دلع المفتي's Blog: لكلٍ هويته, page 4

April 1, 2015

استفزوهم بابتسامة

مددت يدي له ببطاقتي المدنية، رفع يده ومن دون أن يرفع عينه عن الشاشة أمامه، تسلمها، دوّن ما بها، ثم أرجعها لي في صمت (يشوبه بعض الانزعاج). قرّبت رأسي من الشباك قليلاً، ثم (بشبه صرخة) قلت «صباح الخير». رفع الموظف رأسه فزعاً مستعداً لتصدي الهجوم المباغت، وقبل أن يطلق أسلحته ضدي، وجد ابتسامة بعرض نصف متر ملتصقة على وجه.. فخجل من نفسه وابتسم لي صاغراً وهو يهمس صباح النور.
أحب أن أستفز الموظفين الحكوميين المتجهمين، بابتسامة وكلمة حلوة. أحب أن أذكرهم بإنسانيتهم، وأنهم وجدوا هناك لخدمة المواطن لا لذله ولا لتعنيفه ولا لزرعه في غرفة الانتظار إلى أن ينهي الموظف شايه وفطوره وجريدته وحفلة النم المعقودة مع باقي الموظفين.
كلنا بشر، وكلنا نتعرض لأزمات نفسية وعصبية وعائلية والأهم «زوجية». كلنا نتشاجر مع أزواجنا وزوجاتنا أحياناً، ونذهب إلى أعمالنا ونحن في حالة غضب أو حزن أو توتر وربما ملل. ولكن المراجعين ليسوا «كيس ملاكمة» ولا ذنب لهم في ما يحصل في منزلك ولا في زعل زوجتك منك لأنك لم تشتر لها الحذاء الخامس والعشرين، لأنها لا تمتلك حذاء لحفل زفاف أختها. ولا ذنب المواطن أن ابنك حطم سيارتك بعد سرقتها أثناء قيلولتك، فابنه أيضاً ربما «خلّص» على السيارة الثالثة، فكلنا مع هم المراهقين سواء.
أما حضرة الموظفة المحترمة، فأنت في الدائرة الحكومية لخدمة الشعب، لا لتعذيبه. فالفطور يؤكل في البيت وليس وليمة تمتد لساعات أثناء الدوام. وأكياس «البيع بيع» التي تحملينها معك للتجارة، «بسّطي» فيها أمام منزلكم وبيعي واشتري ما تريدين، فالوزارة ليست دكانك الخاص، والمواطن ينتظر إنهاء معاملته، ويا ريت وأنت تنجزينها لا «تبردي قلبك فيه» بسبب حماتك والدسائس التي تحيكها ضدك، وابتسمي في وجوه المراجعين، فهم مساكين والله.
لا أريد أن ألقي اللوم كله على الموظف، فبعض المراجعين يدخلون على الموظفين دخلة فاتح القسطنطينية، رافعين سيوف الاعتراض ودروع الامتعاض قبل أن يقدموا طلبهم، متخذين من أسلوب «الدفاع بالهجوم» وسيلة لإنهاء أعمالهم. والبعض يتعامل مع الموظف الحكومي بفوقية مقيتة وغرور مريض، وكأن الموظف قطعة من تركة أبيه.
في بعض البلدان العربية (المجاورة) يفرض على الموظفين الحكوميين الالتحاق بدورات إجبارية لتعلم كيفية التعامل مع المراجعين، والحديث معهم، والأهم.. كيفية الابتسام. إن لطفك وأدبك وابتسامتك جزء من عملك. أما أنت حضرة المراجع، فاسمع مني وجرب أن تستفز الموظف بابتسامة، بكلمة حلوة، بـ«صباح الخير»، وانظر كيف ستنفرد أكثر الجبهات تقطيباً وتُزرع ضحكة في أكثر الوجوه عبوساً.. وتنتهي معاملتك ومعاناتك في الأثناء.
أما صديقي الموظف المتجهم، فلقد عدت إليه بعد إنهاء معاملتي لأشكره، فودّعني بكل انشراح وابتسامة شُقت عن صفين «لولي».


دلع المفتي
نشر في 02/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 01, 2015 15:08

March 29, 2015

مرّة مرّة مرّة أحبكم

أن يقطع قارئ مسافة 800 كيلومتر ليقابل كاتباً يعجبه، لهو أمر جميل وراق. وأن يقطع ذاك القارئ تلك المسافة بصحبة زوجته وأولاده الصغار ليصل ويكتشف أن موعد وصول كاتبه هو الأسبوع التالي وليس يوم وصوله، هو خيبة أمل وخذلان. لكن أن يعود الشاب كل تلك المسافة ليرجع ويقطعها مرة ثالثة في التوقيت الصحيح للقائي، لهو أمر أكبر من أن أفهمه وأجمل من أن أستوعبه وأرقى من أن أكتب عنه.
تلك كانت استفتاحية زيارتي للرياض، وبهذه المحبة والاستقبال والود استهللت أياماً ثلاثة جميلة.
عندما منعت روايتي في الكويت، كنت قد كتبت أني رغم ألمي، سأحتفي بها في الشارقة، بيروت، القاهرة وأيضا الرياض. كنت أتمنى، أحلم، أرجو.. وتحقق رجائي ولم تخذلني الرياض. حالما وصلتني دعوة حفل توقيعي في معرض الرياض الدولي للكتاب، ما كان مني إلا أن وضعت عباءتي وشيلتي وتوكلت على الله.
المدن ليست في مبانيها وطرقها وأبراجها، ولا بثرواتها وغناها.. المدن بناسها. وناس السعودية غمروني باستقبال رائع ومحبة فائقة. احتوتني قلوب أقابلها لأول مرة، ومدت لي أيادٍ لم أعرفها من قبل. ورغم كل التحذيرات والتنبيهات لما قد يحدث في المعرض، لم أتعرض لشيء ولم يضايقني أحد. بل كانت من أجمل التجارب التي مررت بها وأرقاها.
لكن «الحلو ما يكملش» كما يقولون، فرغم التنظيم الرائع والترتيب الراقي للمعرض، فان منصة التوقيع مرتفعة وبعيدة عن الجمهور، وكان هناك حاجز بين المنصة والناس، ومن يرد توقيع الكاتبة (من الجنس الخشن) فعليه أن يسلم الكتاب لموظفة محايدة في منتصف الطريق وهي توصله للكاتبة للتوقيع عليه ثم تعيده للقارئ. تلك الاجراءات المتشددة حرمتني من لقاء الكثير من القراء الذين تعنوا من أجلي، وحرمت من أن أشكرهم لقدومهم وأعبر عن امتناني وفرحي بوجودهم.
لم يخلُ الامر من الطرائف، فقد تقدم مني مراهق شاب وبيده كتاب، قائلاً بلهجة آمرة: وقعي لي. قلت: حاضر يا ابني لكن هذا ليس كتابي. قال: معلش مو مهم. قلت له طيب مش مهم الكتاب، على الأقل هل تعرف من أنا؟ قال لا. قلت طيب لا الكتاب كتابي، ولا أنت تعرفني، لماذا تريد التوقيع؟ فما كان منه إلا أن ذهب واشترى كتابي وطالبني بإهداء مكتوب باسمه وبأسماء حسن وجمال وأحمد ومحمد وسعيد، ففعلت صاغرة.
كيف أستطيع ان أرد لكم يا أهل السعودية ولو جزءا من محبتكم؟ كيف أستطيع ان أشكر ذاك الشاب الذي أتى لا أدري من أين وجلب لي هدية لم يسمح لي باستلامها شخصياً، ولا حتى شكره شخصياً؟ كيف أشكر الشباب والصبايا الذين أحاطوا بي كموكب وأنا في المعرض؟ كيف أرد قبلات تلك الشابة التي «طبت» فوقي وانا على المنصة وأفرغت كل ما بها من حب وهي تصرخ «أنا مرّة مرّة مرّة أحبك»؟
وأنا أيضاً مرّة مرّة مرّة أحبكم.. ومرّة ممتنة لكم.

دلع المفتي
نشر في 26/03/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 29, 2015 14:27

March 23, 2015

إلى د. طارق الحبيب.. مع التحية

رائعة يا دكتورنا الرائع.
يا الله يا دكتور كم أنت قريب من الروح وكلام في قمة الروعة.
الله الله لقد أدمعت عيني وأثلجت قلبي هل في «هو» ينطق بهذا الكلام وهذا الإحساس الراقي.. الله يجبر بخاطرك كما أجبرت خواطر «هي».
كلمات الشكر والتبجيل والامتنان السابقة ما هي إلا عينة من عشرات التعليقات التي نزلت على مقال «الفرق بين هو وهي» على صفحة الدكتور طارق الحبيب البروفيسور واستشاري الطب النفسي في كلية الطب ومؤسس مركز مطمئنة الطبي في الرياض، ومؤلف العديد من الكتب حول التربية الدينية في المجتمع السعودي.
المشكلة الوحيدة في ما سبق أن المقال الذي انتشر على طول النت وعرضها وحوّلته براعة التصاميم إلى لوحات، وعمل منه فيديو، وراح المغردون يقتبسون منه تغريدات، بالإضافة إلى 3530 «لايك» و2057 مشاركة ليس للدكتور المبجل، ولا بقلمه، رغم أنه وضع في صفحته الرسمية وكتب أعلاه «بقلم د. طارق الحبيب».. المقال الشهير ذاك، مقالي أنا، وقد تم نشره باسمي في القبس في 8 يونيو 2008.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم الاستيلاء على مقال من مقالاتي، فما زلت أحارب منذ سنين لاسترجاع حقي في مقال «هل تسمحون لي» الذي تم نسبه على غير الحقيقة إلى الراحل نزار قباني زوراً وبهتاناً، وانتشر على النت، أيضاً، وعمل منه فيديو ونشر على أنه قصيدة شاعرية للراحل، ولكن ذاك المقال نسب إلى ميت، من دون علمه. أما هذا، فقد نسب إلى الدكتور نفسه، وهو حي يرزق، في مخالفة بينة لقانون حماية الملكية الفكرية.
في محاولة لفهم الموضوع وجهت سؤالاً إلى الدكتور حول المقال على موقع تويتر، فانهالت عليّ الاستفسارات والاستنكارات، فانتظرت رد الدكتور، ولكن من أنا ليرد عليّ دكتور عنده 5 ملايين متابع! استنكف السيد شرح الموضوع لي شخصياً، وكتب تغريدة على حسابه في تويتر: «لست مسؤولاً عما ينسب لي من مقولات خارج صفحتي كما أنني لست مسؤولاً عن نفي كل ما ينسب إليّ من غير كلامي، فهو كثير وليس لدي الوقت».
طيب يا دكتورنا العزيز، صحيح أنا لست بأهميتك، ولست بشهرتك، ولكن كان بالإمكان أن توجه تلك الرسالة إليّ شخصياً، فأنا المغبونة هنا، وأنا التي سرقت كلماتي ونسبت إليك وانتشر مقالي باسمك على كل المواقع والصفحات.
أنكرت أن الصفحة صفحتك مع أنه مكتوب في تعريفها الصفحة الرسمية للدكتور طارق الحبيب. وإن كان كلامك صحيحاً، فكان من واجبك أن تخاطب إدارة الفيسبوك لحذفها. ولكن الأدهى أنك، وأنت تنكر كل ما ينسب إليك، لم تنكر المقال، ولو بكلمة، ولم توضح للقراء أنك لم تكتب هذا المقال يوماً. الحال تماما كما لو أحدهم وضع في جيبك مالاً «دون علمك، فاستعملته وألقيت بالمسؤولية على غيرك، ولم تسأل حتى عن مصدر ذاك المال.. إن كان مسروقاً أو أمانة أو أن أحداً أخطأ وعوضاً عن وضعه في جيبه امتدت يده إلى جيبك». هذا بماذا يسمى؟
حقوق الملكية الفكرية هي الحقوق التي تعطى لشخص على منتجات إبداعاته الذهنية، مهما كانت بسيطة، ومن هذه الحقوق «الحق في أن ينسب إليه مصنفه، وأن يذكر اسمه على جميع النسخ المنتجة، والحق في دفع أي اعتداء على مصنفه». ولكن للأسف في عالمنا العربي يستطيع أي كان، سرقة أي نص وحذف اسم صاحبه ونسبه إلى من يريد دون الخوف من قانون ولا عقاب. فالإنترنت «سايبة»، والقوانين لا تمشي إلا على من يمس السياسة و«هيبة» الدول.


دلع المفتي
نشر في 19/03/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 23, 2015 05:47

March 14, 2015

حوار مع علمانية محجبة

يعتقد كثيرون من «المغيبين» أن العلمانية كفر وإلحاد وابتعاد عن الدين، ويصر بعض رجال الدين على ترسيخ هذه الفكرة في عقول العامة وتشويه مفهوم العلمانية واقناعهم بأنها آفة «تغريبية» تسعى الى تفكيك المجتمعات المسلمة وتدمير ثوابتها.
تقول صديقتي انها في أول مرة قالت لأبيها انها علمانية، رأت صور كل شياطين الأرض تتراقص فوق رأسه كما كانت تراهم في أفلام الرسوم المتحركة وهي صغيرة، ثم سمعت كلمات تدوي في الهواء: كفر، رذيلة، شرك، إلحاد، انفلات، بالرغم من أن أباها لم يفتح فمه. وقف الرجل مصدوما وهو ينظر إلى ابنته لا يعرف كيف ينقذها من براثن «الشرك» التي سقطت فيه.
سألتها: كيف أنقذت نفسك أو ربما أنقذت أباك مما وقع فيه؟
قالت: هو يعرف أني فتاة متدينة ومحترمة وأقوم بشعائر ديني كاملة، لكنه احتاج الى القليل من الوقت والكثير من الشرح كي يستطيع ان يجمع بين كلمتي «مسلمة – علمانية» في جملة واحدة. سألتها: كيف تكونين مسلمة متدينة وعلمانية؟
قالت: وما شأن العلمانية بديني؟ العلمانية هي التي تحميني وتحمي ديني، وإن تجرأ أحد وتعدى على ديني أو عباداتي فهناك قانون «علماني» يضمن لي حقي. العلمانية تحميني ولا تضرني، فديني لي وحدي ولا شأن لأحد به، وعلاقتي بربي علاقة خاصة جدا.
قلت: لكن بعض المسلمين يكفرون العلمانيين، ويعتقدون ان العلمانية تبعدهم عن دينهم.
قالت: هذا ما زجه في عقولهم بعض رجال الدين، لأنهم إن وافقوا على العلمانية سيخسرون سلطتهم على رقاب البشر وبالتالي مصدر رزقهم. أنا محظوظة أني أعيش في دولة علمانية تضمن لي حق ممارسة ديني بالطريقة التي تعجبني، وأشكر ربي مئة مرة باليوم أني لا أعيش في دولة حيث الدين فيها بالإكراه وليس بالإقناع، وحيث ابتدع بعض رجال الدين هناك أمورا ليست من الدين بشيء، فحرموا الحلال وحللوا الحرام، وأصدروا فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، لا تفعل شيئا سوى تشويه ديننا وموروثنا.
وكيف تتعاملين مع من يكفرونك؟
- هنا لا أحد يكفرني، فأنا أعيش مع المسيحي واليهودي والبوذي واللاديني، يحترم بعضنا بعضا على أساس واحد فقط هو الإنسانية. العالم يتسع للجميع، لكل منا دينه وله كامل الحرية بكيفية ممارسته طالما لم يفرض رأيه على احد. لكن يحدث أن أشكل تهديدا لأحدهم، بسبب القلة التائهة من المسلمين الذين جعلونا إرهابيين في عيون العالم، وتبقى قوانين الدولة «العلمانية» هي التي تحميني.
ثم أردفت: العلمانية ليست دينا، ولا إلحادا ولا كفرا، إنما هي أرضية مشتركة تجمع كل الأديان تحت مظلتها بالتساوي تحت راية الإنسانية. وهي السبيل الوحيد للنجاة من آتون المذهبية والطائفية اللتين نعيشهما في بلاد المسلمين.
ثم أكملت ضاحكة: نعم أنا مسلمة علمانية ومحجبة.. عندك مانع؟


دلع المفتي
نشر في 12/03/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 14, 2015 13:59

March 9, 2015

إرثنا العراقي

ها هو الربيع العربي يدخل سنته الرابعة مخلّفاً شتاءً قارساً وصقيعاً حملَ الينا ما لم يخطر على بال. هذا الربيع (الذي فقد ربيعه) لم يقتل ضحاياه فقط بل قتل إنسانيتنا نحن الأحياء، فبعد مشاهدتنا لآلات الذبح السينمائي والتفجير والدم النافر من كل الجهات ضد كل الجهات، وبعد أن تعودنا آسفين إحصاء أعداد القتلى يوميا، يبدو أن عواطفنا تجمدت، لم يعد يهزنا منظر الدم، ولم نعد نشيح بوجوهنا عند ظهور الأشلاء البشرية على الشاشات، ولم نعد نهتم ونحن نشاهد ضياع أوطاننا أمام أعيننا، أصبحنا - وللأسف - صورة أخرى عن الوحوش التي تعيث خرابا في ديارنا.
كل الذي مرّ لم يكف. التتار الجدد، كونهم نجحوا بجعل العين البشرية تتقبل صورة الوحشية والعنف والدمار، فراحوا يبحثون عن شيء أكثر إثارة وصدمة للمشاهد، فحملوا لنا وجعاً من نوع آخر وقدموه لنا بشكلٍ مختلف أيضا، وجع عميق بعمق التاريخ بل بعمق البشرية.
خلال دقائق وقفنا كلنا شاهدين على أبشع عملية محو للتاريخ، متفرجين على معاول أقزام داعش وهي تحطم آثار العراق بكل وحشية وهمجية، حين وقف واحد منهم بكل عنجهية وتخلف، و«صرح» بأن «هذه أصنام وأوثان لأقوام في القرون السابقة كانت تُعبد من دون الله»، ثم هوى على تلك القطع والمجسمات الأثرية التي يعود بعضها للقرن الثامن قبل الميلاد.
أيها الناس أيها العالم الذي ما زال البعض فيه يؤيد داعش ويرسل اولاده وأمواله لنصرتهم، هل رأى احدكم مسلما يركع ويعبد تلك الآثار؟ هل ما زالت تلك الحضارات والأديان بيننا الآن؟ أم أن داعش حريص على عقائدنا فيخشى أن نعود لعبادة الشمس والقمر والأصنام؟ ما هذا الهراء وأي تخلف وجهل نغرق فيه؟ لماذا لم يهدم النبي، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء تلك المعالم والحضارة، ولم يحطم آثار بلاده وبلاد المسلمين في العراق والشام واليمن ومصر وغيرها، ولم يطلب من أحد ان يفعلها؟
إن الآثار جزء مهم وخطير من تاريخ البشر، وهي تدل على أصول الأمم وعمقها الحضاري وهي ما تثبت وجود الإنسان في بقعة ما في زمن ما. داعش يعلم ذلك جيدا، لهذا هو يحاول فك الارتباط بين الإنسان وحضارته وإرثه، ويسعى جاهدا الى طمس هوية الإنسان العراقي (والسوري) وسلب هويته، ويصر على فرض هويته التي يروّج لها على أنها «إسلامية» بلباس أفغاني وعقول متخلفة، فتطاول على كل المقدسات من مختلف الديانات والمذاهب، وحطم مساجد وكنائس ومعابد ومزارات ومقابر، وشرد وقتل وذبح مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة وايزيديين، أكرادا وتركمان، سوريين وعراقيين وأجانب. وحطم مواقع آثار ومتاحف. داعش ملطخ بدماء كل من اقترب منه واحترق بناره.
إن ما فعله داعش بالبشر لهو أكبر وأخطر وأكثر حرمة مما فعله بالحجر، لكننا لا نجزّئ جريمةً عن أخرى، فآثار العراق إرث حضاري إنساني وليست ملكا للعراق وحده. نحن زائلون، لكن إرثنا هو ما بقي وسيبقى لمن يأتي بعدنا.


دلع المفتي
نشر في 05/03/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 09, 2015 15:01

February 18, 2015

زيزي

زيزي لمن لم يتعرف عليها بعد، هي صاحبة فيديو كليب هابط، انتشر أكثر
مما تنتشر الاشاعات على تويتر، وأصبح مادة متبادلة على كل شاشة تلفون وكمبيوتر وآيباد، وحتى أكثر الناس كياسة واحتراما استرق نظرة لزيزي، ولو من باب الفضول، عدا عن الابواب الاخرى.
زيزي (اللزيزي) في أغنيتها الشهيرة، حسب ما رأيتم جميعا، لم تترك للإيحاء والإيماء مطرحا، ولم تعط للجمهور فرصة حتى لأن يتخيل، فكان الفيديو كليب واضحا وضوح الشمس والقمر وما بينهما. وعليه، وصل عدد المشاهدين على قناة اليوتيوب أكثر من مليون مشاهدة في غضون أسبوع.
لكن الست زيزي كانت تلبس باروكة ونظارة شمسية، وغنت أغنيتها تلك وهي متنكرة، وقد استنكر المشاهدون «الكثر» إخفاء المغنية لملامحها وهي ترقص وتغني، لكن عندما نعرف السبب سيبطل العجب. فالأخت الفاضلة كانت تلقننا درسا بالأخلاق، وتشجعنا على السعي وراء الثقافة، وتحذرنا من السخافة. فبعد استضافتها على برنامج تلفزيوني، وبعد ان نزعت باروكتها ونظارتها، اكتشفنا ان زيزي ليست زيزي، إنما هي طالبة جامعية «محترمة»، وقد لجأت الى هذا العمل بطلب من قناة تلفزيونية، وذلك ضمن حملة تشنها القناة تحت عنوان «بيكفي سخافة، عيشوا الثقافة».
أثناء البرنامج، الذي كشف هويتها وزلزل صروح الأعمال الهابطة، ألقت طالبة المسرح وعلم النفس، التي تكشف لنا ان اسمها كلارا وليس زيزي، خطبة عصماء تدعو فيها الناس الى الابتعاد عن الابتذال والسخف، والاتجاه الى العلم والثقافة وقراءة الكتب. وشرحت ان الهدف من الحملة والفيديو كليب كان لوضع اليد على الجرح، وللاثبات بأن الناس لا يتناقلون إلا الأعمال الهابطة.
طيب يا مدموزيل يا من اكتشفت الذرة، وبغض النظر عن دخل القناة من الإعلانات بعد كل اللغط والجدل بسبب تلك الحملة الخارقة، وبعيدا عن حملات الاستهبال التي تستغبينا وتخدش ذكاءنا، لو تدرين كم كنا فعلا بانتظار اكتشافك هذا، لنعي مقدار الفضاوة والخواء الذي نعاني منه في مجتمعاتنا، وكم انتظرنا ليخرج احدهم بهذا الاكتشاف الخطير، فنبدأ جدياً بالابتعاد عن السخافة والسعي الى العلم والعمل. وأود أن أؤكد لك أن حملتك وحملة القناة المبدعة نجحت، وأن المليون شخص الذين شاهدوا كليبك، كلهم بمختلف فئاتهم وأعمارهم وخلفياتهم وأديانهم ومذاهبهم، كلهم بلا استثناء، ركضوا بحثا عن كتاب ليبتعدوا عن السخافة ويعيشوا الثقافة.
في هذه الأثناء، مازلت أحاول إقناع السلطات لتبني آلية الحملة العبقرية تلك، فإن كنت تريد أن تحذر من القتل، اقتل كم شخص، وسيرتدع الباقون، وإن كنت تريد حملة ضد المخدرات، دع كم مسطول يأخذ جرعة زائدة، ليبرهن لنا ان المخدرات خطرة. وإن أردت التحذير من الابتذال روج لكليب مبتذل.

عنوان المرحلة: الابتذال في محاربة الابتذال.. وسلم لي على «السئافة».


دلع المفتي
نشر في 19/02/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 18, 2015 13:37

February 11, 2015

أغانٍ داعشية

كانت السماء صافية والجو عليلا، والعصافير تزقزق.. تماما كما علمونا في دروس الإنشاء في حصص اللغة العربية. بدأ مزاجي يتعدل ويروق تبعا للجو العام، فقلت لنفسي، لماذا لا أدير الراديو لأكمل جمال هذا الصباح الرائق بموسيقى عذبة أو أغنية جميلة. فأدرته وليتني لم أفعل. فجأة خرج لي رشاش من الكلمات مستندة إلى لحن راقص:
اجرحني وغمق لي الجرح
رشرش ع جرحي ملح
والله لو تدبح قلبي دبح
عمري ما احس اني بأذية
لا تفزعوا. هذه ليست دعاوى داعشية، ولا تهديدات إرهابية. هذه كلمات أغنية تصدح بها مطربة واعدة على قنواتنا التلفزيونية والإذاعية. أصدقكم القول أني حين سمعت الكلمات، شككت في نفسي واعتقدت أني بدأت أهذي، ظنا مني أن داعش بالإضافة لمجلتها التي تصدرها باللغتين العربية والانكليزية، افتتحت قناة إذاعية وبقدرة قادر وصل بثها إلينا. لكني عدت ولمت نفسي لسذاجتي، فالغناء والموسيقى حرام في عرف داعش، وفاعلها يستحق القتل والنحر، وربما الحرق في تفاسيرهم، اذن الأغنية ليست داعشية، بل أغنية محترمة لفنانة محترمة من نوعية «احترام هاليومين».
ماذا حدث لـ «أهواك وأتمنى لو أنساك»؟ ولماذا نسينا «جفنه علم الغزل»؟
متى أصبح مقبولا أن نتغنى بالذبح، ومتى صرنا نتقبل خلط الدم بآه يا ليل آه يا عين؟ لماذا أصبح الاستماع لإذاعاتنا العربية مسلسل رعب آخر من المسلسلات التي نعيشها حقيقة وبكل مآسيها يوميا.
يبدو أن الحالة الابداعية العربية في وضع مزرٍ لا تحسد عليه، وأنا هنا لا أقارن طرب هذه الأيام بطرب العمالقة كأم كلثوم والرحبانية وعبدالوهاب وسيد مكاوي، ولا أحكي عن الكلمات الهابطة والمعاني المنحطة في أغاني غسل الملابس والفواكه والخضروات، ولا عن أغاني النطنطة التي تعتمد على تضاريس وتعاريج أجساد المطربات، (وكل ما سبق ساهم بشكل حثيث في انحدار وتدهور الأغنية العربية)، لكن ما أريد أن أشير إليه هو دخول العنف والدم الذي غشي كل حياتنا حتى وصل إلى أغانينا:
بالروح بالدم رح تبقى يا غالي
بالروح بالدم شو صار بحالي
مجنونة عني قالوا
كل واحد حر بحالو
يفنى الكون من رجالو.. ما في غيرك رجالي.
ما الذي حدث للأغاني العربية؟ وأي انحدار وصلنا لنغني بهذه القسوة وهذه المازوخية الملحنة؟ من يكتب هذه الكلمات ومن أي معين يأتون بهذه المعاني؟ المدام في الأغنية السابقة تهتف لحبيبها، وكأنها تقف في واحدة من «ثورات الربيع العربي» ضد حاكم دكتاتوري، وليست حبيبة تتغنى بحبيبها، وهي مستعدة أن تبيد العالم أجمع كرمى لعيون «رجالها».
رصد تقرير سابق لمؤسسة الفكر العربي «الظاهرة المفجعة» لحال السينما والمسرح والأغنية في العالم العربي، شارحا أن «الانحطاط في كلمات الكثير من الأغاني العربية يجد له رواجا يصعب تفسيره لدى الجمهور المستمع».
يصعب تفسيره؟ فسروا لنا يا رعاكم الله الذبح والتفجير والقتل الذي يرتكب على أراضينا يوميا، فسروا لنا ماذا حصل لثوراتنا بعد أن أكلت أولادها، فسروا لنا نبتة داعش المسمومة وكيف انتشرت وكيف أصبحت دولة لها ميزانية وتفرض قوانينها على أبرياء. فسروا لنا الدم المسفوك على أرصفة الشوارع العربية.. فسروا لنا حال الانحطاط العربي ونحن سنفسر لكم اسباب انحطاط الفن العربي.


دلع المفتي
نشر في 12/02/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 11, 2015 14:38

February 4, 2015

رائحة التانغو}... رقص على إيقاع ألم الفراغ}

الأربعاء 04 فبراير 2015

تجري أحداث رواية {رائحة التانغو} للكاتبة دلع المفتي عبر مكانين رئيسين هما الكويت ولبنان وتفريعاتهما المتعددة. هنا قراءة أدبية لها بقلم الكاتبة استبرق أحمد.


الحياة خيارات يبقى الكاتب مصلوباً في مساراتها، والقارئ ينبش في حطب العبارات باحثاً عمَّا يسترعي انتباهه ويزيده يقيناً بصواب اختيار النص للقراءة.
الكاتبة دلع المفتي بـ189 صفحة من روايتها {رائحة التانغو} الصادرة عن دار {مدارك}، لا تخرج على هذا {الالتزام باستخدام بلدوزر {الكلمة/ المواجهة}، كاسرة حوائط الزيف دون مغالاة، هي تدخل غرف التردد لترقص رقصة تانغو المفاجأة كـ{تانغيرا} برفقة القارئ كـ{تانغيرو}.

انبعاث اللعبة

تواجهك الجملة الصادمة في أول صفحة، في قول الشخصية الرئيسة زهرة {إن ماتت أمي، اليوم، فلن أحزن عليها. ربما سأحزن على نفسي لفقدها، لكني سأسعد لها بالتأكيد}.
صفحة واحدة، رقصة واحدة لصفحة، تتبعها الروائح كلها في تقسيمات الرواية: {بصل، Baby Oil، ليمون، دهن العود، نعناع، بخور، دهن الورد، زعفران، شاي أخضر، ياسمين، (بدون) رائحة، ماء الزهر، عرق، ليليوم، زعتر، سيجار، فلافل، ودم}.
كل فوح رائحة هو بوح برقصة الشخصيات وتلاقي بعضها بعضاً، خصوصاً أن الشخصية الرئيسة تعاني إفراط حاسة الشم Hypersomnia، بينما اسمها {زهرة} يتفجَّر رائحة. هي المصابة بجزع اللمس المفاجئ تمرّ بين شخصيات فظّة ترى خلاصها عبر محورين هما التطرف في التدين أو الجشع رغم خروقاته للعلاقات. أماّ الشخصيات الليّنة، الهينة فوحدها تراهن معها على الحب والإنسانية، ووحدها من تقترب منها بلا خوف.

ظلمة قريبة

«زهرة» امرأة مرتاحة مادياً، تنهشها آلام الفراغ العاطفي بينها وبين زوجها «عادل» الذي هو خلاف اسمه، في اختيار موفق لحس سخرية الكاتبة، زوج له تصوراته الجائرة لزوجته ومجتمعه تخزه أسبابه الكامنة. علاقة ترقص بألم الفراغ، اللامبالاة، جاذبة لمشاعر سلبية من غيظ وامتعاض ونفور من زوج بخيل في كل شيء إلا في الانغماس بالكماليات.
«زهرة» كامرأة لها مبرراتها، ظلَّت رافضة لأخواتها في ارتدائهن مسوح التمادي في التطرف، ولأخ تمَّ تطييبه في حكايات الأم كمقدس لفقده مذ بداية الغزو العراقي عام 1990، لأخ ضمَّته «زهرة» وأختها «سناء» التي وثبت إلى بئر سره الرهيب لتبقى عالقة في ظلمة السبب والإهمال.

تفجر العزف

تأتي الأحداث عبر مكانين رئيسين هما الكويت ولبنان وتفريعاتهما المتعددة، فهنا شقة الزوجية لزهرة، معرضها للفن التشكيلي، منزل أهلها، البنك الإسلامي في الكويت، المجمعات التجارية... وهناك موضة حفل زفاف بيروتي، شوارع حكايات اللاجئين، رقصة التانغو الباهرة في لبنان. أماكن مرسومة كمحيط تتحرَّك فيه شخصيات الكاتبة بإتقان ملقية ظلالها على التصرفات باختلاف مواقع الأحداث، فتأتي التحولات التي منها ما طرأ على الصديقة «منيرة» في حفل الزفاف وإعلاء «جدار التجاهل» في الأمكنة الأخرى، سلوكيات راقصة وصفتها زهرة بأنها «خربشات بريئة» وحددتها منيرة مجابهة امتعاض لولوة بقولها: «نحتاج إلى أن نعود أنفسنا على التجاهل أحياناً. تجاهل أحداث، تجاهل أشخاص، تجاهل أفعال، وتجاهل أقوال، فليس كل أمر يستحق عنايتنا».

الخط الإنساني

زهرة اليانعة، رهيفة القلب، المسارعة إلى إسناد الضعفاء، تتدخل تجاه ابنة أختها «فاطمة» الكويتية، وحسيبة المصرية وغيرهما من نماذج تريد الحلول في أوضاع مستعصية، أو الطفل «علي السوري» الذي يمثِّل نماذج أضعفتها الظروف القاهرة، تطلق صرختها تجاه العالم، وإن كان «علي السوري» بائع الورد لزهرة، رغم كل معاول المآسي المحيطة، ما زال القوي الفقير الذي يحمل كنز التقدير لأبيه ووالدته، يسارع هو الآخر إلى دفع كآبتها، هو الذي إمتنت له فأشارت في النص إلى تشابهه معها في قولها: «هذا الولد كم يشبهني. هو القادم من المكان الذاهب إلى اللامكان. أمس عذاب، يومه أسى وغده مجهول» (3).

خدوش خفيفة

"رائحة التانغو"، رواية تسير بلغة محكمة وحوارات يأتي بعضها بالفصحى وبعضها الآخر باللهجات المتنوعة، عبر غابة من الشخصيات والمواضيع والتشابكات. والإشكاليات الكثيفة، تحرم القارئ أحياناً من التوقف مع شخصيات تحتاج إلى إبراز رقصتها وأن يعلو صوتها أكثر. ينطبق ذلك على علاقة "زهرة" بصديقاتها الحميمات، خصوصاً سعاد التي حضرت كحكاية فقط، حميد بجنسه المخاتل، أبوها الشيخ محمد الشحيح ظهوره في النص مقابل شخصية أمها البارزة، الشيخة أمل التي ظهرت للقارئ فجأة. فالشخصيات غنية ولكن كان بإمكان المؤلفة أن تهندس حكايات جانبية أكثر عمقاً. كذلك قصة حسيبة وخليفة الأخيرة، والتحوّل الحاد في شخصية ويليام في مشهد بوحه الأخير، كانا يحتاجان إلى مزيد من المنطق. إلاّ أن الرواية تظل تحمل وافر المتعة والتشويق للقارئ، يستبان منه جهد الكاتبة، وهو ما يحسب لها تماما.


http://www.aljarida.com/news/index/20...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 04, 2015 14:04

احتكار الاحتكار

يعرف الاحتكار على انه استفراد وتفرد شخص أو جهة بأمر ما. والاحتكار عكس ما يعتقد معظم الناس ليس آفة اقتصادية فقط، بل يسري على كثير من الأمور السياسية، الاجتماعية، العاطفية وحتى الدينية.

أشهر تعريف للاحتكار هو الاحتكار الاقتصادي، وهو عندما تسيطر جهة واحدة على السوق أو المنتجات أو الخدمات، وتتحكم به وبأسعاره. أما الاحتكار السياسي فهذا ما نعيشه كلنا يوميا في تفرد السلطات في الحكم في معظم دولنا العربية، وما حركات الربيع العربي إلا ثورات ضد هذا الاحتكار، لكنها للأسف انقلبت بقدرة قادر إلى احتكار مضاد من نوع آخر.

نأتي إلى الاحتكار العاطفي، وهو أكثر أنواع الاحتكار شيوعا وانتشارا بين الناس. فالحب في حد ذاته شكل من أشكال الاحتكار، وحب التملك أو الاحتكار العاطفي قد يصيب الرجل والمرأة معاً. فالمحب يريد الحبيب له وحده ولا يقبل مشاركة أحد آخر بعاطفته، وعليه، يلتف الحب طوقا احتكاريا على رقاب المحبين، وقد تصل درجة الاحتكار إلى غيرة الآباء من أطفالهم الجدد حين تتحول عاطفة الزوجة لوليدها.

أما أكثر أنواع الاحتكار العاطفي حساسية فهو احتكار الأمهات. فالأم بما تحمله من حب وعاطفة جياشة تود لو تحتكر أولادها، حتى عندما يكبرون ويريدون الاستقلال، نجدها تتمسك بهم وترفض التخلي عنهم، وكأنهم ملكها. وتتجلى شبهة الاحتكار عند الام في أوضح صورها عند زواج ولدها. فلا فتاة على وجه البسيطة تصلح له ولم تلدها أمها تلك التي تستحقه. وهنا تبدأ الحرب بين الكنة والحماة التي نعرفها جميعا.

البعض يذهب إلى أبعاد أخرى في مسألة الاحتكار، فهناك من يريد أن يحتكر الصفات الإنسانية كالذكاء أو الجمال وغيرها. فلا ذكي غيره ولا جميلة غيرها، وإن وجدت فسنحاربها بأي وسيلة كانت لنظل نحن على رأس الهرم. وهناك من يحتكر النجاح له وحده، فيكره أن يرى غيره ناجحا، ويحاربه ويحاول التقليل من شأنه والطعن في نجاحه بأي طريقة ممكنة.

بيد أن أخطر أنواع الاحتكار وأكثره انتشارا في ربوعنا، هو احتكار الدين واحتكار فهمه وتفسيره في عملية اقصاء مقصودة للعقل. فالبعض يصر على أن فهم الدين يقتصر على جهة أو فئة بعينها من دون الناس جميعا، وكل طائفة تحاول احتكار الحق والفهم لنفسها.

بل ان بعض رجال الدين يحاولون وبشدة إقناع العامة أنهم وحدهم مالكو الحقيقة من دون الناس، فأسهل طريقة لقيادة القطيع هي باحتكار الفهم، فلا تقرأوا.. هم سيقرأون عنكم، ولا تفكروا.. هم سيفكرون عنكم، ولا تفهموا.. فهم قد احتكروا الفهم كله وليس عليكم إلا الانصياع من دون جدل.

دلع المفتي
نشر في 05/02/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 04, 2015 12:10

January 28, 2015

!ملينا

في السابق، كنا نقلب صفحات المجلات والصحف عند رؤية دعاية ما، أو نغير القناة التلفزيونية حال ما تبدأ فقرة الإعلانات، لكن الآن قوة الإعلان أصبحت تخترق كل دفاعاتنا، وتهزم كل محاولات التصدي لها أيا كانت.

أصبحت معظم الإعلانات فجة، وقحة، تغزو كل ناحية من نواحي حياتنا: في الصحف، المجلات، التلفزيون، الشوارع، المطارات، في وسائل التواصل، في رسائل الهواتف، على ملابس البشر، على مأكولاتنا ومشروباتنا وحتى الماء الذي نشربه والأغاني التي نسمعها.

فنانة معروفة، ومشهورة، تقرر أن تعمل فيديو كليب لأغنيتها الجديدة، فيتفتق ذهنها او قريحة منتجها، ان تصور الفيديو في محل مجوهرات، حيث حبيبها يراضيها بعقد ألماس أو خاتم زمرد، ويمر اسم المحل حوالي 584 مرة في الدقيقة. معلش.. مقبول، فالمجوهرات كانت وستظل هدايا المحبين. تصور الفيديو في مقهى وهي تنتظر حبيب القلب ليأتي على الموعد وفي الأثناء تشرب فنجان قهوة من ماركة معينة يتم «الزووم» عليها 5000 مرة، كمان ممكن نرضى، فالقهوة والانتظار ملتصقان. لكن أن تصور الفيديو كليب وهي في سوبر ماركت مستغرقة بالغناء والطرب، فتمسك بقنينة معطر جو وتبدأ بالرش، ثم تلتقط كيس شوربة جاهزة من على رف السوبر ماركت، وهي تغني عن الحب والهيام.. تخينة حبتين..!

نفتح الراديو على قناة معينة، فنسمع صوت صحون وأطباق وأفواه تأكل وتتحدث في الوقت نفسه، لنكتشف ان المذيع وفريق العمل يبثون برنامجهم من مطعم معين، ويحدثوننا وهم يطلبون الوجبات ويمضغون ويتلذذون بعمل دعاية «ليست رخيصة أبدا» للمطعم وأكلاته، وهم يقبضون المال ونحن علينا ان نجلس نستمع لطبلاتهم وأطباقهم ونتحمل أصوات أفواههم.

نأتي لمصائب الانستغرام. كنت أتابع فتاة ظريفة ليس لسبب، بل لأنها عفوية وتلقائية ومجنونة، وأنا أحب جنونها. تغني، ترقص، تقفز على الفراش بكل براءة دون بوزات او حركات مصطنعة، تحكي عن يومها، عن ابنها، عن مشاكلها. فجأة، أصبحت تلك الفتاة الطبيعية يافطة إعلان متحركة ووسيلة لتسويق السلع. فتارة نجدها في محل تسوق بضاعته، وتارة في مطعم معين تحكي لنا عن جودة اطباقه، وساعة عند مصمم أزياء تعرض لنا تصميماته. طبعا كله مدفوع ومخطط.

أما باقي حسابات الانستغرام فلقد أصبح الموضوع مقرفا، بعد أن نبتت شخصيات، كالفطر المسموم، اشتهرت في غضون ساعات لا شغل لها ولا عمل الا تسجيل فيديوهات لأنفسها وهي تتحدث في أي شيء وكل شيء. دروس بالمجان في: المكياج، اللبس، الإتكيت، السياسة، الاجتماع، الدراسة، الطبخ، حتى الدين.. لم يبق أحد لم يعط دروسا ونصائح وإرشادات، وعمل دعاية لساعة، لحقيبة، لمشروب، لمطعم، لبنشرجي، في الطريق، حتى أصبح مليونيرية الانستغرام ينافسون مليونيرية الواقع.

هناك غزو فكري لكل حواسنا، فأي جهة نلتفت نجد إعلانا في وجهنا، وأينما فتحنا عيوننا نجد من يقودنا في حملة تسويقية فجة وبشعة. لقد أصبحنا كالقطيع لملوك الإعلان.. «ولكم ملينا»!


دلع المفتي
نشر في 29/01/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 28, 2015 12:27

لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.