ماهرعبد الرحمن's Blog

June 8, 2023

الشيخ الرئيس ابن سينا

هو عالمنا العظيم أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا. ولد في شهر أغسطس عام 980م (الموافق لعام 370 هـ) أي بعد وفاة الفارابي (المعلم الثاني)، المتوفي في 950م (الموافق لعام 339 هـ) أي تقريبا بين ميلاد ابن سينا ووفاة الفارابي حوالي 31 عامًا.

يحكي لنا[1] أنَّه “كان يقرأ ذات يوم في كتاب “ما بعد الطبيعة” لأرسطو. وعلى حدة ذكائه ودقَّة فهمه، عجز عن فهم ما فيه، بل وعجز عن فهم غرض أرسطو منه. ويئس من فهم هذا الكتاب، بل ويئس من نفسه، واهتزَّت ثقته بذكائه وإرادته.

وذات يوم كان بحيِّ الوراقين في “بُخَارَى”، ومر بدلَّال كتب، ينادي على مُجلَّد في يده، يعرضه للبيع. واعترض الدلَّال طريق “ابن سينا” قائلًا: – هذا كتاب أيُّها الشاب في الفلسفة، وثمنه رخيص. فردَّ عليه “أبو عليّ” قائلاً: -لا فائدة في هذا العلم، فابتعد عني بكتابك هذا. فعاد الدلَّال يُلحُّ قائلا: -اشترِ مني هذا المجلَّد، ولن تندم. ثمنه ثلاثة دراهم، وصاحبه محتاج إلى ثمنه، ولولا ذلك ما عرضه للبيع. وأشفق “أبو علي” على صاحب الكتاب، ونقد الدلَّال الدراهم الثلاثة، وأخذ الكتاب منه، ولم ينظر فيه وعاد إلى قصر أبيه، وجلس في حديقة البيت، تحت خميلة مزهرة في يوم صيف.

ونظر “أبو علي” في الكتاب، وفتح فمه شاهقًا بدهشة وفرح، وهبَّ واقفًا ثم جلس، فالكتاب لفيلسوف زمانه “أبو نصر الفارابي” والكتاب في أغراض كتاب “ما بعد الطبيعة” لأرسطو. ولم ينم “أبو علي” إلى الصباح فعكف ليلته على الكتاب يقرأه بشغف، ووجد نفسه يفهم كتاب “أرسطو” الذي كان يحفظ نصفه حرفا بحرف، وكان سعيدًا بشرح الفارابي له، وحُسن كشفه لأغراضه ومراميه. وإذ أشرقت الشمس، غادر “أبو علي” صحن مسجد بخاري، إثر صلاة الفجر، وتصدَّق بمالٍ كثير من ماله الخاص على فقراء بخارى، شاكرًا الله على نعمته عليه، إذ يسَّر له فهم ما لم يفهم. وهمس لنفسه: صدق الله العظيم، ففوق كل ذي علمٍ عليم”.

ولئن كان للفارابي فضل السبق فلتلميذه فضل البيان والإيضاح. ويقول الأستاذ محمد لطفي جمعة في كتابه “تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب” عن ابن سينا أنَّه لم يكن بحاجة إلى جهد ووقت للتعليم حيث “إنَّه في العاشرة من عمره كان قد استظهر القرآن الكريم وألم بجزء صالح من العلوم الدينيَّة، ومبادئ الشريعة الغراء، وعلم النحو”[2].

ثمَّ خاض غمار الرياضيات والطبيعيات والفلسفة وبعد ذلك انكبَّ على دراسة الطب، ولم يبلغ السابعة عشر من العمر حتى طبقت شهرته الخافقين وبدأ يتعهد بتطبيب المرضى ومعالجتهم. ومن أقواله “احذروا البطنة، فإنَّ أكثر العلل إنما تتولَّد من فضول الطعام”، و”المستعد للشيء تكفيه أضعف أسبابه”.

ألَّف ابن سينا العديد من الكتب، وذكر الأب جورج قنواتي في ثبت مؤلفات ابن سينا، 276 عنوانا، وكثير منهم ما يزال مخطوطًا. وذكر جورج طرابيشي في “معجم الفلاسفة” باب ابن سينا، أنَّ القديس توما الإكويني قد استشهد في “الخلاصة اللاهوتية” بالشيخ الرئيس أكثر من 261 مرَّة. وظلَّ كتابه “القانون في الطب” يدرَّس في الجامعات الأوروبيَّة إلى القرن السابع عشر، وكان في الصدارة كأرسطو سواء بسواء.

أمَّا في الفلسفة “يعتبر ابن سينا بحقّ الممثل الأول للفلسفة الإسلامية، وإذا كان الكندي والفارابي قد سبقاه إلى وضع دعائمها وتكوين عناصرها، فإنَّه هو الذي صوّرها تصويرًا اكتملت به شخصيتها واتَّضحت معالمها”[3]. وفي كتاباته عن المنطق، سواء في “الشفاء” أو النجاة” أو غيرها؛ فإنَّ ابن سينا لا يشرح أرسطو كما شرحه ابن رشد أو توماس الأكويني، وإنما ضمنه ما ارتضاه في استيعاب وشمول. وفي تعريفه البسيط للمنطق يقول: هو الآلة العاصمة للذهن عن الخطأ. ورغم تأثّره بمنطق أرسطو بشكل عام ولا فكاك منه[4]، وخوضه المعارك ضد الكلاميِّين والفقهاء لتمسّكه الصارم بالفكرة الأرسطية حول العلَّة والمعلول، لكنه في كتاباته المنطقية، رغم أرسطيته، ينقد المنطق الأرسطي، بل ويضيف إليه دون أي مبالغة. ويقول في كتابه “منطق المشرقيين” عن قراءته واستيعابه لمنطق أرسطو: “أكملنا ما أرادوه وقصرَّوا فيه ولم يَبلغوا إربهم منه، وأغضَينا عما تخبَّطوا فيه وجعلنا له وجهًا ومخرجًا”. وهو يسبق الفارابي وابن رشد بخطوة، يشرح ويضيف وهو بالفعل الشيخ الرئيس في هذا الباب.

ويجدر التنويه بأن الدكتور طه حسين قام بتأليف لجنة علمية لنشر آثار أبي العلاء المعري نشراً علمياً محققاً، تكونت من الأساتذة: مصطفى السقا، عبد الرحيم محمود، عبد السلام هارون، إبراهيم الإبياري، حامد عبد المجيد، وإشراف الدكتور طه حسين.

وأصدرت تلك اللجنة باكورة أعمالها العلمية بكتاب “تعريف القدماء بسيرة أبي العلاء”. قام أيضا الدكتور طه، وبصفته وزيرًا للمعارف ألَّف لجنة علمية لدراسة ونشر آثار ابن سينا نشراً علميا محققاً، وصدر قراره في منتصف سنة 1949، وتكوَّنت تلك اللجنة من الأساتذة:الدكتور إبراهيم مدكور، الأب جورج شحاتة قنواتي، الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة، محمود الخضيري، الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، على أن يشرف على توجيه العمل صاحب العزة الدكتور طه حسين بك.

وضُمَّ إلى اللجنة في قرار لاحق:الدكتور محمد يوسف موسى، والدكتور عبد الرحمن بدوي، وسعيد زايد – عضوًا مساعدًا، وأصدرت اللجنة باكورة أعمالها العلمية بكتاب “الشفاء”.

وأملى ابن سينا جانبًا من سيرته على تلميذه أبي عبيد الجوزجاني وهي موجودة كاملة في “عيون الأنباء في طبقات الأطباء” لابن أصيبعة، و”تاريخ حكماء الإسلام” للبيهقي، و” إخبار العلماء بأخبار الحكماء” للقفطي. وموجودة مختصرة في “وفيات الأعيان” لابن خلكان و”خزانة الأدب” للبغدادي. وسيرته[5]: تنقسم إلى أربعة أقسام: الأول ما أملاه على تلميذه مسجِّلا حياته وتبدأ بقوله “كان أبي رجلا من أهل بلخ”. والثاني ما أكمله تلميذه الجوزجاني منذ أن صحبه إلى وفاته. والقسم الثالث فيه ثبت بأسماء مؤلفات الشيخ الرئيس، وهي تبلغ مئة رسالة واثنتين مذكورة. والرابع بعض قصائد نظمها في الحكمة والزهد والنفس وغير ذلك.

عاش ابن سينا 57 عاماً وانتقل إلى جوار ربه في مثل هذا هذه الأيام من شهر يونيو 1037م (الموافق لعام 428 هـ). رحم الله شيخنا الرئيس ابن سينا الذي أخلص للعلم فكَشف له العلم قوانينه، وفُتح له المنغلق، وتيسر له المتعسر، ونفعنا بفضله وعقله وإخلاصه وعلوّ همّته.

[1] سليمان فياض: ابن سينا أبو الطب البشري، مركز الأهرام للترجمة والنشر، الطبعة الأولى 1987. ص 22

[2] محمد لطفي جمعة: تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، د.ت. ص 119

[3] إبراهيم مدكور: مقدمته لتحقيق كتاب “الشفاء” لابن سينا، وزارة المعارف العمومية، 1952. ص 23

[4] في الثامن عشر من برومير لويس بونابرت يشير ماركس إلى أن الرجال يصنعون تاريخهم بأنفسهم، لكنهم لا يصنعونه على هواهم.. إن تقاليد جميع الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على أدمغة الأحياء، وبذات المنطق لم يكن ثمة فكاك تام من منطق أرسطو!

[5] إبراهيم مدكور: مقدمة تحقيقه كتاب “نكت في أحوال الشيخ الرئيس ابن سينا” ليحيى بن أحمد الكاشي، منشورات المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، 1952. ص 4

https://wp.me/p8PrxV-2G5
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 08, 2023 23:20 Tags: ابن-سينا

June 23, 2022

ماكبث.. الضمير المثقل بالذنب

*ماهر عبد الرحمن/ كاتب وروائي مصري. صدرت له رواية “عضو عامل” 2007.
صدرت أخيراً نسخة سينمائية جديدة مقتبسة من مسرحية “ماكبث” لشكسبير، العمل الأكثر حظا في التناول السينمائي. عندما شاهدت “مأساة ماكبث”2021، من إخراج الأميركي جويل كوين، المعروض أخيرا على منصة “+ “Apple TV (وهو العمل الذي يجمع بين البناء المسرحي والتعبير والتجريد بأدوات السينما). أو فيلم “ماكبث” نسخة 2015 – من إخراج الأسترالي جاستين كارتزل (وهو عمل حافل بالاقتباسات واللغة الشكسبيرية العظيمة والمعبرة)، فكرت في مسألة الخطأ والخطيئة.. “والطريق وسالكي الطريق” مثل ما قال جبران خليل جبران في كتابه “النبي”.

المسرحية التي كتبها وليم شكسبير (وليست أفضل مآسيه) تتحدث عن شهوة السلطة والطمع في المُلك، الطمع الذي يعمي القلوب التي في الصدور، ويجعل ماكبث وزوجته يفكرون ويرتكبون الجرائم في سبيل تحقيق طموحهم وطمعهم، ونبوءة الساحرة الثالثة “سلام، يا ماكبث، يا من ستكون يومًا ملكًا”. لكنهم لا يفلتون، بما تبقى لديهم من ضمير، من عذاب الفكر المستمر والخزي والخذلان.

ومن قبل ماكبث، مبكرا كان يشغلني أوديب الذي فقأ عينه بيده، رغم عدم علمه وقت ارتكاب الجريمة؛ أوديب فقأ عينه بسبب بقايا ضميره. وكذلك انتحرت ليدي ماكبث لتضع حدا لمعاناتها، بعد كل الشر الذي وقع منها. أصاب المَلك المزيف، ماكبث، الجنون؛ فقط لأنه ارتدى ثوبا وتاجا مستعارا وهو لم يكن له. (كذلك لم يكن كلوديوس، سلَّاب تاج أخيه، في مسرحية “هاملت” سوى “ملك مستعار” هو الآخر؛ فهو ليس الملك الحقيقي، وهاملت كان يقصد أن يقول لأمه جيرترود: ولا هو سيدك الحقيقي).

ماذا قال جبران في كتابه النبي؟ إنه يقول لنا جميعا: “كما أن ورقة الشجرة لا تصفر إلا بعلم كامن من الشجرة كلها.. كذلك الآثم لا يأتي الخطيئة إلا بإرادة مستترة. إنكم السبيل وأنتم أيضاً سالكوه”. إن أفعالنا هي التي تشكل طريقنا وتشكلنا. إن التجربة، في هذه المسيرة، هي أحد أهم سبل التعلم. الإنسان يجرب حتى يتعلم، ويخطئ حتى يتعلم. ويكون للتجربة والخطأ معنى حين نتغير ونتعلم منهم ونراكم معرفة؛ لكن الإصرار على الخطأ أو التمادي فيه، وأحيانا الوصول لتدمير أنفسنا بهذا التمادي، فهو حماقة وطفولة وخطأ آخر، أو تطبيع مع الخطأ.. والسير في حالة التطبيع هذه سوف يأخذ من الروح ومن الضمير، وينكسر شيء كبير سوف يحتاج لإرادة حديدية وصبر ومعاناة حتى يمكن تجاوزوها. والخسارة، في هذه الحالة، تكون أكبر دائما في العودة بعد التطبع، نزعة الشر عند ماكبث دفعته للتفكير في القتل والغيلة مضى إلى النهاية في هذا الطريق، ماكبث هي نسخة من “محض الشر في الحياة”. الفرق بين ماكبث وريتشارد الثالث، أن شكسبير كان أكثر نضجا. ريتشارد كان مجرما واعيا، وانتهازي متعمد، لكن ماكبث يظل بطلا مأساوياً، مجرما يتألم، وجريمته قتلته أيضا. لكنه بلغ حدا قال هو نفسه عنه في المسرحية “لقد خطوت في الدم بعيداً، فحتى لو لم أخض المزيد لكان النكوص مرهقاً كما المضيّ”، وهنا يكون العقاب على الجريمة هو الخلاص.

لقد أصبحت أظن -مع العمر والفهم والتعلم- أن تحملك الكامل لمسئولية خطيئة إنسان آخر هو انتقاص من هذا الإنسان الآخر صاحب الإرادة الكاملة. إن فهم الأسباب لارتكاب الخطأ أو الخطيئة؛ تكون لتفسير الأمر لا لتبريره. وهذا لا ينفي أبدا مساعدة هذا المخطئ عندما يطلب هو المساعدة، فلا معنى للقبول بدون رجوع..

كان نجيب محفوظ يقول على لسان كامل رؤبة لاظ، بطل “السراب”، وهو يريد أن يتخلص من كل ألمه وذكرياته وأخطاءه هو وأمه، بالهروب لبداية جديدة! “لشد ما تعاودني تلك الرغبة القديمة في أن أهرب! أين منى بلد بعيد لم يطرق أبوابه طارق، من لي بأن أقطع كل صلة تربطني بماضي البغيض! آه لو يمكنني أن أولد من جديد في عالم جديد لا تطالعني فيه ذكرى من ذكريات هذا العالم.. أروم بعثا جديدا حقا، ويومذاك تصبح آلامي لا شيء، يطويها الفناء إلى الأبد، فيمكنني لقاء أحبائي بقلب صاف ونفس نقية طاهرة”.

اجري واهرب لو كان هذا هو السبيل لتحرير روحك، فكر في التخلص من التاريخ السيء في حياتك، الفشل، الخبرات السيئة، البقع في الثوب، الاختيارات الخاطئة، اليأس والضجر، الكتب التي لا تستحق ثمنها، الوقت الذي ضيعناه دون أثر.. فكرت وأنا أشاهد الفيلم إنه من الممكن أن يجمع الإنسان كل أخطاء الماضي ويضعها في جوال ويروح يلقي بها في النهر.

“بالنسبة للذين يريدون أن يضفوا على حياتهم أحلى وأكمل صورة ممكنة” –يقول فوكو- أنه يمكن للفرد، السيد على نفسه، أن يفهم ذاته ويعيد تشكيل نفسه ويصلحها ويغيرها، وهذه العملية ليست “إحساس بالذات” ولكن تكوين لها. إن الغنائم التي نكسبها من الشر والكذب هي في حقيقتها سلاسل تقيدنا ومع الوقت تخنق أرواحنا، ومع الوقت يصبح “النكوص مرهقا كما المضي”. لنحاول أن نحرر ونكتشف ونكون أنفسنا في أحلى وأكمل صورة ممكنة قبل مرور الوقت وإظلام الروح تماما.
https://altanweeri.net/8353/%d9%85%d8...
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 23, 2022 01:00 Tags: ماكبث

June 20, 2022

مقاربات

سيرة حياة فالتر بنيامين هي سيرة "حياة إنسان غير مكتمل"، وعدم الاكتمال يرجع إلى عدم اكتمال مشاريعه وطموحاته الفكرية الكبرى. حتى شهرته الواسعة قد جاءت بعد موته. بدأ فالتر لاهوتيا وأصبح فيما بعد مؤمنا بالمنهج المادي. بالطبع كان اطلاعه على كتاب لوكاتش "التاريخ والصراع الطبقي" رافدا مهما في تحوله الفكري هذا، وأيضا تعرفه على أعضاء معهد ومدرسة فرانكفورت في سنة 1923، وأيضا اتصاله ببريخت في 1924، إلا أن التحول الكبير في حياة هذا المتسكع الحالم كان في سنة 1924، حين التقى بآسيا لاسيس (Asja Lacis) -مخرجة وممثلة ومناضلة ماركسية- إنها "المرأة اللاتفية القادمة من مدينة ريجا (Rīga) والمؤمنة بالبلشفية"، تلك التي كان لظهورها أثر كبير في حياته. تلك الثورية التى التقت بالألمانى الذي كان ميتافزيقيا لاهوتيا قبل هذا التاريخ. وقد أحبها حبا كبيرا، كان حبا في صلب لحظة تحوله. وآسيا هي التي وسعت وعمقت أفكاره الماركسية، وبلورت -أيضا- أفكاره السياسية. التقيا فى جزيرة كابرى وأحبها وأهداها فى سنة 1928 كتاب "شارع ذوه اتجاه واحد" هذا الشارع اسمه شارع آسيا لاسيس على اسم من كانت المهندسة التى شقته داخل المؤلف..

بنت الشاطئ خرجت من أسرة وتربية ريفية محافظة ورغم ذلك فهي ومنذ الصغر كانت لا تترك فرصة للتحرر من تلك القيم إلا واقتنصتها. فبداية من إصرارها على أن تكمل تعليمها حتى وصلت إلى الجامعة عبر تحديات بينها وبين أبيها، وبينها وبين الفقر، والأهم، بينها وبين نفسها، ومثابرتها في باب تحصيل العلم.. إلا أن التحول الكبير، والتحرر الكبير، في حياة هذه الريفية المحافظة كان في سنة 1936، حين التقت أستاذها آمين الخولي الأستاذ والمجدد العظيم. وتقول عن هذا اللقاء "آمنت من اللحظة الأولى للقائنا، أنه اللقاء الذي تقرر فى ضمير الغيب منذ خلقنا الله من نفس واحدة، وخلق منها زوجها".. "منذ ذلك اللقاء الأول، ارتَبطتُ به نفسيًّا وعقليًّا، وكأني قَطعتُ العمر كله أبحث عنه في متاهة الدنيا وخِضَم المجهول، ثم بمجرد أن لقيته لم أشغَل بالي بظروف وعوائق، قد تَحول دون قربي منه، فما كان يعنيني قط سوى أني لَقيته، وما عدا ذلك، ليس بذي بال!". وكان لأمين الخولي أكبر الأثر في الفكر العربي وفي حياة تلاميذه ومنهم عائشة عبد الرحمن التي أهدته كتابها "الإعجاز البياني للقرآن" اعترافا منها بفضله وفضل منهجه "إلى أستاذي الإمام "أمين الخولي" في قلوبنا وضمائرنا وعقولنا".

كان بيت الشيخ وشارعه، 13 شارع أمين الخولي- بمصر الجديدة، سكن ومودة لها في حياته وبعد مماته، الشارع الذي سكن صاحبه في قلبها، قبل أن تسكن هي فيه.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 20, 2022 06:25 Tags: شوارع

June 19, 2022

تجديد ذكرى بتقدير فائق

لأبي العلاء أبيات عدها البعض إنكار للبعث وهي في قوله:
تُحطِّمنا الأيام حتى كأننا
زجاجٌ ولكن لا يُعاد له سبك
فكأن أجسامنا بعد تحللها لن تعود تلتئم مثلها مثل الزجاج. وفي محاضرة له بالجامعة المصرية قال الشيخ محمد المهدي إن هذه الأبيات ليست إنكارا للبعث بحال، "وإنما ذهب فيه مذهب التشبيه القديم الذي ذكره الشاعر في قوله:
إنَّ القلوب إذا تنافر ودها
مثل الزجاجة كسرها لا يُجبَر
يريد أبو العلاء أنَّ الزجاج إذ حُطِّم لم يلتئم، فأما الأجسام فإنها تلتئم بعد البلى".
ولكن طه حسين جادله في ذلك فطالبه الشيخ بدليل على أن أبا العلاء كان يعرف في زمنه إمكانية إعادة سبك الزجاج. وفي رسالة طه حسين للدكتوراة "تجديد ذكري أبي العلاء"، ذكر تلك المناقشة وأتى بالدليل الذي يثبت رأيه ويدحض به رأي الشيخ المهدي. فذكر من اللزوميات قول المعري:
إنَّ الزجاجة لما حُطِّمت سُبِكت
وكم تكسَّر من دُرٍّ فما سُبِكا
وزاد أن أبا العلاء لم ينف البعث في هذه الأبيات فقط بل نفاه في ستين موضع من اللزوميات.
في مايو 1914 تشكلت لجنة الحكم على رسالة طه حسين عن أبي العلاء، وتكونت من الشيخ الخضري والشيخ محمود فهمي والشيخ محمد المهدي، والأخير عارض إعطاء طه حسين الدكتوراة بدرجة فائق، لأنه عارضه في رأيه عن أبي العلاء، فأسرها المهدي في نفسه، ومُنحت درجة الدكتوراة في الآداب لطه حسين بتقدير جيد جدا.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 19, 2022 06:31 Tags: أبو-العلاء

September 8, 2018

نفع الحكمة وضررها!

يا ترى إيه ممكن يكون الوجه الآخر لقاعدة "عذر الجاهل بجهله"؟ بالتأكيد أنه لن يكون هناك عذر لعالم بعلمه بقى، بل العلم والمعرفة حجة على صاحبها. وفي مقدمة رسالة صغيرة للخطيب البغدادي، عنوانها "اقتضاء العلم العمل"، يعني -وهذا واضح- إننا بنتعلم عشان نعمل بعلمنا هذا، فاقتضاء العلم العمل به، وإلا أصبح العلم في رقبة صاحبه غُلاً. وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها، كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها وراعى واجبتها. يقول و"هل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب"، ويقصد أن من يكنز الكتب للاكتناز، مثله ككانز الذهب والفضة ولا ينفقها في سبيل الله فبشره بعذاب أليم. فالعلم والمعرفة والحكمة، تراد للعمل، وأما العمل بهذا العلم فيراد للنجا في المسلك الخطر.. ولهذا فالعلم والمعرفة والحكمة إذا ما وقرت في القلب والعقل ولم يصدقها العمل فقدت قيمتها الحقيقية. وابن خلدون في مقدمته يقول إن التحصيل والعمل أهم من تخمة الكتب وكنزها، ويحذر من أن كثرة جمع التصانيف قد يكون مشغلة عن التحصيل نفسه الذي هو المراد وهو "غاية السؤل والمأمول" وهذه عبارة استعيرها من الحلاج. وكذا الحكمة، فإن كثرة جمع الحكم دون العمل والتقدم بها عنها، يحولها إلى مجرد لغو فارغ وطق حنك، ويفقدها قيمتها. ومن الطرائف في هذا الباب أنقل هنا بعضا من مقدمة تحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي لكتاب "الحكمة البالغة" وهو الكتاب الذي جمعه مسكويه، ويحوي طائفة ممتازة من الحكم الشرقية الخالصة: الإيرانية، والهندية، والرومية الشرقية المنحولة، والعربية الإسلامية. وخلاصة ما أنقله من هذه المقدمة أن الحكمة والموعظة والمثل، قد تكون كلها مفيدة ونافعة وبالغة أي تامة. لكنها قد تكون، أيضا، مضرة لحاملها، وفي ذلك تفصيل..

"وهذا النوع من الأدب، أدب الأمثال والحكم والمواعظ، فيه من النفع بقدر ما فيه من الضرر. فهو إن أفاد في الحث على الفضيلة وفي استلهام الموعظة واتخاذ معايير للسلوك، فانه يضر من حيث هو قيد يشدّ النفس إلى صيغ مصنوعة وأفكار سابقة préjugées ومعان متعارفة، وهذه من شأنها أن تحجر السلوك في مجاري السنة التقليدية، مما يدعو إلى الانصراف عن التجديد والتوثب... فالنفوس المبتكرة لا ترتاد إلاّ المجهول، ولا تسير على مواطئ أقدام الأوائل، بل تفتح لنشاطها طرقاً لم تطأها من قبل أٌقدام القدماء: وهذا سر التقدم الحي للإنسانية. أما أولئك الذين يلتزمون "القواعد الذهبية"، ويتمسكون بعمود "السنة التقليدية" tradition ويستلهمون في سلوكهم ما يسمى باسم "حكمة الأمم" la sagesse des nations فلم يكونوا في الواقع غير مواطنين متوسطين "طيبين"، ولم يكونوا أبدا روادا بارزين. ولهذا نرى نموذج دون كيخوتة ينفر من الأمثال ويكره المواعظ ويدوس بقدميه حكمة الآباء؛ ومن المعلوم أن الحضارة إنما ينشئ قيمها الكبرى أمثال دون كيخوتة، وليس أولئك "المواطنين الطيبين"؛ ولهذا لا نحسبنا نعدو الحق كثيراً، إذا قرّرنا أن انتشار أدب الأمثال والحكم والمواعظ في الشرق كان من أسباب ضعفه وانحلاله، لأن الاكتفاء اللفظي كثيراً ما يقوم مقام الطاقة الفاعلة، وفي هذا التعويض يقع المرء فريسة وهم مخيف: وهم إمكان الاستغناء بالألفاظ عن الأفعال، وهو الوهم الذي يقتل كل حيوية، ويكون أذاناً بانحلال صاحبه. وفي حياة الشرق في العصر الحديث أبلغ دليل على ما نقول. ومن الأعراض الملازمة لهذا المركب النفسي الفاسد: النفاق، والتوكل، والخداع العاجز، والمشاحنة السلبية في الأحوال التي تقتضي النضال الصريح الشريف. ومن هنا كانت طائفة الوعاظ شر طائفة أخرجت للناس، لأن إحالة الوعظ إلى مهنة، تستتبع وراءها ذلك الاختلال النفسي الذي أشرنا إليه. إنما المهم في قراءة الحكم أو لدى سماعها أن يتمثلها القارئ أو السامع في نفسه، وأن يحياها في أفعاله، وأن ينفعل بها كل كيانه، وأن يحيلها إلى تجربة شخصية وكأنها مواعظ استخرجها لنفسه وبنفسه من نفسه، أو حكم قيلت في شأنه واستنبطت من حاله وأفعاله، كما كان الحلاج يفعل مع آيات القرآن. وإذن فليست الحكم صيغاً نهائية، وليست نواميس ثابتة للسلوك، بل هي بالأحرى بواعث الهام واستلهام، ودواعي توجيه والتزام، ولن تأتي أُكلها إلا إذا أضحت صوراً حية متطورة متجددة في نفس متمثلها".
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 08, 2018 12:31

August 20, 2018

تأمل في محبة المعنى والعلم

أحيانا كثيرة نقابل ناس أدعياء، وما أكثرهم، فيقول لك أحدهم مثلا أنا قرأت المتنبي أو محيي الدين بن عربي أو الإلياذة.. ولكنك تجد حين تعاملهم أن أنفسهم لم تتهذب وعقولهم تكاد لا تعمل. وكان الشيخ محمد عبده في تفسيره للقرآن يقول في هذا الشأن: "إن الكتب لا تفيد القلوب العُمي، فإن دُكَّان السيد "عمر الخشاب" مملوءة بالكتب من جميع العلوم، وهي لا تعلم شيئا منها! لا تفيد الكتب إلا إذا صادفت قلوبا متيقظة، عالمة بوجه الحاجة إليها، تسعى في نشرها". ويستوى في ذلك من لم يقرأ ويدعي أنه يقرأ، ومن يقرأ لكن مثله كمثل من "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة". والمفتاح نجده في بيت عابر كتبه صلاح عبد الصبور في "مأساة الحلاج" حين قال "لا تبغَ النظرَ... تَبَصَّرْ".. وهذا الانتقال من مجرد النظر إلى التبصر يحتاج إلى عمر ومجاهدة وجهد وأناة وصبر وتواضع وعدم رياء. فكثيرا ما تجد من يدعي حب العلم والمعرفة والثقافة، لكن العلم والمعرفة والثقافة لا تشهد له بذلك، تماما كما يقول الشاعر العربي القديم: "وَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلًا لِلَيْلَى وَلَيْلَى لَا تُقِرُّ لَهُمْ بذاكا". ولذلك فأنا دائما ما أذكر نفسي (رغم أن بضاعتي في هذا الباب مزجاة) بالحديث القدسي "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها". وكذا العلم، ولا أقصد المماثلة أبدا، لكن بغرض تقريب الصورة، تتقرب إليه بالاستزادة منه وبالإخلاص له.. حتى يحبك. ولا تتعجب مما أقوله لك فإنك إن قرأت "أسرار البلاغة" لعبد القاهر الجرجاني تجده يقول مثل هذا وهو يشرح ارتباط بيتين في قصيدة للبحتري: "وفكّر في حالك وحال المعنى معك، وأنت في البيت الأول لم تنته إلى الثاني ولم تتدبر نصرته إياه وتمثيله له فيما يملي على الإنسان عيناه ويؤدي إليه ناظراه، ثم قسهما على الحال وقد وقفت عليه وتأملت طرفيه، فإنك تعلم بعد ما بين حالتيك، وشدّة تفاوتهما في تمكّن المعنى لديك، وتحبّبه إليك، ونبله في نفسك؛ وتوفيره لأنسك، وتحكم لي بالصدق فيما قلت، وبالحق فيما ادّعيت". فتأمل حالك وأنت تقرأ البيتين في قصيدة البحتري ولا تربط بينهما، ولم يؤد عندك البيت الأول إلى البيت الثاني، وتأمل حالك حين يفتح الله عليك بالعلم وبنعمة الفهم، فينكشف لك المعنى الكامن، ونصرة البيت الثاني للبيت الأول.. وفي هذا الكشف تكمن لذة المعرفة والفهم، وهي ليست على قارعة الطريق لكل عابر، ولا نصل إليها إلا بعد قطع الطرق الطويلة والوعرة جدا جدا جدا جدا. ومن أمتع ما قاله الباقلاني في "إعجاز القرآن" وهي إشارة لذي الحس السليم، قوله "وجه الوقوف على شرف الكلام أن تتأمل.." والتأمل يحتاج إلى عقل يقظ وروح ونفس عالية ومخلصة. وحين تبلغ هذا الحد من "تمكن المعنى لديك" لا تكون فقط في مرتبة من يُحب المعنى والعلم، بل تصل إلى مرتبة "تحببه [هو] إليك"؛ فيكون هو سمعك وبصرك ويدك، وهو عقلك اليقظ وقلبك النابض..
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on August 20, 2018 08:22

July 21, 2018

طه حسين الكفيف صاحب البصيرة الثاقبة

في كتاب "هؤلاء علموني" يقول سلامة موسى عن الكتاب الذين تأثر بهم "أحببتهم، وأعظمتهم، ووجدت فيهم النور والتوجيه، ولكني حاولت الاستقلال، وهذا ما أنصبح به القارئ الذي يجب أن ينصت إلى قول أمير الأدب جيته؛ إذ يقول "كن رجلا ولا تتبع خطواتي"، فعلينا في كل حال أن ننشد الاستقلال". ولو أني ذكرت هؤلاء الذين تعلمت منهم وتأثرت بهم، فالقائمة قد تطول وأكثرها سوف يكون من نصيب كُتاب عرب ومسلمين من القرون الغابرة إلى اليوم وأقلهم غير ذلك (سلامة موسى ذكر 20 كاتب كلهم أجانب)، وده مش لسبب إلا فقط لفقري اللغوي في اللغات الأخري غير العربية. وعلى رأس الكُتاب الذين "أحببتهم، وأعظمتهم، ووجدت فيهم النور والتوجيه" يأتي الدكتور طه حسين. طه حسين الذي تجاوز بإرادته وصلابته وبصيرته المحنة العلائية، وآمن بالعقل لا كمجرد أداة للنقد، ولكن كأداة للنقد والإبداع والتبشير بالمستقبل.
كتاب "محاضرات في تاريخ الإصطلاحات الفلسفية العربية" للمستشرق لويس ماسينيون (وبالمناسبة أهميته الأكبر الآن هي تاريخية وتخليدا لذكراه، فالدرس الفلسفي نفسه ونحت المصطلحات باللغة العربية قد نضج وتجاوز محاضرات ماسينيون)، لكن لا بأس من هذه المطالعة الشيقة طبعا. وأُلقيت سلسلة المحاضرات هذه، وعددها 40 محاضرة فريدة من نوعها، في الجامعة المصرية، في العام الدراسي من 25 نوفمبر 1912 إلى 24 أبريل 1913، على طلبة منهم: طه حسين، ومنصور فهمي، وعلي العناني. والمحاضرات أقرب للأمالي (وهو ما يمليه الشيخ على طلبته) فقد كتبها أحد الطلاب ثم راجعها ماسينيون ونقح بعضها واختار لها هذا العنوان. وفيها التزام بمنهج حدده لطلابه منذ البداية ولم يخالفه حتى النهاية، فكان يذكر المصطلح العربي إن كان موجودا، ثم يتعقب تطور معانيه في مختلف المذاهب الفلسفية الإسلامية، ثم يرجع إلى أصله اليوناني ويفعل نفس المنهج.. ودائما مع الحرص على ذكر المقابل الفرنسي أو الإنجليزي أو الألماني أو اللاتيني. وكان يتولى ترجمة المصطلح إلى اللغة العربية إن كان مستحدثا.ورغم أن المهمة كانت شاقة لشرح الفلسفة لطلبة لا يعرفون إلا القليل عنها، لكنه لم يدخر أي جهد، ويتضح منها أنه (وكان وقتها لم يبلغ الثلاثين) لديه استيعاب دقيق وجاد للنظريات العلمية المختلفة. وأنه كما تقول المحققة "كان مثالا نادرا للأستاذ الذي يبذل كل الجهد من أجل تلاميذه، يرشد عقولهم للحقيقة، ويحرص على تعليمهم المنهج الذي يتيح لهم الوصول إليها بمفردهم بعد ذلك". وفي محاضرته الأولى يقول لتلاميذه "سأكون دليلكم حتى نصل إلى أول باب من أبواب الحقيقية، فأترككم تلجونه وأنا لا أدخل كما قال دانتي الشاعر الإيطالي من أنه يحمل المصباح ويتقدم أمامهم حتى باب الجنة مهتدين بنور مصباحه ثم يدخلون ولا يدخل". ولأن ماسينيون كان مبعوثا للتدريس من قِبل الحكومة الفرنسية فكان عليه في نهاية العام الدراسي أن يكتب لها تقرير عن ذلك، ونص التقرير كاملا يورده عبد الرشيد الصادق محمودي في كتابه عن "طه حسين من الأزهر إلى السوربون"، ومن اللافت للنظر في هذا التقرير أن ماسينيون يذكر فيه إعجابه بعقل ونباهة أحد الطلبة فيقول: "ومما سرني أني وجدت بين طلابنا عقلا من المرتبة الأولى، كفيفاً صاحب بصيرة ثاقبة، هو الشيخ طه حسين"، ثم يعود ويذكره مرة أخرى ويذكر نبوغه وهو يعلق على أداء الطلبة للإمتحان النهائي فكلهم حفظوا دروسهم عن ظهر قلب لكن ضعفهم ظهر في مبادئ العلوم الجديدة، لكنه يستدرك فيقول: "إلا أن طالباً بلا نظير هو الشيخ طه حسين قدم عن السؤال العاشر شرحاً بلغ فيه غاية الدقة في التعبير لمناقضات العقل المجرد وفقا لكانط". هذا هو طه حسين الذي مازالنا في حاجة لتجديد ذكراه بما يمثله من نور وعقل، وما دافع عنه من أجل قيم العدل والحرية والمساواة..
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 21, 2018 15:12

June 21, 2018

أطول أيام فصل الصيف

اليوم ذكرتني لمحة طريفة كتبها الصديق الجميل والعزيز ياسر علام، عن أن مسرحية شكسبير "حلم ليلة صيف" ربما تكون كُتبت لأطول أيام العام، وهو اليوم، 12 يونيو.. فماذا كتب شكسبير أيضا عن هذا اليوم الصيفي الطويل؟
كنت قد كتبت هنا مرة منذ فترة تأمل عابر لكتاب أوفيد "فن الهوى"، وهو أحد أشهر روائع كتب الأدب والغرام والذي يقدم فيه الشاعر خبرته كمجرب ومغامر كبير. وأوفيد كتب هذا الكتاب وكان قد بلغ الأربعين أو زاد عليها قليلا؛ وبالتالي سوف تكون نظرته للحب غيرها حين كان في العشرينات. فأصبح رجلا ذا خبرة واسعة في فنون الهوى تتفق ورجل في الأربعين اكتملت له رجولته، يحيا في بحبوحة، موزعا زهرة عمره بالقسطاس بين المتعة العاطفية والحسية. وقد اقتبس شكسبير من أوفيد ومما كتبه عن فينوس ربة العشق والحسن والشهوة، وأدونيس رمز الشباب والجمال، قصيدة طويلة على نفس المنوال، لكن بفكرة وإبداع وأسلوب وروح شكسبيرية بطبيعة الحال. ففي عام 1592 وكانت المسارح مغلقة بسبب انتشار مرض الطاعون، في الفترة من يوليو إلى ديسمبر، مما كان يعني أن شكسبير كان يقضي فترة أجازة إجبارية، ما جعله يفكر في أن يستغل هذا الوقت في كتابة أول وأطول قصيدة شعرية، والمكونة من 1200 بيت وصدرت (فينوس وأدونيس) في 1593، وفي 1594 أصدر قصيدة أخرى وهي (اغتصاب لوكريس). وقصيدة " فينوس وأدونيس " هي ملحمة كبرى من ملاحم الحب، وفيها الشكل الأسطوري الذي نجده عند أوفيد. وأيضا فيها الولع الشكسبيري الدائم باستخدام التوريات والطباق والمقابلة، والحرفة العالية في تصوير الشخصيات بأبعادها بكافة دواخلها وأعماقها النفسية، وأيضا التصورات الأخلاقية التي كان يؤمن بها. فينوس تسعى جاهدة إلى إغواء أدونيس.. هي رمز للشهوة والغواية، وهو رمز للعفة والطهر. هي تمثل الحب باعتباره رغبة تحتاج أن نطفئها، وهو يقول لها إنه لا يكره الحب، بل يكره أسلوبها وفهما للحب. تجن فينوس بحب أدونيس وتعترض طريقه، لكنه لا يهتم ولا يأبه بما تسميه الحب، وكان شغفه هو الصيد والعفة. في إحدى محاولات الإغراء منها يأتي الحديث عن أطول يوم في الصيف هذا، وعن علاج ذلك لديها.. (أنقلها ببعض التصرف من الترجمة التي قام بها عبد العزيز توفيق جاويد وصدرت في 1987)
يا أميرا للزهور، يا جميلا دونه كل قرين، حسنه يكسف كل الحور كسفا..
يا بياضا واحمرارا فاق وردا أو يماما،
يوم صنعتك الطبيعة فتخطت نفسها جهدا وكدا..
فتلطف أيها العجب العجاب! وترجل عن جوادك
هاهنا فاجلس سعيدا حيث لا ثعبان يسعى، ولا يفح ولا يطل،
تعال
اجلس بجانبي
و سوف أُعلمك أسرار العسل التي لا تحصى
تعال ودعني أكتم أنفاسك بقبلة من فمي
قبلة
تجعل أطول أيام فصل الصيف
تمر وكأنها اللحظة العابرة.
وللقصيدة وللقصة بقية ممتعة، فمع تطور الأحداث سوف يتغير مفهوم الحب العابر عند فينوس، إلى مفهوم للحب بمعناه الحقيقي والإنساني.. لكن..، لكن لنكتفي بهذا القدر فها هو أطول يوم في الصيف قد أوشك على الانتهاء بسلام
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 21, 2018 10:07

June 17, 2018

لست تدري ما الذي قد حلّ بي من مقلتيكْ..

هذا التوشيح الجميل هو بعض الأبيات من قصيدة كتبها الشيخ عز الدين حسن بن عبد الصمد بن محمد الحارثي العاملي. وهو فقيه وأديب وعالم ورع وزاهد. وهو من أعلام وأعيان الشيعة الإمامية في القرن العاشر الهجري. وقيل في إجازته للعلم أنه كان "ممّن انقطع بكلّيته إلى طلب المعالي، ووصل يقظة الأيّام بإحياء الليالي، حتّى أحرز السبق في مجاري ميدانه، وحصل بفضله السبق على سائر أترابه وأقرانه، وصرف برهة من زمانه في تحصيل هذا العلم، وحصل منه على أكمل نصيب وأوفر سهم". له العديد من القصائد في مدح النبي وآل البيت والغزل الصوفي، ومنها هذه الأبيات الصوفية الغزلية المختارة في توشيح يؤديه الشيخ طه الفشني "ما شممت الورد إلا زادني شوقا إليك" والكلام الأساسي بيقول (لأن الشيخ وبطانته في التسجيل ده بيزود أبيات من هنا وهناك وبيغير ويتصرف في ترتيب الأبيات نفسها):
ما شممتُ الورد إلاّ زادني شوقاً إليكْ
وإذا ما ماس (معناها اختال وتبختر) غصنٌ خلته يحنو إليكْ.
إن يكن جسمي تناءى فالحشى باقٍ لديكْ
لست تدري ما الذي قد حلّ بي من مقلتيكْ.
رُشق القلب بسهمٍ قوسه من حاجبيكْ
كل حسنٍ في البرايا فهو منسوب اليكْ.
إن ذاتي وصفاتي ياحبيي في يديكْ
إن رب العرش و الأملاك قد صلى عليكْ.
التوشيح لحنه الشيخ زكريا أحمد، واتقال قبل الشيخ طه مرة بصوت شيخ تاني قديم اسمه إبراهيم الفران، واتقال تاني بعد الشيخ طه بصوت وديع الصافي. لكن خلينا في صوت وأداء الشيخ طه الفشني هنا. بما إن مفيش آلات موسيقية جنبه فهو حر نوعا ما في الأداء، لأ مش هو حر بس ده هو اللي بيظبط صوت البطانة بتاعته في التسليم والتسلم منها، يعني هو اللي بيحدد هتقول عالي من الجواب إمتى وواطي من القرار إمتى.. صوت الشيخ طه الفشني بيساوي ديوانين كاملين يعني السلم الموسيقي كاملا مضروب في اتنين، ونفسه الطويل جدا كان بيخليه يقدر يقعد يغني في قصايد لمدة أربع ساعات متواصلة.. ومع ذلك بطانته من مطرح ما يسلمها بتستلم منه ولا تخذله أبدا، وكأن كل واحد منهم هو الشيخ طه الفشني نفسه من حيث القدرة، ناهيك عن التجانس والإنسيابية الرهيبة بينهم من غير ما "مايسترو" أو إيقاع إرشادي يقول هنبتدي منين وننتهي فين، يعني محدش بيعدلهم بلغة الموسيقيين. لكن كلهم، مع ذلك، مع بعض تماما وبسهولة ويسر. هو بيبتدي يقول لوحده في البداية "ما شممت الورد إلا زادني شوقا إليك"، بيقول أول مرة زي بطانته وزي لحن الأغنية بتاع الشيخ زكريا وبعدين يرجع يعيده ويقفله قفلة مختلفة شوية صغيرة، حرف موسيقي واحد كده مثلا.. يبقى أكيد عايز تعمل حاجة يا عم الشيخ من القفلة دي؟ ييجي في الآخر خالص ونفهم لما بينقل على موشح تاني خالص، وأتاري القفلة التانية اللي فوق دي كانت فاتحة لهنا عشان ينقل ويختم بيها وهو بيقول:
مَولاي كتبت رحمةَ الناسِ عليك فَضلًا وكَرَمًا
فَالمَرجِعُ والمآل والكُلّ إليك عُربٌ وعَجَم
مالي عَمَلٌ يَصلُحُ لِلعَرضِ عَليك بل صار عَدَم
فارحم ذُلّي ووقفَتي بين يَديك إن ذَلّ قَدَم.
متعة تامة وصفاء وسمو روحي خالص تحسه وإنت بتسمع ومتعايش بوجدانك في هذه الدقائق مع صوت الشيخ طه الفشني وبطانته، وكلمات قصيدة "ما شممت الورد إلا زادني شوقاً إليك".
https://www.youtube.com/watch?v=c6Sa8...
3 likes ·   •  5 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on June 17, 2018 07:07

February 10, 2018

التحدث بنعمة الله

في أقل من ساعتين قرأت مذكرات الدكتور حسين نصار اللي صدرت من كام يوم عن دار الكتب والوثائق القومية بعنوان "التحدث بنعمة الله". وهي على نفس نهج الإمام السيوطي الذي كتب سيرة حياته في كتاب بنفس العنوان "التحدث بنعمة الله" ولكتاب السيوطي طبعتان، واحدة غير كاملة عن دار اسمها حاجة العصرية سيبك منها.. والتانية كاملة عن دار آفاق (لكن دور على نفس الطبعة بتاعة آفاق دي بس اللي كانت صادرة عن سلسلة الذخائر بقصور الثقافة من فترة كبيرة لفرق السعر- وطبعا هي نفذت بس ممكن وينفع يلتقطها بعض السيارة من سور الأزبكية). نرجع لسيرة حياة الدكتور حسين نصار والتي يمكن أن أقول عنها إنها: طاخ طيخ طوخ.. عن الفساد في الجامعة وفي التعيين وفي لجان الترقية الملاكي وفساد الدراسات العليا وانتقال "عدوى عدم القراءة من المشرفين إلى المناقشين" كذا، هاجم الدكتور شوقي ضيف (يحنق عليه هنا وهناك حتى أنه يلمح إلى أنه قد يكون هو الذي قدم شكوى "من مجهول" إلى الأزهر بشأن رسالة الدكتور محمد أحمد خلف الله عن "القصص الفني في القرآن" والتي كان المشرف عليها هو الشيخ الأستاذ أمين الخولي الذي أُبعد من الجامعة إلى دار الكتب) وهاجم الدكتور حسين فوزي.. والشاعر محمود حسن إسماعيل (رئيس قسم الأحاديث والمحاضرات بالإذاعة)..، وحكى كذا عن الدكتور فلان. لكنه أشاد بالدكتور طه حسين والدكتورة سهير القلماوي والشاعر صالح جودت والأستاذة صفية المهندس (كان هناك إشاعة أنه وقع في غرامها ينفيها ويحكي سببها) والمذيع ثم المطرب سعد عبد الوهاب والمقرئ أبي العينين شعيشع.. والدكتور حسين مؤنس والدكتور مصطفى السقا، والدكتور عبد العزيز حموده (كان زميلا له في زيارة لألمانيا وذهبا سويا إلى شارع سمعا عن أنه تعرض به نساء عاريات في فترينات (بهمبورج) وما أن دخلا الشارع (وهما حديثي السن) إلا وأسرعا السير خوفا من أن يجبرهم أحد القوادين على الدخول، أسرعا بحيث أنهم لم "يحققا" أي عارية في هذا اليوم! :)
في أحد الفصول يحكي عن طرفة شديدة المرارة مع ذلك فيقول: "أنا لم أنخرط في أي حزب، وإن كانت بعض أحزاب الحكومة دونت اسمي فيها دون علمي، بل قد وصلت إلى رتبة (رئيس اللجنة الإعلامية للحزب الوطني في الجيزة)! أعلمني بذلك (حسين مهران) أمين الأكاديمية ذات يوم، وأن اجتماعا سيعقد اليوم تحت رئاستي في مقر الحزب الذي كان بجوار مديرية أمن الجيزة، وذهبت فعلا لأعرف حقيقة الأمر، فلم أجد اجتماعا ولا أحدا أعرف منه الحقيقة، وكان ذلك الاتصال الوحيد بيننا".
في المقدمة عاهد الدكتور نصار القارئ أن يكون صريحا كل الصراحة فيما يدونه وقد شاهده بعينه، صادقا ما استطاع من الصدق.. وقد كان كذلك بالفعل إلى حد كبير ولعل تلك المذكرات مما قد يثير الجدل على نحو ما..
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 10, 2018 16:15