دلع المفتي's Blog: لكلٍ هويته, page 3

June 18, 2015

المقال الذي لن يقرأه أحد

كما تعلمون نحن نكتب مقالاتنا قبل أيام من نشرها، وبحسب تنبؤات الباحث الفلكي د.صالح العجيري، أطال الله في عمره، سيكون يوم الخميس، يوم نشر مقالي الأسبوعي، هو أول أيام شهر رمضان، أعاده الله عليكم بالخير والأمن والأمان في أوطانكم.
يعني اليوم أول أيام الشهر الفضيل، وكلنا نعرف أنه من النادر أن نجد من يقرأ في رمضان، فكيف بأول أيامه، ليس كرهاً بالقراءة، معاذ الله، لكن في نهاره، وبسبب قلة الكافيين، وشدة الحرارة الخارجية، وقلة الطاقة في الجسم، القراءة تسبب النعاس. أما ما بعد الإفطار، فمن عنده وقت ليقرأ؟ ولماذا يقرأ؟ نحن «يا دوب» نرمي اللقمة في فمنا، ونتمدد أمام التلفزيونات ليبدأ ماراثون المسلسلات الرمضانية، التي نصفها مقتبس من روايات، والنصف الآخر مسروق من أفلام أجنبية. لذا، وبعد هذه المقدمة الطويلة، أكتب هذا المقال، وأنا أعرف أن لا أحد سيقرأه.
أخذت أفكر، ماذا أكتب لكم أول يوم رمضان؟ هل أكتب عن الحال العربي المخزي أم عن الدماء العربية؟ عن الإرهاب أم عن الطائفية؟ عن «داعش» أم جبهة النصرة؟ أم المنافسة بينهما وبين بعض الأنظمة العربية في القسوة والعنف والدكتاتورية والظلم؟
قلت لنفسي، وهذا ما أفعله عادة عندما أتورط: «بلاها. خلي الهم والغم لأصحاب العواميد (النكدية) وخليكي بالمواضيع الظريفة اللي تخفف الهم عن القلب، وتنسي الناس مشاكلهم، إن كان النسيان ممكنا!».
وهكذا، بما أن المقالة لن يقرأها أحد، سآخذ راحتي، وأخبص على كيفي. وبما أننا تعبنا ومللنا من تكرار نفس الأسئلة كل رمضان، ومع أني بنت المفتي، لكني لا أفتي، فقد أتيت لكم بالفتاوى من مواقع بعض الشيوخ والعلماء وليس من جيبتي:
باختصار وبسرعة الإجابات عن معظم الأسئلة التي تسأل وستسأل كل رمضان لنخلص منها:
- قطرة العين، الأذن، الأنف، بخاخ الربو، التحاميل، علاج وحشو الأسنان، ابر الانسولين، الإبر الوريدية والعضلية وتحليل الدم، القيء، ليست من المفطرات.
- فرشاة الأسنان، المضمضة، الغرغرة وحتى السباحة والغوص في الماء ليست من المفطرات.
- المزاح، المداعبة والقبلة البريئة ليست من المفطرات... (بس هي حبكت؟).
- الكحل، المكياج، الحمرة. ليست من المفطرات. (بس كمان مرة.. هي حبكت؟).
- شراء باكيت السجائر لا يفطر، ما دام السيجارة تبقى داخله إلى موعد الإفطار.
- تذوق الأكل من ربة البيت لا يفطر، لكن من رب البيت يفطر.
- غاز الأكسجين لا يفطر، لكن في الغالب البني آدم الذي يحتاجه، يكون على آخر نفس، فاسعفوه.
ها انا كتبت المقال الذي لن يقرأه أحد، والأسبوع القادم، بإذن الله، سأكتب لكم مقالا آخر لن يقرأه أحد أيضا، وربما أضع فيه وصفات لأكلات رمضانية، بما أنها المواضيع الوحيدة التي تقرأ في رمضان.. عل وعسى.


دلع المفتي
نشر في 18/06/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
2 likes ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on June 18, 2015 15:56

June 10, 2015

للأصدقاء طعم.. أيضاً!

بما أننا داخلون على رمضان، وبما ان كل ما نفكر فيه حالياً هو الأكل، (والمسلسلات طبعاً)، وهذه لها مقالات قادمة، طرأت على بالي فكرة غريبة: ماذا لو نظرنا إلى الناس، ليس من شق باب، ولا من خرم إبرة، بل من خلال ملعقة طعام. لا تستغربوا.. وأكملوا القراءة.
للناس شكل ورائحة بالطبع، لكن ماذا عن الطعم، ماذا عن ذاك الإحساس الذي يبقى معنا بعد لقائهم، ذاك الطعم الذي يذكرنا بهم بعد فراقهم؟ ألا نقول هذا إنسان حلو وذاك حامض، والآخر مر والعياذ بالله؟!
لتطبيق نظريتي «الحلمنتيشية»، رحت أنظر في أصدقائي وأقرب كلا منهم للطبق الذي يشبهه، في نظري طبعا، فوجدت أن هناك صديقة لذيذة كطبق الأرز «مجبوس، كبسة، مقلوبة»، لا يمكن لأحد ألا يحبه، فهو طيب، سهل، ومشبع. وهناك الصديقة الملوخية، فمع انها سلسة إلا أنها لزجة، ولمحبيها ذائقة خاصة، لكن إن تعودوا عليها وفهموها، فسيعشقونها. أما ذاك الصديق فهو كطبق البامية، لذيذ ومفيد، لكنه أحيانا يعلق بالبلعوم، وربما يسبب لك الاختناق. وتلك الصديقة الظريفة دائما، قطعة سكر، لكن الإكثار منها يضر بالصحة وربما الأعصاب. وتلك الجميلة الرائعة التي تشبه قالب الكيك بكامل زينته، لكنه في الداخل بلا «فكاهة ولا مازية». ودعوني لا أنسى الأشخاص السيئي الطعم كطعام الطائرات، بلا رائحة ولا نكهة.
في الخلاصة، نحن إن دخلنا مطعما، انتقينا الاكلات التي نحبها وطلبنا الطبق الذي تستهويه ذائقتنا.. صحيح؟ طيب، ماذا نفعل إن كنا مدعوين على وليمة عشاء قضت سيدة البيت نهارها في المطبخ لتعدها؟ بكل بساطة نأكل ما في الطبق، نقول لها سلمت يداك يا ست الكل، ثم نركض لأقرب مطعم لنأكل ما نحب.
ركزوا معي.. هذا بالضبط ما نفعله في حياتنا الاجتماعية. هناك أشخاص مفروضون علينا، كما اكل العزائم تماما: معارف، زملاء، مدراء، أقرباء. نسايرهم، نحادثهم، نجاملهم، ننهي واجباتنا معهم، ثم نهرب لأقرب صديق لنتبادل وإياه الهموم والأفراح.
ربما تكون أنت البيتزا لأحدهم و«سوشي» لآخر. ربما تكون عسلا بالنسبة لهذا، بينما خروعا لذاك. هذه حال الدنيا.. فمن يعجبك يمكن ألا يعجبني، ومن تعشقه ربما اجده غاية في التفاهة. لا يمكننا فرض رؤيتنا على غيرنا، فنحن مختلفون.. ولولا اختلافنا لمتنا ضجرا ومللا.
انظروا في أصدقائكم.. فستجدون أن الأصدقاء كالمشروبات أيضا، فذاك فنجان قهوة لا يمكنك استفتاح نهارك إلا بسماع صوته، وذاك كأس مثلج من الليمونادة، يروقك ويهدئ أعصابك، وآخر فنجان يانسون تختتم به يومك على ضحكة على كلمة حلوة، على دعاء من القلب.
لكل الأطباق اللذيذة التي مرت عليّ: أصدقاء، أقرباء، قراء، ومغردين.. رمضان كريم عليكم جميعا، وكل عام وأنتم بخير.


دلع المفتي
نشر في 11/06/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 10, 2015 15:48

June 3, 2015

أنقذوا الإسلام من بعض المسلمين

اتصلت بي ابنتي المغتربة تصرخ بصوت مبحوح: ماما كنت أتخانق مع واحد في الشارع لمدة ساعتين. فجعت، فصغيرتي ليست من أصحاب المشاكل، ولا يعلو صوتها على أحد. هدأت من روعها قليلا لأفهم تلك المشكلة التي سرقت منها صوتها.
حكت لي: رجل أميركي يقف على الرصيف، وأمامه كتب ولافتات، وهو يتكلم عبر الميكرفون، يحكي عن الإسلام بطريقة سيئة، ويخدش في سيرة نبينا، ويقول إن الإسلام دين عنف وإرهاب ودم.
سألتها: ماذا فعلت، فردت: الرجل كان مطلعا جيدا، ويدعي أنه درس الإسلام، وكان يأتي بأحاديث وآيات من القرآن، ليؤكد بها وجهة نظره السلبية تجاه الإسلام. سألتها: كيف كانت ردة فعلك تجاهه، قالت: ماما أنا كنت في قمة الغضب، أرتجف ولم أعرف كيف أرد، لكن كل ما استطعت قوله، أنه أيا كان رأيك عن الإسلام، لكني أستطيع ان أؤكد لك أنه رأي عنصري وغير صحيح، وأنت بعملك هذا تنشر الحقد والكراهية بين الناس، وبين الأميركيين أنفسهم، فأنت تعرف أن هناك الملايين من الأميركيين مسلمون.
لأفهم خلفية وهدف هذا الرجل، قمت بعمل قليل من البحث، فتبين لي أن الرجل يدعى لويس لايون هارت (أو قلب الأسد)، وأنه منذ سنين يتخذ تلك البقعة على الرصيف في لوس أنجلوس مركزا لبث أفكاره وحقده وكراهيته ضد الإسلام. إذ كان باحثا جيدا، وقد اقتبس الكثير من الأمور التي هاجم بها الإسلام من فتاوى مشايخنا، وبعض الأحاديث والتفسيرات المغلوطة، ليزيد من نار الإسلاموفوبيا.
للأسف، «الاسلاموفوبيا»، أو الخوف غير المبرر والعداء للإسلام والمسلمين، أصبح واقعا ملموسا في كل دول العالم، وأصبح إلصاق تهم العنف والقسوة والإرهاب لديننا الطريقة المثلى لأعدائنا لتجييش الناس ضدنا، وتغذية المشاعر السلبية ضد المسلمين. وقد أطلق مركز التقدم الأميركي (CAP)، ومقره واشنطن تقريره عن شبكة من الأفراد والجماعات الكارهة للإسلام، والمعروفة باسم شبكة الإسلاموفوبيا، والبالغ تمويلها 57 مليون دولار سنويا، تعمل على تأجيج الإسلاموفوبيا، وتهميش المسلمين في المجتمع الأميركي، ونشر الكراهية المطلقة لهم.
وحتى نكون منصفين، فالحق كله لا يقع على الغرب الكاره، فالكثير من المسؤولية لما يحصل لسمعة ديننا تقع على عاتقنا. ودعونا لا ننسى شكر داعش وأخواته، على السمعة السيئة التي ألصقوها بديننا، وديننا منها براء، فلقد أصبحنا في عيون العالم إرهابيين، نقتل ونذبح، ونسحل، ونسبي، ونحرق ونهدم آثارا، ونمحو حضارات.. وكله باسم الله.
بأي شكل نريد أن نقدم ديننا، والبعض عمل منا أضحوكة في عيون العالم الخارجي؟ كيف نفسر لهم أن ديننا دين رحمة ومحبة ومغفرة، وهم يظهرون على الشاشات يوميا، وهم يرتكبون أشنع الجرائم، وهم يصرخون الله اكبر؟ كيف نثبت للعالم أننا بشر مثلهم، ولسنا وحوشا بشرية، ونحن نشوي إنسانا حيّا على نار هادئة؟ كيف نقنعهم أننا مسالمون، ودماؤنا تسيل يوميا فداء للطائفة والمذهب؟
ألم يحن الوقت لننقذ الإسلام من بعض المسلمين؟


دلع المفتي
نشر في 04/06/2015
http://alqabas.com.kw/Articles.aspx?A...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 03, 2015 15:53

May 27, 2015

«ينقص ما يزيد»

كنت مدعوة إلى وليمة غداء في أحد المطاعم الشامية. وكما العادة، ووفقاً لثيمة «يزيد ما ينقص» لا بد أن يظهر الكرم الحاتمي لمضيفنا، فطلب كل قائمة الطعام. قُدمت صحون المازة بداية، وبين الحمص، المتبل، الفتوش، التبولة، الكبة النية والمحمرة، امتلأت بطوننا. دقائق ونزلت صحون المشاوي: الكباب، الكفتة، الشقف، العرايس، الريش وغيرها. وكما العادة أيضا، لم يستطع أحد منا لمس صحون اللحمة، فاعتذرنا من مضيفنا.. وشكرناه وحمدنا ربنا على النعمة.
جاء النادل ليرفع أطباق الأكل «الممتلئة» عن الطاولة، فاقترب مني يهمس في أذني: «مدام، كرمال الله خذوا الأكل معكم». تعجبت من قول النادل، فقلت: «لا.. وزع الأكل على عمال المطعم، أو تبرع به للمحتاجين». فرد ممتعضاً: «ممنوع. لا يمكننا. كل ما يرفع من على الطاولة ينزل في أكياس القمامة، هذا القانون».
تذكرت تلك العزيمة عندما قرأت خبرا في القبس عن قانون أقره المجلس الأدنى في البرلمان الفرنسي يجبر متاجر الأغذية الفرنسية على التبرّع بأي غذاء لم يتم بيعه أو تحويله إلى سماد أو تقديمه علفاً للحيوانات بدلاً من التخلص منه. ويضيف الخبر أن ما يصل إلى 30 كلغ من الأغذية لكل شخص تهدر في فرنسا سنوياً، أي ما تصل قيمته إلى 20 مليار يورو. فتساءلت: تُرى، كم طنا من الأغذية تهدر في بلادنا؟! طبعا ليس هناك حساب، لأنه ليس هناك من يحسب.
أستطيع أن أفهم سبب القانون الآنف الذكر في المطاعم والفنادق لأسباب مختلفة، لكنني لا أستطيع تصور أن كل الأطباق تنتهي في برميل النفايات. فكميات الطعام المُهدَرة في مجتمعاتنا يمكنها ان تطعم كل جياع العالم، «ويزيد»، ولا بد من طريقة لتمرير هذه الأطعمة لمستحقيها، بدلاً من الاكياس السوداء.
ها نحن على أبواب الشهر الفضيل، وقد شنّت حملات التبضع، بعد أن امتلأت رفوف الجمعيات بما لذ وطاب من المأكولات تجهيزاً لرمضان. وها قد بدأ الاندفاع والتسابق نحو المحلات التجارية لشراء المواد الغذائية، استعداداً لموائد البذخ والتبذير والإسراف، التي يذهب نصفها إلى سلة القمامة أو إلى الجامع في أحسن تقدير. لكن ليكن في علمكم حتى الجامع ورواده أصابتهم التخمة، وما عاد باستطاعتهم استهلاك هذا الكم من «البقايا» التي ترسلونها لهم «لتبرئوا بها ذمتكم وتريحوا ضمائركم».
المحزن في الموضوع ان ملايين البشر يموتون سنوياً بسبب الجوع، بينما هناك ملايين يموتون بسبب التخمة، فلا تفخر بنفسك إن كنت تستدعي جمعيات جمع الفائض من الطعام بعد وليمتك أو عزيمتك. الأفضل والاجدى والأحسن عند ربك أن تجمع المال قبل أن تهدره على ولائم كل همها التفاخر، وتوزعه على المحتاجين، «وما أكثرهم في بلداننا!»، بدلا من توزيع فضلات مائدتك وبقايا أطباقك.
كفانا أكلاً.. ودعوه «ينقص ما يزيد»، فقد كان أجدادنا يربطون على بطونهم حجراً من شدة الجوع، فأصبحنا نربط المعدة من شدة التخمة.


دلع المفتي
نشر في 28/05/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 27, 2015 14:02

May 20, 2015

انفصام الانفصام!

حادثتان مرَّتا بي في الأسبوع الماضي، وددت أن أحكي لكم عنهما من دون أن أطلق حكم قيمة لأي منهما.
في صالة الانتظار في مطار الكويت، كانت تجلس على مقربة مني. جميلة، محجبة، تلبس العباءة والشيلة. ما ان أعلن عن اقتراب إقلاع الطائرة، دخلت الفتاة إلى الحمام، لتخرج بعد دقائق فتاة أخرى، من دون حجاب ولا عباءة وبكامل زينتها ومكياجها.
لا أحكم على أحد وفق طريقة ملابسه، وليس لي شأن باختيارات أي شخص، ولست ضد السفور ولا ضد الحجاب، لكنني ضد اجتماعهما معاً في الفتاة نفسها. فهذه الشزوفرينيا التي تعيشينها والتناقض في شخصيتك حتى إن كانت فرضت عليك فرضا، يبعث على الاستغراب. فإن كنت وجدت الجرأة على نزع الحجاب والعباءة في المطار والخروج سافرة، رغم أنك في مكان عام، فالأولى أن تبحثي عن الجرأة لتواجهي من فرض عليك ما ترفضينه ضمنا، وتناقشيه، ثم تفعلي ما اخترت عن قناعة، سواء أكانت للحجاب أم للسفور.
الحادثة الثانية كانت في منتهى الظرافة والألم أيضاً، فبعد خروجنا أنا وزوجي من حفل عرس بنت صديقينا في البحرين، اقترب منا مراهقان. توجه أحدهما مباشرة بالحديث لزوجي: «عمي ممكن تدخلني العرس؟»، لم نستطع مداراة صدمتنا لطلب الشاب، فسألته: «ولماذا تريد أن تدخل العرس وأنت لا تعرف أحدا به؟». قال: «نحن تونا اليوم واصلين البحرين، نريد أن نتفرج، لم نر في حياتنا حفلاً وناساً مستانسة وفرحانة. ندخل بس شوي». ثم التفت إلي راجيا: «خالتي الله يخليكي دخلينا.. بس «شوط واحد»، والله ما نسوي مشاكل».
شعرت بالحرقة على هذا الشاب الذي لم ير كيف يكون الفرح بينما من هم في سنه يفرحون ويمرحون ليل نهار. قلت: والله يا ابني لو حفلة عرس ولدي لكنت سمحت لك بالدخول، لكن الحفل ليس حفلي، فاعذرني.
الحادثتان تركتا في قلبي غصة لحال شبابنا وبناتنا المقموعين اجتماعيا. فأينما ذهب أولادنا في مجتمعاتنا يصطدمون بـ «الممنوع أو المحرم أو المكروه». قمع وكبت وحرمان.. قد يؤدي بمعظمهم في النهاية إلى سوء الاخلاق والعنف والتصرفات اللامسؤولة.
إن الشباب من الجنسين ما هم إلا مخزون طاقة هائل، وإن لم يجد الواحد منهم التوجيه الصحيح لطاقته عبر أنشطة تستوعبها ومجالات يرحب بهم فيها، تراكم الضغط الداخلي فيهم إلى أن ينفجر، غالباً، عدوانية وإحباطاً وانفصالاً عن المجتمع.. وفي حالات قصوى، إرهاب.
للأسف، انفصام الشخصية في مجتمعاتنا العربية لا يقتصر على الأفراد فقط، بل امتد ليشمل المجتمعات، والحكومات والحكام أيضا. فمن جهة نتكلم عن سماحة الدين، ومن الجهة الأخرى نقمع باسمه. بيدٍ نشجع على الإبداع والانفتاح، وباليد الأخرى نكبت الإبداع ونكمم الأفواه. صوت ينادي بالحريات وأصوات تكبلها.
إنه انفصام الانفصام، والعياذ بالله!

دلع المفتي
نشر في 21/05/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 20, 2015 14:26

May 6, 2015

ابقَ حيث الغناء.. فالأشرار لا يغنِّون

منذ أيام، وفي لحظة، وجدت نفسي فيها خارج المكان والزمان، فقدت القدرة على إدراك محيطي. غمرني شعور بنشوة غريبة وفرح غامر. كان إحساسا قديما كدت أنساه. توقفت للحظات لأسترجع ذاكرتي المفقودة.
المشهد جميل. كنا نمشي في الهواء الطلق. نسمات عليلة تهب علينا تحت قمر ينير السماء. الأشجار والأزهار تحيط بنا من كل جانب. طرقات نظيفة، أشجار نخل تعانق السماء، وصوت موسيقى جميل. خضرة وماء ووجوه حسناء أينما نظرت. مشهد يبدو خيالياً، كما لو كان يخرج من رواية أو موضوع إنشاء، بدقة التفاصيل الجميلة. كنا مجاميع من الناس نمشي، زرافات ووحدانا، مواطنين وعرباً وأجانب، دبلوماسيين وسفراء، الصغير والكبير، المحجبة والسافرة، الرجل والمرأة، من أتى بعربة أطفال، ومن أتى على كرسي متحرك. حسبت أني في دولة أوروبية، أو في دبي على الأقل..
توقّفت للحظة، واسترجعت إدراكي. استوعبت أننا في الكويت، وللتو خرجنا من حفلة الفنان جهاد عقل عازف الكمان الشهير، التي أقيمت في حديقة الشهيد. لساعة من الزمن، استعدنا فرحة أيام السبعينات والثمانينات، أيام الكويت الذهبية. كويت الفرح والفن والموسيقى والمسرح. زمن الإثراء الفكري والفني والثقافي لبلدنا، عندما كانت الكويت الرائدة فنياً بمسرحياتها الراقية وحفلات الطرب والترويح السياحي. زمن كان أهل الخليج فيه يأتون الى الكويت (قبل أن نبدأ بالذهاب إليهم) لحضور حفلات أكبر المطربين على مسارحها.. أيام الأعياد الوطنية وعروضها الراقية على شارع الخليج. أيام سناء الخراز وشادي الخليج وفيروز وأم كلثوم وديميس روسس، والـ«بوني إم»، وغيرهم من كبار الفنانين والفرق التي استقبلتها الكويت.
تلك الأيام الذهبية كانت قبل أن يمتد النفوذ السياسي للمجاميع الدينية متدخلين في كل مناحي حياتنا ليحرّموا علينا الفرح والموسيقى والفن، وقبل أن يمنعوا الاختلاط في الجامعة، وقبل أن تمنع الحفلات ويجرم الرقص. قبل أن يبدل «اسم النافورة الراقصة» بـ«النافورة الموسيقية»، وقبل أن تقرر رحلات مدرسية إلى المقابر لأطفال لم يعوا الحياة حتى يعوا الموت.
كانت ليلة من ألف ليلة وليلة، ليس بفنانها فقط، بل بشعورنا نحن الجمهور، الذي قدر كل نغمة وكل جملة موسيقية، وكل خدمة كانت تقدم لنا «مجاناً» ونحن نحضر الاحتفالية. حتى المخدات التي وزعوها علينا لنجلس عليها، وددنا لو قبّلناها حبّا وتقديراً وشكراً.
اشتقنا الى الفرح، اشتقنا الى الموسيقى، اشتقنا الى المسرحيات الراقية والفعاليات المحترمة. نريد فنا راقيا وأدبا راقيا. نريد لأطفالنا أن يتعلموا الموسيقى، وأن يغنوا ويرقصوا... فالموسيقى حياة، ونحنُ نحبُّ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلاً، كما قال درويش.
شكرا لكل من كان له يد في هذا المشروع الجميل. شكرا لمن يعمل على إعادة روح الفرح الى كويتنا، بعد أن افتقدناها لسنوات. شكراً {لوياك} لادارة المشروع برقي وجدارة، شكرا الديوان الأميري.. وعساكم عالقوة. فنحن نريد «أن نبقى حيث الغناء والموسيقى.. فالأشرار لا يغنون».


دلع المفتي
نشر في 07/05/2015
http://alqabas.com.kw/Articles.aspx?A...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 06, 2015 14:45

April 29, 2015

عبئوا لحظات عمركم الحلوة

تعودت أن أعبئ لحظات عمري الحلوة في قوارير «ذهنية» في رأسي. أعبئ ساعات الفرح، نظرة حب، ابتسامة غريب، عناق طفلة لاجئة على أرصفة الغربة، عبارة «الله يحن عليكي» من أمي، اللحظة التي رأيت بها عيون وليدي لأول مرة، يوم عودتي للكويت بعد التحرير، رائحة الياسمين الشامي، اللحظة التي اكتشفت بها أن كيكة عرسي يمكنها ان تفوز كأبشع كيكة عرس في التاريخ.. لحظات ضحكت منها وضحكت عليها..
دائما ما أطلب من أصدقائي وأبنائي أن يركزوا في اللحظات السعيدة، وأن يحاولوا سرقة بعض آثارها وإخفائها في الجيب الخلفي من الذاكرة. فتلك اللحظات على قلتها هي التي تمدنا بالطاقة والرغبة في الحياة، وهي التي سنحتاج اليها في الأوقات الأصعب.
من المعروف أن أهم وأكثر الأمور رسوخا في الذاكرة هي الرائحة، إذ يقول بيت فرون في كتابه «الرائحة: أبجدية الإغواء الغامضة»، إن الروائح تؤثر بشكل ملموس في المشاعر والعواطف الانسانية، ولها تداعيات دراماتيكية على السلوك النفسي والجنسي والانفعالي، لأن حاسة الشم مرتبطة بحركة الهرمونات وبالدوائر العصبية في مخ الانسان. ومن دون الشم تفقد حياتنا الكثير من جمالها وبهجتها.
ويشرح فرون: إن لكل انسان «جواز سفر شمّي» يميزه عن غيره. وتلعب جوازات السفر الشمّية دوراً محورياً في تشكيل الشبكة العنكبوتية الاجتماعية التي تربط الناس بعضهم ببعض، كما تساعد الرضع على التعرف على أمهاتهم من روائحهن. وأطلق علماء مصطلح «ذاكرة الرائحة» للدلالة على وجود تقنيات في دماغ الإنسان تستطيع تذكر الروائح والتفاعل معها، بل وتستطيع هذه الروائح إحداث تغييرات فيزيولوجية في الإنسان عبر تنشيط مناطق معينة في الدماغ تجعل الإنسان يتذكر أشياء، أشخاص، أماكن وأحداث ارتبطت برائحة المادة التي يشمها.
منذ أيام قرأت خبرا مفاده ان شركة فرنسية تنوي بيع عطور مستخرجة من روائح الملابس لأحباء غابوا أو رحلوا أو توفوا. الفكرة لسيدة فرنسية فقدت والدها ووجدت أن أمها تفتقده بشدة إلى درجة أنها أحجمت عن غسل غطاء وسادته لتحتفظ برائحته عليها. وقد توصلت جامعة لو هافر إلى إيجاد تقنية تستخلص رائحة الشخص المعني من ثيابه، وإعادة تشكيلها على شكل عطر في عملية تستغرق أربعة أيام. وسيكون السعر في حدود 560 يورو.
قد تتلخص الذاكرة في كلمة، صوت، منظر، أو رائحة محببة تتسلل إلينا من ثقوب النسيان. لحظة يمكنها فتح نوافذ الروح على أحداث مرت علينا وتمنينا ألا نفقدها.. وفقدناها.
لا تنتظروا تعبئة ذكريات من تحبون في قارورات حقيقية، عبئوها بحرص في قارورات داخل قلوبكم، في أذهانكم. عبئوا رائحة أحبائكم، عيون اطفالكم، ابتسامات أمهاتكم، أفراحكم، عناقاتكم، قبلاتكم، سهراتكم وأقماركم المضيئة.. ستحتاجونها يوم لا قمر فيه.


دلع المفتي
نشر في 30/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 29, 2015 13:52

April 22, 2015

لماذا السواد؟!

أمي تحب الألوان المبهجة وتكره الداكنة كالأسود والبني والرمادي، وعند زيارتها دائماً ما أحرص على انتقاء ألوان مفرحة لملابسي. عندما خرجت من غرفة العناية المركزة وهي بالكاد تستطيع فتح عينيها، وحال ما رأتني ابتسمت وهمست: ما يبلى الأخضر.
يغفل الكثير من الناس عن تأثير الألوان على نفسياتهم وأمزجتهم، مع أن «علم النفس اللوني» Color psychology يؤكد أن للون أثراً عميقاً على المشاعر والسلوك البشري، وهو يعكس الحالة النفسية والمزاجية للإنسان سلباً أو إيجاباً، فقد يفرح لون شخصاً وقد يحزنه، قد يدفئه، يبرده، يوتره وقد يهدئه.
العالم الأميركي سيغمان مارتن اشتهر بمعالجة المرضى بالألوان، وأثبت من خلال أبحاثه أن كل لون يتماشى مع ترددات معينة في الجسم، ومنها توصل إلى مدلولات الألوان وتأثيرها على الإنسان، فيقول:
اللون الأحمر: لون الحب الملتهب والنشاط والحيوية. ينشط خلايا الجسم ويرفع طاقتها، ولكن التعرض إليه لمدة طويلة قد يؤدي إلى التوتر وارتفاع ضغط الدم والغضب.
اللون الأصفر: لون الشمس. يشعرك بالدفء ومنبه، مفرح، ينشط خلايا الدماغ ويبعث السرور والنشاط في النفس.
اللون الأخضر: لون الطبيعة. يساعد على إعادة التوازن لخلايا الجسم، مفيد للقلب، ويساعد على التنفس بعمق، ولذلك يلبسه الأطباء في العمليات الجراحية.
اللون الأزرق: لون الهدوء، لون البحر والسماء، مسكن للآلام، مساعد للنوم، يساعد على تخفيض ضغط الدم، ويساعد على الإبداع.
اللون الأبيض: لون السلام والهدوء. ويستخدم في تهدئة المرضى، ينشط جهاز المناعة ويُضفي على النفس الطمأنينة والسكون.
نأتي للأسود وهو بالمناسبة ليس لوناً، بل انعدام اللون، وهو لون سلبي، رغم أنه وللأسف الأكثر انتشاراً في بلادنا. الأسود لون الحزن، الظلام والانطواء. يدعو إلى الاكتئاب والتشاؤم، يقلل النمو، يسبب الحساسية والأمراض، يبعث على النعاس ويحتفظ بالحرارة، خصوصاً في أجوائنا الملتهبة.
من المعروف أن العباءة السوداء كانت يوماً ما موروثاً عند البعض، فالعباسيون في فترة هارون والمتوكل أمروا النصارى بلبس السواد واليهود بلبس الأزرق للتفريق بين أهل الذمة والمسلمين. بيد أنه في بعض الدول المسلمة تلبس النساء البياض كتونس مثلاً، والازرق كأفغانستان، والألوان المختلفة كالمغرب وليبيا، فالسواد ليس فرضاً إسلامياً.
في بلادنا، وبطريقة ما تم فرض السواد على عباءات النساء، وأجبرن على ارتدائه من دون سند شرعي، فلا وجود لنص قرآني ولا لحديث صريح يفرضه. فهل هو المجتمع أم العرف أم التقاليد.. أم الرجل الذي فرض لبس السواد على المرأة واستأثر بالبياض لنفسه؟
إن لون العباءة لا يمكنه أن يكون مؤشراً على ضلال لابستها، ولا سواد عباءتها دليل على صلاحها. فإن كنت تحبين الأسود فهو خيارك، ولكن الألوان هي نعمة من نعم الخالق عز وجل، والحياة ألوان.
فالبسوا الألوان.. البسوا الحياة.


دلع المفتي
نشر في 23/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 22, 2015 15:54

April 15, 2015

عن البلاد التي نحبُّها أكثر مما تحبّنا

عندما قرأت سبب منع روايتي «رائحة التانغو» في القبس، جهّزت حقيبتي واستعددت للذهاب إلى المعتقل، وجلست أنتظر رجال المباحث، فتهمة بحجم «الإساءة إلى النظام بدولة الكويت» لا بد أن تؤدي إلى السجن. ولكن حين قرأت التهم الموجهة إلى كتّاب آخرين بسبب محتوى كتبهم، كالإساءة إلى الديموقراطية والدستور، إثارة الحزازات والكراهية بين فئات المجتمع، إثارة الفتنة الطائفية، التعرض للذات الإلهية، هدأت من روعي قليلاً.. فإذا كانت تهمتي هذه تودي بي إلى المعتقل، فتهمهم قد تقودهم إلى حبل المشنقة.
ورغم التهم الفادحة للزملاء الكتّاب والكاتبات، فإن الإساءة إلى نظام الدولة ليست تهمة بسيطة أيضاً، ولا يمكن التغاضي عنها بسهولة. لا أعرف طبعاً ولا غيري من الكتاب على أي أساسٍ يصدرون حكمهم بأن هذا الكتاب أساء إلى النظام، وذاك أساء إلى الديموقراطية، والآخر أثار النعرات الطائفية، ولكن من جهتي أنا متأكدة أني لم ولن أسيء إلى الكويت يوماً.. لا كتابةً ولا قولاً ولا فعلاً.
إن كان انتقاد سلبيات مجتمع ما وتسليط الضوء عليها يعتبران إساءة إلى البلد، فلتغلق الصحف والإذاعات، ولتوقف المسلسلات والمسرحيات، ولتكسر أقلام كتّاب الرأي والأدب، إذ لا يمكن أن تعتبر الكتابة الروائية أو الصحافية عن مجتمع فيه الصالح والطالح، الجيد والرديء، إساءة. هل وضع أصابعنا على جروحنا في محاولة لإخراج القيح منها يعتبر إساءة إلى البلد؟!
أعرف تماماً أن معظم المواضيع التي تطرقت إليها في روايتي الممنوعة تم التطرق إليها من قبل كثيرين من الكتّاب الكويتيين الذين أجيزت رواياتهم، وأعرف أن المواضيع تلك نتناولها يومياً في مقالاتنا في الصحف، وحسب تصريح المحامي حسن العيسى في الجريدة: «قرأت رواية دلع المفتي تحت عنوان «رائحة التانغو»، ولم أجد بتفسيري القانوني المتواضع كلمة واحدة يمكن أن تفسّر على أنها «إساءة للنظام بالكويت». إذا وحسب ما وصلني، سبب المنع ليس ما كتب في الرواية، بل فيمن «كتب الرواية».
أسمّي نفسي «محظوظة الوطنين»، فبين ياسمين الشام وزرقة بحر الكويت علاقة وطيدة ليست في قلبي فقط، ولكن في قلوب كثيرين من أهل البلدين. لكن أبى بعض أعضاء لجنة الرقابة إلا أن يستكثروا عليّ وطناً عشقه يجري في عروقي، ورفضوا أن أنتقده، تيمناً بدستوره الذي يعطيني هذا الحق ويدافع عني.
فعلى العكس مما يظنه البعض (ولجنة الرقابة منهم) الكويت بالنسبة إليّ ليست جنسية ثانية ولا هي بئر نفطية، ولا فرصة لتحويشة العمر. الكويت بالنسبة إليّ وطن.. ووطن نهائي وغالٍ أيضاً. فقد عشت في الكويت أكثر بكثير مما عشت في سوريا، مسقط رأسي، ربيت هنا، التحقت بالمدارس هنا، تزوّجت هنا، وأنجبت أربعة «كويتيين» مثل الورد لهذا الوطن. فإن كنتم تستكثرون عليّ انتقاد بلدي، فعلى الأقل اسمحوا لي بأن أحلم ببعض الإصلاح من أجل أولادي.
عندما منع كتابي، اتصلت بي محطة تلفزيونية عربية تريدني أن أتكلم عن المنع والرقابة في الكويت.. اعتذرت. لم يهن علي بها..! تلك هي البلاد التي نحبها أكثر مما تحبنا..!


دلع المفتي
نشر في 16/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 15, 2015 13:58

April 8, 2015

أنا شمطاء!

شَم.طَ، أَشْمَط، شَم.طَ، شمطاء. حاول أن تكررها مرتين، ثلاث مرات على لسانك، وستمتعض.. ستشعر بالفعل أنها شتيمة، والحق هنا لا يقع على الكلمة، بل على مدى استعمالها من دون فهم لمعناها.
شمطاء في اللغة: وصف لمن اختلط سواد شعرها ببياضه، أما صيغة المذكر فهي أشمط، الذي خالط بياض رأسه السواد. لكننا كالعادة نسمع بالشمطاء ولا نسمع بالأشمط، مع ان معظم الشمطاوات يصبغن بياض شعرهن، بينما معظم الذكور (على حد علمي) يتركون شمطهم من دون إخفاء، وفي النظرة العامة يعتبر بياض شعر الإناث عيبا ومدعاة للشتيمة، بينما بياض الذكور وقار ورزانة.. إنه مجتمع ذكوري مريض لا فرار منه!
شمطاء لا تعني قبيحة ولا غبية ولا خرفة ولا حتى العجوز، كما المتداول، فالبعض يغزوه الشيب في العشرينات، لكن استسهل البعض استعمالها واطلاقها في وجهي كشتيمة، كلما كتبت شيئا لا يعجب بعض المغردين. ففي هجوم سريع وحاسم، أول شتيمة تخطر على بالهم هي «أنت يا الشمطاء»، أو «يا العجوز»، أضحك وأوافقهم. فإن كتب لي أحدهم أنت يا العجوز، أضيف له، لا تنس الشمطاء. وإن كتب شمطاء، أضفت العجوز. فهذه لا تمشي من دون تلك، والشتيمتان (إن اعتبرناهما شتيمة) مترادفتان، ولا تصح واحدة من دون اختها.
لا أدري كيف أصبح التقدم في العمر شتيمة، ولا أفهم كيف يجرؤ البعض على شتم أحدهم بسنيّ عمره، وكأن التقدم في السن نقيصة، ولا أفهم كيف أصبح الكبر عيبا وموضوعاً للسخرية؟! يدعون أنه أرذل العمر، بينما هو أجمل العمر. عمر الخبرة والخير والصبر. عمر واسع وعقل ناضج، عمر يفيض بالحب لكل الناس.
معظم الشتائم في وسائل التواصل الاجتماعي تخرج من أشخاص يتخفون خلف أسماء وهمية، وكأن الشتيمة اثبات ضروري لوجودهم الوهمي وتغطية على واقعهم المهمش. وفي المقابل، هم أنفسهم يكونون عرضة للذل والمهانة فيشتمون ليتساووا في توزيع السوءات على الآخرين. البعض الآخر يعتقد انه يمتلك الحق المطلق، وعليه يجب أن يعممه على الجميع بدعوى المناصحة، بالحسنى وإلا.. فبالشتائم.
إلا ان أقسى وأبشع الشتائم تلك التي توجه من حواء لحواء.. فالغيرة، الشعور بالنقص، الكيد والحقد ومحاولة للفت النظر، تدفع الكثيرات إلى استخدام أقسى الشتائم، وأكثرها ابتذالا، حتى وإن كانت تشتم نفسها في ما تحسبه شتيمة بنات جنسها.
عزيزي الذي تشتم وتسخر من «العواجيز، الشُمْط» دعني أفاجئك بمعلومة. أنت أيضا ستكبر وتعجز وتهرم.. وإلى ان تجد العقار السحري الذي سيسمح لك بالاحتفاظ بشبابك للأبد، ستتعثر بمن يقوم بشتمك وإهانتك بعمرك وعجزك وبياض شعرك.
تشتمون الانثى بالشمطاء. حتى بالشتيمة لا تفقهون. يعني إن أردت أن تشتم امرأة فتقول لها: يا من اختلط سواد شعرك ببياضه؟ هذه عبارة طويلة ولا توجع.
نعم، أنا شمطاء.. فإن أردت أن تشتمني فابحث عن شتيمة أخرى «تستاهل بؤك».


دلع المفتي
نشر في 09/04/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 08, 2015 13:37

لكلٍ هويته

دلع المفتي
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
Follow دلع المفتي's blog with rss.