دلع المفتي's Blog: لكلٍ هويته, page 2
October 8, 2015
ابتسامة خجلى .. الشيخة حصة لوزارة الثقافة
الشَّيْخ في اللغة لقب يطلق على من أدرك الشيخوخةَ، وهي غالبا عند الخمسين، وهو فوق الكهل ودون الهرم.
دينياً، هو لقب يُطلق على رجل الدّ.ين الإسلاميّ كشيوخ الأزهر. وشيخ الإسلام: لقب يُطلق على فقهاء الإسلام، وقد كان محصورًا في رجال العلم والتصوّف.
اجتماعياً، شيخ البلد: من رجال الإدارة في القرية، وهو دون العمدة. وشيخ القبيلة: رئيسُها القائم على شؤونها.
خليجيا: هو لقب رئاسي في بعض بلدان الخليج (من الأسرة الحاكمة) فسمُوّ الشَّيخ يكون ذا مكانة في علم أو فضل أو رياسة. لكن ليس كل شيخ، شيخاً..!
اسمها حصة صباح السالم، يسبقه لقب «شيخة»، وإن كان هناك من يستحق «المشيخة» فهي هذه السيدة الراقية، المتواضعة، الدمثة، التي تعمل في صمت، ومن خلف الكواليس لرفع اسم الكويت محليا ودولياً على الصعيدين الثقافي والحضاري.
منذ 1983 أسست الشيخة حصة دار الآثار الإسلامية، وهي مؤسسة ثقافية يتركز نشاطها حول مجموعة فنية خاصة تمتلكها هي وزوجها الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، التي أصبحت مع مرور الزمن، تضم 30000 تحفة، تمتد جغرافيا على اتساع العالم الإسلامي من اسبانيا إلى الصين، وزمنيا ما بين القرنين السابع والتاسع عشر الميلاديين.
لكن نشاط الشيخة حصة لم يقتصر على الانفتاح على الحضارات الانسانية الأخرى للتلاقي والتعارف الثقافي، ولا على عرض القطع والآثار الفنية ونقلها لمتاحف العالم والتي تسميها «عقد حوار بين الشعوب، وحوار مع التحف الأثرية ذاتها ككائن حي تحكي عن نفسها وعن مواطنها التي تأتي منها»، بل بادرت إلى تشييد مؤسسة ثقافية كويتية تعنى بالفن، الأدب، الموسيقى وكل ما يساعد على تطوير الإنسان الكويتي روحا وفكرا. فدار الآثار الإسلامية تقدم سنويا، موسما ثقافيا شاملا يتضمن محاضرات، أمسيات موسيقية، ندوات، ورشاً فنية، برامج للأطفال، رحلات ثقافية، وبرامج تدريب لهواة الفن والمتاحف.
كما تضم الدار مكتبتين، إحداهما تحتوي على مجموعة من الكتب الخاصة بالفن وحضارة بلاد المسلمين، والأخرى مجموعة من الكتب النادرة. ولم تكتف الدار باحتواء الكتب، إذ تقوم حاليا بإجراء مسح ضوئي لهذه الكتب لإنتاج نسخ الكترونية منها عالية الدقة، لكي يتسنى للباحثين والمهتمين استخدامها. وتقيم دار الآثار الإسلامية أنشطتها وفعالياتها في ثلاثة مواقع هي: دار الآثار الإسلامية في متحف الكويت الوطني، مركز الامريكاني الثقافي، ومركز الميدان الثقافي في اليرموك.
الشيخة حصة صباح السالم، مديرة دار الآثار الإسلامية، التي كانت خلف كل تلك الانجازات، صورة مشرفة للمرأة الكويتية. امرأة معطاءة، ذات حضور متميز، نذرت نفسها لأكثر من ثلاثين عاما لإحياء التراث الإسلامي، وتطوير وتمكين الثقافة والموسيقى والفكر الحر في الكويت.
إنها المرأة العاشقة للتاريخ، المفتونة بالآثار، المسكونة بالثقافة والفن والأدب. فهل هناك من هو أجدر منها لتكون وزيرة للثقافة الكويتية التي بات استحداثها ضرورة ملحة؟!
دلع المفتي
نشر في 08/10/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
دينياً، هو لقب يُطلق على رجل الدّ.ين الإسلاميّ كشيوخ الأزهر. وشيخ الإسلام: لقب يُطلق على فقهاء الإسلام، وقد كان محصورًا في رجال العلم والتصوّف.
اجتماعياً، شيخ البلد: من رجال الإدارة في القرية، وهو دون العمدة. وشيخ القبيلة: رئيسُها القائم على شؤونها.
خليجيا: هو لقب رئاسي في بعض بلدان الخليج (من الأسرة الحاكمة) فسمُوّ الشَّيخ يكون ذا مكانة في علم أو فضل أو رياسة. لكن ليس كل شيخ، شيخاً..!
اسمها حصة صباح السالم، يسبقه لقب «شيخة»، وإن كان هناك من يستحق «المشيخة» فهي هذه السيدة الراقية، المتواضعة، الدمثة، التي تعمل في صمت، ومن خلف الكواليس لرفع اسم الكويت محليا ودولياً على الصعيدين الثقافي والحضاري.
منذ 1983 أسست الشيخة حصة دار الآثار الإسلامية، وهي مؤسسة ثقافية يتركز نشاطها حول مجموعة فنية خاصة تمتلكها هي وزوجها الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، التي أصبحت مع مرور الزمن، تضم 30000 تحفة، تمتد جغرافيا على اتساع العالم الإسلامي من اسبانيا إلى الصين، وزمنيا ما بين القرنين السابع والتاسع عشر الميلاديين.
لكن نشاط الشيخة حصة لم يقتصر على الانفتاح على الحضارات الانسانية الأخرى للتلاقي والتعارف الثقافي، ولا على عرض القطع والآثار الفنية ونقلها لمتاحف العالم والتي تسميها «عقد حوار بين الشعوب، وحوار مع التحف الأثرية ذاتها ككائن حي تحكي عن نفسها وعن مواطنها التي تأتي منها»، بل بادرت إلى تشييد مؤسسة ثقافية كويتية تعنى بالفن، الأدب، الموسيقى وكل ما يساعد على تطوير الإنسان الكويتي روحا وفكرا. فدار الآثار الإسلامية تقدم سنويا، موسما ثقافيا شاملا يتضمن محاضرات، أمسيات موسيقية، ندوات، ورشاً فنية، برامج للأطفال، رحلات ثقافية، وبرامج تدريب لهواة الفن والمتاحف.
كما تضم الدار مكتبتين، إحداهما تحتوي على مجموعة من الكتب الخاصة بالفن وحضارة بلاد المسلمين، والأخرى مجموعة من الكتب النادرة. ولم تكتف الدار باحتواء الكتب، إذ تقوم حاليا بإجراء مسح ضوئي لهذه الكتب لإنتاج نسخ الكترونية منها عالية الدقة، لكي يتسنى للباحثين والمهتمين استخدامها. وتقيم دار الآثار الإسلامية أنشطتها وفعالياتها في ثلاثة مواقع هي: دار الآثار الإسلامية في متحف الكويت الوطني، مركز الامريكاني الثقافي، ومركز الميدان الثقافي في اليرموك.
الشيخة حصة صباح السالم، مديرة دار الآثار الإسلامية، التي كانت خلف كل تلك الانجازات، صورة مشرفة للمرأة الكويتية. امرأة معطاءة، ذات حضور متميز، نذرت نفسها لأكثر من ثلاثين عاما لإحياء التراث الإسلامي، وتطوير وتمكين الثقافة والموسيقى والفكر الحر في الكويت.
إنها المرأة العاشقة للتاريخ، المفتونة بالآثار، المسكونة بالثقافة والفن والأدب. فهل هناك من هو أجدر منها لتكون وزيرة للثقافة الكويتية التي بات استحداثها ضرورة ملحة؟!
دلع المفتي
نشر في 08/10/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on October 08, 2015 12:46
October 7, 2015
رحلتي مع «مقصوف الرقبة» السرطان
شهر أكتوبر هو شهر التوعية بالسرطان، لكن لا تخافوا. هذه ليست مذكرات مريضة، ولا هي تعليمات كيف تفعل كذا وكذا للتغلب على المرض، ولا هي شذرات كئيبة عن السرطان وصاحبته. هذه خربشات إنسانة أصيبت بهذا الـ«مقصوف الرقبة»، ربما تكون عونا لغيرها من المرضى، وربما تخفف من جدية المرض، وربما تجعلكم تتقبلونه كحال واقع يحصل للكثير منا.. وربما نستطيع أن نسخر منه معا.
دلع المفتي
رحلتي مع مقصوف الرقبة، أو لنقل هذه بداية رحلتي، كونها بدأت منذ سنة ونصف السنة فقط، ووفق الأطباء فما زلنا في البدايات. إذا هذه بداية رحلتي، وسأحكي لكم عنها وعن كيفية اكتشاف الورم، وكيف تعاملت معه، وكيف صادقته، وكيف أصبحنا أصحاب (نطق حنك بعضنا مع بعض). لذا أينما وجد هذان الحرفان في النص (م. ر) يرجى العلم أني أقصد مقصوف الرقبة السرطان.
لم يكن اكتشاف (م.ر) عندي شطارة مني، ولا وعيا صحيا من طرفي مع أني واعية جدا، ولا ثقافة طبية. الموضوع كله كان قلقا «جماليا». فأنا كمعظم النساء ألاحظ أية تجعيدة جديدة على البشرة، وأنتبه لبداية الهالة السوداء تحت العين وأول اختلاف في اللون على الجلد، لكن إن انعقد قولوني خمس مرات لن آبه به وسآخذ حبتي بانادول وأتكل على الله. لهذا وعندما لاحظت انتفاخا في رقبتي، قررت التوجه إلى الطبيب لمعرفة ما يمكنني فعله لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشباب الذي ظننته باقيا.
اتجهت إلى عيادة الدكتور ريتشارد الصايغ، فاستقبلني بجنونه المحبب، ولهفته التي لا يمكن التغاضي عنها. ثلاث دقائق فقط قضيتها في العيادة عندما سحب ورقة من درجه وصرخ بي «انزلي اعملي لي صورة للرقبة». حاولت أن أفهم منه لماذا التصوير وأنا كل همي جمال رقبتي، نهرني وقال انزلي بسرعة. نزلت (بسرعة)، صورت، وعدت له ثانية. ثلاث دقائق أخرى فقط كانت كافية ليسحب ورقة جديدة من درجه يكتب عليها خرابيش الأطباء، ثم التفت إلي قائلا «بكرا تروحي حسين مكي جمعة».
حسين مكي جمعة
كانت تلك الصدمة الأولى التي تلقيتها. رحم الله الراحل حسين مكي جمعة، وغفر له بعدد ما دخل ويدخل مركزه من مرضى، لكن للأسف أصبح اسمه مرادفا للسرطان ومصدر رعب لمن يسمعه، فكيف بمن وُجه إليه. فما ان تذكر اسم المركز حتى يتخيل الناس أكثر الأمور تشاؤما وسوادا، مع العلم بأني ومنذ بداية رحلتي، زرت العديد من المستشفيات الكويتية وأستطيع أن أقول بكل صدق اني لم ألق إلا كل رعاية واهتمام وحسن تعامل في هذا المركز.
نرجع لموضوعنا. طبعا الصورة التي أخافت الدكتور ريتشارد كانت تشي بـ«شيء» في الغدة الدرقية، وعليه طُلب مني عمل خزعة من الغدة. وفي موعد الخزعة، دخلت إلى غرفة المعالجة وطلب مني أن أتمدد على سرير بانتظار الطبيب. وكوني «ملقوفة» كنت قد حضرت «عشرتعشر» سؤالا للطبيب كي أفهم ماذا سيحصل لي وكيف سيتم اخذ الخزعة مع الاستفاضة بشرح مفصل عن العملية. دخل الطبيب وما ان بدأت بالتنحنح لرمي أسئلتي عليه، كانت الابرة قد انغرست في رقبتي بلا احم ولا دستور. كانت تجربة مؤلمة وقاسية كوني لم أكن قد حُضرت لما أنا قادمة عليه، وأعتقد ان المريض يستحق أن يقضي الطبيب امامه بضع دقائق ليشرح له طريقة العلاج وأسبابه ونتائجه. بس يلاااا... دكتور إن كنت تقرأ هذه الخربشات، فأنا سامحتك خلاص.
بعد أسابيع، دخلت المستشفى لعمل عملية استئصال للغدة الدرقية، فقد كانت نتيجة الخزعة غير واضحة، وكان لا بد من الاستئصال خوفا من (م.ر). أجريت العملية وأرسلت غدتي العزيزة، المأسوف على شبابها إلى المختبر لتشريحها وتفتيتها وتحليلها. كنت بانتظار النتيجة في سرير المستشفى عندما دخلت علي العزيزة الدكتورة رنا عبدالرزاق بابتسامتها المشرقة وتعابير تحاول جاهدة ان تخفي ما وراءها. قالت لي بلهجة الطبيبة «إن كان هناك مجال للإنسان أن يختار أحد أنواع السرطانات ليصاب به، فسرطان الغدة الدرقية هو الأفضل». فهمت وقتها أن (م.ر) قد استقر في رقبتي عند بطارية الجسم التي هي الغدة الدرقية. سألتها، كيف سيعمل جسمي من دون بطاريته، فقالت ان هناك بطاريات صناعية، تخيلت أنها ستكون بطارية «ديوراسيل» التي تجعل الأرنب يقرع الطبل لساعات، لكنها أوضحت لي أنها عبارة عن حبة دواء يومية لبقية حياتي تعوضني عما ذهب مع الريح، أقصد مع الغدة.
عزيزي السرطان
قضيت ليلتي في المستشفى وأنا أتحدث مع (م.ر). ألا يعرف أنه مازال لدي الكثير لأفعله في هذه الحياة؟ ألا يدرك أنه لا هو ولا غيره يستطيع أن يوقفني أو يضعفني أو يمنعني من الاستمتاع بالعيش. قمت في الساعة الثانية صباحا وكتبت مقال «عزيزي السرطان» وأرسلته للجريدة في اليوم التالي. كان المقال موجها لي أكثر مما هو موجه للقراء. كان قرارا شخصيا اتخذته من سرير المستشفى بمحاربة الـ(م.ر)، ومقاومة الضعف واليأس والاستكانة، كان قرارا بالحياة، احتفاء بالحب، الموسيقى الفن، الورد وضحكات الأطفال.
مشكلتي الكبرى كانت أمي. فطوال فترة فحوصاتي وزياراتي للعيادات والمستشفيات إلى أن دخلت المستشفى لإجراء العملية لم تكن تعرف شيئا عن حالتي. كانت تعتقد أني أقضي وقتي بشرب القهوة والاستمتاع برفقة الأصدقاء وهذا ما شغلني عنها. طلبت من إخوتي أن يأتوا بها إلى المستشفى ثاني يوم العملية، ويقولوا لها ان العملية كانت بسبب الغدة الخاملة. وصدقت أمي القصة واستكانت للموضوع. إلى أن سمعت ابنتي تسألني «ماما يعني هم شالوا السرطان منك؟» عندها تزلزلت الأرض تحتي بنظرة واحدة في عيون امي.
عدت لحياتي، وبدأت رحلة مراجعات طويلة لمركز حسين مكي جمعة للتحاليل والأشعة والسونار وغيرها. وفقني الله (ومن دون واسطة) بأن أكون مريضة عند الدكتورة ريهام صفوت. دكتورة جميلة قلبا وقالبا، قمة في الذوق والأخلاق والأهم المعرفة الطبية وقلق الطبيب على مريضه. الدكتورة ريهام طبيبة متخصصة في أورام الغدة، لكنها أصرت على فحصي سريريا عدة مرات. وفي مرة، طلبت مني أن أعمل سونارا للثدي. حاولت ان أعترض، لكنها أصرت. بعد السونار طلبت مني خزعة. عندها بدأ القلق يساورني. «ليش يا دكتورة الخزعة؟»، فكانت تجيب كي يطمئن قلبي فقط.
الخزعة
طوال رحلة علاجي، كانت تجربة الخزعة هذه أقسى وأبشع تجربة مررت بها. وللأسف أن حتى نتيجتها كانت خطأ. خمس وأربعون دقيقة كنت أتمنى أني لم أمر بها. ما علينا... خلصنا من الخزعة وانتظرنا النتيجة. عند تسلم النتيجة توجهت بها للدكتورة ريهام، فقالت لي ان النتيجة جيدة ولا خوف من شيء. اطمأن قلبي، وارتحت وعدت لمسيرة حياتي المجنونة؛ أهل وأولاد وزوج وأصدقاء وقراءة وكتابة وواجبات، ولاجئين وأطفال مشردين.
إلى أن تلقيت مكالمة هاتفية من الدكتورة ريهام «تعالي يا دلع أنا عايزاكي». خفت، وحسبت مئة حساب. الدكتورة لم تكن مرتاحة من نتائج الخزعة وتريدني أن أعمل خزعة جديدة. عندها توسلت لها أن لا. لكنها أصرت. كنت على وشك السفر إلى بيروت مع زوجي في إجازة قصيرة فاتفقت معها ان أعمل الخزعة في بيروت، وهذا ما كان.
في بيروت ومن مختبر إلى مختبر ومن عيادة إلى مستشفى، حتى ظهرت نتيجة الخزعة. وطبعا بما أنها خزعة بيروتية فلا بد أن تكون خزعة غير موديل. كانت خزعة حلوة ورشيقة وشعرها طويل ولابسة قصير. هكذا تخيلتها. استقبلني الطبيب في عيادته وبعد الفحص السريري وشوية كلام، قرأ نتائج الخزعة ثم قال: العملية بكرا. عملية شو يا دكتور.. صلي عالنبي. لم يكن هناك مجال للجدال مع دكتوري البيروتي. قلت له اني لا بد أن أعود للكويت لحضور حفل تخرج صغيرتي في المدرسة، هذه آخر العنقود ولا أستطيع التأخر عليها. فقال نعمل العملية وتروحي لعناقيدك.
كانت الصدمة الثانية أقسى من الأولى، فسرطان الغدة الدرقية يختفي (غالبا) مع إزالة الغدة نفسها، إلا إن تسربت خلايا سرطانية للمحيط المجاور للغدة، لكن سرطان الثدي «حاجة تانية» اقرأوها بالمصري لو سمحتم. وهكذا وبعد أربعة أشهر فقط من اكتشافي لـ(م.ر) رقم واحد، اكتشفت (م.ر) رقم اثنين. كان الحمل كبيرا علي لأحمله لوحدي، لكني لم أكن وحدي.. أمي، اخواني، أولادي، زوجي، أهلي وأصدقائي، والأجمل قرائي، كان لهم الفضل الأكبر في تغلبي على ضعفي في تلك اللحظات.
شد وشفط
دكتوري البيروتي جاد جدا ولا يتكلم كثيرا، وفي صباح العملية، وقبل دخولي تحت البنج، قلت له يا دكتور، بما أنها عملية قائمة وهناك مشارط وابر وخيطان، وبما أني تحت البنج ونايمة، فما رأيك تكمل معروفك، وتشفط شوية شحم من هنا وتشد شوية جلد من هناك؟ كانت تلك أول مرة أرى فيها أسنان الدكتور منذ أن التقيته. راح يضحك وهو يشد على يدي قائلا «استمري بهذه الروح يا دلع.. وستعيشين طويلا».
خرجت في اليوم الثاني للعملية من المستشفى. عدت إلى الفندق وطلبت اختصاصية المنكير والبدكير. فالعمليات والمرض و(م.ر) بصوب، والجمال بصوب، ولا أستطيع ان ادع أمرا كـ«سريطن» تافها يؤثر في جمالي و«شبابي». أنهيت ما علي، وقمت متجهة لزوجي، يلا نطلع نتغدى برا. لم أكن قد انهيت جملتي حتى سمعت أمي تصرخ «لوين؟ عالمطعم؟ وأنت قايمة من عملية؟ وأنت مريضة؟ إن كنت مو خايفة على حالك من المرض، خافي على حالك من العين». أمسكت بوجه أمي الحنون وقلت لها: يا أمي أنا لست مريضة، ولا عاجزة ولا حتى تعبانة. لن أستلقي في فراش المرض ولن أتمدد إلا حين النوم. وخرجنا إلى المطعم.
تاموكسوفين؟ مش مكسوفين؟
نأتي للعلاج. بعد عدة تحليلات وفحوصات للورم الذي تم استئصاله يقرر الأطباء نوعية ومدة العلاج اللازم لكل مريضة. بالنسبة لي، لقد تم اكتشاف ورمي بحمد الله مبكرا نوعا ما، وكان من النوع المتوسط، أي لا خفيف ولا ثقيل، يعني «نص نص» على قولة نانسي بنت عجرم. لذا ترتب علي أن أتلقى جلسات إشعاعية طوال الصيف الماضي، وعرض علي أن آخذ علاجا كيماويا (تحسبا فقط)، وقد كان لي الخيار في قبوله أو عدمه، فرفضته. بعد كل هذا وصف لي علاج التاموكسوفين.. وهو دواء يساعد على تثبيط عمل هرمون الأستروجين والذي يتغذى عليه السرطان (الأستروجين هو هرمون أنثوي يفرز طبيعيا في جميع أجسام النساء ويعتبر مساعدا على نمو سرطان الثدي في النساء اللاتي لديهن محثات ايجابية في الورم). عندما قال لي الأطباء انهم يقتلون الهرمون الأنثوي في جسمي، سألتهم: بالتامكسوفين، مش مكسوفين تقتلون أنوثتي؟ هل سأربي شوارب؟
العلاج متعب جدا وله آثار جانبية عديدة. وعند أول جرعة، حذرني الطبيب من قراءة الوصفة داخل العلبة حتى لا أنتبه للآثار الجانبية، فعلى حد قوله، الكثير منها يحدث لنا وهماً بعد القراءة عنها. عزيزي دكتور صلاح إن كنت تقرأ هذا أحب أن أقول لك اني أستطيع أن أكتب لك نشرة كاملة بالآثار الجانبية للتاموكسفين و(عالغايب كمان).
نقطة مضيئة هنا: التامكسوفين مفروض علي لمدة عشر سنوات. يلا هانت.. راحت سنة وباقي تسعة.
قال شووو؟؟ قال يوغا
المرة الوحيدة التي جربت فيها اليوغا كانت منذ ما يقارب العشرين سنة، وبعد مرور ربع ساعة من الحصة، كدت أن أقتل المدربة، فاعتذرت لألم (كاذب) في بطني وغادرت النادي. لم أكن أعلم أن الأيام ستدور وستكون اليوغا رفيقة دربي ومنقذي من العديد من الآثار الجانبية للمرض.
أينما ذهبت وكل طبيب راجعت عنده وكل اختصاصي سرطان نصحني باليوغا. كنت أستغرب إصرارهم الكبير على هذا النوع من الرياضة بالذات، إلى ان بحثت ووجدت أدلة علمية وطبية تثبت أن اليوغا تخفف من التعب المرتبط بعلاجات سرطان الثدي وتساعد على التخلص من التوتر والقلق والاكتئاب المصاحب للسرطان.
الى جانب اليوغا طبعا ينصحنا الأطباء بالطعام الصحي، المشي، شرب الكثير من الماء، استنشاق هواء نقي، النوم 7 ساعات على الأقل والابتعاد عن التوتر والقلق.. (سمعتوا يا أولادي آخر نقطة؟)
«الحياة مثل المثلجات.. يجب أن نتلذذ بها قبل أن تذوب»
هذه بداية رحلتي مع مقصوف الرقبة، وبالتأكيد ليست نهايتها. فبعد إصابتي بنوعين مختلفين من السرطانات، يتوجب علي عمل فحوصات متكررة خوفا من هجوم آخر. فيبدو أن مقصوف الرقبة حاببني.. ولا ألومه بصراحة، فأنا «بنحب»..!
طوال رحلة مرضي وتشخيصي وعلاجي، لم أتساءل يوما «لماذا أصبت بالسرطان»، ولا «لماذا أنا وليس غيري». وأعرف تماما أن حالتي أسهل وأبسط من حالات الكثيرين حولي. لكن كل ما أريده من هذه الخربشات هو أن أزرع بعض الأمل في قلوب أنهكها المرض وأتعبها العلاج، وأن أؤكد لجميع مرضى السرطان و(مريضاته) بالأخص، أن مقصوف الرقبة ليس نهاية الطريق، بعد ان أصبح السرطان منتشرا بيننا لدرجة انه أصبح يعتبر انفلونزا العصر. الأمر الأهم الذي أريد أن أؤكده هو أن الفحص المبكر واكتشاف الورم في أولى مراحله سهل وبسيط جدا. لا تؤجليه لانشغالك بأولاد وزيارات وواجبات.. أنت أهم.
الله أنعم علي بالكثير، بل أنا في زحام من النعم وأخجل ان أطلب منه زيادة بشفائي. في رمضان وأمام بيت الله دعوت لكل من أعرفه من أهل وأصدقاء؛ ناس آذوني وناس أحسنوا لي، سامحتهم كلهم ودعوت لهم، لكني لم أستطع أن أدعو لنفسي، خجلا منه تعالى لكثرة ما منحني.. لكني على يقين أن هناك الكثير من القلوب المحبة التي تدعو لي دائما.
مقصوف الرقبة، ما هو إلا عثرة بسيطة في طريق سعادتنا، سنتخطاها ونكمل طريقنا. سنركّز على كل يوم على حدة ونعيشهلـ (الماكسيموم) وكما قرأت يوما «الحياة مثل المثلجات، يجب أن نتلذذ بها قبل أن تذوب» وأنا أحب المثلجات وما زلت أتلذذ بنصيبي منها ولن أتركها تذوب باكرا.
كتبتها من سرير المستشفى وأعيدها هنا: مازال لدينا الكثير من الضحكات التي سنضحكها والدموع التي سنذرفها، الكثير من الأفراح التي سنحضرها والكثير من الأتراح التي سنقاسم أهلها بها، والكثير الكثير من القبلات التي سنزرعها على وجوه من نحب. وبالتأكيد هناك الكثير من الأهل والأحباب والـ«الفولورز» الذين يعزون علينا ولسنا على استعداد لتركهم بعد.. كونوا معي وقاوموا لنحتفي بالحياة.
العالم باللون الوردي
يسود العالم اللون الوردي طوال شهر أكتوبر، شهر التوعية بمرض سرطان الثدي. المرض الذي يصيب حوالي مليوني امرأة حول العالم سنوياً، ويعد أكثر أمراض السرطان المسببة للوفيات بين النساء. واتخذ كثيرون اللون الوردي رمزا لهذا المرض منذ عدة سنوات.
دلع المفتي
نشر في 07/10/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
دلع المفتي
رحلتي مع مقصوف الرقبة، أو لنقل هذه بداية رحلتي، كونها بدأت منذ سنة ونصف السنة فقط، ووفق الأطباء فما زلنا في البدايات. إذا هذه بداية رحلتي، وسأحكي لكم عنها وعن كيفية اكتشاف الورم، وكيف تعاملت معه، وكيف صادقته، وكيف أصبحنا أصحاب (نطق حنك بعضنا مع بعض). لذا أينما وجد هذان الحرفان في النص (م. ر) يرجى العلم أني أقصد مقصوف الرقبة السرطان.
لم يكن اكتشاف (م.ر) عندي شطارة مني، ولا وعيا صحيا من طرفي مع أني واعية جدا، ولا ثقافة طبية. الموضوع كله كان قلقا «جماليا». فأنا كمعظم النساء ألاحظ أية تجعيدة جديدة على البشرة، وأنتبه لبداية الهالة السوداء تحت العين وأول اختلاف في اللون على الجلد، لكن إن انعقد قولوني خمس مرات لن آبه به وسآخذ حبتي بانادول وأتكل على الله. لهذا وعندما لاحظت انتفاخا في رقبتي، قررت التوجه إلى الطبيب لمعرفة ما يمكنني فعله لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشباب الذي ظننته باقيا.
اتجهت إلى عيادة الدكتور ريتشارد الصايغ، فاستقبلني بجنونه المحبب، ولهفته التي لا يمكن التغاضي عنها. ثلاث دقائق فقط قضيتها في العيادة عندما سحب ورقة من درجه وصرخ بي «انزلي اعملي لي صورة للرقبة». حاولت أن أفهم منه لماذا التصوير وأنا كل همي جمال رقبتي، نهرني وقال انزلي بسرعة. نزلت (بسرعة)، صورت، وعدت له ثانية. ثلاث دقائق أخرى فقط كانت كافية ليسحب ورقة جديدة من درجه يكتب عليها خرابيش الأطباء، ثم التفت إلي قائلا «بكرا تروحي حسين مكي جمعة».
حسين مكي جمعة
كانت تلك الصدمة الأولى التي تلقيتها. رحم الله الراحل حسين مكي جمعة، وغفر له بعدد ما دخل ويدخل مركزه من مرضى، لكن للأسف أصبح اسمه مرادفا للسرطان ومصدر رعب لمن يسمعه، فكيف بمن وُجه إليه. فما ان تذكر اسم المركز حتى يتخيل الناس أكثر الأمور تشاؤما وسوادا، مع العلم بأني ومنذ بداية رحلتي، زرت العديد من المستشفيات الكويتية وأستطيع أن أقول بكل صدق اني لم ألق إلا كل رعاية واهتمام وحسن تعامل في هذا المركز.
نرجع لموضوعنا. طبعا الصورة التي أخافت الدكتور ريتشارد كانت تشي بـ«شيء» في الغدة الدرقية، وعليه طُلب مني عمل خزعة من الغدة. وفي موعد الخزعة، دخلت إلى غرفة المعالجة وطلب مني أن أتمدد على سرير بانتظار الطبيب. وكوني «ملقوفة» كنت قد حضرت «عشرتعشر» سؤالا للطبيب كي أفهم ماذا سيحصل لي وكيف سيتم اخذ الخزعة مع الاستفاضة بشرح مفصل عن العملية. دخل الطبيب وما ان بدأت بالتنحنح لرمي أسئلتي عليه، كانت الابرة قد انغرست في رقبتي بلا احم ولا دستور. كانت تجربة مؤلمة وقاسية كوني لم أكن قد حُضرت لما أنا قادمة عليه، وأعتقد ان المريض يستحق أن يقضي الطبيب امامه بضع دقائق ليشرح له طريقة العلاج وأسبابه ونتائجه. بس يلاااا... دكتور إن كنت تقرأ هذه الخربشات، فأنا سامحتك خلاص.
بعد أسابيع، دخلت المستشفى لعمل عملية استئصال للغدة الدرقية، فقد كانت نتيجة الخزعة غير واضحة، وكان لا بد من الاستئصال خوفا من (م.ر). أجريت العملية وأرسلت غدتي العزيزة، المأسوف على شبابها إلى المختبر لتشريحها وتفتيتها وتحليلها. كنت بانتظار النتيجة في سرير المستشفى عندما دخلت علي العزيزة الدكتورة رنا عبدالرزاق بابتسامتها المشرقة وتعابير تحاول جاهدة ان تخفي ما وراءها. قالت لي بلهجة الطبيبة «إن كان هناك مجال للإنسان أن يختار أحد أنواع السرطانات ليصاب به، فسرطان الغدة الدرقية هو الأفضل». فهمت وقتها أن (م.ر) قد استقر في رقبتي عند بطارية الجسم التي هي الغدة الدرقية. سألتها، كيف سيعمل جسمي من دون بطاريته، فقالت ان هناك بطاريات صناعية، تخيلت أنها ستكون بطارية «ديوراسيل» التي تجعل الأرنب يقرع الطبل لساعات، لكنها أوضحت لي أنها عبارة عن حبة دواء يومية لبقية حياتي تعوضني عما ذهب مع الريح، أقصد مع الغدة.
عزيزي السرطان
قضيت ليلتي في المستشفى وأنا أتحدث مع (م.ر). ألا يعرف أنه مازال لدي الكثير لأفعله في هذه الحياة؟ ألا يدرك أنه لا هو ولا غيره يستطيع أن يوقفني أو يضعفني أو يمنعني من الاستمتاع بالعيش. قمت في الساعة الثانية صباحا وكتبت مقال «عزيزي السرطان» وأرسلته للجريدة في اليوم التالي. كان المقال موجها لي أكثر مما هو موجه للقراء. كان قرارا شخصيا اتخذته من سرير المستشفى بمحاربة الـ(م.ر)، ومقاومة الضعف واليأس والاستكانة، كان قرارا بالحياة، احتفاء بالحب، الموسيقى الفن، الورد وضحكات الأطفال.
مشكلتي الكبرى كانت أمي. فطوال فترة فحوصاتي وزياراتي للعيادات والمستشفيات إلى أن دخلت المستشفى لإجراء العملية لم تكن تعرف شيئا عن حالتي. كانت تعتقد أني أقضي وقتي بشرب القهوة والاستمتاع برفقة الأصدقاء وهذا ما شغلني عنها. طلبت من إخوتي أن يأتوا بها إلى المستشفى ثاني يوم العملية، ويقولوا لها ان العملية كانت بسبب الغدة الخاملة. وصدقت أمي القصة واستكانت للموضوع. إلى أن سمعت ابنتي تسألني «ماما يعني هم شالوا السرطان منك؟» عندها تزلزلت الأرض تحتي بنظرة واحدة في عيون امي.
عدت لحياتي، وبدأت رحلة مراجعات طويلة لمركز حسين مكي جمعة للتحاليل والأشعة والسونار وغيرها. وفقني الله (ومن دون واسطة) بأن أكون مريضة عند الدكتورة ريهام صفوت. دكتورة جميلة قلبا وقالبا، قمة في الذوق والأخلاق والأهم المعرفة الطبية وقلق الطبيب على مريضه. الدكتورة ريهام طبيبة متخصصة في أورام الغدة، لكنها أصرت على فحصي سريريا عدة مرات. وفي مرة، طلبت مني أن أعمل سونارا للثدي. حاولت ان أعترض، لكنها أصرت. بعد السونار طلبت مني خزعة. عندها بدأ القلق يساورني. «ليش يا دكتورة الخزعة؟»، فكانت تجيب كي يطمئن قلبي فقط.
الخزعة
طوال رحلة علاجي، كانت تجربة الخزعة هذه أقسى وأبشع تجربة مررت بها. وللأسف أن حتى نتيجتها كانت خطأ. خمس وأربعون دقيقة كنت أتمنى أني لم أمر بها. ما علينا... خلصنا من الخزعة وانتظرنا النتيجة. عند تسلم النتيجة توجهت بها للدكتورة ريهام، فقالت لي ان النتيجة جيدة ولا خوف من شيء. اطمأن قلبي، وارتحت وعدت لمسيرة حياتي المجنونة؛ أهل وأولاد وزوج وأصدقاء وقراءة وكتابة وواجبات، ولاجئين وأطفال مشردين.
إلى أن تلقيت مكالمة هاتفية من الدكتورة ريهام «تعالي يا دلع أنا عايزاكي». خفت، وحسبت مئة حساب. الدكتورة لم تكن مرتاحة من نتائج الخزعة وتريدني أن أعمل خزعة جديدة. عندها توسلت لها أن لا. لكنها أصرت. كنت على وشك السفر إلى بيروت مع زوجي في إجازة قصيرة فاتفقت معها ان أعمل الخزعة في بيروت، وهذا ما كان.
في بيروت ومن مختبر إلى مختبر ومن عيادة إلى مستشفى، حتى ظهرت نتيجة الخزعة. وطبعا بما أنها خزعة بيروتية فلا بد أن تكون خزعة غير موديل. كانت خزعة حلوة ورشيقة وشعرها طويل ولابسة قصير. هكذا تخيلتها. استقبلني الطبيب في عيادته وبعد الفحص السريري وشوية كلام، قرأ نتائج الخزعة ثم قال: العملية بكرا. عملية شو يا دكتور.. صلي عالنبي. لم يكن هناك مجال للجدال مع دكتوري البيروتي. قلت له اني لا بد أن أعود للكويت لحضور حفل تخرج صغيرتي في المدرسة، هذه آخر العنقود ولا أستطيع التأخر عليها. فقال نعمل العملية وتروحي لعناقيدك.
كانت الصدمة الثانية أقسى من الأولى، فسرطان الغدة الدرقية يختفي (غالبا) مع إزالة الغدة نفسها، إلا إن تسربت خلايا سرطانية للمحيط المجاور للغدة، لكن سرطان الثدي «حاجة تانية» اقرأوها بالمصري لو سمحتم. وهكذا وبعد أربعة أشهر فقط من اكتشافي لـ(م.ر) رقم واحد، اكتشفت (م.ر) رقم اثنين. كان الحمل كبيرا علي لأحمله لوحدي، لكني لم أكن وحدي.. أمي، اخواني، أولادي، زوجي، أهلي وأصدقائي، والأجمل قرائي، كان لهم الفضل الأكبر في تغلبي على ضعفي في تلك اللحظات.
شد وشفط
دكتوري البيروتي جاد جدا ولا يتكلم كثيرا، وفي صباح العملية، وقبل دخولي تحت البنج، قلت له يا دكتور، بما أنها عملية قائمة وهناك مشارط وابر وخيطان، وبما أني تحت البنج ونايمة، فما رأيك تكمل معروفك، وتشفط شوية شحم من هنا وتشد شوية جلد من هناك؟ كانت تلك أول مرة أرى فيها أسنان الدكتور منذ أن التقيته. راح يضحك وهو يشد على يدي قائلا «استمري بهذه الروح يا دلع.. وستعيشين طويلا».
خرجت في اليوم الثاني للعملية من المستشفى. عدت إلى الفندق وطلبت اختصاصية المنكير والبدكير. فالعمليات والمرض و(م.ر) بصوب، والجمال بصوب، ولا أستطيع ان ادع أمرا كـ«سريطن» تافها يؤثر في جمالي و«شبابي». أنهيت ما علي، وقمت متجهة لزوجي، يلا نطلع نتغدى برا. لم أكن قد انهيت جملتي حتى سمعت أمي تصرخ «لوين؟ عالمطعم؟ وأنت قايمة من عملية؟ وأنت مريضة؟ إن كنت مو خايفة على حالك من المرض، خافي على حالك من العين». أمسكت بوجه أمي الحنون وقلت لها: يا أمي أنا لست مريضة، ولا عاجزة ولا حتى تعبانة. لن أستلقي في فراش المرض ولن أتمدد إلا حين النوم. وخرجنا إلى المطعم.
تاموكسوفين؟ مش مكسوفين؟
نأتي للعلاج. بعد عدة تحليلات وفحوصات للورم الذي تم استئصاله يقرر الأطباء نوعية ومدة العلاج اللازم لكل مريضة. بالنسبة لي، لقد تم اكتشاف ورمي بحمد الله مبكرا نوعا ما، وكان من النوع المتوسط، أي لا خفيف ولا ثقيل، يعني «نص نص» على قولة نانسي بنت عجرم. لذا ترتب علي أن أتلقى جلسات إشعاعية طوال الصيف الماضي، وعرض علي أن آخذ علاجا كيماويا (تحسبا فقط)، وقد كان لي الخيار في قبوله أو عدمه، فرفضته. بعد كل هذا وصف لي علاج التاموكسوفين.. وهو دواء يساعد على تثبيط عمل هرمون الأستروجين والذي يتغذى عليه السرطان (الأستروجين هو هرمون أنثوي يفرز طبيعيا في جميع أجسام النساء ويعتبر مساعدا على نمو سرطان الثدي في النساء اللاتي لديهن محثات ايجابية في الورم). عندما قال لي الأطباء انهم يقتلون الهرمون الأنثوي في جسمي، سألتهم: بالتامكسوفين، مش مكسوفين تقتلون أنوثتي؟ هل سأربي شوارب؟
العلاج متعب جدا وله آثار جانبية عديدة. وعند أول جرعة، حذرني الطبيب من قراءة الوصفة داخل العلبة حتى لا أنتبه للآثار الجانبية، فعلى حد قوله، الكثير منها يحدث لنا وهماً بعد القراءة عنها. عزيزي دكتور صلاح إن كنت تقرأ هذا أحب أن أقول لك اني أستطيع أن أكتب لك نشرة كاملة بالآثار الجانبية للتاموكسفين و(عالغايب كمان).
نقطة مضيئة هنا: التامكسوفين مفروض علي لمدة عشر سنوات. يلا هانت.. راحت سنة وباقي تسعة.
قال شووو؟؟ قال يوغا
المرة الوحيدة التي جربت فيها اليوغا كانت منذ ما يقارب العشرين سنة، وبعد مرور ربع ساعة من الحصة، كدت أن أقتل المدربة، فاعتذرت لألم (كاذب) في بطني وغادرت النادي. لم أكن أعلم أن الأيام ستدور وستكون اليوغا رفيقة دربي ومنقذي من العديد من الآثار الجانبية للمرض.
أينما ذهبت وكل طبيب راجعت عنده وكل اختصاصي سرطان نصحني باليوغا. كنت أستغرب إصرارهم الكبير على هذا النوع من الرياضة بالذات، إلى ان بحثت ووجدت أدلة علمية وطبية تثبت أن اليوغا تخفف من التعب المرتبط بعلاجات سرطان الثدي وتساعد على التخلص من التوتر والقلق والاكتئاب المصاحب للسرطان.
الى جانب اليوغا طبعا ينصحنا الأطباء بالطعام الصحي، المشي، شرب الكثير من الماء، استنشاق هواء نقي، النوم 7 ساعات على الأقل والابتعاد عن التوتر والقلق.. (سمعتوا يا أولادي آخر نقطة؟)
«الحياة مثل المثلجات.. يجب أن نتلذذ بها قبل أن تذوب»
هذه بداية رحلتي مع مقصوف الرقبة، وبالتأكيد ليست نهايتها. فبعد إصابتي بنوعين مختلفين من السرطانات، يتوجب علي عمل فحوصات متكررة خوفا من هجوم آخر. فيبدو أن مقصوف الرقبة حاببني.. ولا ألومه بصراحة، فأنا «بنحب»..!
طوال رحلة مرضي وتشخيصي وعلاجي، لم أتساءل يوما «لماذا أصبت بالسرطان»، ولا «لماذا أنا وليس غيري». وأعرف تماما أن حالتي أسهل وأبسط من حالات الكثيرين حولي. لكن كل ما أريده من هذه الخربشات هو أن أزرع بعض الأمل في قلوب أنهكها المرض وأتعبها العلاج، وأن أؤكد لجميع مرضى السرطان و(مريضاته) بالأخص، أن مقصوف الرقبة ليس نهاية الطريق، بعد ان أصبح السرطان منتشرا بيننا لدرجة انه أصبح يعتبر انفلونزا العصر. الأمر الأهم الذي أريد أن أؤكده هو أن الفحص المبكر واكتشاف الورم في أولى مراحله سهل وبسيط جدا. لا تؤجليه لانشغالك بأولاد وزيارات وواجبات.. أنت أهم.
الله أنعم علي بالكثير، بل أنا في زحام من النعم وأخجل ان أطلب منه زيادة بشفائي. في رمضان وأمام بيت الله دعوت لكل من أعرفه من أهل وأصدقاء؛ ناس آذوني وناس أحسنوا لي، سامحتهم كلهم ودعوت لهم، لكني لم أستطع أن أدعو لنفسي، خجلا منه تعالى لكثرة ما منحني.. لكني على يقين أن هناك الكثير من القلوب المحبة التي تدعو لي دائما.
مقصوف الرقبة، ما هو إلا عثرة بسيطة في طريق سعادتنا، سنتخطاها ونكمل طريقنا. سنركّز على كل يوم على حدة ونعيشهلـ (الماكسيموم) وكما قرأت يوما «الحياة مثل المثلجات، يجب أن نتلذذ بها قبل أن تذوب» وأنا أحب المثلجات وما زلت أتلذذ بنصيبي منها ولن أتركها تذوب باكرا.
كتبتها من سرير المستشفى وأعيدها هنا: مازال لدينا الكثير من الضحكات التي سنضحكها والدموع التي سنذرفها، الكثير من الأفراح التي سنحضرها والكثير من الأتراح التي سنقاسم أهلها بها، والكثير الكثير من القبلات التي سنزرعها على وجوه من نحب. وبالتأكيد هناك الكثير من الأهل والأحباب والـ«الفولورز» الذين يعزون علينا ولسنا على استعداد لتركهم بعد.. كونوا معي وقاوموا لنحتفي بالحياة.
العالم باللون الوردي
يسود العالم اللون الوردي طوال شهر أكتوبر، شهر التوعية بمرض سرطان الثدي. المرض الذي يصيب حوالي مليوني امرأة حول العالم سنوياً، ويعد أكثر أمراض السرطان المسببة للوفيات بين النساء. واتخذ كثيرون اللون الوردي رمزا لهذا المرض منذ عدة سنوات.
دلع المفتي
نشر في 07/10/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on October 07, 2015 04:22
October 5, 2015
«لمن استطاع إليه سبيلا»
ما سيحصل سيحصل. أنا وأنت ليست لنا السيطرة على الأقدار. كل ما نستطيع فعله شيئين فقط: قبلها، نستعد لما قد يحدث، وبعدها، كيف نتصرف وفق ما حدث. القضاء والقدر بيد الله فقط.
مليونا إنسان، من 200 دولة حول العالم، يتحدثون مئات اللغات، لهم عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم الثقافي على اختلافه، يجتمعون في بقعة جغرافية محددة لعدة أيام لأداء مناسك الحج.
فريضة على كل مسلم أن يؤديها مرة واحدة في حياته (إن استطاع)، ووجود الشرط الرباني هنا أتى لصعوبة الرحلة التي تتطلب جهداً بدنياً كبيراً، عدا عن الكلفة المادية الباهظة. لكن ليس كل من يدخل مكة يخرج منها سالماً معافى. فكما شاهدنا جميعاً ما يقارب الألف حاج وحاجة قضوا نتيجة حادثة التدافع والدهس التي حصلت في منى.
نحن شعوب متدينة، لكن أكثرنا يتمسك بقشور الدين غافلين عن لبه. فعندما يؤمن إنسان بسيط أنه إن مات في مكة يموت شهيدا نظيفا من كل ذنوبه كما ولدته أمه، لن يأبه بنظام ولا بشروط ولا حتى بخطر. سيدخل الحج كما لو كان يخوض معركة، الخارج منها شهيد في الجنة. متناسيا أن من شروط الحج المبرور: «ألا يكون فيه لا رياء ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق، ويكون بمال حلال». قد تستغربون، لكن بعض الحجاج يحولون رحلة الحج إلى عملية انتحارية بغية الوصول الى الجنة.
نأتي للمهم.. وهو سبب ارتفاع أعداد الحجاج كل سنة رغم محاولة السعودية ضبط الأعداد، فكثير من المسلمين يحجون مرة ومرتين وعشرة، بل أعرف أشخاصا حجوا أكثر من ثلاثين مرة، بينما المطلوب من المسلم حجة واحدة فقط، تيمناً بالرسول الذي حج حجة وحيدة. فهل يعلم الحاج الذي يكرر حجته أنه يستولي على فرصة إنسان مسلم في بلد بعيد، ادخر أمواله طوال عمره ليستطيع زيارة بيت الله، وبعمله الاناني هذا حرمه من هذه النعمة؟
المؤسف أيضا إصرار بعض الحجاج على اصطحاب أطفالهم أثناء الحج، ضاربين بالخطر الذي يتهدد هؤلاء الصغار، والإزعاج الذي يتسببون به لغيرهم عرض الحائط، فضلا عن كبار السن والمقعدين والمعاقين الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة. والذين يسقط عنهم فرض الحج (لعدم استطاعتهم).
ندرك تماماً أن السلطات السعودية تفعل ما بوسعها لتسهيل الحج، وندرك أنها أنفقت الملايين لتوسعة الحرم المكي بغرض استيعاب المزيد من الحجاج، وندرك أنها خصصت موارد مادية وبشرية هائلة للعناية بالحجيج ولتحسين وتسهيل المناسك عليهم، لكن إلقاء اللوم كله على الحجاج وتبرئة السلطات، فيه ظلم للاثنين.
فبغض النظر عن التسييس الإيراني المغرض للقضية، وبعيداً عن الاشاعات المختلفة التي تداولها الناس، نأمل من السلطات السعودية أن تكون شفافة، بعد انتهاء التحقيقات، وأن تعرض أفلام المراقبة كاملة للكشف عن الأسباب الحقيقية للكارثة، التي نتمنى أن تكون الأخيرة في بيت الله.
دلع المفتي
نشر في 01/10/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
مليونا إنسان، من 200 دولة حول العالم، يتحدثون مئات اللغات، لهم عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم الثقافي على اختلافه، يجتمعون في بقعة جغرافية محددة لعدة أيام لأداء مناسك الحج.
فريضة على كل مسلم أن يؤديها مرة واحدة في حياته (إن استطاع)، ووجود الشرط الرباني هنا أتى لصعوبة الرحلة التي تتطلب جهداً بدنياً كبيراً، عدا عن الكلفة المادية الباهظة. لكن ليس كل من يدخل مكة يخرج منها سالماً معافى. فكما شاهدنا جميعاً ما يقارب الألف حاج وحاجة قضوا نتيجة حادثة التدافع والدهس التي حصلت في منى.
نحن شعوب متدينة، لكن أكثرنا يتمسك بقشور الدين غافلين عن لبه. فعندما يؤمن إنسان بسيط أنه إن مات في مكة يموت شهيدا نظيفا من كل ذنوبه كما ولدته أمه، لن يأبه بنظام ولا بشروط ولا حتى بخطر. سيدخل الحج كما لو كان يخوض معركة، الخارج منها شهيد في الجنة. متناسيا أن من شروط الحج المبرور: «ألا يكون فيه لا رياء ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق، ويكون بمال حلال». قد تستغربون، لكن بعض الحجاج يحولون رحلة الحج إلى عملية انتحارية بغية الوصول الى الجنة.
نأتي للمهم.. وهو سبب ارتفاع أعداد الحجاج كل سنة رغم محاولة السعودية ضبط الأعداد، فكثير من المسلمين يحجون مرة ومرتين وعشرة، بل أعرف أشخاصا حجوا أكثر من ثلاثين مرة، بينما المطلوب من المسلم حجة واحدة فقط، تيمناً بالرسول الذي حج حجة وحيدة. فهل يعلم الحاج الذي يكرر حجته أنه يستولي على فرصة إنسان مسلم في بلد بعيد، ادخر أمواله طوال عمره ليستطيع زيارة بيت الله، وبعمله الاناني هذا حرمه من هذه النعمة؟
المؤسف أيضا إصرار بعض الحجاج على اصطحاب أطفالهم أثناء الحج، ضاربين بالخطر الذي يتهدد هؤلاء الصغار، والإزعاج الذي يتسببون به لغيرهم عرض الحائط، فضلا عن كبار السن والمقعدين والمعاقين الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة. والذين يسقط عنهم فرض الحج (لعدم استطاعتهم).
ندرك تماماً أن السلطات السعودية تفعل ما بوسعها لتسهيل الحج، وندرك أنها أنفقت الملايين لتوسعة الحرم المكي بغرض استيعاب المزيد من الحجاج، وندرك أنها خصصت موارد مادية وبشرية هائلة للعناية بالحجيج ولتحسين وتسهيل المناسك عليهم، لكن إلقاء اللوم كله على الحجاج وتبرئة السلطات، فيه ظلم للاثنين.
فبغض النظر عن التسييس الإيراني المغرض للقضية، وبعيداً عن الاشاعات المختلفة التي تداولها الناس، نأمل من السلطات السعودية أن تكون شفافة، بعد انتهاء التحقيقات، وأن تعرض أفلام المراقبة كاملة للكشف عن الأسباب الحقيقية للكارثة، التي نتمنى أن تكون الأخيرة في بيت الله.
دلع المفتي
نشر في 01/10/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on October 05, 2015 06:12
September 17, 2015
«دلعان»!
أحياناً، أشعر بأن عندي انفصاماً بالشخصية، أو أن هناك «دلعين» تتحاربان داخلي. أتخيّل، كما في الرسوم المتحركة، شخصيتين تجلسان على كتفيّ، واحدة هادئة ورائقة ومبتسمة تجلس على الكتف الأيمن، وأخرى على الأيسر «معصّبة» غاضبة، بشعر «منكوش» ووجه أحمر، تصرخ وتتوعّد.
المشكلة أن هناك دائماً حرباً دائرة بين الشخصيتين، هذه تقول «لا»، وتلك تقول «نعم». هذه تقول «روحي»، والأخرى تقول «تعالي».
المهم.. كنت في «ساعة صفا» مسترخية أتأمل الحياة والعمر، وأسترجع ذكريات راحت عليها سنون. استدعيت كل ما مر بي من مشاكل، مصائب، مآس، أخطاء، مشاكل الزواج، أمراض الأولاد، عمليات جراحية طارئة، حوادث سيارات كادت تودي بهم.. دموع وأحزان. فجأة وجدت «دلع» أم شعر منكوش تصرخ بــ «دلع» أم ابتسامة: ألن تتوبي؟ ألن تتوقفي عن استرجاع المآسي؟ لماذا لا تتذكرين اللحظات الحلوة؟ لماذا تتناسين الأوقات السعيدة: الولادات، الأعياد، الأعراس، النجاحات، الضحكات، القُبلات، والأحضان؟! لماذا تغضين الطرف عن الفرح وتصرّين على اجترار التعاسة؟!
بصراحة، خفت من تلك المجنونة ورحت أعيد حساباتي. فقمت بعمل بحث مستفيض عن الأمر، ووجدت أن معظم الناس، وأنا لست استثناء، يتذكرون الأمور السلبية أكثر من الإيجابية، والسبب هو أن الدماغ يعالج المعلومات الإيجابية والسلبية في نصفي الكرة المختلفين من الدماغ، وأن المشاعر السلبية عموماً تنطوي على المزيد من التفكير والتمحيص.
إليزابيث كيسنجر من كلية بوسطن تشرح في بحثها عن الذكريات العاطفية ان الذكريات لا بد أن يتم تشويهها أو محوها جزئياً أو كلياً مع مرور الزمن، ولكن تبين أن الذكريات العاطفية، والسلبية منها تحديداً، تظل عالقة في ذاكرة الإنسان لمدة أطول وبصورة أعمق. فالمعلومات السلبية تتم معالجتها بدقة وعمق أكثر من تلك الإيجابية لسبب بسيط هو الخوف والحذر من الخطر، فالمشاعر السلبية تجعل الجسم أكثر يقظة وانتباهاً كدرس لمساعدته على تجنب الخطر في أيام مقبلة. ليس هذا فحسب، بل نحن نستخدم خلايا أكثر وكلمات أقوى للتعبير عن المشاعر السلبية، لهذا تلتصق بذاكرتنا بصورة أعمق.
بيد أن هناك حلاً. تقول الدراسات إننا يمكننا أن نعلّم أنفسنا تذكر الإيجابيات بقدر السلبيات، بطريقة سهلة. عندما تمر عليك لحظة سعيدة مهما كانت بسيطة، فركّز فيها، بالغ في الحديث عنها بدعابة وضحك. انظر حولك، المحيط الذي حدثت به، احفظ صورة ذهنية عن الحادثة السعيدة. هكذا تحفرها في وجدانك. وعندما تحتاجها تستطيع أن تستدرجها للذاكرة بسهولة.
عدت لـ «دلعين» الجاثمتين على أنفاسي.. فوجدت اليسرى تقول لليمنى: عندما نشعر بالإحباط، بالحزن، نبحث في جيوب الذاكرة الخلفية على همسة، لمسة، كلمة أسعدتنا يوماً ما.. فاجعليها ذاكرة سعيدة. ابتسمت لأثبّت هذا الموقف ثم انصرفت تاركة «الدلعين» في حوارهما، وأنا واثقة بأنهما ستعودان إلى سالف مزاجهما المتنافرين!
دلع المفتي
نشر في 17/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
المشكلة أن هناك دائماً حرباً دائرة بين الشخصيتين، هذه تقول «لا»، وتلك تقول «نعم». هذه تقول «روحي»، والأخرى تقول «تعالي».
المهم.. كنت في «ساعة صفا» مسترخية أتأمل الحياة والعمر، وأسترجع ذكريات راحت عليها سنون. استدعيت كل ما مر بي من مشاكل، مصائب، مآس، أخطاء، مشاكل الزواج، أمراض الأولاد، عمليات جراحية طارئة، حوادث سيارات كادت تودي بهم.. دموع وأحزان. فجأة وجدت «دلع» أم شعر منكوش تصرخ بــ «دلع» أم ابتسامة: ألن تتوبي؟ ألن تتوقفي عن استرجاع المآسي؟ لماذا لا تتذكرين اللحظات الحلوة؟ لماذا تتناسين الأوقات السعيدة: الولادات، الأعياد، الأعراس، النجاحات، الضحكات، القُبلات، والأحضان؟! لماذا تغضين الطرف عن الفرح وتصرّين على اجترار التعاسة؟!
بصراحة، خفت من تلك المجنونة ورحت أعيد حساباتي. فقمت بعمل بحث مستفيض عن الأمر، ووجدت أن معظم الناس، وأنا لست استثناء، يتذكرون الأمور السلبية أكثر من الإيجابية، والسبب هو أن الدماغ يعالج المعلومات الإيجابية والسلبية في نصفي الكرة المختلفين من الدماغ، وأن المشاعر السلبية عموماً تنطوي على المزيد من التفكير والتمحيص.
إليزابيث كيسنجر من كلية بوسطن تشرح في بحثها عن الذكريات العاطفية ان الذكريات لا بد أن يتم تشويهها أو محوها جزئياً أو كلياً مع مرور الزمن، ولكن تبين أن الذكريات العاطفية، والسلبية منها تحديداً، تظل عالقة في ذاكرة الإنسان لمدة أطول وبصورة أعمق. فالمعلومات السلبية تتم معالجتها بدقة وعمق أكثر من تلك الإيجابية لسبب بسيط هو الخوف والحذر من الخطر، فالمشاعر السلبية تجعل الجسم أكثر يقظة وانتباهاً كدرس لمساعدته على تجنب الخطر في أيام مقبلة. ليس هذا فحسب، بل نحن نستخدم خلايا أكثر وكلمات أقوى للتعبير عن المشاعر السلبية، لهذا تلتصق بذاكرتنا بصورة أعمق.
بيد أن هناك حلاً. تقول الدراسات إننا يمكننا أن نعلّم أنفسنا تذكر الإيجابيات بقدر السلبيات، بطريقة سهلة. عندما تمر عليك لحظة سعيدة مهما كانت بسيطة، فركّز فيها، بالغ في الحديث عنها بدعابة وضحك. انظر حولك، المحيط الذي حدثت به، احفظ صورة ذهنية عن الحادثة السعيدة. هكذا تحفرها في وجدانك. وعندما تحتاجها تستطيع أن تستدرجها للذاكرة بسهولة.
عدت لـ «دلعين» الجاثمتين على أنفاسي.. فوجدت اليسرى تقول لليمنى: عندما نشعر بالإحباط، بالحزن، نبحث في جيوب الذاكرة الخلفية على همسة، لمسة، كلمة أسعدتنا يوماً ما.. فاجعليها ذاكرة سعيدة. ابتسمت لأثبّت هذا الموقف ثم انصرفت تاركة «الدلعين» في حوارهما، وأنا واثقة بأنهما ستعودان إلى سالف مزاجهما المتنافرين!
دلع المفتي
نشر في 17/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on September 17, 2015 11:59
September 10, 2015
تجاعيدوفوبيا
تيس كريستيان امرأة بريطانية عاقلة، ناضجة، قررت منذ 30 عاماً، وبكل بساطة، ألا تضحك ولا تبتسم. قرار المدام لم يأت بسبب كارثة عائلية ولا مصيبة شخصية ولا بسبب مرض مزمن. قرارها أتى تجنباً لظهور التجاعيد على بشرتها.
السيدة في الخمسين من عمرها، وقرارها عمره 30 سنة، مما يعني أنها لم تضحك منذ أن كانت في العشرينات، إذ تتبجح الأخت بقدرتها على تعويد نفسها على عدم الضحك بقولها إنها درّبت نفسها على التحكم بعضلات وجهها، وأن الناس يسألونها إن كانت تعرضت لحقن البوتكس، ولكنها تنفي، فخورة بوجهها ذي التعبير الواحد في كل حالاتها، حتى عندما أنجبت طفلتها، لم ير وجهها الابتسامة.
أفهم خوفنا نحن النساء من العمر ومن الأدلة التي تشهد عليه على شكل خطوط تحفر في الوجه أفقياً وعمودياً وفي كل زاوية ومنعطف، وأفهم أن في مجتمعاتنا الذكورية ينصب جل الاهتمام على المظهر الخارجي للمرأة، وحالما تتخطى عمراً معيناً، تلصق بها تسميات وألقاب مخزية، وتوضع على الرف إلى أن تكره الحياة. وأفهم أن في عصر برامج المواهب والدق والرقص اختفت الموهبة الفكرية والفعلية و«نبقت» المواهب الجسدية لتعزز دور المرأة كسلعة للاستهلاك اللحظي فقط. ولكن لا يمكنني أبداً فهم أن الحصول على وجه مشدود من دون تجاعيد يستحق التضحية بعمر كامل من دون ضحك.
نعم، يلجأ الكثير منا (رجالاً ونساء) إلى أساليب مختلفة لإبطاء ركض الزمن على وجوهنا. ونعم، نلجأ للكريمات وإبر البوتوكس والكولاجين وفي حالات قصوى للعمليات في «ورش تجميل» متنوعة ليس لإيقاف الزمن، بل لنبدو ألطف وليس بالضرورة أجمل، ونحن نكبر. ولكن أن نعيش عمراً بحاله عابسين فداء للبشرة المشدودة.. فلا وألف لا.
إن التجاعيد التي يجب أن نحاربها ونسعى إلى تجميلها هي تجاعيد الروح، والتي لا تظهر للعين المجردة، حيث تكون مختبئة في ثنايا الروح المريضة كالحقد، الحسد، الغرور، الجهل، التخلف، التطرف، التزمت، والتجعيدة الأكبر.. الطائفية. هذه التجاعيد تحتاج إلى أكثر من كريمات وأكثر من إبر كولاجين وعيادات تجميل. هذه التجاعيد تحتاج إلى ثورة فكرية، روحية داخلية لإعادة إفراز «كولاجين» الوعي لتجديد خلايا الروح والفكر.
ثم من قال إن التجاعيد بهذه القباحة؟ فحتى وإن كثرت، فهذه خطوط رحلة حياتنا. سكة الحديد التي سار عليها قطار عمرنا. فهذه التجعيدة علامة محطة الفرحة بولادة الابن الأول، وتلك محطة تخرج البنوتة من الجامعة، وهذه يوم عيد الزواج العشرين. أما تلك الضحكة الغائرة، فكانت خصيصاً للحفيد.
ما التجاعيد إلا روزنامة عمرنا على وجوهنا، فلا تخافوا منها وثمّنوها.
دلع المفتي
نشر في 10/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
السيدة في الخمسين من عمرها، وقرارها عمره 30 سنة، مما يعني أنها لم تضحك منذ أن كانت في العشرينات، إذ تتبجح الأخت بقدرتها على تعويد نفسها على عدم الضحك بقولها إنها درّبت نفسها على التحكم بعضلات وجهها، وأن الناس يسألونها إن كانت تعرضت لحقن البوتكس، ولكنها تنفي، فخورة بوجهها ذي التعبير الواحد في كل حالاتها، حتى عندما أنجبت طفلتها، لم ير وجهها الابتسامة.
أفهم خوفنا نحن النساء من العمر ومن الأدلة التي تشهد عليه على شكل خطوط تحفر في الوجه أفقياً وعمودياً وفي كل زاوية ومنعطف، وأفهم أن في مجتمعاتنا الذكورية ينصب جل الاهتمام على المظهر الخارجي للمرأة، وحالما تتخطى عمراً معيناً، تلصق بها تسميات وألقاب مخزية، وتوضع على الرف إلى أن تكره الحياة. وأفهم أن في عصر برامج المواهب والدق والرقص اختفت الموهبة الفكرية والفعلية و«نبقت» المواهب الجسدية لتعزز دور المرأة كسلعة للاستهلاك اللحظي فقط. ولكن لا يمكنني أبداً فهم أن الحصول على وجه مشدود من دون تجاعيد يستحق التضحية بعمر كامل من دون ضحك.
نعم، يلجأ الكثير منا (رجالاً ونساء) إلى أساليب مختلفة لإبطاء ركض الزمن على وجوهنا. ونعم، نلجأ للكريمات وإبر البوتوكس والكولاجين وفي حالات قصوى للعمليات في «ورش تجميل» متنوعة ليس لإيقاف الزمن، بل لنبدو ألطف وليس بالضرورة أجمل، ونحن نكبر. ولكن أن نعيش عمراً بحاله عابسين فداء للبشرة المشدودة.. فلا وألف لا.
إن التجاعيد التي يجب أن نحاربها ونسعى إلى تجميلها هي تجاعيد الروح، والتي لا تظهر للعين المجردة، حيث تكون مختبئة في ثنايا الروح المريضة كالحقد، الحسد، الغرور، الجهل، التخلف، التطرف، التزمت، والتجعيدة الأكبر.. الطائفية. هذه التجاعيد تحتاج إلى أكثر من كريمات وأكثر من إبر كولاجين وعيادات تجميل. هذه التجاعيد تحتاج إلى ثورة فكرية، روحية داخلية لإعادة إفراز «كولاجين» الوعي لتجديد خلايا الروح والفكر.
ثم من قال إن التجاعيد بهذه القباحة؟ فحتى وإن كثرت، فهذه خطوط رحلة حياتنا. سكة الحديد التي سار عليها قطار عمرنا. فهذه التجعيدة علامة محطة الفرحة بولادة الابن الأول، وتلك محطة تخرج البنوتة من الجامعة، وهذه يوم عيد الزواج العشرين. أما تلك الضحكة الغائرة، فكانت خصيصاً للحفيد.
ما التجاعيد إلا روزنامة عمرنا على وجوهنا، فلا تخافوا منها وثمّنوها.
دلع المفتي
نشر في 10/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on September 10, 2015 08:13
September 2, 2015
ولهم في الموت.. خيار!
«أصبح الموت هو العادي، وكل ما عداه استثناء»..
صورة مؤلمة، بشعة، مخزية لا تكاد تفارقني. شاحنة تقف بشموخ على كتف طريق نمسوي أخضر. لا أحد في الخارج. سكون مريب.. والكون ينصت صاغراً لأصوات نحيب.
قبضات تطرق جدران الشاحنة، ولكن ليس هناك من يسمع. في الداخل صراخ وعويل يتحول بعد ساعات إلى نشيج، ثم تبدأ الأصوات بالسكون رويداً رويداً. شاب يلتقط هاتفه النقال ليسجّل آخر رسالة اعتذار لأمه التي لم يخبرها بأنه رحل، خوفاً عليها من الخوف عليه. رجل يصور فيديو لنفسه يودع فيه زوجته وأبناءه الذين تركهم في الضيعة قبل أن يتخذ قراره بالرحيل، كي يؤمّن لهم مستقبلاً أفضل. مراهق يكتب آخر رسالة حب لحبيبته، آملاً ممن يجد هاتفه أن يوصلها إليها. وهناك في الزاوية، أم تضم ابنتها ذات السنتين إلى صدرها وهي تستجدي النفس. تضعف الصغيرة، تسكن حركتها، تحاول الأم أن تنفخ في فم ابنتها قليلاً من الأكسجين لعله يؤجل موت طفلتها قليلاً.
ولكن الموت لا ينتظر أحداً.. يتحول «البراد» إلى تابوت كبير، يبتلع أرواح واحد وسبعين شخصاً، ببطء بشع. يسحب الروح من أجسادهم بشماتة قاتل محترف. يتركهم جثثاً متعفنة.. ويرحل.
لما يقارب السنوات الخمس والسوريون يموتون حرقاً، قصفاً، تعذيباً، قصفاً، غرقاً وخنقاًَ، بينما يتذابح النظام والمعارضة على الكرسي، الثروة، المناصب والمناطق المختلفة ليسجّلاها باسميهما. يهرب السوريون من براميل وصواريخ النظام وقذائف المعارضة، وسكاكين «داعش» و«النصرة»، يهربون من موت إلى موت آخر، ربما أكثر ألماً وأبشع.
البعض يسأل: لماذا يصر اللاجئون على الوصول إلى أوروبا؟ لماذا لا يبقون في دول الجوار؟ الجواب بسيط، وإن كان يحز في النفس، في الدول العربية، سيبقى اللاجئ لاجئاً، بيته خيمة في أحسن تقدير، ليس له كيان ولا حتى أوراق ثبوتية. يعيش على هامش الحياة، يزدرد الذل والمهانة معتمداً على إعانات اللجان الخيرية إن وصلت، أو يرسل أولاده إلى الطرقات لبيع الورد أو التسوّل.
في أوروبا، إن استطاع اللاجئ اجتياز الحدود، البحر، الأسلاك الشائكة، حيل عصابات التهريب ومافيات الاتجار بالبشر، إن استطاع ووصل إلى دولة أوروبية، فسيحصل على تصريح إقامة ومسكن وملبس ومأكل، ومدارس لأولاده، رعاية صحية، ومعونة مالية أيضاً. ولكن الأهم من ذلك كله، سيعامل اللاجئ كإنسان له كرامة ويمنح حقه في «الحرية».
قام العرب ولم يقعدوا، مطالبين العالم باحترام آدمية اللاجئين، وتقديم المساعدات لهم وفتح الحدود الأوروبية. السؤال الملح هنا: لماذا لا تفتح الدول العربية و«المسلمة» تحديداً أبوابها لهؤلاء المساكين؟ أين شيوخ الدين من هؤلاء؟ أين أصواتهم التي كانت تنادي بالجهاد؟ أليست إغاثة المسلم للمسلم جهاداً؟!
بدلاً من عقد المؤتمرات التي تكلف الملايين، وبدلاً من إرسال البلايين التي لا يعرف أحد أين ذهبت، دعوهم يدخلوا بلدانكم، اكسبوا إنسانيتكم وأخلاقكم وحق المسلم على المسلم. احموهم من الموت الذي أصبح خيارهم الوحيد.
دلع المفتي
نشر في 03/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
صورة مؤلمة، بشعة، مخزية لا تكاد تفارقني. شاحنة تقف بشموخ على كتف طريق نمسوي أخضر. لا أحد في الخارج. سكون مريب.. والكون ينصت صاغراً لأصوات نحيب.
قبضات تطرق جدران الشاحنة، ولكن ليس هناك من يسمع. في الداخل صراخ وعويل يتحول بعد ساعات إلى نشيج، ثم تبدأ الأصوات بالسكون رويداً رويداً. شاب يلتقط هاتفه النقال ليسجّل آخر رسالة اعتذار لأمه التي لم يخبرها بأنه رحل، خوفاً عليها من الخوف عليه. رجل يصور فيديو لنفسه يودع فيه زوجته وأبناءه الذين تركهم في الضيعة قبل أن يتخذ قراره بالرحيل، كي يؤمّن لهم مستقبلاً أفضل. مراهق يكتب آخر رسالة حب لحبيبته، آملاً ممن يجد هاتفه أن يوصلها إليها. وهناك في الزاوية، أم تضم ابنتها ذات السنتين إلى صدرها وهي تستجدي النفس. تضعف الصغيرة، تسكن حركتها، تحاول الأم أن تنفخ في فم ابنتها قليلاً من الأكسجين لعله يؤجل موت طفلتها قليلاً.
ولكن الموت لا ينتظر أحداً.. يتحول «البراد» إلى تابوت كبير، يبتلع أرواح واحد وسبعين شخصاً، ببطء بشع. يسحب الروح من أجسادهم بشماتة قاتل محترف. يتركهم جثثاً متعفنة.. ويرحل.
لما يقارب السنوات الخمس والسوريون يموتون حرقاً، قصفاً، تعذيباً، قصفاً، غرقاً وخنقاًَ، بينما يتذابح النظام والمعارضة على الكرسي، الثروة، المناصب والمناطق المختلفة ليسجّلاها باسميهما. يهرب السوريون من براميل وصواريخ النظام وقذائف المعارضة، وسكاكين «داعش» و«النصرة»، يهربون من موت إلى موت آخر، ربما أكثر ألماً وأبشع.
البعض يسأل: لماذا يصر اللاجئون على الوصول إلى أوروبا؟ لماذا لا يبقون في دول الجوار؟ الجواب بسيط، وإن كان يحز في النفس، في الدول العربية، سيبقى اللاجئ لاجئاً، بيته خيمة في أحسن تقدير، ليس له كيان ولا حتى أوراق ثبوتية. يعيش على هامش الحياة، يزدرد الذل والمهانة معتمداً على إعانات اللجان الخيرية إن وصلت، أو يرسل أولاده إلى الطرقات لبيع الورد أو التسوّل.
في أوروبا، إن استطاع اللاجئ اجتياز الحدود، البحر، الأسلاك الشائكة، حيل عصابات التهريب ومافيات الاتجار بالبشر، إن استطاع ووصل إلى دولة أوروبية، فسيحصل على تصريح إقامة ومسكن وملبس ومأكل، ومدارس لأولاده، رعاية صحية، ومعونة مالية أيضاً. ولكن الأهم من ذلك كله، سيعامل اللاجئ كإنسان له كرامة ويمنح حقه في «الحرية».
قام العرب ولم يقعدوا، مطالبين العالم باحترام آدمية اللاجئين، وتقديم المساعدات لهم وفتح الحدود الأوروبية. السؤال الملح هنا: لماذا لا تفتح الدول العربية و«المسلمة» تحديداً أبوابها لهؤلاء المساكين؟ أين شيوخ الدين من هؤلاء؟ أين أصواتهم التي كانت تنادي بالجهاد؟ أليست إغاثة المسلم للمسلم جهاداً؟!
بدلاً من عقد المؤتمرات التي تكلف الملايين، وبدلاً من إرسال البلايين التي لا يعرف أحد أين ذهبت، دعوهم يدخلوا بلدانكم، اكسبوا إنسانيتكم وأخلاقكم وحق المسلم على المسلم. احموهم من الموت الذي أصبح خيارهم الوحيد.
دلع المفتي
نشر في 03/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on September 02, 2015 22:29
August 17, 2015
نظرية الرياضيات السعيدة
لست من محبي الرياضيات، بل يمكنكم اعتباري من كارهي هذه المادة العلمية الصماء، فلا شيء يمكن تخيله، وكل شيء فيها منطقي، 1+1=2. كنت دائما أرتبك وأتلخبط وأتلعثم ما أن أرى أرقاما أمامي تتراقص دون سبب وجيه، ولطالما وجدت صعوبة في فهم المعادلات الحسابية والنظريات الرياضية المعقدة. وأشك دائما أني عندما كنت صغيرة، وقعت مرة على الأرض، وأصابت السقطة مركز الحساب في دماغي فعطلته.
لكن هناك نظرية واحدة كنت أحبها وأستمتع بها، وأجد بها بعضا من خيال، هي نظرية "التقّريب" rounding.
تقّريب الأعداد لمن لا يتذكرها وأحسد الذين يتذكرونها، هي عملية تقدير قيمة عدد معين بالنسبة لأقرب رقم تالي او سابق عن طريق إزالة الكثير من الأرقام وتحويلها إلى عدد صحيح. فاذا كان العدد يساوي منتصف او أكثر 5 بين عددين نريد التقريب بينهما، فانه يكون اقرب الى العدد الأكبر، أما اذا كان العدد اصغر من المنتصف فأننا نقربه الى العدد الأصغر. بمعنى إن أردنا أن نقرب 152 إلى أقرب مئة يصبح ،160 أما العدد 143 فيصبح 140. فهناك أعداد نستلف منها وأعداد تعطي، فال، 1، 2، 3، 4 أعداد بخيلة لا يمكن الإستلاف منها، والأعداد 5، 6، 7، 8، 9 أعداد كريمة تعطي وتسلف بسخاء.
تتساءلون ما نفع درس الرياضيات الآن في هذا المقال؟! سأشرح لكم. نظرية التقريب هذه نظرية عبقرية لو استطعنا تعميمها وتفعيلها في حيواتنا. فكل شيء في هذه الحياة يمكننا أن (نقّربه)، الناس، الحياة، المشاكل، العمل، الوظيفة، السعادة، الحب.
تابعوا معي، وإن على مضض. خذوا الناس مثلا. صديق، قريب، أخ، زميل، حبيب، هو مثل كل الناس يحمل صفات إيجابية وصفات سلبية. ربما يكون ثرثارا لكنه محب وصادق. ربما يكون لا يسأل عنك لكن عندما تلتقيان تشعر كأنكما لم تفترقا أبدا. ربما كان بخيلاً لكنه مثقف والاستماع إليه متعة وفائدة. احسب الأمور على وجهها الأفضل. امسك الحسابة الذهنية واحصي سيئاته وإيجابياته. إن كانت الإيجابيات أكثر من النصف، قربه إلى العدد الأكبر واحتفظ به، وإن كان علاماته تحت ال 5، قربه للعدد الأصغر وقل له وداعاً.
مثال آخر، وظيفتك التي تشتكي منها يوميا وتعود إلى البيت وأنت تسب وتشتم وتلعن. احسبها وفق نظرية التقريب العبقرية. انظر إلى العائد المادي، استقرارك الاقتصادي، مديرك المتطلب، زملائك الطيبين، ساعات الدوام الطويلة، السيارة التي تغلي تحت الشمس عند خروجك من الدوام ظهرا. احسب...وقّرب. فإن وجدت سلبيات الوظيفة أكثر من إيجابياتها، قدم استقالتك على الفور وابحث عن أخرى تحفز طموحك.
حياتك أيضا تخضع للنظرية ذاتها. انظر، ركز، احسب: نعمك، مشاكلك، عائلتك، أولادك، الوفرة المادية، الاستقرار المطمئن، وجبات الطعام الساخنة، مشاكل الأولاد، مستوى التفاهم بينك وبين زوجك/ زوجتك، قيودك، وحريتك، واحسبها. إن كنت ما تملكه من إيجابيات أكثر من النصف، قربها واسعد واقتنع بأنك من السعداء، وإلا ابحث عن مخرج مناسب.
نحن نخلق داخل أرواحنا آلية تقبل ما نعيشه، فإن كانت نظرتنا إيجابية، شعرنا براحة وقدرة على مواجهة مصاعب الحياة، ونظرنا إلى النصف المليء من الكأس. فالإيجابية ليست شعوراً فقط، هي ثقافة يمكننا أن نتعلمها ونطورها ونستفيد منها، فهي لا تحدث نتيجة لما يحدث لك ولكنها تنتج من قرار تتخذه مع نفسك ولنفسك، وبناء عليه تتعامل مع ما يحيط بك. لذا وبصرف النظر عن كل ما يغرقنا من احداث ومشاكل، ورغم المآسي التي تحيطنا شرقاً وغرباً، يمكننا ان نعثر على خط ضوء رفيع ونتبعه. لنسعد بكلمة حلوة، بلمسة حنونة، بوردة، بهدية مفاجئة، بابتسامة طفل، بأغنية عذبة، بكلمة الله يرضى عليك من قلب أم.
بيد أن هناك بعض الشروط يوصي بها المختصون والتي عليك أن تتبعها لتجد ذاك الخيط وتسعى إليه بإيجابية، أهمها وأولها الابتعاد عن وسائل الإعلام التقليدي والجديد، لما تحويه من بؤس وأحزان وأخبار عنيفة والتي بدورها تسبب الكآبة والسلبية، ثم الابتعاد عن النائحين والمتذمرين، أولئك الذين لا يستطيعون رؤية الجمال في أي شيء حولهم، فالناقص يظهر عندهم قبل الزائد والقبيح قبل الجميل والشر قبل الخير. بوجود هؤلاء في حياتك، لا يمكنك أبدا أن (تقرب) إلى الأعلى، فهم سيسحبونك معهم إلى الأسفل لمزيدا من الكآبة والبؤس. هؤلاء بالذات لا يحتاجون لعملية حسابية ولا ل "تقّريب".. استغني عنهم بدون تردد ودون حساب.
نهايته. لم أجد تعبيرا عن الإيجابية أجمل من كلمات أغنية لسه في أمل لشيرين. تمعنوا بها:
"طول ما لسه فى ناس بندفى فى حنانها
والحاجات الحلوة واخدين بالنا منها
وحكايات الحب لسه بنقرا عنها.
طول ما لسه الليل فى عشاق سهرانينه
لسه فى الايام امل مستنينه ".
------
يقول برناند شو: الحياة ليس أن تبحث عن نفسك. الحياة أن تخلق نفسك. فاخلقوا أنفسكم سعداء.
دلع المفتي
تم النشر في 17/08/2015
http://www.huffpostarabi.com/dalaa-al...
لكن هناك نظرية واحدة كنت أحبها وأستمتع بها، وأجد بها بعضا من خيال، هي نظرية "التقّريب" rounding.
تقّريب الأعداد لمن لا يتذكرها وأحسد الذين يتذكرونها، هي عملية تقدير قيمة عدد معين بالنسبة لأقرب رقم تالي او سابق عن طريق إزالة الكثير من الأرقام وتحويلها إلى عدد صحيح. فاذا كان العدد يساوي منتصف او أكثر 5 بين عددين نريد التقريب بينهما، فانه يكون اقرب الى العدد الأكبر، أما اذا كان العدد اصغر من المنتصف فأننا نقربه الى العدد الأصغر. بمعنى إن أردنا أن نقرب 152 إلى أقرب مئة يصبح ،160 أما العدد 143 فيصبح 140. فهناك أعداد نستلف منها وأعداد تعطي، فال، 1، 2، 3، 4 أعداد بخيلة لا يمكن الإستلاف منها، والأعداد 5، 6، 7، 8، 9 أعداد كريمة تعطي وتسلف بسخاء.
تتساءلون ما نفع درس الرياضيات الآن في هذا المقال؟! سأشرح لكم. نظرية التقريب هذه نظرية عبقرية لو استطعنا تعميمها وتفعيلها في حيواتنا. فكل شيء في هذه الحياة يمكننا أن (نقّربه)، الناس، الحياة، المشاكل، العمل، الوظيفة، السعادة، الحب.
تابعوا معي، وإن على مضض. خذوا الناس مثلا. صديق، قريب، أخ، زميل، حبيب، هو مثل كل الناس يحمل صفات إيجابية وصفات سلبية. ربما يكون ثرثارا لكنه محب وصادق. ربما يكون لا يسأل عنك لكن عندما تلتقيان تشعر كأنكما لم تفترقا أبدا. ربما كان بخيلاً لكنه مثقف والاستماع إليه متعة وفائدة. احسب الأمور على وجهها الأفضل. امسك الحسابة الذهنية واحصي سيئاته وإيجابياته. إن كانت الإيجابيات أكثر من النصف، قربه إلى العدد الأكبر واحتفظ به، وإن كان علاماته تحت ال 5، قربه للعدد الأصغر وقل له وداعاً.
مثال آخر، وظيفتك التي تشتكي منها يوميا وتعود إلى البيت وأنت تسب وتشتم وتلعن. احسبها وفق نظرية التقريب العبقرية. انظر إلى العائد المادي، استقرارك الاقتصادي، مديرك المتطلب، زملائك الطيبين، ساعات الدوام الطويلة، السيارة التي تغلي تحت الشمس عند خروجك من الدوام ظهرا. احسب...وقّرب. فإن وجدت سلبيات الوظيفة أكثر من إيجابياتها، قدم استقالتك على الفور وابحث عن أخرى تحفز طموحك.
حياتك أيضا تخضع للنظرية ذاتها. انظر، ركز، احسب: نعمك، مشاكلك، عائلتك، أولادك، الوفرة المادية، الاستقرار المطمئن، وجبات الطعام الساخنة، مشاكل الأولاد، مستوى التفاهم بينك وبين زوجك/ زوجتك، قيودك، وحريتك، واحسبها. إن كنت ما تملكه من إيجابيات أكثر من النصف، قربها واسعد واقتنع بأنك من السعداء، وإلا ابحث عن مخرج مناسب.
نحن نخلق داخل أرواحنا آلية تقبل ما نعيشه، فإن كانت نظرتنا إيجابية، شعرنا براحة وقدرة على مواجهة مصاعب الحياة، ونظرنا إلى النصف المليء من الكأس. فالإيجابية ليست شعوراً فقط، هي ثقافة يمكننا أن نتعلمها ونطورها ونستفيد منها، فهي لا تحدث نتيجة لما يحدث لك ولكنها تنتج من قرار تتخذه مع نفسك ولنفسك، وبناء عليه تتعامل مع ما يحيط بك. لذا وبصرف النظر عن كل ما يغرقنا من احداث ومشاكل، ورغم المآسي التي تحيطنا شرقاً وغرباً، يمكننا ان نعثر على خط ضوء رفيع ونتبعه. لنسعد بكلمة حلوة، بلمسة حنونة، بوردة، بهدية مفاجئة، بابتسامة طفل، بأغنية عذبة، بكلمة الله يرضى عليك من قلب أم.
بيد أن هناك بعض الشروط يوصي بها المختصون والتي عليك أن تتبعها لتجد ذاك الخيط وتسعى إليه بإيجابية، أهمها وأولها الابتعاد عن وسائل الإعلام التقليدي والجديد، لما تحويه من بؤس وأحزان وأخبار عنيفة والتي بدورها تسبب الكآبة والسلبية، ثم الابتعاد عن النائحين والمتذمرين، أولئك الذين لا يستطيعون رؤية الجمال في أي شيء حولهم، فالناقص يظهر عندهم قبل الزائد والقبيح قبل الجميل والشر قبل الخير. بوجود هؤلاء في حياتك، لا يمكنك أبدا أن (تقرب) إلى الأعلى، فهم سيسحبونك معهم إلى الأسفل لمزيدا من الكآبة والبؤس. هؤلاء بالذات لا يحتاجون لعملية حسابية ولا ل "تقّريب".. استغني عنهم بدون تردد ودون حساب.
نهايته. لم أجد تعبيرا عن الإيجابية أجمل من كلمات أغنية لسه في أمل لشيرين. تمعنوا بها:
"طول ما لسه فى ناس بندفى فى حنانها
والحاجات الحلوة واخدين بالنا منها
وحكايات الحب لسه بنقرا عنها.
طول ما لسه الليل فى عشاق سهرانينه
لسه فى الايام امل مستنينه ".
------
يقول برناند شو: الحياة ليس أن تبحث عن نفسك. الحياة أن تخلق نفسك. فاخلقوا أنفسكم سعداء.
دلع المفتي
تم النشر في 17/08/2015
http://www.huffpostarabi.com/dalaa-al...
Published on August 17, 2015 14:51
July 30, 2015
خرائط بثينة
هناك روايات ما إن تنتهي من آخر صفحة منها حتى تنسى ما قرأته، وهناك روايات تتلبسك، تسكنك، وتلاحقك. هذا بالضبط ما حصل معي مع رواية «خرائط التيه» لبثينة العيسى.
كنت أمشي في الحرم الشريف وأسمع صوت سمية وهي تصرخ «مشاري»، باحثة عن ولدها الذي فقدته بين ملايين الحجاج. وكلما رأيت طفلا تائها وددت لو أحضنه وأخفيه عن أعين ذات القفازات البيضاء التي خطفت مشاري. رأيت سمية وفيصل ومشاري وسعود وحتى جرجس حول الكعبة يركضون في هلع. هكذا أضاعتني خرائط بثينة.
عندما يحب الإنسان أمرا ما بشغف، يبدع. وهذا بالضبط ما تفعله بثينة وما فعلته في روايتها الأخيرة «خرائط التيه» الصادرة عن الدار العربية للعلوم، ناشرون.
كتبت بثينة من قبل، وانتشرت رواياتها محليا وعربيا ونالت العديد من الجوائز على إصداراتها، لكن بثينة كاتبة ذكية، وفي كل اصدار جديد لها خطوة نحو الافضل تشعر بها فوراً، فالتجربة التراكمية للكاتبة جعلت رواية خرائط التيه تصلنا بأسلوب روائي ناضج ولغة جميلة وحدث يركض ليركض القارئ خلفه وهو يلهث.
«كان كل شيء على ما يرام».. كان... ثم تاه مشاري، وتاهت أمه وتاه أبوه، كل في متاهات مختلفة، فالحياة تسير على ما يرام إلى أن يأتي الحدث الذي يضع الخط الفاصل بين -ما قبل وما بعد- اللحظة الفارقة. بين السعودية والكويت ومصر واثيوبيا، تأخذك الكاتبة في رحلة عبر الطفولة المعذبة، العنصرية، الاتجار بالبشر، ورحلة النفس بين الشك واليقين، بحثا عن الإنسانية، عن الحب، عن بساطة العيش في لحظات تمر بنا ولا نقدرها إلا بعد أن نخسرها.
رواية مؤلمة حد الوجع، حزينة حد البكاء، مرهقة، تستنزف الأعصاب وتجعلك تتساءل ما هي القيمة الحقيقية للإنسان في هذه الحياة؟ «ماذا لو كانت قيمة الإنسان ميتا أعلى منها حيا؟».
استمتعت بكل كلمة في الرواية، إلى أن وصلت الى الفصل الحادي عشر والثالث عشر، هنا فقط تملكني شعور بـ «التيه» أيضا. فبينما استمر الأب بالبحث عن ابنه في سيناء- مصر، كنا نحن القراء نعرف أن الطفل لا يزال في السعودية. هنا فقدت بثينة حبل التشويق، إذ كان من الممكن ترك هذا الاكتشاف لما قبل نهاية الرواية واختزال الفصلين، ليعود القارئ للبحث عن مشاري حيث كان.
رواية خرائط التيه دخلت «لجنة» في وزارة الإعلام الكويتية، والتحقت بزميلتها رواية سعود السنعوسي «فئران أمي حصة» التي ما زالت في أدراج اللجنة منذ شهور، مما يعني أنها غالبا ستمنع من قبل الرقابة، فاسعوا إليها في «كل» الدول العربية.
راهنت على بثينة العيسى عندما تعرفت عليها منذ سنوات، منذ أن كانت صبية تداري ضحكتها خجلا بينما تندفع بكل جرأة عندما تناقش قصيدة أو نصاً. قلت إنها ستصبح أديبة الكويت القادمة، وها أنا أكسب رهاني.
دلع المفتي
نشر في 30/07/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
كنت أمشي في الحرم الشريف وأسمع صوت سمية وهي تصرخ «مشاري»، باحثة عن ولدها الذي فقدته بين ملايين الحجاج. وكلما رأيت طفلا تائها وددت لو أحضنه وأخفيه عن أعين ذات القفازات البيضاء التي خطفت مشاري. رأيت سمية وفيصل ومشاري وسعود وحتى جرجس حول الكعبة يركضون في هلع. هكذا أضاعتني خرائط بثينة.
عندما يحب الإنسان أمرا ما بشغف، يبدع. وهذا بالضبط ما تفعله بثينة وما فعلته في روايتها الأخيرة «خرائط التيه» الصادرة عن الدار العربية للعلوم، ناشرون.
كتبت بثينة من قبل، وانتشرت رواياتها محليا وعربيا ونالت العديد من الجوائز على إصداراتها، لكن بثينة كاتبة ذكية، وفي كل اصدار جديد لها خطوة نحو الافضل تشعر بها فوراً، فالتجربة التراكمية للكاتبة جعلت رواية خرائط التيه تصلنا بأسلوب روائي ناضج ولغة جميلة وحدث يركض ليركض القارئ خلفه وهو يلهث.
«كان كل شيء على ما يرام».. كان... ثم تاه مشاري، وتاهت أمه وتاه أبوه، كل في متاهات مختلفة، فالحياة تسير على ما يرام إلى أن يأتي الحدث الذي يضع الخط الفاصل بين -ما قبل وما بعد- اللحظة الفارقة. بين السعودية والكويت ومصر واثيوبيا، تأخذك الكاتبة في رحلة عبر الطفولة المعذبة، العنصرية، الاتجار بالبشر، ورحلة النفس بين الشك واليقين، بحثا عن الإنسانية، عن الحب، عن بساطة العيش في لحظات تمر بنا ولا نقدرها إلا بعد أن نخسرها.
رواية مؤلمة حد الوجع، حزينة حد البكاء، مرهقة، تستنزف الأعصاب وتجعلك تتساءل ما هي القيمة الحقيقية للإنسان في هذه الحياة؟ «ماذا لو كانت قيمة الإنسان ميتا أعلى منها حيا؟».
استمتعت بكل كلمة في الرواية، إلى أن وصلت الى الفصل الحادي عشر والثالث عشر، هنا فقط تملكني شعور بـ «التيه» أيضا. فبينما استمر الأب بالبحث عن ابنه في سيناء- مصر، كنا نحن القراء نعرف أن الطفل لا يزال في السعودية. هنا فقدت بثينة حبل التشويق، إذ كان من الممكن ترك هذا الاكتشاف لما قبل نهاية الرواية واختزال الفصلين، ليعود القارئ للبحث عن مشاري حيث كان.
رواية خرائط التيه دخلت «لجنة» في وزارة الإعلام الكويتية، والتحقت بزميلتها رواية سعود السنعوسي «فئران أمي حصة» التي ما زالت في أدراج اللجنة منذ شهور، مما يعني أنها غالبا ستمنع من قبل الرقابة، فاسعوا إليها في «كل» الدول العربية.
راهنت على بثينة العيسى عندما تعرفت عليها منذ سنوات، منذ أن كانت صبية تداري ضحكتها خجلا بينما تندفع بكل جرأة عندما تناقش قصيدة أو نصاً. قلت إنها ستصبح أديبة الكويت القادمة، وها أنا أكسب رهاني.
دلع المفتي
نشر في 30/07/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on July 30, 2015 03:55
July 16, 2015
حجاب الطفلة الغجرية
طفلة لا تتعدى الخامسة من عمرها، بيضاء جميلة تجول بشارع إدجوار في لندن بحجابها الأسود وثيابها المهترئة، تحييك بـ«السلام عليكم» بعربية ركيكة ثم تمد يدها طالبة العون، وعندما تسألها من أين هي، تقول: مسلمة من البوسنة. تضع في يدها بضع جنيهات، تشعر بالسعادة أنك ساعدت «مسلمة» ثم تذهب في طريقك.
سأصدمك.. إن كل ما أتى في وصف الطفلة كذب ودجل ما عدا أنها جميلة. فالطفلة لا هي من البوسنة، ولا هي مسلمة ولا هي محتاجة. الطفلة فرد من عصابة من الغجر الرومانيين الذين احتلوا شوارع لندن أخيراً، يفترشون الحدائق، ينبشون القمامة، يقضون حاجتهم في الشارع، ويتسولون.
في برنامج وثائقي مهم على قناة الـ«بي بي سي»، قام الصحافي جون سوييني بتتبع أولئك المتسولين لمدة ثمانية أشهر وصورهم سراً في شوارع لندن وهن يبحثون عن ضحاياهم، خصوصاً بين السياح العرب. اكتشف الصحافي أن أولئك النساء والأطفال يعملون لحساب عصابات منظمة، «مافيا» تستغل أطفالاً ونساء يتم تهريبهم من رومانيا إلى بريطانيا، ويصبحون عبيداً لها. وقد سافر الصحافي إلى رومانيا في بحثه عن الحقيقة، فوجد فيللاً وقصوراً وسيارات فارهة وأموالاً وأسلحة وذهباً، تم التحفظ عليها بعد مداهمة الشرطة هناك عدة مراكز لرؤساء تلك العصابات.
إن تلك الطفلة ذات السنوات الخمس تجني من تسولها يومياً ما يجنيه موظف بنك شهرياً، وتلك السيدة العجوز التي تقول إنها بلا مأوى، وإنها أم لستة أطفال صغار لا تجد ثمن حليب ودواء لهم ما هي إلا آنسة بكامل صحتها، حالما تنتهي من «وظيفتها» اليومية في التسول، تنزع حجابها في محطة القطار وتتوجه إلى منزلها في منطقة كرويدن، بكل نشاط وسعادة بعد أن نجحت بسرقتكم.
عندما وقّعت بريطانيا اتفاقية بينها وبين رومانيا وبلغاريا عام 2007 تسمح بموجبها دخول هاتين الجنسيتين أراضيها من دون فيزا، أصبح هناك ما يقارب 183.297 رومانياً ورومانية على أراضيها، أغلبهم يمتهنون التسول، غير المجرم قانوناً، إذ تكتفي الشرطة بتحريكهم من الأماكن الموجودين فيها، فيتحركون من شارع للعرب إلى مسجد للمسلمين، بعد أن وجدوا ضالتهم «الأنسب» بين السياح هم العرب والمسلمين الذين يتعاطفون مع «حجاب»، و«السلام عليكم» وكلمة «الله» التي تعلمها أولئك النصابون ويرمونها بكل استعطاف.
في يوم من الأيام رأيت شاباً عربياً في لندن يرمي في حضن واحدة من أولئك النساء رزمة من الجنيهات، وأنا أقصد «رزمة». عزيزي الكريم المعطاء.. هناك من هم أبدى من هذه النصابة بكرمك، ومن هم أكثر حاجة وعوزاً في بلادنا. فلا داعي لتبرعاتنا أن تهاجر معنا.
آلاف العرب سيئمون لندن خلال شهور الصيف، بكامل زينتهم، مجوهراتهم وأموالهم. كونوا حذرين، وتبرعوا بأموالكم لمن يستحقها من مساكين العرب.. فلقد أصبح لدينا الملايين منهم.
دلع المفتي
نشر في 16/07/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
سأصدمك.. إن كل ما أتى في وصف الطفلة كذب ودجل ما عدا أنها جميلة. فالطفلة لا هي من البوسنة، ولا هي مسلمة ولا هي محتاجة. الطفلة فرد من عصابة من الغجر الرومانيين الذين احتلوا شوارع لندن أخيراً، يفترشون الحدائق، ينبشون القمامة، يقضون حاجتهم في الشارع، ويتسولون.
في برنامج وثائقي مهم على قناة الـ«بي بي سي»، قام الصحافي جون سوييني بتتبع أولئك المتسولين لمدة ثمانية أشهر وصورهم سراً في شوارع لندن وهن يبحثون عن ضحاياهم، خصوصاً بين السياح العرب. اكتشف الصحافي أن أولئك النساء والأطفال يعملون لحساب عصابات منظمة، «مافيا» تستغل أطفالاً ونساء يتم تهريبهم من رومانيا إلى بريطانيا، ويصبحون عبيداً لها. وقد سافر الصحافي إلى رومانيا في بحثه عن الحقيقة، فوجد فيللاً وقصوراً وسيارات فارهة وأموالاً وأسلحة وذهباً، تم التحفظ عليها بعد مداهمة الشرطة هناك عدة مراكز لرؤساء تلك العصابات.
إن تلك الطفلة ذات السنوات الخمس تجني من تسولها يومياً ما يجنيه موظف بنك شهرياً، وتلك السيدة العجوز التي تقول إنها بلا مأوى، وإنها أم لستة أطفال صغار لا تجد ثمن حليب ودواء لهم ما هي إلا آنسة بكامل صحتها، حالما تنتهي من «وظيفتها» اليومية في التسول، تنزع حجابها في محطة القطار وتتوجه إلى منزلها في منطقة كرويدن، بكل نشاط وسعادة بعد أن نجحت بسرقتكم.
عندما وقّعت بريطانيا اتفاقية بينها وبين رومانيا وبلغاريا عام 2007 تسمح بموجبها دخول هاتين الجنسيتين أراضيها من دون فيزا، أصبح هناك ما يقارب 183.297 رومانياً ورومانية على أراضيها، أغلبهم يمتهنون التسول، غير المجرم قانوناً، إذ تكتفي الشرطة بتحريكهم من الأماكن الموجودين فيها، فيتحركون من شارع للعرب إلى مسجد للمسلمين، بعد أن وجدوا ضالتهم «الأنسب» بين السياح هم العرب والمسلمين الذين يتعاطفون مع «حجاب»، و«السلام عليكم» وكلمة «الله» التي تعلمها أولئك النصابون ويرمونها بكل استعطاف.
في يوم من الأيام رأيت شاباً عربياً في لندن يرمي في حضن واحدة من أولئك النساء رزمة من الجنيهات، وأنا أقصد «رزمة». عزيزي الكريم المعطاء.. هناك من هم أبدى من هذه النصابة بكرمك، ومن هم أكثر حاجة وعوزاً في بلادنا. فلا داعي لتبرعاتنا أن تهاجر معنا.
آلاف العرب سيئمون لندن خلال شهور الصيف، بكامل زينتهم، مجوهراتهم وأموالهم. كونوا حذرين، وتبرعوا بأموالكم لمن يستحقها من مساكين العرب.. فلقد أصبح لدينا الملايين منهم.
دلع المفتي
نشر في 16/07/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on July 16, 2015 14:04
July 8, 2015
لو ولو ولو..
لا أحب أن أكرر نفسي، ولا أن أعيد وأزيد في المواضيع نفسها التي كتبتها سابقا، لكن يبدو أنه لا بد من ذلك. فكل ما سيرد هنا، كتبته أنا وغيري من الكتاب سلفا في مقالات مطولة، بحت أصواتنا ونحن نصرخ، وتكسرت أقلامنا ونحن نكتب. لذا سأعمل على اختصار المطلوب في نقاط عسى أن تكون أسهل وأكثر تأثيرا وأسرع هضما.
هل كان من الضروري أن ندفع الثمن دما؟ هل كنا وصلنا إلى ما وصلنا له لو كنا أوعى؟ كيف أمسينا ضحايا أنفسنا؟ ويا ترى هل كان ما حدث سيحدث فيما لو؟
لو ولو ولو...
لو أنّكم زرعتم مبادئ الدين وأصوله الحقيقية، ومنعتم مشايخ الفتنة من العبث بعقول أولادنا، لما وجدنا المتطرفين والمتعصبين الذين كرّهوا العالم بديننا وجعلونا مسخرة في عيون البشر.
لو أنكم كففتم يد أغلب الأحزاب الدينية من التغلغل والتدخل في كل صغيرة وكبيرة لما تخرج داعشيون من شبابنا.
لو أنكم عملتم على زرع ثقافة تقبل الآخر واحترامها، لما وجدنا انتحاريين مستعدين أن يفجّروا مسجدا بمصليه، لأنه ينتمي لمذهب آخر فقط، معتقدين أنهم في طريقهم إلى الجنة.
لو أنكم راقبتم كل تلك الأموال التي كانت تغطي أرضيات بعض ديوانيات الكويت، والتي تبرع بها الكويتيون بكل كرم، لما وصلت تلك الأموال إلى داعش.
لو أنكم تنبهتم إلى رايات داعش التي ظهرت في تظاهرات هنا وهناك، لما وجدنا الدواعش بيننا.
لو أنكم لم تخضعوا لحملات التهديد والتشهير التي قام بها السياسيون في مجالس الأمة، ضد أي تطوير للمناهج التعليمية كان مطروحاً على أجندة وزير، لما اضطررنا إلى مناقشة قضية تحريم حصص الموسيقى والألعاب.
لو أنكم أطلقتم حرية الكتاب، بدلا من منعه، لقرأ الناس ما يفيدهم بدلا مما يعطل أدمغتهم ويحصرها في كتب مثل «النعيم الجنسي لأهل الجنة/ دراسة مفصلة عن الحور العين»، ولما وجدنا من يفجر حوريات الأرض طمعاً بحوريات السماء.
لو أنّكم حيدتم شيوخ الدين، واقتنعتم وأقنعتم بأنهم بشر مثلنا وليسوا مقدسين، لما استطاع البعض (المريض) منهم السيطرة على حياتنا وقيادتنا بفتاويهم المريضة.
لو أنكم بدلا من أن تحجبوا موقع الحوار المتمدن، حجبتم مواقع تجنيد الشباب لحملات الجهاد.. لكان أولادنا مازالوا بيننا.
لو أنكم حرمتم و(جرمتم) الطائفية لفظاً وفعلاً لما سالت دماء أبنائنا ركّعا سجّدا في يوم فضيل في شهر فضيل.
في النهاية.. لو أنكم قرأتم مقالاتنا وقدرتم كل تلك الاخطار وعملتم بمقترحاتها لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
***
بعد يوم واحد من مجزرة الصادق، وفي طريقي إلى الديار المقدسة لأداء العمرة، اتصلت بأمي أسألها ماذا تريد أن أدعو لها وأنا في بيت الله. لم تطلب الدعاء لنفسها وهي المريضة التي خرجت من عملية خطيرة منذ أشهر. لم تطلب الدعاء لشفائها. لم تطلب حتى الدعاء لسوريا وهي ابنتها. طلبت طلبا واحدا فقط: «ادعي الله يحمي الكويت».
دلع المفتي
نشر في 09/07/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
هل كان من الضروري أن ندفع الثمن دما؟ هل كنا وصلنا إلى ما وصلنا له لو كنا أوعى؟ كيف أمسينا ضحايا أنفسنا؟ ويا ترى هل كان ما حدث سيحدث فيما لو؟
لو ولو ولو...
لو أنّكم زرعتم مبادئ الدين وأصوله الحقيقية، ومنعتم مشايخ الفتنة من العبث بعقول أولادنا، لما وجدنا المتطرفين والمتعصبين الذين كرّهوا العالم بديننا وجعلونا مسخرة في عيون البشر.
لو أنكم كففتم يد أغلب الأحزاب الدينية من التغلغل والتدخل في كل صغيرة وكبيرة لما تخرج داعشيون من شبابنا.
لو أنكم عملتم على زرع ثقافة تقبل الآخر واحترامها، لما وجدنا انتحاريين مستعدين أن يفجّروا مسجدا بمصليه، لأنه ينتمي لمذهب آخر فقط، معتقدين أنهم في طريقهم إلى الجنة.
لو أنكم راقبتم كل تلك الأموال التي كانت تغطي أرضيات بعض ديوانيات الكويت، والتي تبرع بها الكويتيون بكل كرم، لما وصلت تلك الأموال إلى داعش.
لو أنكم تنبهتم إلى رايات داعش التي ظهرت في تظاهرات هنا وهناك، لما وجدنا الدواعش بيننا.
لو أنكم لم تخضعوا لحملات التهديد والتشهير التي قام بها السياسيون في مجالس الأمة، ضد أي تطوير للمناهج التعليمية كان مطروحاً على أجندة وزير، لما اضطررنا إلى مناقشة قضية تحريم حصص الموسيقى والألعاب.
لو أنكم أطلقتم حرية الكتاب، بدلا من منعه، لقرأ الناس ما يفيدهم بدلا مما يعطل أدمغتهم ويحصرها في كتب مثل «النعيم الجنسي لأهل الجنة/ دراسة مفصلة عن الحور العين»، ولما وجدنا من يفجر حوريات الأرض طمعاً بحوريات السماء.
لو أنّكم حيدتم شيوخ الدين، واقتنعتم وأقنعتم بأنهم بشر مثلنا وليسوا مقدسين، لما استطاع البعض (المريض) منهم السيطرة على حياتنا وقيادتنا بفتاويهم المريضة.
لو أنكم بدلا من أن تحجبوا موقع الحوار المتمدن، حجبتم مواقع تجنيد الشباب لحملات الجهاد.. لكان أولادنا مازالوا بيننا.
لو أنكم حرمتم و(جرمتم) الطائفية لفظاً وفعلاً لما سالت دماء أبنائنا ركّعا سجّدا في يوم فضيل في شهر فضيل.
في النهاية.. لو أنكم قرأتم مقالاتنا وقدرتم كل تلك الاخطار وعملتم بمقترحاتها لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
***
بعد يوم واحد من مجزرة الصادق، وفي طريقي إلى الديار المقدسة لأداء العمرة، اتصلت بأمي أسألها ماذا تريد أن أدعو لها وأنا في بيت الله. لم تطلب الدعاء لنفسها وهي المريضة التي خرجت من عملية خطيرة منذ أشهر. لم تطلب الدعاء لشفائها. لم تطلب حتى الدعاء لسوريا وهي ابنتها. طلبت طلبا واحدا فقط: «ادعي الله يحمي الكويت».
دلع المفتي
نشر في 09/07/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.as...
Published on July 08, 2015 10:40
لكلٍ هويته
مجموعة من المقالات التحقيقات واللقاءات التي نشرت لي في القبس الكويتية.
- دلع المفتي's profile
- 138 followers

