسي» لما أحدثته الجريمة من صدمة ورغبة في الثأر فإن هذا لا يجب أن يكون على حساب الإسلام أو المسلمين.
كل إنسان سوي يتعاطف مع الضحايا في هذه الجرائم الإرهابية البشعة في أي مكان وقعت، ويشجب أدوات ومحركي هذه العمليات ومنطلقاتهم، ويقف ضدهم، هذا موقف ثابت.
نحن نعيش إرهاب القرن 21، لم يعد هناك مكان آمن، من المطارات إلى مواقع سياحية وطائرات مدنية، هي ومرتادوها أو مستخدموها أبعد ما تكون عن السياسة وصراعاتها. والرابط بين الجرائم الإرهابية التي ضربت مختلف بقاع العالم، وخصوصاً في الدول العربية وتركيا وفرنسا إنها اجتهدت في إحداث أكبر صدمة من زوايا استهداف طبيعة المواقع وعدد الضحايا، المدنيون هدف إرهابي وكلما كان تجمعهم أكبر وفي مناسبة محددة كانوا هدفاً ذهبياً ومطلوباً بإلحاح بالمنطق الإرهابي.
ولأن «التجنيد عن بعد» أصبح سمة للإرهاب العابر للحدود في هذا القرن واستخدام وسائل التواصل فإن ملامح التوظيف الاستخباراتي هنا احتمالات لا يمكن التغافل عنها.
ولنتأمل هذه الصورة المتخيلة، منظومة عالمية تؤجر الإرهابيين كما يتم تأجير المرتزقة، وكل إرهابي تم تجنيده أساساً واختياره بحسب الهدف «المكان والزمان والضحايا»، الذي يناسبه والمقتنع به، الذي يناسب أيضاً العميل المحتمل. والتواصل عن بعد يحقق كثيراً من النجاح في التلاعب وغسل الأدمغة، هذه المنظمة المتخيلة توظف «الإرهابي»، بحسب الطلب، ولتبقى البصمات والأدلة «الجنائية» في موقع الجريمة لا علاقة لها البتة بالأيدي المحركة والموجه إلى هذه الجريمة.
July 14, 2016
لا تصنّم
حين تكون العاطفة هي المسيطر والمسيّر من الطبيعي أن تحدث الصدمة عند أول إفاقة عقلية على واقع جديد مخالف أو معاكس حتى لحلم يقظة.
لقد قادت العاطفة الساذجة الكثيرين إلى صناعة البطل الذي ينتظرونه بالصورة التي يتأملونها، وأسهمت سخونة الأحداث والصراعات في منطقتنا العربية في تهيئة الجماهير لتصنيم الشخصيات، إذ أنها كانت المنصة التي استغلت لإحداث أكبر تأثير في الجماهير وكسب القلوب والعقول.
استلهموا تصريحات وخطابات وصوراً دعائية مصنوعة من شركات العلاقات العامة عن البطل المنتظر، تضخ لهم لتأكيد ما في وجدانهم، وجعلوا منها مبادئ راسخة لا يتم التزحزح عنها، ثم أكملوا رسم الصورة كما يرغبون فيها، وكل جزء مفقود يضيفون إليه من خيالهم ما يجعله أكثر نصاعة وجمالاً ملوناً.
ولا ينحصر الأمر في الشق السياسي وحده، على رغم أن الشأن السياسي هو المسيطر والمنصة الأولى التي يصنع من خلالها البطل المنتظر ويزداد وهجاً عند كل تعليق له على الأحداث، بل تجاوز السياسي إلى الفكري والوعظي والإعلامي الفضائي، كلما صدر عنه/ عنها ما يشبع الحاجة العاطفية العمياء.
ولا شك في أن الأثر الذي سيحدثه تغيير سياسات في المنطقة تجاه الأحداث الساخنة لدولة محورية مثل تركيا، وهي الحاضرة والمؤثرة فيها منذ بداياتها، أو غيرها من الدول بمثل هذه الحدة في تغيير المواقف، يمثل صدمة قوية لكثيرين من الذين نصبوا صورة البطل المنتظر في قلوبهم لتستولي على عقولهم وتصبح بوصلة للتعامل مع محيطهم بل البوصلة الوحيدة. والأمر لا ينحصر في تركيا التي أعلنت – بعد تولي رئيس وزراء جديد – عن تغيير في سياساتها تجاه العراق وسورية، والعامل المشترك بينها إيران، فليس من المستغرب أن نرى تغيير مواقف من دول أخرى، فهذه هي السياسة كما يقولون وإن لم يتوقع أحد الاستدارة بهذا الشكل وهذه الصورة المفاجئة. والمشكلة ليست هنا لو انحصرت في «السياسة»، بل هي «التياسة» في فهم حقائق ومنطلقات الدعايات السياسية وأهدافها البعيدة عن شعاراتها المعلنة والاستجابة لها مثل برادة الحديد أمام المغناطيس.
July 13, 2016
شق الصف
كان التراشق بين التيارات «الفكرية» – إن جاز التعبير – محدوداً في مقالات متناثرة وردود عليها، وقد يحدث تراشق في ندوة، لكن لا يتجاوز هذا الحد. ومع بداية ما سُمي بالربيع العربي وانكشاف ضعف عدد من الأنظمة العربية أمام الحشود، وظهور علني نشط لأجندات قنوات فضائية مؤثرة في دعم هذا التيار أو ذاك، والغمز على هذا النظام أو ذاك، بدأت حدة الاستقطاب تتصاعد، لتصبح كل قضية تطرح أو تنطرح موضوعاً للتراشق، وتسلمت استدامة هذه الخلخلة وإشعال فتيلها كل فترة وسائل ومواقع التواصل الإعلامي الاجتماعي.
ومن المعروف لكل متابع مهتم أن حرب الأفكار هي أساس ما تعيشه المنطقة من صراعات، وأعلن ذلك وزير الدفاع الأميركي الأسبق رونالد رامسفيلد، حين قال: «نخوض حرب أفكار مثلما نخوض حرباً عسكرية». ومثل هذا قالته كوندليزا رايس، وكذلك بول وولفويتز، حتى توني بلير الذي أبدى أسفه عن غزو العراق قال في تلك السنين: «إن كنتم تريدون أن تنقلوا الحرب إلى أرض الأعداء، فعليكم أن تهزموا أفكارهم ودعايتهم»، مع تطريز بدمج ذلك بمحاربة الإرهاب، في محاولة لكسب مشروعية هذه الحرب، وهذا من صلب الاستراتيجية الأميركية التي نصّبت المسلمين والإسلام عدواً جديداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهجمات 11 سبتمبر الغامضة.
في عام 2011 حذّر الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – في كلمة مطولة من الوقوع في فخ التصنيفات، قائلاً: «إن أي حوار لا يلتزم بمنهج الحوار الصحيح وقواعده وآدابه يتحول إلى فوضى»، محذراً من مغبة غياب الحوار أو الوقوع في فخ التصنيفات الفكرية.
وكما نرى، الوعي بخطر التصنيفات الفكرية حاضر في وقت باكر من أعلى مستوى في المسؤولية، لكنه لم يجد الأدوات الرسمية المناسبة لترجمته إلى فعل واضح يحمي المجتمع والوطن من شق الصف. وهنا أتساءل عن ماهية دور المستشارين الكبار والوزراء الذين بيديهم إنجاز «فعل» مؤثر واضح المعالم، ولماذا لم يستطيعوا تحقيق ذلك، أم أنهم يقرأون ويطالعون مثل أي قارئ ينشغل عما قرأ بأمر آخر ثم يتناساه؟
إن خطر التصنيفات «الفكرية» يزداد، والشق يتسع، وهو مدخل للأعداء و«الأعدقاء».
July 11, 2016
تسول التجار
وهل يتسول التجار؟ الجواب نعم، إنما ليس كلهم بالطبع، ولكن البعض منهم لديهم إصرار على التسول بصور مختلفة، أستبعد صوراً عدة وأركز على نوع بارز، وهذا النوع من التسول مختلف قليلاً عما عهدناه من التسول في الشوارع، إلا أنه يتفق معه في طرق الأبواب.
يعمد بعض التجار من أصحاب المتاجر الكبيرة والصغيرة وبعضها شركات بيع تجزئة مساهمة إلى إنزال فرق عمالة لتوزيع منشورات دعائية تعلق على أبواب المنازل من دون إذن أصحابها، لم يكتفوا بوضع هذه المنشورات في سلال المتسوقين فلا بد من الوصول إلى الباب، لإغراء «غدد» التسوق النائمة لدى أفراد الأسرة الكريمة، وتجتهد هذه العمالة في توزيع أكبر عدد من المنشورات، فإذا كان للمنزل بابان حصل على منشورين، وإذا كان له ثلاثة أبواب يحصل على ثلاثة، وهذا من العدالة في توزيع المطويات التي لا يعرف هؤلاء التجار غيرها.
وكانت أمانة الرياض قبل سنوات أعلنت عن غرامة على هذه المخالفات، ومع أنها غرامة مالية «تافهة» إلا أنني لا أذكر أنها طبقت في حق تاجر واحد.
ومن اللطيف الظريف أن الأمانة تتعاقد بالبلايين مع شركات نظافة، وتطالب المواطنين بالتعاون في وضع النفايات في الحاويات، ولكنها لا تنظر إلى هذه المطويات من النفايات على رغم أنها كذلك، ربما لأنها تلمع.
وفي فترة كفترة الإجازات تعلن هذه المطويات عن خلو المنازل من سكانها، ولك أن تتخيل المستفيد من هذه المعلومة، وفي دول العالم المتحضر ترسل المنشورات بالبريد لمن يرغب، ومع تطور وسائل التواصل لم يعد هناك حاجة للورق، لكن البلديات وزارة وأمانات تغض الطرف عن التجار في كثير من الأمور وهذا واحد منها، لذلك أقترح لترشيد الموارد وتناغماً مع الرؤية والتحول، أقترح على الأمانات أن تتعاقد مع الشركات التجارية التي تصر على التسول أمام أبواب المنازل لتقوم عمالة شركات النظافة بتعليق هذه المطويات على الأبواب ثم رفعها بعد 24 ساعة، وفي هذا مورد مالي للأمانة وتوظيف أمثل للعمالة وخفض لأعداد المستقدمين، وعمالة النظافة جاية جاية و«على طريقك خذ حطبة».
عالم «بلير» الأفضل
في هروب إلى الأمام من المسؤولية، بعد تقرير لجنة تشيلكوت الخاصة بالتحقيق في مشاركة بريطانيا في غزو العراق، أصر رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وشريك بوش الابن في غزو واحتلال العراق توني بلير على أن العالم أفضل بعد صدام حسين. واستبدال العراق الدولة والشعب باسم الرئيس السابق في العبارة مقصود لإحداث الأثر المطلوب من التبرير. تم اختزال العراق الدولة والجيش والشعب في الرئيس الديكتاتور، ليصدق الكاذب نفسه.
ومن الواضح أن العالم «الأفضل حالياً» الذي يقصده توني بلير لا يشمل دولة العراق ولا العراقيين الذين قتلوا وأصيبوا منذ الغزو، والذين يعانون حتى هذه اللحظة، كما لا يشمل «عالم بلير الأفضل» كل دول العالم العربي خصوصاً المحيطة بالعراق. والمكابرة سمة من سمات بلير كما هي من صفات شركائه من الأرعن بوش الابن إلى وزير دفاعه رامسفيلد، لقد اجتهدت الآلة الإعلامية قبل الغزو والاحتلال لتبريره، وهجمت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا على العراق لتستخدم وتجرب كل ما في خزائنها من الأسلحة الحديثة والمحرمة دولياً، وتم عرض هذا الاعتداء بفخر على الفضائيات، دمرت العراق وأعادته سنوات طويلة للوراء. ثلاث دول تقودها الولايات المتحدة الأميركية ضربت بعرض الحائط كل القوانين الدولية وبذرائع كان من الواضح ساعتها عدم صدقيتها.
كان في العراق ديكتاتور وحيد، وبعد ماكينة العملية الديموقراطية الأميركية – البريطانية توالد العشرات من الدكتاتوريين ولكلٍّ ميليشياته، واصطبغت الدكتاتوريات الجديدة بالطائفية والهمجية، وأصبح ملايين العراقيين نازحين مهجرين في بلادهم يعيشون تحت الخيام، وممنوع عليهم العودة إلى منازلهم المدمرة.
تقرير لجنة التحقيق البريطانية بحث في المصلحة البريطانية فقط وتقصى في حدودها، فهو لم يكن معنياً ولا مستهدفاً البحث عن العدالة ولا عن حقوق البلد الضحية ولا شعبه، ولا المواثيق الدولية، لكنه حتى ولو دان رئيس الوزراء السابق أو حدد ملاحظات جوهرية عليه، لا ينفي مسؤولية الدولة البريطانية ولا الشعب الذي انتخب بلير وحكومته عن تدمير العراق.
«عالم بلير الأفضل» لا يختلف عن العالم الذي بحث عنه واجتهد في صناعته باراك أوباما بالاتفاق مع حكومة إيران، وإعادة تجميلها دولياً لتحقق أهداف تصدير الفوضى.
July 9, 2016
ثقافة «السير»
كلما قرأت خبراً عن مسؤول يتفقد «سير» هذا العمل أو ذاك، تحضر أمامي «سيور» عفش مطار الملك خالد الدولي، فعلى رغم أنها سيور وليست سيراً واحداً لم يتفقدها أحد طوال ثلاثة عقود، فلم يحدث لها تغيير أو تجديد ولا يعرف هل كان لها بند صيانة وكيف تم صرفه!
وثقافة «السير» لدينا تتخلص في أن يسير على أكمل وجه حين يتفقده المسؤول بمعية وسائل الإعلام، يتم التجهيز لذلك بوجل وعلى عجل وتفتح مصاريع الموازنات والاستثناءات مع نثر الورود والأزهار على طريق السير، وما إن ينتهي تفقد «سير» العمل حتى تتبخر التجهيزات الاستثنائية. وكأن إنشاءه تم من أجل هذه اللحظة لا غير، ولأن علاقة إدارتنا بتفقد «سير» الأمور والأعمال علاقة موقتة، كلحظة وميض فلاش الكاميرا، يبقى السير بدون صيانة وتغيير لقطع الغيار حتى «يجيم» إلى حين تفقد مسؤول آخر. والناس انتبهوا إلى هذا منذ زمن بعيد، قالوا في الأمثال الشعبية «ادهن السير يسير»، فعلى رغم أن عمل السير هو الحركة، لكنه كي يتحرك بالسرعة المطلوبة لا بد من دهن وتزييت، بحسب الحال والحاجة.
وسيور عفش المطار التي عيدت وعايدت المسافرين قبل العيد بالتعطل، ليست استثناء، ففي كل مرحلة تأتي فيها إدارة جديدة لمنشأة أو وزارة تتعذر بواقع سيئ «قديم»، لكنها لا تخبر عنه في مكاشفة معلنة عند تسلم المسؤولية بل بعد حدوث مشكلة.
ولو كان كل مسؤول تولى موقعاً جديداً يقدم للرأي العام جرداً بواقع العمل الذي تسلمه لكنا عذرنا وتفهمنا، أما الصمت على واقع وتزيينه أحياناً إلى حين وقوع مشكلة أو فشل إداري ثم استخدام ما في «الخزانة» من أعذار فهذا لا يقنع أحداً.
ومع أهمية حركة سيور العفش إلا أنها لا توازي أهمية حركة السير «المروري»، الأولى تنقل حقائب وكراتين يمكن الاستغناء عنها وتحمل خسائرها، لكن حركة السير المروري تحمل أرواحنا وأجسادنا، ومع كل هذه الأهمية القصوى هي قابعة «مكانك سر» على حالها المتردي منذ عقود، مثل سيور عفش مطار الملك خالد، لا فرق سوى أن الكاميرات لا تأتي بما يحدث فيها دفعة واحدة كما أن «التكيف» مع وضعها المتردي أصبح ثقافة رسمية. نحن الحقائب على «سير» المرور!
شراكة المجتمع في مكافحة الإرهاب
كان من اللافت أن باكستانياً هو من فجّر بالقرب من القنصلية الأميركية بجدة، وهو بحسب ما أوردته وزارة الداخلية يعمل سائقاً وله إقامة طويلة «12 عاماً» في المملكة مع زوجته ووالديها «بحسب علمي، الأنظمة لا تسمح لسائق باستقدام زوجته ووالديها!».
ثم جاءت أخبار القبض على 7 سعوديين و12 باكستانياً على خلفية التفجيرات الأخيرة التي طاولت المدينة المنورة وجدة والقطيف، أما الباكستانيون فهم موقوفون على خلفية تفجير محافظة جدة، وبعضهم بحسب اللواء منصور التركي ثبتت «من التحقيقات الأولية» علاقتهم بالإرهاب على الأقل من زاوية التأييد، وطلب في لقاء على قناة الإخبارية انتظار انتهاء التحقيقات.
وهذا تطور جديد لافت، فعلى رغم أن أفغانستان وباكستان كانتا بؤر صراع وحواضن جماعات متشددة، إلا أن الجنسية الباكستانية لم تعرف مثل هذا الحضور الكبير «عدداً» في تفجيرات أيام هجمة إرهاب القاعدة الشهيرة بخاصة السعودية ولا بعدها، هذا التطور النوعي في الجنسية المستخدمة يمكن أن تضاف له المخدرات تهريباً وترويجاً واستخداماً كأحد العوامل الرئيسة لجذب صغار السن واستخدامهم بعد توظيف ممنهج لخلفيات شخصية لهم من العقول المدبرة، ربما هذا يفتح الباب مرة أخرى على سياسات الاستقدام الفوضوية وخلفيات من يتم استقدامهم والتي تركت لتجار الاستقدام.
ومن الملاحظ في الجرائم الإرهابية الأخيرة تعطش الإرهاب لاستغلال شهر رمضان المبارك بما فيه استهداف المدينة المنورة بجوار الحرم النبوي الشريف، كان المراد أن يكون عيد دماء وأن يحدث أكبر صدمة ممكنة ليضرب الشعور بالأمن ويزرع الخوف، هدف زرع الخوف متواصل من الإشاعات إلى التفجيرات، وهو يتناغم ويتعاضد مع الاستهداف الخارجي من جماعات طائفية في العراق واليمن. في جانب آخر، أكد خادم الحرمين الشريفين في كلمته بمناسبة عيد الفطر المبارك أن «على المجتمع أن يدرك أنه شريك مع الدولة في جهودها وسياساتها لمحاربة هذا الفكر الضال»، انتهى الاقتباس. ومسؤولية إدراك هذه الشراكة ونوعها وتفعيلها مع المجتمع تقع على عاتق أدوات حكومية، وهي حاولت سابقاً، لكن بجهود تقليدية جمعت بين البطء وعدم الحضور الفاعل، والحقيقة أنها ما زالت غير قادرة على الاستجابة المناسبة للظرف الإقليمي والدولي على رغم خطورته الواضحة.
asuwayed@
عبدالعزيز السويد's Blog
- عبدالعزيز السويد's profile
- 2 followers

