بانوراما للمجتمع المصري بأكمله في تلك السنة الحاسمة من تاريخه: تتجول عدسة الكاتب الفاحصة من قصور الأسرة المالكة والباشوات إلى بيوت العمدة والفلاحين في عزبة عويس إلى أروقة جامعة فؤاد والجامعة الأمريكية، ودهاليز العمل السياسي العلني والسري، وتتوقف هذه العدسة لتقدم لنا لقطات مكبرة لأبطال تلك السنة وذلك العصر، ويسلط الروائي الضوء الكاشف على جوانب العظمة والخسة في شخصياته على السواء، بدقة لاترحم، ولكن دون أن ينزلق إلى السخرية أو الوعظ، وينفرد الكاتب بأسلوب خاص بين أبناء جيله من الروائيين، فهو يحكي بأسلوب يجمع بين براءة حديث الطفل ومكر الكاتب المجرب في تلقائية لا يبدو فيها تصنع أو افتعال. وبهذا الأسلوب ترسخ في ذهن القارئ حشد من الشخصيات التي يعيش القارئ تفاعل الأحداث فيما بينها دون لحظة من الملل، حتى ليبدو لنا في آخر صفحة من الرواية أن تلك الشخصيات لا تودعنا، بل تلوح لنا إلى لقاء قريب
حصل الاديب "جميل عطية ابراهيم" على شهادات دراسية متباينة ونتيجة لذلك عمل في مهن متعددة، فقد عمل قبل تخرجه من الجامعة كاتب حسابات في مصنع للنسيج في شبرا الخيمة ومدرساً للموسيقي للأطفال، وكذلك مدرساً للحساب والجبر والهندسة للمراحل الإعدادية في مصر والمغرب، وبعد تخرجه من الجامعة عمل كمفتش مالي وإداري في وزارة الشباب في سنوات الستينات، وبعد نجاحه في نشر بعض القصص انتقل إلى الثقافة الجماهيرية بفضل الأساتذة نجيب محفوظ وسعد الدين وهبة ويعقوب الشاروني، وظل في الثقافة الجماهيرية حتى سافر إلى سويسرا عام 1979 وعمل بالصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة العربية في جنيف حتى هذه اللحظات حيث يستعد للتقاعد والتفرغ للأدب، الاديب جميل عطية ابراهيم أحد مؤسسي مجلة جاليري 68 الادبية، ومن رواد حركة أدباء الستينيات، ركز من خلال اعماله على الدور الاجتماعي للادب، من مؤلفاته.. أصيلاً، النزول الى البحر، ثلاثية 1952، أوراق اسكندرية، الثورة، المسألة الهمجية، خزانة الكلام وغيرهم.. دار الحوار حول أيدولوجيات الستينيات، ومجلة جاليري... ورسالة الاديب، وعن افكاره التي وردت في رواية المسألة الهمجية وبطله المثقل بهموم وطنه، وأيضاً عن الحوار مع الآخر وأسباب انتشار التيار السلفي... ونظرته الى العالم اليوم
عندما تفرغ من قراءة ثلاثية (جميل عطية ابراهيم) سينتابك شعور بالرضى المختلط بالدهشة الشديدة ...الرضى لأنك استمتعت برواية مختلفة على مدار 900 صفحة باجزائها الثلاثة و الدهشة للاهمال الذى لاقته هذه الرواية الجميلة منذ صدورها قبل 20 سنة...حتى انها لم تعاد طباعتها منذ عام 1994 و لم تصدر الا فى روايات الهلال مرة واحدة...
التقييم التالى خاص بالثلاثة اجزاء معا فهم كل لا ينفصل
اولا الغلاف و هو حكاية وحده و عندما تتأمله سوف تدرك انك بصدد قراءة عمل ممتع غاية الامتاع ...بريشة الفنان المبدع حلمى التونى ...الجزء الأول 1952: على الغلاف فتاة شابة تحمل على كتفها ضابط برتبة اليوزباشى صغير الحجم يرتدى شورت (انها مصر وقت قيام ثورة العسكر 1952 )..تحتفى و تحمل الأمل
و على غلاف الجزء الثانى المعنون (أوراق 1954) سنجد الفتاة و قد ارتدت فستان الزفاف و اليوزباشى و قد استطالت قامته يحتضنها و يقدم لها وردة حمراء....هنا بداية الزواج الابدى بين العسكر و السلطة (مارس 1954)
و على غلاف الجزء الثالث و الاخير المعنون 1981 سنجد الفنان الماكر و قد جعل من الفتاة سيدة مترهلة تطل على المشهد من اعلى و تحتها اثنان من العسكر يحملان رتبة عالية و فى يد كل منهما سلاح يحاول قتل الثانى به ....لقد ترهلت مصر و تركها العسكر ليقتتلوا من يفوز بالتركة (عصر السادات)..و عصر ضياع الهوية
و اذا انتهينا من الغلاف و دخلنا الى متن الرواية ...فأنت أمام روائى موهوب يصنع عالمه الخاص (عزبة عويس باشا) ....حيث اللواء عويس باشا ياور الملك فاروق يمتلك كل شىء وتخضع له العزبة و لنزوات زوجته التركية الاميرة شويكار ...و حيث العمدة حمادة ابو جبل مجرد اداة طيعة يتنزل بها البطش على صغار الفلاحين ...و حيث الشاب (كرامة) تناله مئة جلدة من كرباج اللواء عويس لأنه تحدث الى الاميرة جويدان ...كلها مقدمات للحريق الكبير الذى سيندلع فى مصر كلها و ليس فى العزبة ليطيح بالملك و اللواء عويس ...و يبدأ العام المرحلى فى التاريخ المصرى 1954...و تشاهد صراع محمد نجيب و جمال عبد الناصر ...و سلاح الفرسان و سلاح المدفعية على من يفوز بالحكم ....و ترى بعينك الاخوان و هم يألبون الناس ضد عبد الناصر و عبد القادر عودة و هو يخطب ليدعو الجماهير للقضاء على الطاغية و استعادة محمد نجيب ..... و نرى فلاحى عزبة عويس و هم يأخذون ارض الاصلاح الزراعى ثم يبورونها و يبنوا عليها بيوتابالطوب الاحمر ....و نرى الصراع المرير بين اجنحة العسكر الذى بدأ فى عهد عبد الناصر و كيف استمال كل طرف مرة الشيوعيون و مرة الاخوان ....وصولا الى 1981 ...عندما تحولت مصر الى ارض مصابة بالطاعون يهجرها ابنائها
و فى المنفى فى سويسرا يجلس ابطال الرواية بعد ان فقدوا الوطن يتندرون و يتذكرون ايامهم التى سلبتها يد مجهولة ...و لم تبق لهم شىء الا الذكريات
رواية رائعة انصح بقرائتها و خصوصا الجزء الثانى 1954 و هو الاجمل ...و هى موجودة فى فروع دار الهلال بسعر زهيد للغاية...
رواية "1952" هي الأولى ضمن ثلاثية روائية لجميل عطية ابراهيم، أحد كتاب جيل الستينات. في هذا الجزء يحكي المؤلف الأحداث التي مرت بها مصر في أواخر 1951 وحتى قيام ثورة 1952: النظام شبه الإقطاعي السائد في الريف؛ الفقر والبؤس الذي يعيش فيه الفلاحين؛ المقاومة الشعبية للاحتلال الانجليزي؛ مجزرة كفر عبده وقسم شرطة الإسماعيلية وحريق القاهرة؛ الاضطراب السياسي منذ الحريق وحتى قيام الثورة والذي تبدلت فيه على مصر أربع وزارات؛ صراع القوى والتوازنات داخل القرية وكيف بدأ ذلك في التغير بسرعة مع بداية الثورة: كل ذلك يحكيه المؤلف بطريقة فنية ودرامية من خلال شخصيات حية من طبقات مختلفة - باشوات وأميرات وتجار وفلاحين ومعدمين ومثقفين وحتى بعض الأجانب - وكلهم يقطنون في "عزبة عويس" بالجيزة قريبا من القاهرة أو لهم علاقة ما بها. الفعل الدرامي نراه حيا أمامنا من خلال حوار وأفعال الشخصيات في أغلب الفصول، مع كثير من الذكريات والفلاشباك والحديث إلى النفس وما يشبه تيار الوعي، ولكن في بعض الفصول الأخرى كان هناك سرد مباشر ووصف للأحداث من الخارج على طريقة المؤلف العالم بكل شيء. وفي الرواية مزيج من الأحداث الفعلية والشخصيات الحقيقية من التاريخ مع شخصيات وأحداث متخيلة، ولكن المزج بينهما مكتوب ببراعة شديدة. ولم ينس المؤلف أن يضم عمله أحد المواقف المعروفة ليلة الثورة والتي كادت أن تؤدي إلى فشلها، وهو يحكي ذلك أيضا بطريقة درامية جميلة. أعتقد أن الأدب الجيد هو الذي يحتوي على شخصيات حية مميزة لا ينساها القاريء، وهذه الرواية ناجحة تماما من هذه الناحية. وأنتظر قراءة الجزئين الباقيين من الثلاثية: 1954 و1981
١٩٥٢، الرواية الموحية العنوان ، هى رابعة روايات جميل عطية ابراهيم التى تأتى بعد روايته "النزول الى البحر"التى أثارت جدلا واسع النطاق بين النقاد والقراء لتبرزموهبة الكاتب فى أروع صورها ، فهو يقدم لنا بانوراما للمجتمع المصرى بأكمله فى تلك السنة الحاسمة من تاريخه : تتجول عدسة الكاتب الفاحصة من قصور الأسرة المالكة والباشوات الى بيوت العمدة والفلاحين فى عزبة عويس الى أروقة جامعة فؤاد والجامعة الأمريكية، ودهاليز العمل السياسى العلنى والسرى. وتتوقف هذه العدسة لتقدم لنا لقطات مكبرة لأبطال تلك السنةوذلك العصر ، ويسلط الروائى الضوء الكاشف على جوانب العظمة والخسة فى شخصياته على السواء ، بدقة لاترحم، ولكن دون أن ينزلق الى السخرية أو الوعظ وينفرد الكاتب بأسلوب خاص بين ابناءجيله الروائيين، فهو يحكي بأسلوب يجمع بين براءة حديث الطفل ومكر الكاتب المجرب فى تلقائية لا يبدو فيها تصنع أو افتعال . وبهذا الأسلوب ترسخ فى ذهن القارىء حشد من الشخصيات التى يعيش القارىء تفاعل الأحداث فيما بينها دون لحظة من الملل حتى ليبدو لنا فى آخر صفحة من الرواية أن تلك الشخصيات لاتودعنا، بل تلوح لنا الى لقاء قريب.
بانوراما شيقة شديدة الذكاء والعذوبة ، لإحدى أغوار الريف المصري المترامي الأطراف من خلال عزبة عويس ، بما فيها من كولاج بشري يسهم في رسم تلك اللوحة الدالة للمجتمع المصري خلال تلك السنة السوداء من تاريخها الحديث المخزي ، سنة انقلاب الظباط الأحرار .. جداً !