ماهرعبد الرحمن's Blog, page 4

April 28, 2017

حكاية تمثال سي زفت!

في كل مرة يرتفع حولنا شبح الضجر ويعلو في الجوار صوت وخطاب اليأس (الذي يصفه ماركس في سياق ما بأنه: الثرثرة السطحية، وفي موضع آخر يحذر من: حماقة اليأس) وده في حالة إنه يكون أصيل وحقيقي كمان، فما بالك لما يكون يأس مستعار بقى، ولا حزن شفيف من بتاع الطبقة الوسطى "الخول"! الواحد عادة بيزوغ من "هيافة اليأس" دي ويروح لتجارب ومحاولات إنسانية حقيقية تستحق التقدير والوقوف أمامها بتواضع للتعلم منها. في مقدمة كتاب عز الدين نجيب "رسوم الزنزانة" بيكتب الراجل عن السجون وتجربتها المريرة والقاسية "لكن.. بقدر ما يمكن أن تكون الزنانزين مقابر للحرية وللأرواح، فقد تكون عامل تفجير لطاقة المقاومة ضد القهر، ومن ثم تصبح المقاومة وقودا لتحرير الأرواح، وماء يروي عطش المؤمنين بنبل القضية، ومنصة لإطلاق الخيال السجين كي يتجاوز الجدران والأسوار.. إن إشعال قداحة العقل والخيال والوجدان هو السبيل لجلاء صدأ الروح وبلادة الشعور والذهن". أنا شخصيا تعلمت المعنى المهم الذي يقوله عز الدين نجيب في كتابه عن تجاربه الثلاث في السجن: أن القاسم المشترك -فوق كونها ملاحم في عشق الوطن- هو قدرة الإنسان على إزاحة جدران الزنازين عنه بسحر الفن وتحرر الروح. أو بعبارة لمحمود العالم: إلغاء الزنزانة بضوء فكرة، قصيدة، أغنية، حلم، بشحذ الحواس، بمتابعة تغيرات الأيام والليالي بخطوط وكلمات محفورة تتابع وتحصي التجدد والتغير عبر الحوائط الصماء الجامدة!
تذكرت وأنا أقرء كتاب "رسوم الزنزانة" قصة عن فنان آخر هو محمد هجرس الذي تم اعتقاله ضمن مجموعة من اليساريين بعد هزيمة 1967.. وذات يوم وجد الجنائيين يحملون جزع شجرة ويتجهون بها للموقد الذي يصنعون عليه الخبز (الجراية). فما كان منه إلا أن انقض على جذع الشجرة وصرخ: هذا مشروعي.. وعكف عليه حتى تحول بيديه وبأزميله إلى تمثال "سيزيف 70 " رمزا للصمود والإرادة وللعام 1970. وبعد الانتهاء طلب من وزير الثقافة وقتها: بدر الدين أبو غازي الموافقة على الإفراج عن التمثال من المعتقل لكي يعرض في المعرض القومى للفنون التشيكيلية. وقدم وزير الثقافة الطلب إلى شعراوي جمعة وزير الداخلية والذي وافق بدوره. إلا أن العقيد عبد العال سلومة -مأمور السجن وقتها- ماطل وقام بتشكيل لجنة من خبراء لكي تحدد ما إذا كان التمثال له مغزى سياسي فيظل معتقلا أم لا فيفرج عنه. وجاء قرار اللجنة بأن التمثال له أبعاد سياسية ولابد أن يبقى بالسجن. فما كان من الفنان هجرس إلا أن يحتج مرة أخرى ويرسل لوزير الثقافة والذي ذهب لوزير الداخلية والذي -بدوره- طلب بسرعة الإفراج عن التمثال. إلا أن سلومة ماطل مرة ثانية بحجة أن الشجرة ملك للحكومة وبالتالي سوف تبقى داخل السجن. وبعد مفاوضات كثيرة وافق سلومة على خروج التمثال بعد أن وقع هجرس على وثيقة كان نصها: أقر أنا الموقع على هذا أدناه المعتقل محمد حسين هجرس وصنعتى نحات تماثيل أن التمثال الذى صنعته من خشب الشجرة عهدة معتقل طرة والمسدد ثمنه لخزينة المعتقل بتاريخ 12/12/1970م لا يرمز لأى شئ ولا يتضمن أى مساس بسياسة الحكومة أو ازداء لها أو لإحدى هيئاتها وليس له معنى على الإطلاق.
وبعد أن وقع `هجرس ` على الإقرار، تناول سلومة الورقة وكتب عليها بخط يده، وبالحبر الأحمر ` بمناظرة التمثال المذكور.. وجدناه مصنوعا من الخشب بطول متر ونصف المتر وعنوانه ` سى زفت 1970 ` وتأكدنا أنه لا يرمز لشىء، ولا معنى له على الإطلاق، ونسمح بخروج التمثال من المعتقل وتسليمه لزوجة المعتقل المذكور..
تم عرض التمثال في المعرض القومى العام للفنون التشكيلية وعجب الجمهور والنقاد. وإلى الآن التمثال مازال موجودا ويعرض في متحف الفن الحديث للجمهور الذي لا يعرف هذه القصة!
لمزيد عن هذه الحكاية وغيرها وعن الفنان محمد هجرس:
http://www.fineart.gov.eg/arb/cv/Abou...
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 28, 2017 16:51

March 31, 2017

حكاية الهدهد

من العادات القديمة إني كنت بحب اشتري جريدة الأهرام جدا. كنت بسهر لمتأخر للساعة 1 أو 2 ولا حتى 3 بعد نص الليل. وأروح لبتاع الجرايد، هاه عربية التوزيع جت؟ لو آه تمام هات الأهرام وهو طازة كده وبنار المطبعة :) مكنش، نقعد نستنى. وكان مرات قليلة جدا إن الطبعة الأولى تكون هتتأخر للصبح وأرجع البيت زعلان عشان هضطر استنى للصبح.. اكتشفت وقتها التمشية بالليل والتسكع في الجناين اللي كانت جنب كشك الجرايد وفي وقت متأخر بعد كده اتجرأت وقعدت على القهوة! كانت جريدة الأهرام من المتع الصغيرة، كنت بشتريها بمعظم المصروف بتاعي ساعتها. لكن في سبيل متعة قراية كتاب الأعمدة والمقالات بالأساس.. (اللي فاكره) من أول صندوق الدنيا لأحمد بهجت لحد مواقف أنيس منصور في الصفحة الآخيرة. وطبعا مقالات مصطفى محمود وكان معاه حد تاني مش فاكر هو أمين يوسف غراب ولا مين.. وأنور عبد الملك وسلامة أحمد سلامة وبنت الشاطئ. وبعد كده انفتحت الأهرام شوية وبقت تنشر لكتاب من نوعية مختلفة زي أسامة أنور عكاشة وعادل حمودة، الأول طبعا مكتبش مكنش موفق في كتابة مقالات هنا أوي فراح ناشر على حلقات روايته اللطيفة "منخفض الهند الموسمي"، التاني عافر شوية.. لكن مع الأسف كانت لغة روزااليوسف عاملة عمايلها معاه (مش فاكر في الحقيقة عادل حمودة لما كان صحفي صغير وبيكتب مواضيع في الاقتصاد في الطليعة والكاتب كان كويس ولا لأ). كنت حافظ وقتها مواعيد مقالات بنت الشاطئ ومصطفى قطران بالذات. مازلت محتفظا بقصاصات مقالات بنت الشاطئ عن ولادة بنت المستكفي والشاعر ابن زيدون.. وفي إحداها رسالة من زميلها الأديب (والوصف لها) ثروت أباظة، حيث كتب يقول عن هذه المقالات: تفضلت الأستاذة الدكتورة..بهذه الصفحات لتكون بداية تجديد فى الصفحة الأدبية على أمل كريم منها أن يتبع ما كتبته بمثل يسيل فى مجراه ويسير على هداه ونسيت أستاذتنا الدكتورة أنه ليس فى العالم العربى إلا عائشة عبد الرحمن واحدة وأن الجدول الذى يصفق فيه أدبها، يمتنع على أدب غيره أن يدلف إليه.
وفي بالي دايما أكتب مقال عن بنت الشاطيء وحبي واحترامي وتقديري الكبير لها، فيارب يسر وأعن. لكن هنا أنا عايز أكتب عن شخص آخر هو الكاتب أحمد بهجت صاحب صندوق الدنيا. كان صحفي وراجل طيب وأمير كده وساعات كان بيكتب حاجات كتير فيها طرافة. وهو نفسه كان راجل به سماحة ورقة وحسن فهم عندما يكتب عموما وعندما يكتب عن الإسلام خصوصا. ومن إنسانيته في حياته يحكي ابنه: "ذات يوم داخل أبي شقتنا الصغيرة في باب اللوق يجر حمارا هزيلا مصابا بالجرب ودهشت أمي سناء فتح الله دهشة بالغة ـ وقال أبي مفسرا وجدت المسكين في الشارع يضربه صاحبه بعنف فاشتريته لك هدية ـ قالت مذهولة, وماذا أفعل به؟ قال أطعميه ودعيه يعيش في البلكونة فهو كائن مسكين لا ذنب له ولا ملجأ ـ وبعد مناقشة طويلة تخللها صراخ الجيران من صوت الحمار اتفقا علي أن يشتريا له برسيم, وتبن وفول حراتي ثم يهديانه إلي جمعية الرفق بالحيوان ـ ويكتفوا في البيت الصغير بتربية القطط والكلاب والسلاحف والعصافير إذا غضضنا النظر علي أنني كنت وقتها قردا صغيرا, ومرة أخري عاد أبي يحمل قفصا به طائر هدهد ومرض الهدهد واشرف علي الهلاك وفشل الطبيب البيطري في معالجة الطائر، وأعلن أنه يحتضر فجلس أحمد بهجت في الغرفة وحده يقرأ سورة النمل, ويحكي للهدهد قصة جده العظيم هدهد سليمان حتي يهون عليه آلام الموت".
5 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 31, 2017 13:46

February 22, 2017

فهرسة المكتبة

كان الإمام محمد عبده يقول إن الكتب لا تفيد القلوب العُمي،.. لا تفيد الكتب إلا إذا صادفت قلوبا متيقظة، عالمة بوجه الحاجة إليها، تسعى في نشرها. وشخصيا دائما ما أتمنى وأجاهد وأسعى لأن أكون من متيقظي القلوب. مكتبتي الشخصية مرت بمرحلتي تكوين، الأولى كانت في الصغر، ويغلب عليها الكتب الدينية، تاريخ إسلامي، وتفسير وحديث وفقه وسيرة وقراءات وتصوف وفسلفة وعلم كلام ولغة، وغيرها من الكتب المختلفة والعامة واللي تخلصت من معظمها باسبتدالها بما هو أنفع وأهم. وبقيت كل كام سنة أعمل جرد وفرز للكتب اللي هتفضل أو اللي مش هتفضل (اللي مش بيفضل ده معناه أبدله من سور الأزبكية على طول. مرة من دول بدلت تقريبا عشرين كتاب كانوا عندي للدكتور مصطفى محمود بمجلد من الأعمال الكاملة لأنطون تشيخوف، وكنت راضي ومسامح جدا، وكنت بقول وقتها إني أنا اللي ضحكت على البياع، لكن طبعا بعد كده بقت قناعتي إن كل واحد مننا في الحقيقة كسبان مفيش مشكلة) ومرة من مرات الفرز دي تحمست لعمل ثبت بمحتويات المكتبة وقعدت أقرا كتب عن المكتبات وازاي أعمل التصنيف العشري للأستاذ ديوي. واشتريت كشكول 60 ورقة وقسمت الصفحات وكتبت أول 300 كتاب في التصنيفات المختلفة، كنت بكتب اسم الكتاب والمؤلف مين وخلاص. بعد كده ابتدت تظهر أسئلة وجودية: طب طالما ببذل جهد ما فيبقى نكمله بقى، وأكتب: الطبعة، الناشر، عدد الصفحات. وبعد ما عملت ال 300 نسخة نفسهم، ظهرت تاني رغبة في التجويد بإضافة: المترجم/ أو المحقق، السعر، نوع الطبعة (مجلد-غلاف ورقي) ملاحظات على النسخة وحالتها. لكن توقف هذا المشروع لأسباب عديدة وقتها وأهمها كان كثرة التنقل. أول ما نقلت شبرا واستقريت (من 2009) وأنا في نيتي أرجع أعمل الفهرس ده لكن كنت بأجلها لحد ما ييجي وقتها. واكشتفت من سنة إني اشتريت أكتر من كتاب مكررين في مكتبتي، عملت كده أربع أو خمس مرات على مدار السنة دي. ودي طبعا بالنسبة لي كارثة كبيرة وعظيمة لأنها بتقول إني جيبت كتب وحتى مفتحتهاش أبص بصة كده فتلزق في عقلي وذهني وقلبي، وأنا اللي كانت صوابعي حافظ مكان كل كتاب في مكتبتي، وفي معظمها علامات وخطوط وملاحظات على أمل العودة لها والاستفادة منها بعد تمام القراءة الأولى العامة، كان هذا هو من علامات الترف والاستهتار وضعف النفس.
في مقولة الإمام محمد عبده، كان يضيف: إن دُكَّان السيد "عمر الخشاب" (يقصد به عمر حسين الخشاب الكتبي، صاحب المطبعة الخيرية بالجمالية) مملوءة بالكتب من جميع العلوم، وأن القلوب العمي لا تعلم شيئا منها.. تذكرت هذه الكلمات التي لا تفارق ذهني بسبب الكام كتاب زيادة اللي اشتريتهم ولا أعلم منهم شئ. وعشان كده قاطعت شراء الكتب بهذا الإسراف، وقاطعت معرض الكتاب للسنة الثانية على التوالي. ودورت على برامج للفهرسة، ومعظم اللي وجدته كان من عمل السلفيين، وكان أفضلهم واللي بدأت العمل والتسجيل عليه: اسمه "برنامج تنظيم المكتبة"، وهو برنامج منظم ويقبل معلومات كثيرة عن الكتاب، ويقدم احصائيات، ويمكن الطباعة منه أيضا. لا يوجد به - بالنسبة لي- سوى عيب بسيط، كل ما أضيف كتاب تطلعلي رسالة: تم إضافة الكتاب بفضل الله وحوله وقوته ومنته، ألا تكبرون؟
5 likes ·   •  2 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 22, 2017 10:34

February 19, 2017

فيلسوف مصر القَلِق | بالصدفة أتيت إلى هذا العالم

ماهر عبد الرحمن
من ضمن أعمال الدكتور عبد الرحمن بدوي الكثيرة والمهمة، سلسلة بعنوان "خلاصة الفكر الأوربي". في هذه السلسلة يكتب عن أرسطو، اشبنجلر، شوبنهاور، ونيتشه. والبداية كانت مع نيتشه الذي كان كتاب بدوي الأول.

كان بدوي يؤمن بأن هذا الوطن يحتاج إلى ثورة على قيمه البالية العفنة؛ حتى يتقدم وينهض. ومن ثم فإن مشروع "خلاصة الفكر الأوربي" كان محاولة لتقديم الدليل والأفكار لهذه الثورة. يفتتح بدوي السلسة بكتابه عن "نيتشه"، هذا الفيلسوف الكبير والجذري، المؤمن والمُمَجِّد للفرد المتقدم القائد للمجموع. يقول نيتشه في أحد كتبه: "الضعفاء العجزة يجب أن يفنوا، هذا أول مبدأ من مبادئ حبنا للإنسانية، ويجب أيضا أن يساعدوا على هذا الفناء". وجاء الفرد الذي حاول أن يُفني عددًا لا بأس به من الناس، وهو الفوهرر هتلر. وبدوي نفسه كتب مقالات عديدة في تمجيد "الإنسان الأعلى" الذي كان تجسيده، عنده، هو هتلر والنازية، ففي أغسطس 1938 كتب بدوي: "النازية هي أوج تلك الحركة العنصرية التي سَرَت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والتي بفضلها يستطيع الألماني السيادة على جميع الشعوب الأخرى، لأن العنصر الجرماني هو أسمى العناصر وأرقى الأجناس".

اقرأ أيضًا: عبد الرحمن بدوي.. من النقد إلى الدفاع عن الإسلام

كان الدكتور بدوي يرى أن خلاص مصر وبلوغها المجد لن يكون إلا على يد حزب مصر الفتاة[1]، وأن على كل الدول أن تبحث عن قائد كهتلر الذي يسجل له التاريخ إعجابًا لا حد له. كان بدوي يختار من النهضة الأوربية ما يدعم فكرته وإيمانه بالفرد الأعلى وبالنازية "كان لا بد للناس الممتازين أن يعلنوا الحرب على العامة والمجموع"[2]. ويسجل الدكتور مراد وهبة قصة طريفة عن أستاذه عبد الرحمن بدوي، ففي عام 1 مايو 1945 دخل الدكتور بدوي إلى المحاضرة وهو يرتدي رابطة عنق سوداء. وعندما سأله طلابه عن السبب قال: لأني حزين على وفاة هتلر، والذي كان انتحر يوم 30 إبريل 1945.

فمن أين بدأت تلك الحكاية وكيف انتهت

"بالصدفة أتيت إلى هذا العالم، وبالصدفة سأغادر هذا العالم!.. وواهم من يظن أن ثم ترتيبًا، أو عناية أو غاية. إنما هي أسباب عارضة يدفع بعضها بعضا فتؤدي إلى إيجاد من يوجد، وإعدام من يعدم".

هكذا كتب عبد الرحمن بدوي في سيرته الذاتية. وُلد بدوي في حوالي الساعة الثانية من يوم 4 فبراير 1917، وهذا العام يكون قد مر قرن على ميلاد هذا الفيلسوف العربي الكبير. وكان الثامن من إخوته لأمه، والخامس عشر بين أبناء والده. ويحكي بدوي بفخر عن والده الذي كان له هذا العدد من الأولاد، فكان رجلًا "قوي الشخصية إلى أقصى حد، مرهف الذكاء، ذا حافظة جبارة، مستقيم السلوك والرأي، لا يتنقل من رأي إلى رأي حسب الظروف، ولا يناور ولا يداور".

اقرأ أيضًا: مشروع الترجمة عند عبد الرحمن بدوي

وعلى نفس النهج كان أكثر ما ينتقده عبد الرحمن بدوي في سيرته الذاتية هو الخصال الرديئة عند الناس، والانتقال من رأي إلى رأي حسب الظروف، والمناورة والمداورة، والخداع والتفاهة وكلها أمور تتكرر بإسهاب وكَرَم منه في سيرته وكلامه حول العديد من الناس حوله. فهو يتهم عامل أحد الفنادق التي سكنها بأنه مخادع ومناور حين يقترح عليه أن يأخذ تاكسي إلى الجامعة التي لم تكن تبعد سوى أمتار قليلة. ويرى أن سارتر مجرد أديب تافه لا قيمة فلسفية له. وأن سعد زغلول كان عميلًا للبريطانيين، وطه حسين (الذي كان يعطف على الدكتور بدوي عطف الأستاذ على التلميذ النجيب) عميلًا للمباحث، وحتى أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة الذي كان عبد الرحمن بدوي عضوًا قياديًا فيه، قال عنه إنه كان عميلًا هو الآخر. وأن الإمام محمد عبده كان تابعًا ذليلا لكرومر. وأن مقالات زكي نجيب محمود يستطيع أي طالب في المرحلة الإعدادية أن يكتب مثلها. ويرى أن تلاميذه في مصر جميعا لا فائدة ولا رجاء منهم باستثناء أنيس منصور. أما عباس العقاد، فيحكي الدكتور بدوي في مذكراته التي كتبها في سن متقدمة، وبما يشبه الفخر أنه كان المحرض لزملائه في الحزب بالتعدي على العقاد بالضرب. وكان العقاد سنة ‏1939‏ يهاجم حزب مصر الفتاة‏‏ "فلما كتب أول مقال تشاورنا في مصر الفتاة بماذا نرد. فرأي صبيح أن يكون ذلك بالرد القاسي في مجلة مصر الفتاة وكتب مقالًا بعنوان (العقاد جهول يريد أن يُعَلِّم الناس ما لم يعلم)‏‏ فكتب العقاد مقالًا آخر أشد وأعنف‏. وكان من رأيي ـ أي رأي بدوي ـ أن العقاد يرحب بالمقالات فلا علاج له عن هذا الطريق،‏ بل لا بد من استخدام العنف معه لأنه لا يردعه غير العنف‏.‏ وأخذ برأيي اثنان من أعضاء الحزب‏، فتربصا بالعقاد وهو عائد الي بيته رقم ‏13‏ شارع سليم في مصر الجديدة، وانهالا عليه بالضرب والصفع والركل، وأفهماه أن هذا تأديب مبدئي له بسبب مقالين كتبهما ضد مصر الفتاة؛‏ فإن عاد فسوف عادا إليه بما هو أشد نكالًا. وأحدثت هذه العلقة أثرها الحاسم، فخرس العقاد خرسًا تامًا، ولم يعد إلي الكتابة ضد مصر الفتاة"‏[3].

كانت عائلة عبد الرحمن بدوي غنية من محافظة دمياط. التحق بمدرسة سيد أفندي في قريته، شرباص لمدة عامين، قبل أن ينتظم في مدرسة "فارسكور" الابتدائية عام 1924. حصل على شهادة اتمام الدراسة الابتدائية في عام 1929، ثم التحق بالمدرسة السعيدية الثانوية في الجيزة. في هذه المرحلة بدء بدوي يكتب الشعر ويهتم بقراءة الأدب الإنجليزي، خاصة أشعار جون مليتون، وشيللي، وبايرون.

في عام 1932 بدأت علاقته بالأدب الألماني وكان ذلك بعد حضوره لاحتفال بالذكرى المئوية الأولى للشاعر الألماني جوته، تعلم عبد الرحمن بدوي الألمانية من خلال حضوره دروسًا ليلية في مدرسة راهبات القديس شارك بورومييه. في يونيو 1934 حصل على البكالوريا "الثانوية العامة"، وأصر على الالتحاق بكلية الآداب، رغم أن والده الذي كان يريد له أن في يدرس في كلية الحقوق، وكانت هي الكلية المفضلة لدى أبناء الطبقة الغنية في هذا الوقت.

في مايو 1938 حصل بدوي على ليسانس الآداب من قسم الفلسفة وتم تعيينه معيدًاً. وفي نوفمبر 1941 حصل على الماجستير بتقدير ممتاز في أطروحته "مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية". وناقشه فيها الدكاترة: طه حسين، وإبراهيم مدكور، والشيخ مصطفى عبد الرازق، وهنا قال طه حسين إنه أصبح لمصر فيلسوفًا. وفي مايو 1944 حصل بدوي على درجة الدكتوراه في الآداب بتقدير جيد جدًا، عن موضوع "الزمان الوجودي".

عمل أستاذًاً في عدة جامعات عربية وأوروبية. وأسس أقسام الفلسفة في عدة جامعات عربية. وفي سبتمبر 1950 انتقل من كلية الآداب جامعة القاهرة "جامعة فؤاد الأول سابقا"، إلى كلية الآداب جامعة عين شمس "إبراهيم باشا سابقا"، ليؤسس قسم الفلسفة وتولى فيها رئاسته، وفي يناير 1959 أصبح أستاذ كرسي. وفي مارس 1956 عُيِّن مستشارًا ثقافيًا ورئيسًا للبعثة التعلىمية المصرية في بايرن بسويسرا، واستمر في منصبه حتى نوفمبر 1958. سافر إلى فرنسا عام 1962 بعد أن صادرت الحكومة المصرية في هذا الوقت أملاك عائلته.

ظل بدوي عازبًا حتى آخر لحظة في حياته، ولم تُذكَر عنه قصة ارتباط، وكان يقول إن هذا لو حدث فلن يكون بامرأة مصرية ولا عربية، ولو قُدّر له الزواج فلن يتزوج إلا بفتاة أوروبية، وتحديدًا ألمانية، مكتفيًا بالتفرغ لـ "همومي الفكرية والفلسفية". ولكن هناك حكاية وحيدة يرويها عنه المفكر فؤاد زكريا، وكانت قصة حب وحيدة لم تستمر، وكانت فتاة ألمانية "من أسمى العناصر وأرقى الأجناس".

وأخيرًا وبعد حياة حافلة وثرية وقلقة، سقط الدكتور مغشيًا عليه في أحد الأيام بشارع من شوارع باريس. اتصل طبيب فرنسي بالسفارة المصرية وعاد بعدها عبد الرحمن بدوي إلى مصر مريضًا، كان ذلك قبل أربعة أشهر من وفاته، فقد توفي في مستشفى معهد ناصر في القاهرة يوم 25 يوليو/تموز 2002 عن عمر يناهز الـ85 عامًا.

[1] حزب مصر الفتاة هو حزب وحركة سياسية قومية مصرية في الثلاثينيات بقيادة أحمد حسين وتحول لحزب فيما بعد. وظهر بتأثير ظهور أحزاب مشابهة له في أوروبا، ومنها الحزب النازي في ألمانيا بقيادة هتلر‏، والحزب الفاشي في ايطاليا بقيادة موسوليني‏، وحزب الكتائب في أسبانيا بقيادة فرانكو‏ . وكان بدوي عضوا في هذ الحزب في الفترة من 1938 وحتى 1940، وكان رئيسا لمكتب الشئون الخارجية بالحزب، ويحرر المقالات السياسية بجريدته التي كانت تصدر في هذا الوقت.

عبد الرحمن بدوي، نيتشه، مكتبة النهضة العربية، صـ 135. [2]

[3] عبد الرحمن بدوي، سيرة حياة، الجزء الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، صـ 133.

https://almanassa.com/ar/story/3850
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 19, 2017 03:21

November 19, 2016

عن متعة القراءة مرة أخرى

في كتاب "قيم من التراث" كان الدكتور زكي نجيب محمود يقول عن القراءة: إنك تقرأ لتضيف إلي عمرك المحدود عشرة أمثال أو مائة أو ألفاً بحسب القدر الذي تقرؤه والطريقه الي تقرأ بها. لماذا؟ لأنك خلال عمرك المحدود ستجمع خبرات وأفكار عن العالم و عن الناس و عن حقيقة نفسك لكن تلك الخبرات والأفكار سيكون مداها مرهوناً كذلك بعدد السنين التي كتب لك أن تحياها.
أحيانا أجدني استعيد القراءة في بعض كتب التراث زي طبقات ابن سعد، وسيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري، وفي علوم الحديث والفقه واللغة وعلوم القرآن والقراءات. وكنت بتلقى كل العلوم والمعارف دي في وقت مبكر وكنا بنختمها في الدروس على يد مشايخ في الجوامع.. فلان يقرا معانا السير والتاريخ، وفلان يقرا معانا علوم الأحاديث ونصوص الصحاح والسنن، وفلان يقرا معانا من أول التحفة السنية لحد ألفية ابن مالك بشروحاتها المختلفة، وفلان يقرا معانا تفسيرات وأسباب نزول القرآن وآياته وسوره، وفلان يقرا معانا ويعلمنا الفقه وأصوله ومذاهبه، وفلان عقائد وتوحيد، وفلان عبادات... وفلان تراجم العلماء. ثم تغيرت الاهتمامات والأفكار وحتى مساحات الوقت وتعقدات الحياة وحجم المسئوليات والعمل والالتزامات. وبالتالي الحمد لله إن الواحد قرا زمان كل الحاجات دي واتعلم منها الكثير وهضم منها على قد معدتي وقتها :).. أنا أصلا كنت بدرس في مدارس عادية مش أزهر بس كنت بروح من نفسي ألف وأدور على المشايخ في المساجد، المساجد اللي قضيت فيها وقت كبير جدا جدا في الصغر للعبادة ولطلب العلم، نوع معين من العلم اللي كان هو الوحيد اللي متوفر أمامي ساعتها، والأكتر إني كنت بتطوع للخدمة في بعضها شكرا وحمدا لله على ما وهبني من وقت وعقل وعلم وهداية.. وثقة وبصيرة ورضا وطمأنينة. والعلم والقراءة والكتب كانت ومازالت بالنسبة لي وكما قال الجاحظ "والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود بيانك، وفخم ألفاظك".
وأنا بقرأ بشغف ونهم شديد مقالات أجزاء "تراث الإنسانية" -خلصت الجزء الأول من المجلد الأول وبدأت في الجزء الثاني، ما بين مقالات عن كتب أعرفها وقرأتها وبالطبع المقالات بتضيف جديد لفهمي للي قريته قبل كده، وبين مقالات عن كتب مكنتش أعرف عنها حاجة، وبين مقالات عن كتب التراث القديمة اللي بفتكر من الذاكرة البعيدة الدروس بتاعتها بكل امتنان.. كل مرة بعيد قراءة كتاب -يستاهل- بضيف لفهمي السابق فهم أو بعمق فهمي السابق، وكل مقال وقراءة لأعلام الثقافة اللي عملوا الموسوعة الطريفة والغنية دي، هي إضافة لمحصولي السابق بكل تأكيد.
أما كيف تكون القراءة، فأيضا، يكتب الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه "قيم من التراث": ولكن كيف تقرأ؟ إقرأ وكأن الذي معك ليس كتابا من صفحات مرقومة بحروف وكلمات بل كأنك تتحدث مع مؤلف الكتاب، إقرأ وكأن الذي معك هو الرجل الحي يعرض عليك فكرته أو خبرته بصوت مسموع ففي هذه الحالة ستجد نفسك مدفوعاً إلي مراجعته ومساءلته ومراجعته جزءاً جزءاً، ومعني معني، وهكذا تكون القراءه الحية بفاعليتها الذهنية، فلا تجعل من نفسك أثناء القراءة شريطاً من أشرطة الكاسيت يتلقي ولا حيلة له فيما يتلقاه، بل تمهل هنا وقف هناك واسأل وحاور ووافق واعترض، فالذي معك هو إنسان حي بفكره ووجدانه وقد يكون إنساناً أطول منك باعاً وأقدر منك علي الغوص وراء الحقائق لكنك لن تبلغ منه كل ما تريد إلا إذا وقفت منه موقف الأحياء من الأحياء إذ يلتقون في دروب الحياة ومسالكها..
5 likes ·   •  4 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 19, 2016 09:51

November 14, 2016

سياسة الصداقة

لجاك دريدا بعض النصوص في رثاء بعض أصدقاءه وغيرهم من المفكرين المعاصرين له، فهو كتب عن "ميتات رولان بارت" والحديث عن ميتات بارت تأتي من الحديث عن حيوات بارت، والحديث عن الصداقة بين دريدا وبين كل نص لبارت، أو كل بارت..يقول دريدا إن الموت يستدعي خطاب مش سكوت، خطابا موجها لمن رحل، إليه، شخصه، نصه، أو ما بقي منه داخلنا.. هل نحن نرثي بارت أم نرثي انعكاسه فينا؟ وهكذا كل رثاء كتبه دريدا للأصدقاء أو الزملاء الذين رحلوا (له نصوص أخرى بعنوان أعمال النحيب في رثاء فوكو ودلوز وألتوسير وغيرهم).. هو رثاء أو هجاء لانعكاسهم فينا بمعنى من المعاني. ولدريدا محاضرة أخرى عن الصداقة "سياسة الصداقة" كتب فيها أن التماثل في الصداقة هو أمر مزعوم، بل هو أمر مزعوم حتى في علاقة الإنسان بنفسه. ومفهوم الصداقة مفهوم يحمل بداخله مفهوم العدواة، فكل معنى للصداقة من أرسطو حتى كارل شميت يحمل بداخله معنى للعداوة، فالصداقة تحمل مضادها بغرض القمع/ قمع المفهوم هنا لكن هل هذا القمع قادر على إخفاء مفهوم العدواة؟ إن القمع لا يخفي تماما ما يحاول أن يخفيه، بل إن هناك احتمالية دائمة لخروج المقموع دائمًا ليقوض كل البناء القائم، مهما كانت درجة الاستقرار التي يبدو عليها. هل يمكن أن نضمن بقاء الصداقة أو حتى الأخوة (بمعناها وليس كمجرد صلة بالدم)؟ دريدا يقول إنه لا يمكن ضمان استمرار تلك المواقع أبدا؛ فمن يكون صديقك اليوم قد يصير عدوك غدا والعكس.. ومن ثم يعارض دريدا أفكار كارل شميت التي يمكن تلخيصها بأنه كان يعتبر الآخر/المختلف هو بالضرورة عدو، ومنذ لحظة تعيينه عدوا ينبغي التخلص منه (كمثل فكرة قتل الكافر)؛ ومن ثم فإن تلك النظرة تنظر إلى السياسة باعتبارها صراع دائم بين المختلفين، صراع قد يصل إلى الحرب. لكن دريدا يختلف مع هذا الطرح الإقصائي، ويقول لنا إن المواقع التي يحتلها كل من الصديق أو العدو، قابلة للتبدل (في السياسة بحكم المصالح المتغيرة بطبيعتها) فصديق اليوم قد يكون عدو الغد والعكس..
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 14, 2016 06:22

August 30, 2016

رحلة القراءة الممتدة

- امبارح عديت على الهيئة العامة للكتاب عشان أجيب كتاب نزل في مكتبة الأسرة اسمه "تراث الإنسانية" وجيبت الجزءين اللي صدروا لحد دلوقتي. وهي موسوعة ضخمة صدرت بالأصل مطبوعة في 8 مجلدات كبيرة وكل مجلدين هما عبارة عن جزء واحد أصلا، وكل جزء(=كتابين) كبير يتكون من 1000 صفحة تقريبا. "تراث الإنسانية" هي سلسلة تتناول بالتعريف والبحث والتحليل روائع الكتب التي أثرت في الحضارة الإنسانية وكانت تصدر عن المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر. والموسوعة بها مقالات مثلا عن المتنبي وشعره وهو مقال كتبه العقاد، وعرض لكتاب الأبطال لتوماس كارلايل، والنظرية النسبية، وثرة الأمم، وتشريح القانون وهو عمل ابن النفيس على القانون في الطب لابن سينا، والتأملات في الفلسفة الأولى لديكارت بقلم الدكتور عثمان أمين، وعرض لأزهار الشر لبودلير، وعرض للكتاب المهم والممتع "ضحى الإسلام" لأحمد أمين ويقدمه شوقي ضيف، وعرض لكتاب فكرة التاريخ لكولنجود، وعرض للفتوحات المكية، والبحث عن اليقين لجون ديوي بقلم الدكتور أحمد الأهواني، والمسند لابن حنبل بقلم الشيخ أبو زهرة، وقصة حي ابن يقظان لابن طفيل بقلم عبد الرحمن بدوي، وموطأ الإمام مالك بقلم الشيخ أمين الخولي، ومقال عن مقدمة ابن خلدون للدكتور عبد الواحد وافي، ومقال عن سيرة بني هلال للدكتور عبد الحميد يونس، ومقال عن الإلياذة للدكتور محمد صقر خفاجة، وغيرها من المقالات العظيمة الفائدة.
- من فترة كبيرة لما كنت بشتري كتب سلسلة الذخائر التي تصدر عن هيئة قصور الثقافة، في عز ازدهارها أيام رئاسة الدكتور عبد الحكيم راضي (أستاذ النقد الأدبى والبلاغة بقسم اللغة العربية كلية الآداب – جامعة القاهرة) لهذه السلسة، كانت مقدمات الدكتور راضي مما لا يفوت المرء قراءته. فهو دكتور متخصص في الأدب ومثقف كبير ومحب للتراث الأدبي والعلمي. المقدمات اللي كان بيكتبها للكتب كانت ترقى لمستوى دراسة للكتاب، وأيضا تحفيز وتشجيع للقارئ ببساطة وعمق. رغم إن كل الكتب بيكون لها محقق بيكتب مقدمة أو يقدم للكتاب بدراسة، لكن الدكتور راضي مكنش زي الموظفين اللي بيمسكوا سلاسل ويكتبوا مقدمة ثابتة لا تتغير لكل الكتب ويمكن ولا يعرفوا حاجة عن الكتب اللي بتطلع وعليها مقدمتهم المسجلة دائما. الدكتور راضي كان بيقرا كل حرف ويترك نفسه للكتابة عن معظم الكتب. أبدا لا أنسى تقديمه لكتاب الخصائص لابن جني، وحديثه عن عظمة القرن الرابع الهجري الذي شهد ضعف للدولة وازدهار للمعرفة والأدب والعلم، فيقول "يكفي أنه القرن الذي حوى من الشعراء أمثال المتنبي وأبي فراس والشريف الرضي، ومن الكتاب أمثال ابن العميد والخوارزمي وبديع الهمذاني، ومن النقاد قدامة والآمدي والقاضي الجرجاني، ومن اللغويين ابن خالويه وابن جني". وابن جني كان مفتونا بالمتنبي وبينهما صلة تعرفها من تلك المقدمة.. وكنت دائما أتمنى أن يجمع الدكتور راضي كل مقدماته هذه ويصدرها في كتاب مستقل وفعلا لاقيته عمل كده وأصدر كتابا بعنوان "مدخل في قراءة التراث العربي" وبه بعض المقدمات التي كتبها لكتب مثل: نهج البلاغة للإمام علي، وعيون الأخبار لابن قتيبة، والفلاكة والمفلكون للدلجي، والحيوان للجاحظ، ومفاتيح العلوم للخوارزمي، والعقد الفريد لابن عبد ربه، وجواهر الألفاظ لقدامة، والاقتباس من القرآن للثعالبي، والوشي المرقوم لابن الأثير، وغيرها (مفيش مقدمة الخصائص لابن جني هنا).. نفس المتعة وجدها الدكتور سليمان العطار وهو يتصفح مقدمات الدكتور راضي ويكتب لها مقدمة لتصدر في هذا الكتاب، يقول في مقدمته بمحبة وود شديد "إنني أعترف أن كمية المعرفة (ذات الجودة الفائقة) التي حصلت عليها أثناء القراءة أدهشتني.. أيها القارئ الكريم.. أنت مدعو لوليمة معرفية مغذية للعقل والروح، وصانعة للأمل والمستقبل".
- سألت في رحلة الأمس للمرة الألف عن كتاب "بيت حافل بالمجانين" اللي ترجمه أحمد شافعي وصدر عن الهيئة، وللمرة الألف لا حس ولا خبر.
10 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 30, 2016 00:24

July 20, 2016

ذكريات شخصية: طريق حفص يقطعه ورش

كتب: ماهر عبد الرحمن

بدأت علاقتي بالقرآن منذ كنت في السادسة من عمري، وكنت أتلقاه في البداية على يد أحد المشايخ واسمه الشيخ عبد العزيز، والذي لم أعرف إلا فيما بعد أنه لم يكن سوى عامل بالمسجد يرفع الآذان ويصلي بالناس مؤقتا إلى أن تُرسل وزارة الأوقاف مُقيم شعائر من طرفها.

وبعد وقت أرسلت الوزارة الشيخ حسين، وهو مقيم الشعائر بالمسجد. حدث ذلك بعد أن أصبحت في الثامنة من عمري وكنت قد حفظت من سورة الأحقاف حتى سورة الناس. كانت صدمتي وصدمة والدي عظيمة حين عرفت أن الشيخ عبد العزيز كان يعلمني القرآن على نحو خاطئ، خصوصا في تشكيل الكثير من الكلمات، فكان يجعلنا نقرأ كلمة "النعمة" في قوله تعالي "وذرني والمكذبين أولي النعمة" بالكسر وليس بالفتح على النحو الذي وردت به في سورة المزمل. وسألت الشيخ الجديد عن الفرق بين المعنيين، فأجاب بقول القرطبي أن: النعمة (بالفتح) التنعيم، يقال: نعمه الله وناعمه فتنعم. والنعمة (بالكسر) اليد والصنيعة والمنة وما أُنعم به عليك. وقال لي إن "النعمة" بالفتح هنا هي من باب التعريض بالتهكم عليهم ووصفهم في موضع آخر بـقوله تعالى "إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا"، فكيف تكون "نعمة" بالكسر، بل هي بالفتح باتفاق القراء.

ثم ختمت القرآن في سن الحادية عشر، وكان فضل الشيخ حسين علي فضلا عظيما؛ فقد فهمت أن للقرآن علوم واسعة على القارئ الجيد أن يطلع عليها ما أمكنه ذلك. بداية من علم التجويد الذي يفتح لنا باب معرفة أحكام القراءة والوقف والابتداء ومخارج الحروف وغيرها. وكذلك تعلم معاني وتفسير القرآن بشكل عام حتى نستطيع أن نقرأ عن فهم ومعرفة. وهذا هو الحد الأدنى لمن أراد أن يسلك هذا الطريق.

وبخصوص مخارج الحروف ففي المقال الذي كتبته عن الشيخ مصطفى إسماعيل، لم أذكر مشكلة نطق حرف القاف عنده، فإن من يدقق السمع يجده يقوله وكأنه كاف، وسط بين القاف والكاف. كما ذكرت كنت وأنا صغير أسمع وأقرأ على المصحف المرتل للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وكان وقتها بالنسبة لي أعظم من قرأ القرآن. كنت بسمع المصحف المرتل بصوت الخمسة اللي مسجلين المصحف مرتل برواية حفص عن عاصم وتذيعه إذاعة القرآن الكريم، وهم: البنا والمنشاوي وعبد الباسط والحصري ومصطفى إسماعيل. مكنش مسموح لي من شيوخي وقتها أسمع تجويد عشان متحصلش لخبطة، في التجويد هناك قراء يتصرفون في القراءة بقدر، فمثلا أكبر مد في القرآن كما تعلمناه هو مد 6 حركات، والحركة هي مقدار قبض الإصبع أو بسطه، لكنك ممكن تلاقي شيخ بيجود وبيلعلع فيمد لحد 12 حركة أو أكثر، أو يزود في مد الـ 4 حركات إلى عشرة حركات أو يزيد عشان يجيب درجة الجواب في الصوت مثلا. وهناك قراء في التلاوة بالتجويد يقولون الآية الواحدة بأكثر من قراءة أو بأكثر من وجه للقراءة الواحد، كل بحسب علمه. لكن الترتيل يكون منضبطا، وملائما أكثر لطلاب العلم في بداية الطريق.

كان الأفضل إني أقرأ على مصحف الشيخ الحصري عشان هو الأكثر انضباطا ودقة، في الترتيل وفي التجويد. لم يكن مجرد قارئ بقدر ما كان عالما تقيا جليلا، وكان شيخا لعموم المقارئ المصرية، وله مؤلفات عن علم القراءات والقراءات العشر والوقف والابتداء والقرآن برواية ورش عن نافع المدني وغيره. لكني، مع ذلك، اخترت القراءة مع صوت الشيخ عبد الباسط لأنه كان أبسط وصوته أفضل وأجمل بالنسبة لي وقتها. وصارت بيني وبين صوت الشيخ عبد الباسط ألفة وصداقة عظيمة، حتى أنني أصبحت أقرأ بطريقته ونبرة صوت قربية من صوته تماما. كنا بنتعلم صفات ومخارج كل حرف بنقرأه، وبنحفظ شعر في أحكام التلاوة والتجويد والمد وأحكام النون الساكنة والتنوين والغنة والوقف والابتداء، وغيرها من أحكام التلاوة.

وفاكر مثلا إن مرة جالنا شيخ من مشايخ معهد القراءات بالشرقية يحضر معانا "مقرأة" وكان صديقا لأحد مشايخنا الذين كانوا يعلمونا في المساجد وقتها. وكنا معجبين بأنفسنا لحفظنا القرآن ومعرفتنا للأحكام وحفظنا للمتون الرئيسية من الجزرية وتحفة الأطفال وغيرها، كنا نتخيل أننا أصبحنا علماء في القراءة برواية حفص(..). الشيخ يومها قالنا اللي هيقرأ سورة الفاتحة صح يا مشايخ هياخد مني 100 جنيه مكافأة له. ضحكنا كلنا طبعا لغرابة الموضوع، دي الفاتحة يعني؟ المهم بدأت أنا لأني كنت أتممت حفظ القرآن كاملا. بسم الله الرحمن الرحيم... "اهدنا الصرا طال مستقيم"، غلط، تاني وتالت ورابع مفيش فايدة، وفضلت "طال مستقيم" دي عقدة عندي لحد ما اتعلمت ازاي أنطق حروف مفخمة وبعدها حروف مرققة بشكل عادي وسلس، وحروف استعلاء وبعدها استفال بشكل عادي وسلس وطبيعي. ولا حد من زملائي يومها عرف يقرأ الفاتحة كاملة صح. عرفنا يومها إننا مشايخ نص كم ولسه قدامنا كتير عشان نتعلم هذا العلم الكبير والصعب وهو علم القراءات. كنا بناخد سكتات لطيفة في الطريق عشان نعرف إزاي نقرأ وننطق كلمات مثل: "لله الواحد القهار" و"ففروا إلى الله" و"فأسقيناكموه" "تأمنا على يوسف" و"أأعجمي وعربي"، و"مجراها ومرساها" وغيرها كتير في ثنايا المصحف.

ركزت مرة مع نطق الشيخ مصطفى إسماعيل لحرف القاف المكسورة وبعدها ياء مثل: مستقيم، متقين.. لقيته بيقول القاف على عكس ما تعلمتها أنا وبسمعها من الشيخ عبد الباسط والشيخ الحصري وغيرهم، بينطقها أقرب للكاف، مخففة ومهموسة ومستفلة. وقتها صورلي الشيطان إني أروح أقراها كده قدام الشيخ وكأني فلحوس صغير جاب الديب من ديله. وعرفت يومها إن الشيخ مصطفى بيقرا القاف غلط وعلى غير سند أو وجه وعاقبني الشيخ يومها بإنه الزمني بقراءة آية من سورة المائدة تقول "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" قراءة صحيحة يرضها الشيخ وقد قرأتها بعد عشرات المرات قراءة صحيحة وعلى مرة واحدة.

مازلت استمع لإذاعة القرآن من حين إلى آخر، وكانت هذه الطريقة، مع أخذ القرآن مشافهة عن المشايخ، هي الوسيلة المساعدة والجيدة للاستذكار والتعلم، في السنين الخوالي. كنا صغارا وكانت جوانا طاقة وأحلام على قدر عمرنا، في البداية كنت أريد أن أكون قارئا مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أو الشيخ مصطفى إسماعيل، ومع التقدم في هذا العلم الصعب أصبحت أحلم بأن أكون عالما في القراءات، وكان مثلي الأعلى في ذلك هم مشايخ مثل الشيخ محمود الحصري أو الشيخ رزق خليل مشايخ عموم المقارئ المصرية سابقا، أو الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف شيخ عموم المقارئ المصرية الآن. وقد سمعت تسجيلات للقرآن بأصواتهم وبقراءات مختلفة، وسمعت برامج لهم في الإذاعة المصرية عن أحكام التلاوة وعلم القراءات، وقرأت فيما بعد كتبهم وشروحاتهم، بل وما توفر لي من سيرتهم الذاتية العطرة. وبعد أن أتممت حفظ القرآن وجدت في نفسي الشجاعة لأذهب وأقرأ بين يدي الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف في الأزهر.

كان هذا منذ سنوات وقبل أن يُصبح شيخا للمقارئ، لكنه كان عضوا رئيسا في لجنة تصحيح المصحف الشريف بالأزهر، وكان هو الذي يقوم بإمامة المصلين في العشر الأوائل من رمضان بالجامع الأزهر. جلست بالقرب من مكانه وكان يسأل أحد طلابه يومها أن يكمل من قوله تعالى "إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لإُولِى النُّهَى"، وقتها تخيلت أني نسيت سورة طه، ونسيت المتشابهات، فهذه الآية وردت مرتين في سورة طه، بل وأني نسيت القرآن كله. خرجت من الرهبة مسرعا. ثم عدت مرة ثانية، في هذه المرة وجدته كان يرد كل الطلبة، في كل حرف وفي كل كلمة، ويقول: لو هتمد 4 حركات تفضل على الـ4 دول. مقدار الغنة حركتين، لا واحدة ولا ثلاثة. قول صفات الحرف كذا واقرا الآية تاني. لو بتقرا من الطيبة (يقصد من طريق طيبة النشر في شرح القرآت العشر) فلـ"حفص" وجهان في كذا. وقرأت في مقرأته وبين يديه عشر آيات من النمل دون توقيف منه، وهذا أمر كان بالنسبة لي وقتها عظيم. وانتهت المقرأة وصليت ركعتين حمدا وشكرا لله على فضله ونعمته تلك. ودعوت الله يومها أن أختم القرآن وأن آخذ الإجازة في قراءة حفص على يد هذا الشيخ الجليل. لكني أخذت الإجازة من أحد مشايخ معهد القراءات بعد أن ختمت وقرأت عدة مرات. والإجازة هي شهادة من هذا الشيخ الذي يقوم بالإجازة بأني قرأت القرآن عليه كاملا غيبا مع الاتقان للأحكام والتفريق بين المتشابهات وحفظ ودراسة متن الجزرية. هذا الطريق الطويل كان ينبغي أن يكتمل بالدخول لمعهد القراءات بصفتي طالبا لا مجرد زائر. كان الطريق يحتاج للتفرغ التام وبشكل منتظم لإتمام عالية القراءات، لكن لم يكن هذا ممكنا وقتها، فكانت لدي دراستي العادية، وكان يجب أن أعمل إلى جوار الدراسة. وفي الطريق الطويل وبعد سنين من حفظ القرآن وإحكام التلاوة وقراءة كتب المتون والأحكام وأخد الإجازة والسند بقراءة عاصم عن طريق حفص (حفص عن عاصم) وعن طريق شعبة، وجدت أن عاصم هو واحد من عشرة قراء، وأن للعشرة تلاميذ وطرق مختلفة. ومع أني علمت نفسي قراءة ورش وقالون عن نافع وكنت وقتها قد وصلت، على الجانب الآخر، إلى الثانوية العامة. لكن كان التفرغ لهذا العلم وهذا الطريقة من الصعوبة بمكان وقتها، فهجرته. كنت أحيانا في هذا العمر أعمل مقرأة في المساجد مرة في الأسبوع، وزي المشايخ كنت بطلب من الطلبة قراءة متشابهات أو آيات صعبة حتى يتعلموا دقائق العلم كما تلقيته عن شيوخي، وحتى يتعلموا، وأنا معهم كطالب علم مثلهم، التواضع دائما، وأنه دائما يوجد فوق كل ذي علم عليم. تعلمت أن طريق العلم، كما الحياة، صعب وطويل ويحتاج إلى إيمان ومثابرة وجلد وإخلاص.

http://www.tahrirnews.com/posts/44603...
8 likes ·   •  9 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 20, 2016 12:18

July 15, 2016

الجمال لعنة.. أم طريق إنقاذ؟

ماهر عبد الرحمن
أنا منشغل منذ فترة بفلسفة الجمال. أُفكر في صورة "دوريان جراي" لأوسكار وايلد؛ إنه شخص وسيم بشكل مذهل جدا. هناك شيء في وجه هذا الشخص يجعلك تثق وتؤمن به فورا. لكن ذلك كان قبل أن يسلك طريق الفجور والجريمة.

كانت له صورة معلقة في غرفة الاستذكار القديمة رسمها له بازل هالوارد، أصبح من ينظر لها يراها تزداد قبحًا فوق قبح كلما أصبحت سلوكياته أكثر شناعة، بالرغم من أن صورته تظل كما هي في الحقيقة. كانت أمنية هذا الشاب أن يعيش شابًا وسيمًا على النحو الذي صوره عليه بازل، هكذا للأبد، وتحققت أمنيته. لكن اللورد هنري- صديق الرسام بازل- عبث بعقل دوريان جراي، علمه الشر باعتباره الجمال والمتعة. أفسد روحه وأسقط عنه كل مسئولية بدعوى أن تلك هي السعادة. ومع أن دوريان يظل في الحقيقة وسيمًا وشابًا كما تمنى؛ إلا أن صورته في اللوحة تصبح قبيحة كلما قام بفعل قبيح.. أصبحت الصورة تفشي فساد روحه.

يعجب دوريان غراي بإحدى الممثلات وهي سيبيل فين، ويتخيل أنه أحبها، يذهب لأستاذه اللورد هنري ويخبره عن تلك الفتاة وكم هي عبقرية في التمثيل، فيقول له هنري: لا توجد امرأة عبقرية النساء جنس زخرفي لا أكثر، ليس لديهن ما يقال لكنهن يقلنه بأسلوب ساحر. وهكذا كان دائما ما يفعل اللورد هنري بهذا الشاب الغر، بآرائه التي تبدو جميلة لكنها تحتوي على السم؛ هكذا كان الشاب يفسد يوما بعد يوم، وتفسد روحه.

بعد أن خطب دوريان تلك الفتاة دعى صديقيه- الرسام وهنري- لحضور مسرحية من تمثيل خطيبته، لكنها تخفق لسبب ما، فذهب لغرفتها ووبخها بقسوة وهي تتوسل إليه ألا يتركها، لكنه يرحل فتنتحر تلك الفتاة. وبعد أن يعرف أنها انتحرت يلوم نفسه لوما بسيطا ثم يكمل حياته. ويصفه أوسكار وايلد في نص الرواية: "عندما يلوم نفسه بعد ذنب يقترفه، يرى نفسه قد تخلص من ذنبه وأصبح نقيًا من الذنوب. ومن ثَم يذهب عنه الإحساس بالذنب، ولا يأبه لارتكاب ذنب آخر.

يذهب دوريان غراي لينظر في صورته فيجدها تغيرت، وظهرت في ملامحه القسوة، رمزًا لفساد روحه وسوء أخلاقه، فيحاول أن يخفيها حتى لا يفتضح أمره، حتى أنه قتل من رأى الصورة وعرف حقيقته. مع الوقت تعوَّد على القبح والفساد.

يقول أوسكار وايلد إن دوريان مع الوقت: "يزداد إدراكاً لجماله وإدراكا لخراب روحه". لكنه في النهاية يحاول أن يقتل تلك اللوحة ليتخلص من كل فساد ماضيه، ترى هل يقدر؟

هذه الرواية هي رواية رمزية عن فترة في حياة أوسكار وايلد نفسه. في "مرحلة شريرة" من حياته، مرحلة صراع الرغبة ضد الأخلاق. إنها رواية عن حب الجمال والسعادة والحياة، لكن مع فساد الروح. أوسكار وايلد نفسه انتهت حياته مبكرًا، بعد خروجه من السجن*، وانتقاله شبه هاربٍ من إنجلتر إلى فرنسا، وموته على نحو مأساوي.

إن الرغبة تكون في الشئ الجميل، الذي نراه يحقق متعة لنا، لكن هل كل استسلام للمتعة والرغبة هو فعل جميل بالضرورة؟ من يضبط الجمال غير الرغبة الصرف؟ وهل يمكن أن يساعد الجمال وفهمه وإدراكه كل فرد منا، فيصبح هذا الجمال وسيلة للتحرر وطريقة للتعاطي مع الحياة؟ وهل للجمال معنى مطلق ومتحرر من التاريخ؟

الفيلسوف والكاتب والشاعر الرومانتيكي الألماني فريدريش فون شيلر يقول لنا: إن هناك دافعان للمتعة أو للاستجابة للمتعة، أحدهما حسِّي أو حالي، وهو الرغبة. والآخر عقلي؛ ويعنى القواعد العقلية المجردة (هناك عرض شيق ومستفيض في مقال "الحياة الجميلة" لجون آرمسترونج، من ترجمة أحمد شافعي). وهو يُعرِّف علم الجمال باعتباره: المصالحة بين الأجزاء الحسية والعقلانية، وهو بهذا يحل تناقضات كانط بين العقل والحواس، أو بالأحرى يحاول أن يُقدم حلا يوفق به بينهما.

يرى شيلر في الجمال وسيلة انقاذ: "يجب أن يستعيد الإنسان نفسه من جديد في كل لحظة عن طريق الحياة الجميلة". أفكار شيلر هي امتداد -على نحو ما- لفلسفة وأفكار كانط، وكذلك هي امتداد لشاعرية صديقه جوته. هي أفكار الفلسفة المثالية التي تعتبر الوجود هو بمثابة انعكاس لأفكار عقلية أو مُثل أفلاطونية.

إن أفكار شيلر وروايات وايلد، تعتبر أن الشر والقبح يأتيان من داخل الإنسان. وكما أن أن القبح ذاتي؛ فإن الجمال أيضا يأتي من الذات. ويستطيع الإنسان أن يُنقذ نفسه من قبحه بالانتصار للجميل فيه. وكأن هناك معنى مثالي غائي للجميل هذا. ومن ثم؛ يصبح الجميل على هذا النحو متعاليًا.
إن مشكلة هذه الأفكار المثالية: أنها تقف على رأسها- بعبارة ماركس في سياق آخر- ولو حاولنا أن نُعدِّل منها لنجعلها تقف على قدميها؛ سنجد أن الجمال لا يستمد وجوده من عالم الفكر والمثال، وإنما يستمد وجوده من الواقع الاجتماعي والتاريخي. إنه التبدي الكامل للحياة؛ ويتحقق حين يتحرر الإنسان من اغترابه في هذا العالم، وكل خطوة في طريق هذا التحرر هي فعل جميل. ليس التحرر بالانتحار كما فعل بطل أوسكار وايلد؛ لكن بتغيير هذا الواقع وتحسين شروط العيش فيه.

إننا يمكن أن نُخمن على نحو ما صورة المجتمع الحر، الذي لا تقوم العلاقات فيه بين الأفراد على الاستغلال، أو الإرهاب أوالعنف أوالقسوة أوالقمع. نعم، إن الجميل، بهذا المعنى، يمكن أن يصبح وسيلة للإنقاذ بمعناه الحقيقي.
https://almanassa.com/ar/story/2690
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 15, 2016 05:27

June 26, 2016

الشيخ مصطفى إسماعيل: «إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا»

ماهر عبد الرحمن

يمكن أن نستعير من دور "أنا هويت" لسيد درويش ويونس القاضي جملة "مفيش كده ولا في المنام" لوصف عبقرية وموهبة الشيخ مصطفى إسماعيل، فصوت الشيخ، خاصة في الليالي والاحتفالات الدينية ووسط الجمهور، كأنه يريد أن يقول "إنا سمعنا قرآنا عجبا"، فبعد جمال وبلاغة القرآن، يأتي "العجب" "كل العجب" من صوت الشيخ مصطفى إسماعيل، أعظم قارئ في مصر كما قال عنه الشيخ محمد رفعت.

وإليكم الحيثيات..

الشيخ مصطفى إسماعيل من مواليد يوم 17 يونيـو 1905 بقرية ميت غزال من أعمال طنطا، مركز السنطة بمحافظة الغربية، وهو ابن محمد المرسي إسماعيل، وستيتة حسنين إسماعيل، وكان البكري لأبويه. وتتلمذ في الكُتَّاب منذ السادسة من عمره على يد الشيخ عبد الرحمن أبو العينين وحفظ عنده ربع القرآن في خلال عامين، ثم أتم المصحف كاملا في كُتَّاب الشيخ عبد الله شحاتة ولم يكن عمره -وقتها- يتجاوز العاشرة.

ويُقال إن الشيخ مصطفى كان دائم "التزويغ" من الكُتَّاب؛ وكان جده يضربه بسبب ذلك حتى التزم وختم القرآن. تعلم أحكام التلاوة والتجويد وختمه ثلاثين ختمة على يد الشيخ إدريس فاخر وكان مفتشا من الأزهر على الكتاتيب، والتحق بالمعهد الأحمدي بطنطا وهو المعهد الذي أخرج الإمام الشيخ محمد عبده، وأخرج الشيخ محمود الحصري، والشيخ محمود علي البنا، وغيرهم من الأعلام.

وأتم مصطفى إسماعيل، وعمره لم يتجاوز السادسة عشرة حفظ القرآن وتجويده بالقراءات العشر. وكان أحد شيوخه بالمعهد وهو الشيخ مصطفى المروج يثني على صوته الجميل ويقول له "سيأتي يوم تأخذ فيه خمسة جنيهات في الليلة" وكان هذا في أوائل العشرينيات. وأخذ الشيخ مصطفى طريقه في القراءة في الليالي، سواء كانت بدعوة أو بدون دعوة، وسواء كانت بأجر وعشاء أو بدون أجر أو عشاء.

ويروي الأستاذ كمال النجمي في كتابه عن الشيخ مصطفى إسماعيل، عن هذه الفترة أن من معاصري الشيخ في هذه الأيام شيخا يدعى الشيخ عبد العزيز الحربي، وكان يقول عنه إن صوته كالكروان.. ويضيف الشيخ حربي كنت أسمعه في تلك الأيام من شبابه وشبابي وهو يعلو إلى جواب الجواب بسهولة واقتدار، ويقتنص أصعب النغمات، أقول مشفقا عليه: إن هذا الشاب قد ينفجر في أي لحظة! في هذه المرحلة كان هناك أحد الأعيان بطنطا واسمه حسين بك القصبي، وكان عضوا بمجلس الشيوخ، كان يُحب صوت الشيخ مصطفى ويشجعه دائما على القراءة. وسافر القصبي بك إلى إسطنبول للتصييف، وتوفى هناك عام 1922 ، ثم عاد جثمانه إلى طنطا، وتمت دعوة الشيخ مصطفى ليكون أحد القراء في ليلة العزاء.

في هذه الليلة كان هناك الشيخ سالم الهزاع الذي افتتح القراءة، ثم قفز الشيخ مصطفى إسماعيل مكان هذا القارئ فما كان من شيخ آخر يدعى حسن صبح إلا أن نهره قائلا: انزل يا ولد، هو شغل عيال؟ وقال أحد أقارب المتوفي للشيخ حسن: إنه قارئ مدعو للتلاوة. قرأ الشيخ مصطفى إسماعيل في الأيام الثلاثة من عزاء القصبي بك، وحصل على 10 جنيهات بعد أن كان آخر أجر له هو 70 قرشا. وفي ليلة عزاء أخرى، كانت هي ليلة عزاء إبراهيم بك عبده وهو من أعيان طنطا ومن كبار تجار القطن. وكان بهذا العزاء في اليوم الأول الشيخ الشعشاعي، وفي اليوم الثاني حضر للقراءة قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت والذي أُعجب به وأرسل إليه ليستمر في التلاوة بلا توقف حتى يأذن له.

وهذه شهادة من أكبر وأعظم شيخ في مصر كلها في هذا الوقت؛ مما أعطى الشيخ مصطفى ثقة بنفسه وظل يقرأ لمدة ساعة ونص كاملة وسط إعجاب الحاضرين، حتى أن الناس ارتفع صوتها بتحيته والإعجاب به وبصوته في ليلة عزاء! وبعد أن ختم وصلته ذهب الشيخ مصطفى إلى دكة الشيخ رفعت الذي هنأه وقبله وقال له: سوف أنصحك نصيحة لو أنك عملت بها ستكون أعظم من قرأ القرآن في مصر، فقد حباك الله بموهبة فذة وصوت جميل وتلقائية موسيقية عظيمة، لكن ينقصك أن تُثبت حفظك وأن تعيد القراءة على أحد المشايخ. وبالفعل تعهد به الشيخ محمود حشيش شيخ المحفظين -وقتها- لكن الشيخ رفعت نصحه مرة أخرى ليفعل ذلك على يد الشيخ عبد الفتاح القاضي وهو ما حدث بالفعل.

في أول مرة يأتي فيها للقاهرة ليقرأ في مأتم بحي الداودية ولمدة ثلاثة ليال. ويشاركه الشيخ محمد سلامة وكان معروفا عنه أنه لا يترك لغيره من القراء وقتا للقراءة اللهم إلا دقائق معدودات، وبالفعل قرأ الشيخ محمد في الليلة الأولى دون أن يترك وقتا للشيخ مصطفى، وفي الليلة الثانية ظل الشيخ محمد يقرأ من الثامنة مساء وحتى الثانية عشرة ليلا، وكان هذا في فصل الشتاء وكانت البرودة قارسة.

ومع انتهاء الشيخ محمد قام معه معظم من كانوا في السرادق، لكن الشيخ مصطفى لم يستسلم لهذا الموقف المحرج وجلس على الدكة وبدء في القراءة، فعاد بعض من رحل لسماع هذا الصوت الجميل القوي. وصوت الشيخ مصطفى إسماعيل يساوي في مساحته أكثر من أوكتافيين، والأوكتاف (أو الديوان) الواحد يساوي ثماني درجات، أو سبعًا، بالإضافة إلى درجة جواب النغمة الأولى. فمثلا لو نقول: دو، رى، مى، فا، صول، لا، سى، فهذا هو سلم المقام، وبإضافة نغمة (دو) جواب؛ يصبح المجموع ثماني درجات. فكان أن ارتفع الشيخ مصطفى إسماعيل يومها إلى الجوابات العلا، وجوابات الجوابات أيضا.

وبقي الشيخ يقرأ حتى الرابعة فجرا. وبالصدفة كان حاضرا الشيخ سيد موسى والشيخ درويش الحريري الذي هنأ الشيخ مصطفى على جمال وقوة صوته وفرادته. وسأله أين تعلمت كل هذه المقامات؟ فرد الشيخ مصطفى: لم أتعلم المقامات قط، فقط التقطت أذناي كل ما سمعته طوال حياتي وتمثلته واستنبطت منه طريقتي في الأداء بالفطرة، فقال له الشيخ الحريري: فطرتك وموهبتك أقوى من كل الدراسات والمعاهد. بعدها تم دعوة الشيخ مصطفى للقراءة في عزاء بالمغربلين وتم دعوة الشيخ محمد سلامة الذي لم يحضر عندما عرف أن الشيخ مصطفى إسماعيل سوف يحضر، في هذه الليلة سحر الشيخ مصطفى بصوته وانتقالاته بين المقامات، جمهوره.

وفي عام 1943 انضم الشيخ مصطفى لرابطة تضامن القراء برئاسة الشيخ محمد الصيفي. وسأل الشيخ مصطفى: ما معنى رابطة تضامن القراء؟ فأخبره الشيخ الصيفي أنها تعني أن القراء متضامنون يشد بعضهم أزر بعض. وسمعه الشيخ الصيفي يومها وقال له: أنت قارئ ممتاز من جميع الوجوه يا شيخ مصطفى، وسوف تقرأ في احتفال المولد النبوي الذي تقيمه الرابطة يوم الجمعة 22 فبراير 1943 بمسجد سيدنا الحسين، بدلا عن الشيخ الشعشاعي الذي اعتذر بسبب مرضه، وسوف تقرأ نصف ساعة. لم يكن الشيخ مصطفى معتادا على القراءة لمدة نصف ساعة فقط، فهو يحتاج لمدة زمنية لتسخين صوته. لكنه أمسك بساعته في البيت ليتدرب على نصف الساعة، وكيف يُظهر فيها صوته وأداءه في هذا الوقت القصير.

ويومها كان هناك بالمسجد بعض من الذين حضروا للشيخ ليلة المغربلين فطلبوا منه القراءة قبل الإذاعة، وبالفعل كانت تلك فترة كافية للتسخين قبل البث الحي. ورغم أن المذيع اعترض على الشيخ مصطفى لأنه لم يكن مسجلا في الإذاعة وقتها، فإن الشيخ الصيفي أخبر المذيع أنه "لا يوجد سوى الشيخ مصطفى، وسوف يقرأ على مسئوليتي".

وكانت هذه الليلة هي ليلة الفتوح في حياة ومسيرة الشيخ مصطفى إسماعيل، ونقله من مرحلة لمرحلة أخرى. يومها سمعه الملك فاروق وطلبه للقراءة في ذكرى وفاة الملك فؤاد، وبعدها قرأ بمناسبة زيارة شاه إيران، ثم أصبح قارئًا للقصر الملكي (1943-1952) وتكفلت الخاصة الملكية والقصر بمصاريف إقامته بفندق شبرد بمصر حتى عام 1952. وتم تعيينه قارئًا للسورة بالجامع الأزهر بعد اختباره واعتماده على يد الشيخ العلامة الملقب بالضباع، شيخ عموم المقارئ المصرية وقتها، والشيخ الضباع هو الشيخ علي بن محمد بن حسن بن إبراهيم بن عبد الله، وهو إمام مُقدَّم في علم التجويد والقراءات والرسم العثماني وضبط المصاحف وعد الآي وغيرها.

واستمع يومها للشيخ مصطفى وأثنى عليه وصوّب له فقط كلمة "مستقر" من قوله تعالي من سورة القمر "وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ" فالجمهور يقرؤها بالرفع وأبو جعفر المدني وحده يقرؤها بالخفض. وتم اعتماده بالإذاعة المصرية. وبعد 1965 تم تكريم الشيخ مصطفى في عيد العلم، ليكون بذلك أول قارئ يحصل على وسام رفيع من رئيس الجمهورية. وحصل على نفس الوسام وقتها كل من الدكتور طه حسين، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب.

وكان السادات يقلد لزملائه في السجن صوت الشيخ مصطفى إسماعيل من كثرة حبه له. وقد قربه منه بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية. وسافر الشيخ مصطفى مع السادات إلى القدس وقرأ القرآن بالمسجد الأقصى وكان وقتها قد تجاوز السبعين من عمره.

كان عبد الوهاب مغرما بصوت الشيخ مصطفى، وكذلك السيدة أم كلثوم. وكان عبد الوهاب يقول لو الشيخ مصطفى ترك القرآن واتجه للغناء فسوف يترك عبد الوهاب الغناء، لأن "مين يقدر يجاري صوت الشيخ مصطفى؟". وذات مرة ذكر عبد الوهاب أن الشيخ مصطفى إسماعيل "يفاجئنا دائما بمسارات موسيقية وقفلات غير متوقعة، وهو كبير جدا في موهبته، وكبير في إدارة صوته، وله جرأة في الارتجال الموسيقي والصعود بصوته إلى جواب الجواب بشكل لم نعرفه في أي صوت حتى الآن". وكان عبد الوهاب يحب أن يسمع الشيخ دائما، وخاصة في مطلع سورة "الحاقة". وبالفعل فإن الشيخ مصطفى كان يرتجل اللحن في لحظته وبما يفتح الله عليه من موهبته وحسه وذوقه وثقافته ومعرفته وفهمه للمعاني، ومن خلال التفاعل مع الجمهور الذي يسمعه. ويحكي نصير شمة أن عبد الوهاب في تلحين قصيدة "سهرت منه الليالي" لم يعرف كيف يعود في أحد أجزاء اللحن من السيكاه إلى النهاوند المقام الرئيسي، فاستعان بالشيخ مصطفى إسماعيل الذي أسعفه في لحظتها.

أما عمار الشريعي فقد تحدث عن قراءة الشيخ لآيات من سورة النمل، في قوله تعالى "قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ" ويقولها من النصف الأسفل من مقام الرست، من الدو للصول، وأنه يعيدها مرتين في الأولى يقولها كاملة وفي الثانية يعيد "أنا آتيك" ثلاث مرات بتصرفات وتجليات، ثم قفلة عجيبة. ومن سورة القمر في قوله تعالي "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر، ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيونا"، وكيف أن الشيخ مصطفى إسماعيل دخل بمقام الصبا تماما وهو مقام يعبر عن الحزن والشجن والحرقة والهزيمة، ثم أعادها بنفس المقام مع نقل نفسه درجة من أول "ففتحنا أبواب السماء" بقفلة من السيكاه، ثم يعيدها من أول "فانتصر، ففتحنا أبواب السماء" في مقام العجم ويقفل القراءة بمقام الصبا، ويقول الشريعي إن هذا الأداء النغمي والتصرف من الشيخ يؤكد عظمته وفهمه ودرايته بالمقامات وحسه السليم.

كان الشيخ مصطفى إسماعيل يحب صوت أم كلثوم ويقول إنه صوت دسم، وصوت صالح عبد الحي، وبعض الناس يجد أن الشيخ مصطفى أحيانا كان يبدو متأثرا بطريقة صالح عبد الحي، كانت زوجته السيدة فاطمة عمر لا ترتدي الحجاب، ولم يمانع الشيخ في ظهورها في الصحافة هكذا وهو الشيخ الوقور، بل وكانت يوم التسجيل الصحفي معه تعزف على البيانو، وكان أن وقف بجوارها وصفق لها وقال لها أحسنت. ونشرت الجريدة تقريرا عن حياة الشيخ وعزف زوجته يومها لأغنية "اطلب عيني" لليلي مراد.

وفي صباح يوم الثلاثاء 26 ديسمبر 1978 توفى الشيخ مصطفى إسماعيل ودُفن فى مسجده الملحق بداره فى قرية ميت غزال بالسنطة بمحافظة الغربية وفقا لوصيته، تاركا خلفه ميراثًا ومحبةً وعرفانًا بلا حد في قلوب عشاقه.

http://www.tahrirnews.com/posts/43742...
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 26, 2016 14:38